الرئيس الكوري يزور الولايات المتحدة لبحث قضايا الأمن والشراكة الاقتصادية    وفاة السيناتور الكولومبي أوريبي.. الأمم المتحدة تجدد دعوتها لإجراء تحقيق "معمق"    النقابة الوطنية للإعلام والصحافة تدين اغتيال صحافيي "الجزيرة" وتدعو لجبهة عربية لمواجهة السردية الصهيونية    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    ضبط وحجز 1.8 طن من الآيس كريم غير صالح للاستهلاك بموسم مولاي عبد الله أمغار    ترامب يمدد الهدنة التجارية مع الصين    مهرجان "راب أفريكا" يجمع بين المتعة والابتكار على ضفة أبي رقراق    حين يلتقي الحنين بالفن.. "سهرة الجالية" تجمع الوطن بأبنائه    كان يُدَّعى أنه يعاني من خلل عقلي.. فحوصات تؤكد سلامة الشخص الذي اعترض السيارات وألحق بها خسائر بطنجة ومتابعته في حالة اعتقال    مالي وبوركينا فاسو والنيجر توحد جيوشها ضد الإرهاب    بعد نشر الخبر.. التعرف على عائلة مسن صدمته دراجة نارية بطنجة والبحث جار عن السائق    سيرغي كيرينكو .. "تقنوقراطي هادئ وبارع" يحرك آلة السلطة الروسية    إسبانيا: إجلاء أزيد من ألف شخص بسبب حرائق الغابات    حكومة سانشيز تطعن في قرار بلدية خوميا بمنع صلاة العيد.. والقضاء الإداري يترقب            موجة حر خانقة تضرب المغرب غداً الثلاثاء    التمويل التشاركي لقطاع الإسكان يواصل نموه متجاوزا 27 مليار درهم مقابل 23 مليارا العام الماضي    بنك المغرب: أسعار الفائدة على القروض تسجل انخفاضات جديدة خلال الفصل الثاني من 2025    مطارات المغرب تجسد قيم الانتماء والوفاء لمغاربة العالم    المغرب يشارك في معرض بنما الدولي للكتاب    نادي الفتح الرباطي يتعاقد مع أمحيح    "لبؤات كرة المضرب" يتألقن بناميبيا    "الشان".. أوغندا تفوز على النيجر    تنظيمات مغربية تدين محاولة استهداف الحقيقة باغتيال الصحافيين في غزة    بورصة البيضاء تنتعش بنتائج إيجابية    الملك محمد السادس يهنئ رئيس تشاد    مبادرة مغربية تطالب العالم بتصنيف البوليساريو ضمن المنظمات الإرهابية    كرة القدم.. أتلتيكو مدريد الإسباني يتعاقد مع مهاجم نابولي الإيطالي جاكومو راسبادوري    "ويبنز" يتصدر تذاكر السينما بأمريكا الشمالية    دراسة: الأطعمة عالية المعالجة صديقة للسمنة    كرة القدم.. النصر السعودي يتوصل إلى اتفاق مع بايرن ميونيخ لضم الدولي الفرنسي كينغسلي كومان (إعلام)    كريستال بالاس يخسر استئناف قرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم باستبعاده من الدوري الأوروبي    هل يمكن أن نأمل في حدوث تغيير سياسي حقيقي بعد استحقاقات 2026؟    "مراسلون بلا حدود" تدين اغتيال 5 صحفيين فلسطينيين وتتهم إسرائيل باستهداف الصحفيين في غزة    توقيف "داعشي" كان يحضر لعمليات ارهابية    الدولة والطفولة والمستقبل    عمالة الحسيمة تحتفل باليوم الوطني للمهاجر    العاشر من غشت يوم الوفاء للجالية المغربية وهموم الإقامة في تونس        "البيجيدي" ينبه لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لفئة واسعة من المغاربة    الوصية .. في رثاء أنس الشريف ومحمد قريقع    الخطوط المغربية تعزز شبكة "رحلات بلا توقف" انطلاقا من مراكش نحو فرنسا وبلجيكا    أستراليا تؤكد أنها ستعترف بدولة فلسطين    الخطوط الملكية المغربية تطلق خدمة ويفي مجانية على متن طائرات "دريم لاينر"    أشرف حكيمي يتمسك بطموح الفوز بالكرة الذهبية رغم انزعاج باريس سان جيرمان    وفاة أسطورة كرة القدم اليابانية كاماموتو عن 81 عاما    عوامل تزيد التعب لدى المتعافين من السرطان    السفير المغربي بالصين: البعثات الطبية الصينية... رمز نصف قرن من الصداقة والتضامن بين المغرب والصين    من أجل استقبال أكثر من 25 مليون طن سنويًا.. توسعة جديدة لميناء الجرف الأصفر    دراسة: استعمال الشاشات لوقت طويل قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأطفال والمراهقين    دراسة: الفستق مفيد لصحة الأمعاء ومستويات السكر في الدم    دراسة تحذر.. البريغابالين قد يضاعف خطر فشل القلب لدى كبار السن    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يستطيع المسلمون أن يستلهموا معاني الحج ويتجاوزوا الغلو والتقاتل تحت رايات العصبيات..؟
بقلم: ذ. محمد السوسي

منذ أسابيع بدأت وفود الحجيج تتقاطر على الحرمين الشريفين: مكة والمدينة، من أجل أداء فريضة الحج والوقوف على قبر الرسول محمد عليه السلام، للسلام عليه امتثالا لما ورد عنه أنه قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد الحديث.
