في هذه المفاوضات السرية مع إسرائيل والتي تمت بالمغرب، كانت كل المؤشرات تفيد بأن دور الملك الراحل الحسن الثاني كان واضحا حين مهد الطريق سياسيا لتوقيع اتفاقية أوسلو، والمعروف رسميا باسم “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”، بين إسرائيل والفلسطينيين، حين قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، امتطاء الطائرة متوجها صوب المغرب، من أجل شكر الملك الراحل على مجهوداته في سبيل إقرار السلام بين الطرفين. ووفقا للمصادر ذاتها، فإن الحسن الثاني استقبل، مرات عديدة، مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، ومنهم الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، الذي التقاه العاهل الراحل أربع مرات على أرض المملكة، مرتين بطريقة سرية، ومرتين بشكل علني، وهي لقاءات مهدت لتقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع في الشرق الأوسط. بيريز سيصرح ساعتها بأن “الملك الحسن الثاني كان صديقا كبيرا لإسرائيل”، مثل والده الراحل الملك محمد الخامس، وبأنه “كان يُبدي تفهما عميقا وحرارة تاريخية للعالم اليهودي”، مشيرا إلى لعبه “دور الوسيط في نزع فتيل المواجهات الدامية بين الفلسطينيين والإسرائيليين”. جاء رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى المغرب بعد الاتفاق مسبقا على إطار المحادثات التي سيجريها مع الملك الحسن الثاني، الذي كان، إذ ذاك، يتحمل مسؤولية رئاسة مؤتمر القمة العربي (المنعقد في غشت 1985) وأمامه المخطط العربي الخاص بالقضية الفلسطينية، والذي اتفق حوله القادة العرب في قمة فاس الثانية 1982، والذي عرف بمخطط الأمير فهد. واعتقد الحسن الثاني، كما شرح ذلك بنفسه، أن له الصلاحية دون أن يكون مفوضا من أحد لمناقشة الموضوع مع بيريز، ولذلك اشترط مسبقا أن يكون اللقاء على قاعدة المشروعية العربية المتمثلة في مخطط فاس، وهذا المخطط في نظره “مخطط محبوك ومضبوط وقابل للتنفيذ. إذ لأول مرة أجمع كل العرب على خطة تمكننا من الشروع في تطبيقها في الشهور التي تلت ذلك المؤتمر”. وفي 22 يوليوز 1986، قدم الحسن الثاني شروحا إضافية حول اللقاء وأسبابه وأهدافه وظروفه في خطاب من مدينة إفران نفسها بثه التلفزيون المغربي، وخصص الملك حصة مهمة في الخطاب للوضع العربي وتطور القضية الفلسطينية وسياسة إسرائيل العدوانية، وأشار إلى أهمية اللجنة السباعية التي انبثقت عن القمة العربية بفاس والتحرك الذي قامت به برئاسته “لإقناع الدول العظمى بصلاحية مخطط فاس وبالإمكانيات التي يفتحها أمام التحليلات السياسية التي ترمي إلى إيجاد نهاية للمأساة العربية الإسرائيلية”. أكد الحسن الثاني، مرة أخرى، أن اللقاء لم يكن من أجل التفاوض، بل كان لقاء للاستطلاع، وهذا ما قاله في رسالة بعث بها إلى قادة الدول العربية يوم 28 يوليوز 1986، وشرح فيها “أنها محادثات استطلاعية محضة تم خلالها شرح مخطط فاس، واقتصر دورنا على ذلك، حيث بسطنا عناصره واحدا واحدا”. وظل ملك المغرب يردد بعد ذلك، كلما أتيحت له فرصة الحديث عن لقائه بشمعون بيريز، بأن اللقاء كان بريئا “إذ ليس عنده ما يعطي وليس عندي ما أعطيه”، وكان لا بد من وضع إسرائيل أمام مسؤولياتها. تأثر الحسن الثاني كثيرا للتعليقات والتصريحات والكتابات الصحفية التي صدرت في العالم العربي، وقد بلغ بعضها حد تشبيه لقاء إيفران بزيارة الرئيس أنور السادات لإسرائيل ولقائه بمناحيم بيغين، وبلغ هذا التأثر مداه وهو يقول في مؤتمر صحافي: “مرارة في القلب وفي الفم لما سمعته وقرأته”. وأمام هذا الوضع، لم ير بدا من التخلي عن رئاسة القمة العربية، وعمد إلى بعث رسالة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية يوم 26 يوليوز 1986، يشرح دوافع اتخاذه هذا القرار، وهو “تسهيل عقد أي مؤتمر قمة كان في أي مكان كان وبرئاسة أي كان”. لم يكن هذا القرار بالقرار السهل على الحسن الثاني، وهو الذي كان يبدي دائما اعتزازه بدوره في عقد القمم العربية والإسلامية فوق الأرض المغربية التي احتضنت أكبر عدد من هذه المؤتمرات، واتخذت فيها أهم القرارات التاريخية بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، ليس أقلها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.