سلطان عمان يسأل الازدهار للمغرب    ماركو روبيو: سنواصل بناء حقبة جديدة من السلام بقيادة ترامب والملك محمد السادس        الوداد ينفصل عن اللاعبين مرموق وناسيك قبل انطلاق الموسم الجديد    حادثة سير مميتة تودي بحياة أربعيني بالجديدة    ما مدة صلاحية المستحضرات الخاصة بالتجميل؟    اسرة القضاء و المجلس العلمي بالجديدة يتقاسمان الاحتفال بعيد العرش مع عامل الاقليم    ريفولوت تطرق أبواب المغرب في خطوة توسعية نحو المنطقة    الولايات المتحدة تبرز ريادة جلالة الملك لفائدة السلام والازدهار، وتشيد بالشراكة الدائمة مع المملكة المغربية (وزارة الخارجية الأمريكية)    الملك محمد السادس يجدد دعوته لحوار صادق مع الجزائر: رؤية استراتيجية في مقابل انسداد سياسي جزائري        بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية بمناسبة الذكرى ال26 لتربّع جلالة الملك على العرش        وفاة الفنان المصري القدير لطفي لبيب عن عمر 78 عامًا    غابات المغرب بين رهانات الاستراتيجية وتحديات التنزيل    عيد العرش .. الطواف بالمشاعل يضيء كورنيش المضيق في عرض فني مبهر    كيف غير لقجع قواعد اللعبة في القارة السمراء ؟    الملك محمد السادس يستقبل إنفانتينو رئيس "الفيفا"    بريطانيا ترفض انتقادات بأن خطوة الاعتراف بدولة فلسطينية "تكافئ حماس"    فرنسا و14 دولة غربية تدعو دولا أخرى لإعلان عزمها الاعتراف بفلسطين    روسيا تعلن الطوارئ بعد زلزال بقوة 8.8 وتسونامي يضرب شمال جزر الكوريل    بوعياش تعتبر العفو عن 23 محكوما بالإعدام بمناسبة عيد العرش تحولا نوعيا    المؤتمر العربي العام يطلق نداءً لرفع الحصار عن مدينة السويداء السورية    وفاة الفنان المصري لطفي لبيب بعد صراع مع المرض    وفاة الفنان المصري لطفي لبيب    صادرات الطيران ترتفع ب8,8% في النصف الأول من 2025 وسط تباين أداء باقي القطاعات    أسعار النفط تتراجع مع تقييم الأسواق لمخاطر المعروض بعد إنذار ترامب لروسيا    المغرب يطلب رسميا من إسرائيل تسهيل إدخال مساعدات إنسانية لغزة    المغرب يعيد هندسة مطاراته: تعيينات عليا تواكب رهانات 2030 "    المثقفون والمنصات... بين زواج العقل وزواج المصلحة    عبد الكبير عبقار يعزز دفاع خيتافي بعقد يمتد إلى غاية 2028    كيوسك الأربعاء | إستراتيجية جلالة الملك تعيد رسم تموقع المغرب اقتصاديا ودبلوماسيا    مشاهير مغاربة يهنئون الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى ال26 لعيد العرش    الزهراوي يتساءل: لماذا أجل ملك البلاد خطاب النصر؟    زلزال قوي في أقصى شرق روسيا يتسبب في تسونامي وأوامر إجلاء باليابان وهاواي    15 دولة غربية تدعو البلدان الأخرى إلى إعلان عزمها الاعتراف بفلسطين    تقارير: قرعة المونديال في لاس فيغاس    أنفوغرافيك | ستلتحق ب 147 دولة.. أقوى دولة في أوروبا تستعد للاعتراف بفلسطين    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    "وداعا صاحب البهجة".. وفاة الفنان المصري لطفي لبيب عن عمر 77 عاما            منظمة إسرائيلية تنشر تقريرا بعنوان "إبادتنا" يتهم إسرائيل بإرتكات إبادة جماعية وتطهير عرقي في غزة    كندا.. مونتريال تستضيف مهرجان "أوريونتاليس" في غشت المقبل بمشاركة المغرب    إمام يسلم الروح ساجداً في صلاة العشاء داخل مسجد بمدينة الشماعية    معرض فوتوغرافي يفحص تغيير "الصحون" أذواق ورؤى وذهنيات المغاربة    ارتفاع المداخيل الجبائية ب 16,6 في المائة مع متم يونيو    والي بنك المغرب يرفع إلى الملك التقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية برسم سنة 2024    النصر السعودي يقدم جواو فيليكس    عضة كلب ضال تودي بحياة طفل نواحي الناظور    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    متى ينبغي إجراء الفحوص الدورية على العينين؟    استخدام الهاتف في سن مبكرة يهدد الصحة العقلية    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم        على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لحظات الضعف الإنساني والأسئلة المصيرية

تتجلى ماهويا، حقيقة الذات الإنسانية من خلال موقفين أساسيين يحددان طبيعة الكيان الإنساني صميميا: أقصد الشجاعة أو الجبن، يتدبر أمرهما معا سياق الموقف، بالتالي، فالإنسان قبل كل شيء وفي نهاية المطاف؛ يبقى موقفا. الموقف، يحدده نزوع شجاع أو ارتداد جبان.
سؤالان مصيريان يختزلان بين طياتهما؛ مختلف معاني الموت والحياة. يتجليان بحدة، لحظات الضعف الإنساني، حينما يشعر الفرد بفوبيا تهديد من المجهول، وبأنه أضاع بوصلة السيطرة؛ بخصوص استتباب أمور معركته مع الوجود، والأخير قد نزع من تحت أقدامه البساط فيما يتعلق ببعض أسباب الحياة وليس كلها، مادامت المواجهة مستمرة، لن تتوقف.