ولاشك أن المتتبعين لهذا الحدث المستمر والعظيم سيلاحظون حضور الوفود من كل نواحي العالم: شرقه وغربه شماله وجنوبه، وكل هؤلاء الناس الوافدين يرددون نفس الكلام ويلبسون نفس اللباس ويقفون جميعا في نفس الموقف خاشعين ضارعين مع اختلاف الديار وتباعدها، واختلاف الألسنة والألوان، والمستويات الاجتماعية وغير ذلك مما يتميز به الناس عادة، وقد يزدري بعضهم بعضا بسببه في غير هذا الموقف.
ففي هذا الموقف يتساوى القوي والضعيف والغني والفقير والحاكم والمحكوم، إنها الوحدة المظهرية والشعورية التي تحضر بين الناس في هذا الموقف المهيب، وفي تلك اللحظات التي تنهمر فيها الدموع وتبتل بها الخدود والوجوه دون أن يشعر أصحابها، لأنها اللحظة التي يرتقون فيها إلى ما فوق الأنانيات، وتسمو بها نفوسهم على كل ما عدا التدبر والتفكر في المآل والمصير، يوم يقوم الناس لرب العالمين في موقف آت لا ريب فيه، وهذا ولاشك يقين كل الواقفين بعرفات والطائفين والراكعين في المسجد الحرام وفي توجه خالص إلى الكعبة المشرفة والبيت العتيق، إنه موقف رائع ولحظة مؤثرة وموحية بأكثر من معنى وأكثر من دلالة، ولاسيما إذا اهتدى الإنسان واستحضر موقف مَن قبله في هذا المكان وبالأخص وقوف صاحب الرسالة في ذلك اليوم العظيم الذي أعلن فيه دستور الأمة الإسلامية، ودستور الإنسانية المثلى، ليعلن للناس ان الله قد أذهب عنهم نخوة الجاهلية وتفاخرها بالأنساب وأن الناس جميعا من آدم وآدم من تراب وتحدث فيها عن واجب احترام المرأة كاحترام الرجل سواء سواء بل أوصى بالنساء خيرا ولم يوص بالرجال ووجه فيها الخطاب للأمة الإسلامية منذ تلك اللحظة في تلك الوقفة للتعاون والتعايش ونبذ الاقتتال والشقاق، (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله).
ولاشك أن الأمة الإسلامية اليوم التي ولدت في هذه المرحلة تعاني ما تعانيه من لدن الخصوم والأعداء وحتى من المحسوبين عليها من الناس الذين تم استيلابهم للتطرف نحو اليمين أو اليسار، وبالأخص أنها أصبحت وقد ارتدى بعض أبنائها رداء العصبية والتقاتل تحت رايات مختلفة، هذه الرايات المرفوعة والتي تشبه فيما ينتج عنها من نتائج تلك الألوية التي حملها في ذلك الحين من لم يكن في صالحهم تجاوز العصبيات وتحكم الجاه المال والنفوذ لفائدة العدل والأخوة والإنصاف بين الناس.
إن الرسول قد أعلن في هذا الموقف أن الشيطان قد يئس من الناس المؤمنين ولكنه يقنع بما لا يلتفت إليه الناس من المواقف والعمل، وهكذا استطاع شياطين الإنس قبل شياطين الجن أن يوسوسوا في صدور المسلمين ما سمي قديما بتلبيس إبليس فزين لبعض الناس أن يقتلوا بعضهم بعضا وهم يرددون آيات وأحاديث ما كانت ولا نزلت ولا قيلت لتتخذ ذريعة لذبح الناس وسفك دمائهم بغير حق.
وأين نحن من قوله عليه السلام (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض) وقد ركب على غلو بعض الناس ما اشرنا إليه من شياطين الإنس ليزينوا لهم هذا تحت مسميات مختلفة وما ذاك إلا من أجل بسط النفوذ والنيل من الإسلام وأهله وأرضه وخيراته.
