المغرب يخرج خاوي الوفاض من المسابقات الإفريقية.. أين الخلل؟    دوري أبطال أوروبا: بودابست تستضيف نهائي 2026    خمسة قتلى و50 جريحًا في انهيار منصة خلال تجمع انتخابي في المكسيك    طقس الخميس.. سحب منخفضة وتساقطات مطرية بهذه المناطق    حريق بسوق الخميس في مراكش يخلف خسائر مادية جسيمة    المنتدى العالمي للماء: المغرب مصمم على تعزيز قدرته على التكيف مع التغيرات المناخية    المغرب عازم على تحويل قطاع النقل لجعله أكثر مرونة واستدامة    قمع الطلبة الداعمين لغزة يتسبب في إقالة رئيس شرطة جامعة كاليفورنيا    المملكة المتحدة تتوجه لانتخابات عامة مبكرة في يوليو المقبل.. فماذا نعرف عنها؟    بلاغ مزور يثير الهلع حول مذكرات اعتقال بحق طلاب مغاربة في روسيا    أمام 33 دولة.. السكوري يستعرض السياسة الجديدة للمغرب في مجال الهجرة واللجوء    انقلاب سيارة إسعاف في منعرجات تيشكا يخلف إصابتين    زاكورة.. متابعة عون سلطة في ملف "تعنيف طفل قاصر"    كيف أحدثت الصحراء المغربية انقساما داخل الحكومة البريطانية؟    هل استقر حمدالله على وجهته المقبلة بعيدا عن السعودية؟    مستجدات انتقال المغربي عطية الله إلى الأهلي المصري    السعودية تخلي مكة المكرمة من الزوار    تنسيقيات التعليم تتمسك بتمكين الأساتذة الموقوفين من إلغاء عقوبات التأديب    طقس الخميس..تساقطات مطرية وبروز رعد وهبات رياح قوية بهذه المناطق    قضية الصحراء المغربية.. سويسرا تدعم حلا سياسيا "عادلا ودائما ومقبولا" من لدن الأطراف    الملك يبعث برقية إلى خادم الحرمين الشريفين إثر تعرضه لوعكة صحية    نادي أتالانتا يتوج بالدوري الأوروبي    المغرب وفرنسا يناقشان سرقة التراث    حكاية طبيب "الدراوش" بتطوان في الزمن الجميل (الحلقة الثالثة)    مكافحة غسل الأموال تلائم المعايير الدولية    "حماس" تعلق على الاعتراف الثلاثي بفلسطين    إصدار سندات للخزينة بمبلغ ملياري درهم    فؤاد الصحابي مدربا جديدا للكوكب المراكشي خلفا لعادل الراضي    الجواهري: بنوك المغرب حاضرة في 30 بلداً إفريقياً وتحقق 23% من نشاطها في القارة    في اليوم العالمي للشاي.. المغاربة يشربون 4 كؤوس يوميًا لكل فرد    بورصة الدار البيضاء تُسجل انخفاضًا طفيفًا في ختام تعاملات الأربعاء    مزور: الاقتصادات الغربية استغلت أسواقنا لبيع منتوجاتها وأغلقت الأبواب في وجه منتوجاتنا لحماية نفسها    المدير العام للإيسيسكو: المنظمة تسعى إلى النهوض بمعجم اللغة العربية    باريس سان جيرمان يمنح أشرف حكيمي الضوء الأخضر للمشاركة في أولمبياد باريس 2024    تجار بالحسيمة ينضمون إلى حملة مقاطعة بطاقات التعبئة    مطالب للحكومة بالإعلان عن أسماء المستفيدين من دعم استيراد الأضاحي    حموشي يوقع مذكرة تفاهم مع نظيره البرازيلي بشأن تعزيز التعاون الثنائي في المجال الأمني    منظمة الصحة العالمية: آخر مستشفيين في شمال غزة بالكاد يعملان    تشييع حاشد للرئيس الإيراني في تبريز ووصول الجثامين إلى طهران    الزليج المغربي.. تاريخ وتراث من الموحدين إلى اليوم    "بين مرافئ العمر" مجموعة قصصية جديدة للروائي والقاص المغربي أحمد العكيدي    "القرية المجاورة للجنة" أول فيلم صومالي بمهرجان كان السينمائي الدولي    