لم تكن قط الحياة، ولن تكون بالمطلق، مجالا للاستراحة والاستكانة أو الانقياد الآمن نحو مصير مطمئن تماما؛ بل الحياة في مبناها ومعناها ورطة تراجيدية، وهذا ما التفت إليه بعمق أصحاب الفلسفة الوجودية، على الأقل في جانبها المؤسساتي المذهبي، عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية مع ملايين الجثث الملقاة عبثا هنا وهناك، والخراب يعم العالم، وصرخات الآلام والعذابات الفظيعة تنبع من شتى جغرافيات بقاع الأرض؛ حيث الموت تكتسح بلا هوادة، في غياب تفسير مقنع لما يجري، وبدأ السؤال في التداول: لماذا حدث ما حدث، وبهذه البشاعة؟ولماذا يحوي جانب كبير في الإنسان جل هذه النزعة التدميرية؟.
طبعا، اختلفت نوعية الأجوبة؛ حسب المرجعيات السياسية والاقتصادية والدينية والطبية الإكلينيكية… متوخية البحث عن تفسير لما وقع، وسيقع دائما. إجابات تراوحت بين التأويل الأيديولوجي والمعرفي ثم القيمي؛ لكن في خضم ذلك، تستمر أطروحات الفلاسفة الوجوديين قائمة وباقي النزعات ذات الحس الصوفي-الثيولوجي، التي سعت بعمق يوجهه بحس إنساني رفيع جدا، سبر أغوار الخلل، التي يكشف عنها ظاهريا؛ تأصّل وديمومة مشاعر اللايقين والسأم والضجر والقلق الدائم، مهما اختلفت نوعية السياق الإنساني، حتى مع أوج اطمئنانه، لكنها تتسيد وتحتل المشهد كاملا، لحظات الضعف البشري، وإبان الأزمات الحياتية المنطوية على معالم الانهيار، التي تشعر النوع البشري بنهايته.
العبث، هو الكلمة السحرية التي صاغت كل مشاريع الوجوديين: ما معنى الحياة؟ مادامت هناك موت تتربص بنا كل لحظة وآن؛ فلا مناص من سطوتها؟ هذه الموت التي تنجز عملها بكيفية لانهائية، وقد تأتي خلال أي لحظة؛ بلا توقع أو استئذان على مختلف ما أنجزته الحياة. وإن تداخل المفهومان بكيفية دقيقة، بحيث استحال حتى اليوم، قياسا لشتى ممكنات المعركة، وضع معجم بعينه قادر على احتواء مفهومي الحياة والموت.
نقاش افترضه الوجوديون، مصاحبا لنا بنيويا؛ عبر كل مرافق الفضاء العمومي من المنازل إلى المقاهي والأسواق والتجمعات العمومية فالجامعات والمسارح ودور السينما… حتى نرتقي صوب مدارج وعي وجودي، ترسخت لبناته، بوسعه أن يمدنا بمناعة رصينة حيال ما تخفيه مآلات ممكنات الحياة.
ربما أغلب البشر عاجزون عن تأمل عمق مصيرهم من هذه الزاوية، سوى مع دقات وقع حلول الصدمات الميتافيزيقية الكبرى، بينما تكون الغلبة المعتادة للهواجس اليومية المألوفة، التي شكلت دائما بكل المقاييس هروبا لاواعيا، وتملصا حربائيا من المواجهة الوحيدة المجسدة حقا لعبء الوجود.
وحدها الذوات الاستثنائية، التي بلغت كنه وعيها الوجودي، تكابد بغير توقف، حرقة الأسئلة الملحة للحظة الضعف البشري، فيتمتع أصحابها برؤى تبشيرية تنبؤية؛ تتجاوز معطى الوجود بما هو موجود، فتبرز متونهم أو ممارساتهم أو مسارات حياتهم النوعية، جوابا مفارقا يستشرف الآفاق البعيدة التي لا يتحسس وقعها باقي البشر، إلا متأخر وغالبا بعد فوات الأوان.
اختبارات ومقاييس الضعف البشري حاضرة يوميا تصاحب خطواتنا، لكن مستويات إدراكها تختلف كما قلت، بحيث يتمثلها مبكرا هؤلاء المنصتون حقا للغة الوجود، فيكشف لهم دون غيرهم بمختلف رغباته.
لذلك فالحياة لعبة طارئة بامتياز، ولا يدرك معنى أن تكون حيا، سوى من امتلك حس التيقظ هذا، محاولا استيعاب رهاناتها الأصيلة؛ بتأمل أسئلتها الكبرى وتجنب الوقوع في شَرَك المبتذل اليومي، الذي يدخلنا في متاهة الدجاجة والبيضة، دون فهم صائب لحدود بداية المقدمة أو منتهى الخاتمة.
في حين يعتقد عامة الناس، أن الحياة محكومة بمنطق سببي؛ يمتثل من تلقاء نفسه لمواضعات معينة أو خاضعة لبنيات استدلالية تحترم متواليات تراتبية، هكذا ينساقون ويتيهون ولا تحدث الصدمة سوى مع الهزات الإنسانية الكبرى، التي تغير انقلابيا مجرى التاريخ العادي: أوبئة فتاكة، حروب دموية، أعاصير جارفة، زلازل مدمرة، براكين حارقة، أمراض قاتلة، اختلالات في الطبيعة غير طبيعية، مجاعات مروعة، جفاف يزرع الصحاري….
حينئذ يستعيد الفرد أنفاسه قليلا، ينتشل نفسه من الضجيج السائد، يجلس إلى ذاته، يتأمل مصيره، ينتقل بتفكيره مستعيدا إطار الأسئلة الأنطولوجية، التي تركها جانبا؛ ويعيد النظر في منظومة الأولويات التي شغلت اهتماماته سابقا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.