سلطت ندوة: “حول” 60 عاما من الحريات العامة في المغرب”، نظمتها الكتابة الجهوية لحزب العدالة والتنمية بجهة الرباط، مساء الجمعة الماضية بسلا، الضوء على التطورات التي عاشها المغرب على المستوى الحقوقي. وهذا، ورصد المشاركون إشكاليات متابعة الصحافيين وأبرزهم توفيق بوعشرين، رابطين ذلك بالنضال من أجل الديمقراطية، كما انتقدوا استقلالية النيابة العامة. عبدالعلي حامي الدين، رئيس الكتابة الجهوية لحزب العدالة والتنمية، تحدث عن السياق الدولي الذي جاءت فيه قوانين الحريات العامة في المغرب، والذي اتسم بالحرب الباردة، حيث كان المغرب بمثابة الدولة العربية الفريدة في مجال قوانين الحريات، وهي القوانين التي “صدرت في عهد حكومة بلافريج، ثم تطورت مع حكومة اليوسفي”. واعتبر أن الحريات خضعت، دائما، لتراجعات لأنها مرتبطة بالديمقراطية وبالتوترات، ودور النخب والأحزاب وبحرية الصحافة والتعبير. واعتبر أن تنظيم هذه الندوة لمناسبة مرور 60 عاما على ظهير الحريات العامة يعد مناسبة للتساؤل اليوم، “أين وصل التراكم الذي حققه الشعب المغربي في مجال الحريات”؟ وما تقييم واقع الحريات في المغرب؟ وهل هناك تراجعات أم مبالغات، أم إن التوتر من طبيعة الانتقال الذي طال أمده؟ إسماعيل العلوي، الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية، اعتبر في مداخلة له أن صدور ظهير الحريات العامة في المغرب في نهاية الخمسينات كان “نشازا بين دول العالم الثالث”، إذ إن المغرب لم يساير التيار العام في الدول التي حصلت على استقلالها، والتي فضلت الحزب الوحيد. ورغم التراجعات، يقول العلوي، فإن هذا الأمر طبيعي لأنه دائما هناك صراع بين قوى تريد التقدم، وأخرى تريد أن تبقى دار لقمان على حالها. وأكد العلوي على أن المكتسبات “بقيت مشوبة دائما بالنقائص”، مذكرا بأن الزعيم علال الفاسي احتج في 1957، على التراجعات التي حصلت. وبخصوص ما يجري اليوم على الساحة الحقوقية، دعا إلى الوعي بما “كسبه شعبنا على مستوى الحقوق والحريات”، وما عرفه من تراجعات والنظر إلى المستقبل، معتبرا أن المكتسبات “رهينة بمدى قدرتنا على مجابهة التراجعات”، داعيا إلى التحلي بالحذر من أجل الديمقراطية والتقدم. وفي هذا السياق، توقف عند حدث ظهور حركة 20 فبراير سنة 2011، قائلا: “هذه الحركة كنت أطأطأ لها الرأس لأن بفضلها وصلنا إلى ما وصلنا إليه مع خطاب 9 مارس، وما تحقق من إخراج الدستور الجديد، الذي اعتبر “من الدساتير الأكثر تقدما في العالم”، داعيا إلى الوعي بمكتسبات هذا الدستور، وفِي الوقت نفسه، الحذر من عدم تفعليه وتطويره في الممارسة، وقدم مثالا عَلى ذلك بدستور الدانمارك الذي وصفه بالرجعي لأنه يعطي الملك والملكة كل السلطة التنفيذية، ويتقاسمان مع مجلس الشعب (1953)، السلطة التشريعية. لكن الشعب الدانماركي “أراد أن يغير هذه الأوضاع ولم يبال بنص الدستور، فحدث تغيير عملي دون تغيير في النص، فأصبحت الدانمارك أكثر تقدما في الديموقراطية”. وفِي المغرب رغم تقدم النص يقول العلوي: “نخشى العكس”. فرغم وجود دستور متقدم، إلا أن هناك خطرا في عدم تفعيله وتطويره، بحيث “سيُصبِح حبرا إلى ورق”. وتوقف العلوي كثيرا عند فصول الدستور التي تضمن الحريات العامة والفردية وحرية الصحافة. مسير الجلسة، سليمان الريسوني الصحافي، في “اخبار اليوم”، عقب على مداخلة العلوي بإثارة التحديات الحقوقية اليوم، فرغم أن قانون الصحافة خال من العقوبات السجنية إلا أن