الزمالك المصري يوجه الشكر لياسين البحيري على تصرفه تجاه "دونغا"    الذهب يتراجع وسط ترقب لمحضر اجتماع المركزي الأمريكي    رواية "كايروس" للألمانية جيني إربنبك تفوز بجائزة "بوكر" الدولية    فقرات فنية متنوعة بمهرجان القفطان المغربي الثالث بكندا    "بشوفك".. سعد لمجرد يستعد لطرح عمل مصري جديد    بملابس عملهم.. أطباء مغاربة يتضامنون مع نظرائهم بفلسطين    إسرائيل تستدعي سفيرَيها في إيرلندا والنروج    تقنيات الإنجاب لزيادة المواليد تثير جدلا سياسيا في فرنسا وأمريكا    دراسة: المبالغة في تناول الملح تزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة بنسبة 41%    انتشار متحور "بيرولا" يقلق سكان مليلية    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (13)    الأمثال العامية بتطوان... (604)    أكثر من 267 ألف حاج يصلون إلى السعودية    أكاديميون يخضعون دعاوى الطاعنين في السنة النبوية لميزان النقد العلمي    الأمثال العامية بتطوان... (603)    المغرب يضع رقما هاتفيا رهن إشارة الجالية بالصين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحافة والسياسة والإرهاب
نشر في اليوم 24 يوم 19 - 09 - 2013

ملف الزميل علي أنوزلا، المفتوح لدى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في المعاريف، يضعنا جميعا أمام اختبارات قاسية، ويسائل حسَّنا الأخلاقي والسياسي والقانوني والمهني.
وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، يقف في مقدمة الصف الذي ينتظر الاختبار. إن المداد الذي كتبت بحبره توصيات ميثاق إصلاح العدالة لم يجف بعد، لهذا، التأني مطلوب قبل توجيه الاتهام إلى الزميل الموضوع رهن الحراسة النظرية، ثم التفكير مليا قبل استعمال قانون الإرهاب الذي كانت للسيد مصطفى الرميد عشرات التحفظات عليه أيام كان في المعارضة صوتا حقوقيا مزعجا لمراكز السلطة والنفوذ، التي وضعت هذا القانون الاستثنائي في ظروف استثنائية. الإشادة بالإرهاب جملة فضفاضة جداً، وتتسع للكثير الكثير من التجاوزات. إذا اعتبرنا نشر رابط لفيديو القاعدة كان خطأ مهنيا من قبل هيئة تحرير موقع «لكم»، فإن الأمر لا يصل أبدا إلى درجة اتهام علي أنوزلا بالإشادة بالإرهاب أو ترويجه أو التواطؤ مع أصحابه. النص الذي كتب من قبل الموقع المذكور كتقديم للفيديو لا يترك مجالا للشك في أن صاحبه ترك مسافة معقولة بين عرض الشريط من باب الإخبار، وبين الإشادة به، أو الإعجاب بمضمونه. نص التقديم تحدث عن الطابع الدعائي للشريط، ونعت قتلى الإرهاب بالضحايا، ولم يعمد إلى نسخ الفيديو ووضعه في «سيرفور» الموقع، وكلها قرائن على غياب القصد الجرمي لدى المشتبه فيه، علاوة على أن الزميل أنوزلا، ومهما اختلفنا معه في نبرة نقد السلطة، وطريقة تناول بعض الموضوعات الحساسة، فإنه صحافي معروف بتوجهه الليبرالي البعيد عن التطرف الديني أو الانتماء الأصولي. لقد صبرت السلطات لسنوات على القلم الحاد لعلي أنوزلا، وهذا ما كان يحسب لها، ويراه كثيرون علامة قوة لا ضعف، ومؤشرا على اتساع مساحة حرية النشر والتعبير حتى نقاط تماسها البعيدة، والآن نتمنى ألا يكون صدر السلطة قد ضاق بالنقد الحاد، أو أن هناك نية لتصفية حسابات متأخرة على مشجب هذا الملف.
