في صمت بعيدًا عن الضجيج.. المغرب يواصل إغاثة غزة    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    مصرع 18 شخصا بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية    مصرع خمسة أشخاص في حريق عبارة    مكتب نتنياهو يٌعلن إصابته بتسمم غذائي.. والصحافة العبرية تتهمه بافتعال المرض للتهرب من محاكمته    الإبادة مستمرة… مقتل 73 فلسطينيا ينتظرون المساعدات في غزة بنيران إسرائيلية    أمريكا تتسلم زعيم عصابة مخدرات    أولمبيك آسفي يتعاقد مع عماد عسكر    الديكتاتورية العائلية تفتك بحزب أخنوش في طنجة .. والانهيار بات وشيكاً!    طنجة.. توقيف 3 أشخاص وحجز كميات من الكوكايين والأقراص المخدرة    غزة: تنفيذ المرحلة الثالثة من حملات الإغاثة المغربية        إبراهيم دياز يغرس قيم النجاح في شباب مالقة            هذه خسائر حريق المركز التجاري بإمزرون والتجار يتضامنون بالإغلاق    تصدّع داخلي بجبهة البوليساريو بسبب أزمة موعد المؤتمر    مأساة على شاطئ سيدي قاسم.. غرق شرطي شاب يخلّف صدمة بين زملائه    معركة أنوال .. صفحة مشرقة في سجل الكفاح الوطني ضد الاستعمار    قرعة الدوري الاحترافي لموسم 2025 – 2026 .. مواجهة قوية مع صافرة البداية والديربي في الدورة الخامسة    بالصدى .. «الإدارة المغربية» وثقافة الإنصات    تظاهرة حاشدة في الرباط تندد بعدوان اسرائيل على غزة وتجويع أهلها(صور)    آسفي .. ليلة فنية تحتفي بأصالة العيطة وتجذرها في الهوية الوطنية    فيلدا يؤكد جاهزية المنتخب النسوي لنصف نهائي أمم إفريقيا    منتخب الشبان للجيدو يهيمن على بطولة إفريقيا    "حماية المستهلك" ترفض تلويح الصيادلة بالإضراب وتدعم الحكومة في خفض الأدوية    بعد ‬موقف ‬جاكوب ‬زوما ‬الداعم ‬لمغربية ‬الصحراء.. ‬الجزائر ‬ترسل ‬مبعوثيها ‬إلى ‬بريتوريا    العرائش ترفض طمس الشرفة الأطلسية    زلزالان قبالة أقصى الشرق الروسي    جمهور قياسي يختتم مهرجان تيفلت    احتجاجات بإسبانيا على معادلة رخص سائقي الشاحنات المغاربة    دراسة تكشف العلاقة بين سمات الشخصية والرياضة المناسبة    لماذا تختلف القدرة على تحمل الألم من شخص لآخر؟    المغرب خارج قائمة ال50 الأوائل في الإنترنت المحمول.. وسرعة الثابت أقل بأكثر من أربعة أضعاف من فيتنام    بنكيران يطالب وهبي بالاستقالة بعد تسريبات التهرب الضريبي    مهرجان العيطة بآسفي.. أربع ليالٍ من الوفاء للتراث وروح الإبداع    الحسيمة تحتفي بانطلاق مهرجان الشواطئ بأمسية للفنان رشيد قاسمي    بالفيديو.. الدورة الصيفية لموسم أصيلة 46.. فنٌّ ينمو على إيقاع المدينة        يهم الجالية.. إسبانيا ترفع من مدة سفر "العاطلين عن العمل" دون فقدان الدعم    تراجع مفرغات الصيد الساحلي بميناء الصويرة إلى 7052 طنا    المنتخب الوطني المحلي لكرة القدم يفوز وديا على بوركينا فاسو (2-1)    تجديدات تنظيمية لحزب الاستقلال بجماعتي بني جرفط وخميس الساحل تعزز الحضور الحزبي بإقليم العرائش    تحذير من تسونامي في روسيا عقب زلزال بلغت شدته 7.4 درجات    قدس جندول تتوج بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان المسرح الحر بعمان    الداخلة تفتح أبوابها لهوليود و"The Odyssey" يبدأ رحلته من قلب الصحراء    خالد المريني: رائد الهوكي على الجليد في المغرب    استنكار اتحاد الصحفيين الرياضيين المغاربة لما تعرض له الزميل حسن بوطبسيل    تشاؤم الأسر المغربية يتفاقم بشأن أسعار المواد الغذائية وقدرتها على الادخار    الملتقى الدولي لفناني القصبة بأليكانتي: الفن في خدمة التبادل الثقافي والتنمية الإنسانية    ترامب يغيّر وصفة "مشروب القمامة" وسط تحذيرات من مخاطر "كوكاكولا"    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كذلك كان … فكان يجب كذلك
نشر في اليوم 24 يوم 27 - 01 - 2017


عزيز ادمين – باحث وناشط حقوقي.