إن الحج هو موسم للسلام وهو حرام يأمن فيه الإنسان ويأمن فيه الحيوان وسمي حراما ءامنا، فهل نغتنمها فرصة لنعلن السلام والتعايش فيما بيننا وينصف بعضنا بعضا؟ انه أمل أنه رجاء بل هو دعاء.
وعندما نأمل ونرجو وندعو من أجل السلام والتعايش فيما بيننا فذلك لمصلحة الجميع إذ حينذاك نستطيع أن نتعايش مع الغير كما تعايشنا دائما.
وفي حديث الجمعة اليوم نواصل حديث الدعوة إلى التعايش الذي لا يناقضه أبدا تصحيح بعض المفاهيم ومناقشتها. وبالأخص عندما يظلم البعض الدعوة الإسلامية ويقارنها بغيرها من الغزو الاستعماري والامبريالي.
*************
التاريخ والذكرى
لاشك أن الكلام عن أحداث التاريخ ومجريات الأمور في أعوام مضت ليس إلا للذكرى والعبرة، ولكنه مع ذلك لا يمكن أن يتجاهل الإنسان وهو يسرد الوقائع وتحاليل هذه الوقائع، إلا أن يرمق بعينين مفتوحتين ما يجري أمامه وما يدور حوله من الأحداث، لقد شاءت الظروف والأقدار أن تكون الأرض التي تنعت اليوم (بالعالم الإسلامي) ميدانا شبه دائم للغزو والفتوحات، كما كانت بدورها ولا تزال تقوم برد الفعل وكشف مرامي وأهداف هذا الغزو، والذي يحمل عناوين متعددة وفق نوع الفاتحين أو الغزاة ولكن "الدين" بقطع النظر عن أي دين هو؟ كان موجودا في الصورة باستمرار.
جمل الناس
وكان الناس في كل الأحوال يواجِهون ويواجَهون بتعاليم دينية معينة وإذا نظرنا إلى التاريخ القديم وجدنا ذلك حيث إن الغزاة أو الفاتحين يسعون لحمل الناس على معتقد يرون فيه ما يعتبرونه طوق النجاة، فالناس حسب مداركهم وعقولهم في مرحلة هذا التحرك خارج الأرض المركز المنيع لهذه الديانة أو تلك، ولا يمكن أن تقع في المراحل التي مرت على الإنسانية دون أن تجد هذا وتلحظه، مهما كان موقعه ووقعه بين الناس، حيث يبرز في كل الأحوال وقد يصيبه الوهن أو الضعف في لحظة أو حين أو في فترة من الزمان.
المقارنات
وللخروج من هذا التعميم الذي هو في الواقع ما يردده ويكتبه المؤرخون منذ عرف الناس كتابة التاريخ والى الآن، ولكن مع ذلك لابد أن هناك فترات متميزة من خلال كل هذه الفتوحات أو الغزوات التي اقتحمت هذه البلاد أو تلك ومما لا جدال فيه أن الناس اليوم في هذا المخاض الذي تعرفه الإنسانية يقوم بالمقارنة بين غزو وغزو وبين فتح وفتح والناس مع كل ما يبدونه من ملاحظات وحتى انتقادات فهم متشبثون بالغزو والفتح وما يجري في دنيا الناس اكبر حجة ودليل لمن لا يريد أن يقتنع إذ ما عليه إلا أن يلاحظ ويتتبع ويقارن ليخلص بعد ذلك إلى حكم معين، وان كان هذا الحكم سينحو نحوا معينا، بل لابد أنه سيتخندق في خندق مجموعة معينة أو فكر معين، والمهم هو ما مدى صدقية هذه الجهة التي يولي الباحث وجهته إليها، هل هي جهة تقبل الإنصاف وترضى به ولو لحسابها أو على حسابها.
وفي هذا الإطار نجد الكثير من الناس لا يفترون عن الدعوة إلى نقد التجربة الإسلامية مثلا في الفتح أو حتى النصوص وأحرى التراث الفكري والتاريخي لدى الإسلام والمسلمين، جاهلين أو متجاهلين أن هذا النقد حصل وصحح في حينه.
التاريخ المفتوح
والواقع أن التاريخ الإسلامي تاريخ مفتوح، والإخباريون والرواة لم يخفوا شيئا مما بلغهم بقطع النظر عن مآل ما سيترتب عليه لدى من سيتلقاه، فهم أمناء في نقل ما يصلهم وهو خبر يتحدث عن واقعة أو فكرة بلغت هذا الإخباري أو هذا الراوي من يجمع كل ذلك على جهة التاريخ والحوليات التاريخية وهذا أمر لم يغب عن المؤرخين المتمرسين فيما بعد ذلك حيث تفرغوا للتمحيص والتدقيق بحسب منهج صارم ودقيق.
