أعلن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية «أونسا»، التابع لوزارة الفلاحة والصيد البحري، بداية شهر شتنبر الجاري، توقيع عقد للتزود بتكنولوجيا خاصة بمكافحة حشرة «السوسة الحمراء»، وهي حشرة تهدد بضياع كافة أشجار النخيل المثمر وغير المثمر في المملكة، غير أن غموضا يكتنف هوية الشركة التي فازت بالصفقة التي تبلغ قيمتها نحو 6 ملايين درهم، حيث تشير العديد من المعطيات إلى أنها مجرد واجهة لشركة إسرائيلية معروفة مختصة في القطاع الزراعي، كما أن فعالية الحلول التي تقدمها هذه الأخيرة أصبحت موضع شك بعدما فشلت في إقناع مدن إسبانية بجديتها. وتعتبر سوسة النخيل الحمراء «red palm weevil» من أكثر الحشرات فتكا بأشجار النخيل بمختلف أنواعها، حيث تعمل هذه الحشرة الآتية من بلدانها الأصلية في بلدان جنوب آسيا على مهاجمة النخيل، بإحداث ثقب في مناطق معينة من الأشجار، لتوفر بذلك مأوى تضع فيه المئات من بيضها الذي يتحول سريعا إلى يرقات تعمل في صمت على الفتك بالنخيل من الداخل في صمت دون إظهار أي أعراض مرض خارجية. ويحتاج تفقيص بيض سوسة النخيل في العادة إلى أقل من أسبوع من الزمن، كي تخرج اليرقات وهن بحجم يتراوح بين 2 و3 مليمترات، حيث تتوسع داخل جذع النخلة، لتحول نسيجه الخشبي إلى غذاء لها، ومع كثافة أعدادها و«شراهتها» الكبيرة في استعمال لب النخيل غذاء، تتسبب هذه اليرقات على مدى أشهر في تحويل الجذع إلى مجرد «أسطوانة» خشب مجوفة، ما يؤدي في النهاية إلى «موت» النخلة، فيما يكتمل نمو الحشرة لتخرج إلى العلن وتكمل دورة حياتها، بالبحث عن نخلة أخرى تكون هي الضحية الجديدة. وتكمن خطورة سوسة النخيل في صعوبة اكتشافها خلال المراحل الأولى من بداية نشاطها التخريبي، الأمر الذي يهدد بتدمير ملايين من أشجار النخيل في المملكة، وتهديد مورد الرزق الأساسي لعدد كبير من الأسر، خاصة في مناطق الواحات بجنوب وشرق المملكة، خصوصا أن هذه الحشرة تنتشر بشكل متسارع، بعدما اجتاحت مناطق واسعة في أماكن مختلفة من العالم، بينها الجنوب الإسباني. شبهات «تطبيعية» بالعودة إلى بلاغها الصادر في الأسابيع الأولى من الشهر الجاري، والذي جرى تعميمه على عدد من وسائل الإعلام الوطنية، تكشف أونسا أن الطرف الفائز بالصفقة هو شركة تدعى «Palmonitor» قُدمت على أنها شركة تنتمي إلى جمهورية الجبل الأسود في البلقان، والتي يمثلها شريك مغربي هو شركة «Demeures Et Jardins»، وهي شركة تقدم معدات البستنة، يمتلكها يهوديان، ومقرها في مدينة الدارالبيضاء، لكن شركة إسرائيلية تدعى Agrint كشفت في منشور لها أنها هي المعنية بالصفقة. فعلى حسابها في موقع linkedin، وقبل شهر من إعلان أونسا الصفقة، نجد أن Agrint قد نشرت خبرا تهنئ فيه مكتب أونسا ومدينة طنجة على قرارهم تركيب أجهزة الاستشعار الخاصة بهذه الشركة الإسرائيلية على أشجار النخيل في جميع أنحاء المدينة، دون أي إشارة على شركة Palmonitor. وفي سعينا إلى البحث عن هوية شركة «Palmonitor»، فوجئنا بعدم وجودها في أي من مراجع وقواعد بيانات للشركات المسجلة بدولة الجبل الأسود، كما لا تُظهر محركات البحث أي نشاط يذكر لهذه الشركة في الميدان الزراعي على الصعيد