يشكل شراء نفط فنزويلي بدلا من النفط الروسي إحدى الفرضيات بعد الحظر الأمريكي على المحروقات الروسية بسبب غزو أوكرانيا، لكن معظم الخبراء يرون أن ذلك غير قابل للتحقيق على الأمد القصير بسبب تقادم الصناعة الفنزويلية. وأعلنت الولاياتالمتحدة التي كانت تستورد 700 ألف برميل في اليوم من النفط الروسي، هذا الأسبوع حظرا على الواردات الروسية من النفط والغاز في إطار الأزمة الأوكرانية، بهدف حرمان موسكو من العائدات. عام 2019، فرضت واشنطن تدابير مماثلة على فنزويلا التي كان شبه كامل إنتاجها يصدر إلى السوق الأمريكية، لمحاولة الإطاحة بسلطة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الحليف الوثيق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أعادت الحرب في أوكرانيا خلط الأوراق وباتت واشنطن تسعى لإيجاد بدائل من النفط الروسي، حتى لو كان ذلك يعني إعادة النظر في سياستها. وقد توجه وفد أمريكي رفيع إلى كراكاس ليناقش خصوصا أمن الولاياتالمتحدة "المرتبط بالطاقة"، وفق البيت الأبيض. وقد تكون هذه الزيارة تهدف إلى إبعاد كراكاس عن موسكو… رغم أن فنزويلا تملك احتياطات نفط من بين الأكبر في العالم، إلا أن الخبير النفطي رافاييل كويروز يرى أنها "ليست خيارا". ويقول لوكالة فرانس برس، "كي تصبح فنزويلا خيارا، يجب أن يكون لدى البلد القدرة على زيادة إنتاجه" مشيرا إلى أنه تم توجيه الإنتاج الحالي بعد الحظر الأمريكي، نحو الحلفاء السياسيين على غرار الصين وزبائن مثل الهند. عرفت البلاد سابقا باسم "فنزويلا السعودية" كما أنها كانت لوقت طويل دولة منتجة كبيرة ومزدهرة، إلا أنها لم تستخرج سوى 755 ألف برميل في اليوم في كانون الثاني/يناير، بحسب منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك". وتراجع الإنتاج منذ بضعة أشهر أيضا إلى 400 ألف برميل في اليوم، في أدنى مستوى له منذ الأربعينات. تنسب السلطات الإنتاج الضئيل إلى العقوبات، مؤكدة أن المستوى سيتحسن، لكن معظم الخبراء يتوافقون على أن تراجع الإنتاج حصل قبل فرض العقوبات وهو ناجم عن سنوات من الإدارة السيئة والفساد في شركة النفط الوطنية الفنزويلية العملاقة "بتروليوس دي فنزويلا". ووعد مادورو الأربعاء بأن "هذا العام، سننتج مليوني برميل في اليوم مهما حصل". لكن الخبير الاقتصادي المتخصص بشؤون النفط كارلوس ميندوزا بوتيلا يعتبر أن الأمر سيستغرق "أربع أو خمس سنوات" لتحقيق هذا الهدف. بعض مواقع استخراج النفط متداعية وحتى مهجورة، حسب ما شاهد صحافيو وكالة فرانس برس على بحيرة ماراكايبو (غرب)، ومع ذلك فهي مهد الصناعة النفطية في البلاد. يستند الإنتاج حاليا إلى شرق البلاد حيث الجهاز في حال سيئة وتقوضه تسريبات كثيرة. يتطلب تحديث البنى التحتية ملايين الدولارات من الاستثمارات الأجنبية. ويرى الخبراء أن هذه الأموال لن تؤمن إلا بإصلاح قانون المحروقات وضمان السلامة القانونية للشركات الخاصة التي تعرضت لمصادرة ملكية في الماضي، وكذلك من خلال رفع العقوبات الأمريكية للتمكن من التصدير. يعتبر الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي لويس فيسينتي ليون أنه من الممكن المضي قدما على الأقل نحو "المرونة"، إن لم يكن إلى الرفع الكامل للعقوبات. ويقول "سنشهد مفاوضات لمنح تراخيص لإنتاج النفط في إطار العقوبات". يوضح ليون أن مصلحة الولاياتالمتحدة هي أن تزيد فنزويلا إنتاجها وأن تساهم في استقرار أسعار النفط في السوق العالمية. ويؤدي ارتفاع سعر البرميل في الأيام الأخيرة إلى زيادة سعر الوقود في السوق الداخلية، وهذا ما تريد واشنطن تجنبه بأي ثمن. بحسب ليون فإن الولاياتالمتحدة ستنظر في استئناف فنزويلا صادراتها نحو دول خليج المكسيك التي لجأت إلى النفط الروسي بسبب العقوبات على كراكاس. ترغب واشنطن أيضا في أن تتخلى كراكاس عن مبيعاتها للصين، وخصوصا في السوق السوداء حيث تنشط بدعم من موسكو. يقول ليون إن فنزويلا "تريد أن تعوض على الأمد المتوسط، جزءا من الغياب الروسي عن السوق" مشيرا إلى أن مع العقوبات سيكون النفطان الروسي والفنزويلي متنافسين بما أنه سينبغي بيعهما في السوق نفسها خارج دائرة الدول الغربية. يعتبر ليون أيضا أن العرض الأمريكي هش . وقد انتقد جزء من السياسيين الأمريكيين ليس فقط الجمهوريين، إرسال وفد أمريكي إلى فنزويلا ما أدى إلى استئناف المفاوضات مع المعارضة وتحرير أمريكيين مسجونين (في فنزويلا). وقال السناتور الديموقراطي المؤثر بوب مينينديز إن "جهود إدارة بايدن لتوحيد العالم بأسره ضد طاغية قاتل في موسكو جديرة بالثناء، لكن يجب ألا تقوض من خلال دعم دكتاتور يخضع لتحقيق بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في كراكاس".