الرميد أمام اختبار أن يتصرف كقانوني لا كسياسي، كان دائماً منحازا إلى محاكمة الصحافيين بقانون النشر لا بالقانون الجنائي، بلْهَ قانون الإرهاب، وأنا مازلت أتذكر مرافعاته القيمة عن كاتب هذه السطور، إلى جانب عدد من أفضل المحامين في البلد، عندما كان يتابع في قضية الكاريكاتير بالقانون الجنائي عوض قانون الصحافة. سيقول قائل إن النيابة العامة سلطة اتهام وليست سلطة حكم، وإن القاضي هو من سيقرر في نوع القانون الواجب التطبيق في النازلة، وأرد سريعا بأن هذا كلام صحيح، لكن في سويسرا وليس في المغرب. قضاة الحكم عندنا لا يردون طلبا للنيابة العامة، خاصة في الملفات الحساسة مثل هذه، لهذا فإن النيابة العامة مطالبة بالتحري، واستعمال ميزان الذهب قبل أن تضع رجلها في هذا الملف. فالجميع يراقب في الداخل والخارج سلوك وزارة العدل ومن خلفها الحكومة والحكم.
قبيلة الصحافيين ثاني طرف يقف في صف الامتحان، هل سنرقى إلى مستوى إطلاق نقاش مهني وأخلاقي عميق، حول مدونة سلوك للنشر، تحدد بدقة أين تبتدئ الحرية وأين تقف حدود المسؤولية، أم إننا سنتوزع إلى فريقين؛ واحد يشنق أنوزلا، حتى قبل أن ينطق القضاء بكلمته، وفريق يدافع عنه بدون قيد أو شرط، من باب: انصر أخاك ظالما أو مظلوما.
في الصحافة لا توجد قائمة حصرية مثل تلك التي توجد على مدخل المطارات، بين المسموح بحمله إلى الطائرة وغير المسموح به. في الصحافة الأمور أعقد من هذا التبسيط، وهناك عدة اجتهادات في طريقة التعامل مع قضايا الإرهاب والعنف والحرب في الإعلام. هناك مدرسة الاحتياط التي تغلب المقاربة البيداغوجية في عملها، والتي تقول إن الصحافة، وهي تخبر بقضايا الإرهاب والعنف والحروب والنزاعات، عليها أن تنتبه إلى مخاطر الانزلاق إلى ترويج قيم العنف والكراهية حتى دون قصد، خصوصا لدى الصغار وضعيفي العقول. وهناك مدرسة متحررة ترى أن وظيفة الإخبار مقدمة على ما سواها، وأن الصحافي ينقل ما يجري ولا يخترعه، وأنه مرآة تعكس ما هو موجود في الواقع، وليس مدرسة للخوف على مشاعر الجمهور، وأن تربية الناس ليست وظيفة الصحافة الأولى، وأن العنف والكراهية، عندما ننقلهما كما هما بدون رتوش، فإننا ندينهما لأنهما قبيحان مستهجنان بالطبيعة والفطرة.
طبعا هناك عشرات الطرق لنقل أخبار الإرهاب دون الإشادة به، ودون ترويجه، لكن هذا نقاش مهني بين أهل الاختصاص، وليس فيه قول فصل، ومكانه هو المجلس الوطني للصحافة الذي لم يكتب له الظهور بعد، وليس مكاتب عبد الحق الخيام وقاعات المحكمة.
هناك طرف رسب في هذا الامتحان حتى قبل أن ينطلق. أنه الأحزاب الثلاثة (الاستقلال، الأحرار والحركة الشعبية) التي أصدرت بلاغات تدين علي أنوزلا قبل أن تنتهي الشرطة القضائية من الاستماع إليه، وهذا خرق فاضح لشروط المحاكمة العادلة، وسلوك ينم عن نزعة لتسييس ملف قضائي يمنع القانون الصحافة من الاقتراب منه، فما بالك بترامي الأحزاب عليه مكشرة عن أنيابها علها تظفر بقطعة لحم من صحافي يقف أعزل أمام القضاء.
شباط، الزعيم الاستقلالي الذي يرأس حزبا ليبراليا، يا حسرة، أخرج سكينه على طريقة «الفتوة» في حارات نجيب محفوظ، وبدأ يغرزه في ظهر صحافي إلى الآن هو بريء مما ينسب إليه، إلى أن تنطق المحكمة بحكمها.
العقل صار عملة نادرة في هذه المملكة السعيدة، والمؤسف أن الكثيرين زاهدون فيه لأن الغرائز لا تترك مكانا للحكمة. وقديما قال الشاعر:
لعمرك ما ضاقت بلادٌ بأهلها
ولكنَّ أخلاق الرجال تضيقُ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.