الصحافيين لازالوا يُحاكمون بالقانون الجنائي، مثيرا قضية شباب الفيسبوك، الذين اعتقلوا بسبب تدوينات. كما أشار إلى أن استقلال النيابة العامة مهم شكلا، لكن معظم الأصوات تثير إشكاليات حقوقية وتطرح علامات استفهام، مشيرا إلى متابعة الصحافي حميد المهدوي، فضلا عن مدونين مرتبطين بحراك الريف، ومتابعة الصحافي توفيق بوعشرين. من جهته، توقف امحمد الخليفة، القيادي السابق في حزب الاستقلال، عند حدث صدور ظهير الحريات العامة في المغرب، قبل أن يصدر أول دستور سنة 1962، معتبرا أنها ظهائر “ثورية”. وأعقب صدور ظهير الحريات سنة 1958 صدور المسطرة الجنائية سنة 1959. وهي لا تقل أهمية لأنها “الفيصل في مجال الحرية الفردية”. وذكر بنضالات الشعب المغربي منذ عهد الاستعمار من أجل الحرية، وخاصة حرية الصحافة. كما توقف عما تعرفه التطورات الأخيرة قائلا: “الصحافة يجب أن تكون صحافة حرة، لا أن يعاقب شخص ب”سيناريو مؤامرة”، ويتم “نسج ملف نلبسه لباس التهمة ونقدمه للقضاء”، في إشارة إلى ملف بوعشرين قائلا: “هذا لم يقع في تاريخ المغرب، ولكنه وقع اليوم”. وبخصوص استقلالية النيابة العامة، قال إنه لم يكن أبدا مع استقلاليتها، لأن “هناك فرقا بين استقلال القضاء واستقلال النيابة العامة، ولا يجب الخلط، معتبرا أنه “لا يوجد فصل سلط نهائي بين السلط، بل إن كل سلطة تحدها سلطة أخرى”، وكل استقلال نهائي لن يؤدي سوى إلى الخراب، مشددا على أن “السلطة والسيادة للشعب”، داعيا إلى إعادة التفكير في التوجه نحو نيابة عامة مستقلة “لا تحاسب”، والاستفادة من تجارب دول ناجحة مثل أمريكا، حيث المدعي العام هو وزير العدل، وقدم مثالا بحالة اعتقال بوعشرين قائلا: “كيف يمكن لوزير العدل أن يجيب عن أسئلة حول السياسة الجنائية المتعلقة باعتقال بوعشرين”، معتبرا أن السياسة الجنائية تضعها الحكومة وتحاسب عليها. ومن جهته، توقف عبدالصمد الإدريسي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عند التطور الذي عرفه المغرب على المستوى الحقوقي قائلا، إنه رغم صدور ظهائر الحريات العامة والتعددية، إلا أن السلطة كانت دائما تنزع نحو الحزب الوحيد والسلطة لمغلقة. وتحدث عن محاكمات الصحافة منذ عهد حكومة التناوب وحكومة عباس الفاسي، والآن محاكمات بالجملة للصحافيين والنشطاء في الحراك وتساءل: “هل هناك ردة حقوقية أم هناك تردد وصراع بين مراكز نفوذ”. وطرح عدة تساؤلات من قبيل كيف يتم إقرار السياسات الأمنية؟ ومن يتخذ القرار الأمني؟ هل السلطة التنفيذية الحكومية أم غيرها؟ كما تساءل عن استقلال السلطة القضائية، معتبرا أنه “لازالت أمامنا أشواط ليكون لنا قضاء مستقل”، وأن “القضاء لازال يخضع لمراكز النفوذ”. وبخصوص النيابة العامة، فقد اعتبرها الإدريسي أنها جهاز تابع لا يمكن أن يكون مستقلا، مشددا على “أن استقلال النيابة العامة هو أكبر عملية نصب تعرض لها المغاربة”، فقد كانت تابعة لوزير العدل، أما اليوم، فمن أين يتلقى رئيس النيابة العامة التعليمات؟ وهل يتخذ وحده القرار؟ في السابق كان وزير العدل يستشير رئيس الحكومة وديوانه أو الديوان الملكي. أما اليوم، من يستشير رئيس النيابة العامة؟ ومن نحاسب حين يقع خطأ؟ يقول الإدريسي إن رئيس النيابة العام رد بأن الوحيد الذي يحاسبه هو جلالة الملك الذي عينه. وبخصوص قضية بوعشرين تساءل “هل طبق القانون في إيقافه واعتقاله”، مشيرا إلى أنه منذ البداية “كان هناك اصرار على خرق القانون والتنكيل بالمسطرة الجنائية”.