الدولي، فيما يقتصر وجودها على بوابة إلكترونية تعرض المنتج ولا تقدم أي تفاصيل عن هوية الشركة ولا مقرها. من جهة أخرى، ومن خلال البحث عن الحلول التي يقدمها موقع «Palmonitor» للأطراف المهتمة بمكافحة سوسة النخيل، يتبين أن الأمر يتعلق تقنية IoTree، وهي التقنية التي تعود ملكيتها لAgrint، كما أن تطبيق «بالمونيتور» للتحكم في نظام الاستشعار تعود ملكيته للشركة الإسرائيلية. شكوك حول فعالية نظام الاستشعار زيادة على الشبهات المتعلقة بهوية الشركة المتعاقد معها، يرى العديد من المختصين أن التقنية التي تقدمها «AGRINT» لم تثبت إلى حد الآن، وبشكل حاسم، فعاليتها في مكافحة سوسة النخيل، حيث إنها لم تسجل أي نجاح يذكر في المناطق التي تنشط بها، بل إنها تتمتع بسمعة سيئة في إسبانيا، وهذا ما يؤكده المهندس الزراعي الإسباني خوسيه خافيير، من منطقة أليكانتي، والذي تحدث إليه جريدة «أخبار اليوم». ويعتمد الحل الذي اقترحته AGRINT على تركيب نظام للاستشعار يتضمن مجسات تكشف وجود الحشرة المذكورة، وتقوم بإرسال إشارات إلى وحدة مركزية لتلقي وتحليل المعلومات، وهي الوحدة التي يجري التحكم فيها عبر تطبيق على الهواتف الذكية. ويؤكد الخبير الإسباني، الذي يجري تقييما لهذه التقنية لفائدة عدد من البلديات الإسبانية التي تسعى إلى البحث عن حلول لآفة «السوسة الحمراء»، أن نظام الاستشعار الذي قدمته AGRINT غير موثوق بالنظر إلى أنه يقدم نتائج غير دقيقة، وتشوبه مشاكل تتعلق بتقنيات البلوتوث التي يستعملها النظام لتجميع البيانات، بالإضافة إلى مشاكل في عمر البطاريات المستخدمة. ويخلص الخبير الإسباني، في التقييم الذي اطلعت جريدة «أخبار اليوم» على مضامينه، إلى أن النظام المقترح أقل فعالية من الفحص البصري الذي يقوم به المختصون لأشجار النخيل المحتمل أن تستهدفها «سوسة النخيل»، مضيفا أن هذا النظام باهظ الثمن مقارنة بأنظمة أخرى، ومحذرا من أن تركيب جهاز الاستشعار على النخيل يتسبب لوحده في إلحاق الضرر بها. يؤكد هذه المعطيات قرار بلدية «مالقة»، التي اضطرت إلى إطلاق مناقصة دولية جديدة، بحثا عن مقاولات أخرى في هذا المجال. رد «أونسا» وفي ردها على مراسلة «أخبار اليوم» بشأن هذا الموضوع، رفضت «أونسا» الحديث عن أي علاقة للصفقة بالشركة الإسرائيلية، أو التعليق على منشور الشركة. وأكدت أونسا أن الفائز بالمناقصة التي أطلقتها المديرية الجهوية للمكتب بجهة تطوان-الحسيمة هي شركة مغربية مقرها في الدارالبيضاء وتمتلك الحق في تسويق النظام الإلكتروني لPalmonitor Maghreb، مسجلة أن الشركة الأم لهذه الأخيرة توجد بدولة الجبل الأسود. وأضافت أن الصفقة جاءت على إثر طلب عروض وطني مفتوح، مسجلة أنها قامت بتجربة أولية لهذه الطريقة، وأنها أظهرت نتائج إيجابية، مشيرة إلى أنها ستعمل حاليا على وضع الأجهزة موضوع الصفقة على 3860 شجرة نخيل، وأن تعويض الشركة التي نالت الصفقة سيكون بناء على تحقيق الأهداف والنتائج المتضمنة في دفتر التحملات. وأكدت أونسا أن التقنية موضوع الصفقة أظهرت نتائج إيجابية بمجموعة من الدول التي استهدفت هذه الحشرة أشجار النخيل بها، منها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا وإسبانيا.