أصدر كل من السيدان امبارك بودرقة وأحمد شوقي بنيوب كتابا "بعنوان كذلك كان"، يتحدثان فيه عن تجربة هيئة الانصاف والمصالحة بالمغرب باعتبارهما كانا عضويين بها.
الكتاب والذي لا يمكن أن يصنف ضمن أي جنس أدبي أو علمي، بشهادة الكاتبين (صفحة 10)، ولكن يمكن التعاطي مع سيرتهما ككتاب-وثيقة نظرا لما يحمله من شهادات ووصف للأحداث والوقائع، ونقل معطيات ومعلومات حول المفاوضات التي عقبت تشكيل هيئة الانصاف والمصالحة وأيضا أثناء عملها.
كما يمكن اعتبارها وثيقة أساسية أيضا لما تضمنه الكتاب ك"وصية"من الراحل ادريس بنزكري بضرورة "وضع فريق متخصص يتولى إعداد مذكرات تفسيرية لمجمل التوصيات التي قدمتها الهيأة" (صفحة 396).
وباعتبار أن منجز هيئة الانصاف والمصالحة مشترك بين جميع المغاربة، فهو غير محصور على الضحايا وذويهم، بل يمتد أيضا للاجيال اللاحقة والتي لها في مطالب "ضمانات عدم تكرار ما جرى" سند ومشروعية الانخراط في تقييم التجربة والبحث عن أفضل السبل لإرساء قواعد دولة الحق والقانون حتى لا يعود "زوار الليل" يوما ما الى الوجود، ويبقى للشباب والباحثين والفاعليين التعاطي مع هذا الكتاب-الوثيقة كل من موقعه.
وعلى أساس ذلك نبدي تفاعلا، ولا نقول ملاحظات أو تقييم للكتاب، لانه كتب ونشر وأصبح ملكا للعموم، ولان صاحبيه لهما من المصداقية والنزاهة ما لا يسمح لاحد بخدش "الحقائق" الصادرة عنهم.
أولا: الزمن التحصيلي والزمن التأصيلي
أول ما يلفت انتباه القارئ هو انطلاقة الكتاب-الوثيقة من زمن 20 فبراير 2011، كزمن تحصيلي لمسار الاصلاحات بالمغرب، تم التعبير عنه بالقول: " ما جرى في المغرب من صميم السياق، بكل حمولاته ومكوناته التاريخية والسياسية والمجتمعية …. وهيأة الانصاف والمصالحة من هذا السياق".
لكن الزمن التأصيلي لتجربة العدالة الانتقالية بالمغرب ينطلق من9يوليوز2003 بفندق حسان، حيث كان التحضير للتوصية التي سوف تقدم في دورة المجلس الاستشاري لحقوق الانسان والمتعلقة بهيأة الحقيقة والانصاف، وهي توصية ثمرة تراكم كمي من نضال عائلات المختطفين ومجهولي المصير، وتجربة منتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، ولجنة التحكيم المستقلة، والمناظرة الاولى للانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان.
وبالعودة لفلسفة تجربة العدالة الانتقالية عبر العالم، فإن فتحها لجروح الماضي ليس غاية في حد ذاته ولكن الغاية هي وضع أسس وضمانات عدم تكرار ما جرى، وفي هذا السياق فإن كان الكتاب-الوثيقة وفي لشباب حركة 20 فبراير، وجعلهم نقطة انطلاق سرد الاحداث والوقائع، فالسؤال هل كان هؤلاء الشباب محميين بموجب القطع ما أساليب ماضي انتهاكات حقوق الانسان؟ ألم تكن محطة 13 مارس 2011 قمة الاستهتار بالقانون في فض التظاهرات؟ ألم يمت "كمال العماري" بسبب استعمال القوة المفرطة بشهادة المجلس الوطني لحقوق الانسان، ومازال المجرم منفلت من العقاب؟ ألم يتم متابعة عشرات الشباب من حركة 20 فبراير بشكل "انتقامي" و"انتقائي" بسبب أرائهم ومواقفهم وذلك تحت ذرائع قضايا الحق العام؟ أين الحكامة الامنية في تدبير فضيحة "دانيال كلفان" والتي صرح فيها أعلى مسؤول أمني وهو وزير الداخلية أنه لم يعطي أوامر بضرب المتظاهرين؟ …
ثانيا: حفاري القبور والحقيقة
تطرق الكتاب-الوثيقة الى الصعوبات الكبيرة التي كانت تعترض أعضاء هيئة الانصاف والمصالحة أثناء البحث عن "الحقيقة" وخاصة فيما يتعلق بالرفات والمقابر، جعل من أعضائها يسلكون منهجية أخرى وتتعلق بالاستماع أساسا إلى حفاري القبور، والذين كان مصدر مهم للمعلومة، حيث "إفادتهم حاسمة بالسبة للهيأة بمناسبة تكوين اقتناع حول فرضية وجود مقبرة." (صفحة 107)، كمثال على ذلك، دورهم في الكشف عن المقبرة الجماعية في داخل مقر ثكنة الوقاية المدنية بالدار البيضاء، على اثر أحداث 20 يونيو 1981.
وفي هذه الواقعة وغيرها من الوقائع، يلفت الانتباه كيف تمكن حفاري القبور من تذكر أشياء دقيقة سواء فيما يتعلق بمكان المقبرة في الجزء الثاني من الملعب داخل الثكنة؟ أو كيفية وصول الجثامين في دفعتين الاولى كانت مكفنة والثانية مختلفة؟ وكيف استطاع أن يتذكر وصول طائرة الهيلكوبتر في منتصف الليل وفيها وزير الداخلية آنذاك إدريس البصري؟ كيف استطاع هذا الرجل (أي حفار القبور) أن يتذكر كل هذه الاشياء بعد مرور أزيد 24 سنة، وهو بطبيعة عمله له تكوين علمي ودراسي بسيط؟ ، في مقابل لم يتذكر أو لم يدلي أي عامل أو موظف أو ضابط بالوقاية المدنية عن شيء، مما جعل الهيأة في البداية تبحث في الجانب الخطأ من "الملعب"؟
ثالثا: كشف مناطق الظل والاسماء
سمح الكتاب-الوثيقة بالإطلاع على مجموعة من مسؤولي الدولة الذين ساهموا في مسار تجربة هيئة الانصاف والمصالحة، وهي أسماء كان يتم التداول حولها في "الصالونات السياسية" وبين نخب معينة، دون معرفة الادوار الحقيقية التي أدوها.
الكاتب-الوثيقة أيضا سلط الضوء على مناطق في مستويات عدة عن كيف اتخاذ القرار العمومي، فتكفي مكالمة هاتفية أو لقاء هامشي أوجانبي من أجل اصدار قرار عمومي، لقاء بضابط متتبع للشأن الحقوقي ببلادنا سمح بانتظار "الطائرة" لوصول ابن أحد الضحايا، والاتصال بأحد أعيان مدينة العيون جعل من المأمورية الوصول الى الراشيدية ممكنة باستعمال طائرته الخاصة بعد أصبحت المهمة مستحيلة عمليا…
رابعا: الشتوكي والارادة العليا
تطرق الكتاب الوثيقة الى جلسة الاستماع التي تم مع ميلود التونزي والملقب بالشتوكي (صفحة 212)، والمتورط الاساسي في اختطاف واغتيال المهدي بنبركة.
الاجتماع الذي تمت بحضور ياسين المنصوري مدير الادارة العامة للدراسات والمستندات (لادجيد)، والذي قال: "بإذن صاحب الجلالة يتم تنظيم هذا اللقاء وعليه أن يدلي لأعضاء الهيئة بكل ما يعرفه حول قضية المهدي بنبركة".
ويقدم الكتاب-الوثيقة الانكار المستمر للشتوكي في علاقته بالملف، بل والكذب بشأن سفره للقاهرة وجنيف وباريس، وهنا يطرح تساؤول كيف استطاع هذا الشخص أن يكذب رغم إحراجه أكثر من مرة بالحجج والادلة على بهتانه وهو الذي سمع قبل ثلاث ساعات (مدة الاجتماع) أن الاجتماع يتم بإذن الارادة العليا لجلالة الملك؟.
على سبيل الختم:
تجربة هيأة الانصاف والمصالحة غنية بما تحمله في علاقة المجتمع مع الدولة، فإن كانت الكتابات والتحاليل دائما تصب من الاعلى الى الأسفل فهذه التجربة تقدم للباحثين والمهتمين مادة قوية في علاقة الدولة بالمجتمع من خلال مطالب صاعدة من الاسفل الى الاعلى.
فيقول فؤاد عالي الهمة "الله وحده يعلم من كان قادرا على رفع السيوف في وجه الارادة العليا للدولة التي أكدها جلالة الملك محمد السادس أكثر من مرة" (ص 252).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.