وهذا ما جعل أولئك الذين يبحثون عن ثغرة أو منفذ يستطيعون من خلاله أن يتصيدوا شبها يحولونها إلى تهم ومن تم إلى محاولة نسف البناء الحضاري الشامخ بكامله.
مقارنة خاطئة
إن هذه المحاولة تظهر بشكل واضح عندما يقارن البعض بين الفتح الإسلامي والغزو الاستعماري الحديث وحتى القديم متجاهلا ما كان عليه المسلمون الأولون من الفطرة في عملهم وما كان يستحوذ عليهم من روح الجهاد لإعلاء كلمة الحق وهي كلمة التوحيد، وليس فتح الأسواق أمام منتوجات ينتجونها أو من أجل إيجاد المواقع الإستراتيجية ومقاومة القوة الاستعمارية الأخرى وليس في نيتهم –أي المسلمين- أساسا أن يحتلوا بلدا أو يستوطنوه، ولكنهم آمنوا بأمر أساس هو تبليغ رسالة لأنهم يشعرون أنهم آثمون إذا لم يبلغوها. ورحم الله إقبال عندما قال: الغزو والاستيطان ليسا من مشروع الإسلام فالإسلام فتح وليس غير ذلك.
التجاوب
وهذا ما جعل الناس في البلاد المفتوحة تتجاوب معهم في حين لم يتم التجاوب مع غاز أو محتل من غيرهم، إن مقارنة الفتح الإسلامي بالغزوات الاستعمارية كانت رومانية أو بيزنطية في الشرق أو الغرب تخرج النتائج فيها دائما لصالح الفتح الإسلامي، لم يستمر رغم السيطرة لقرون ولم يتجاوب معها المواطنون الأصليون لهذه البلدان فكل هؤلاء لم يستمر تأثيرهم ولا وجودهم حتى عندما انتحلت الصفة المسيحية بشكل واضح ولذلك فلا مجال للمقارنة لأنها مقارنة مبنية على التعسف وقديما قيل لا قياس مع وجود الفارق.
غمط الحق
وهذا واقع يلمسه كل باحث ودارس إلا من يريد التجاهل و أن يغمط الناس حقهم ولكن الحقيقة مهما حاول خصومها أن يتجاوزوها فهي تملك الوسائل الضرورية للدفاع عن نفسها، وأول هذه الوسائل هي أنها حقيقة ومأخوذة من الحق الذي هو في الأصل اسم من أسماء الله، فهو الحق ولا يمكن للباطل أو التزييف أن ينال من ذلك، بل ان الحقيقة يخدمها حتى خصومها وإن لم يريدوا ذلك.
وحتى لا نتكلم في أشياء مجردة فلا بأس من إيراد التعريف الذي يضعه المختصون للاستعمار في العصر الحديث وهم يفصلونه فصلا نهائيا عما اعتاده الناس في التاريخ القديم يقول مؤلفا المعجم الدستوري الفرنسي في تعريف الاستعمار أنه: وضع أقاليم تحت التبعية القانونية أو الواقعية لدولة تديرها حسب كيفيات متنوعة ويزيد صاحبا المعجم قائلين:
ظاهرة الاستعمار
الظاهرة الاستعمارية العصرية تشكل أحد المظاهر الساطعة للتوسع الأوروبي من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين بشكل ما احتلالا وسيطرة اقتصادية وثقافية على الأرض أو الشعوب المستعمرة وهذا يميزها عن المستعمرات في العصور القديمة حيث كانت الحاضرة التي يؤسسها المهاجرون تكتسب استقلالا تاما.(ص:1093 وما بعدها).
ويصف صاحبا المعجم المستعمرات الأوروبية كما يلي:
أقيمت المستعمرات التي بنتها قوى أوروبا المختلفة المنفعة والاحتكار وقد خص بعد إنشائه بموجب معاهدة 1660 في انجلترا ونظام 11 يونيو 1670 في فرنسا العاصمة باحتكار العلاقات التجارية جميعا مع المستعمرات فكل تجارة مع الخارج ممنوعة عليها واحتكار "العَلم" (الراية) يحتفظ بالتجارة للبواخر الوطنية ويخطر على المستعمرات مزاحمة صناعة العاصمة.
وتُعرف الموسوعة السياسية الاستعمار بما يلي:
الامبريالية والاستعمار
ظاهرة سياسية اقتصادية وعسكرية متفرعة ومتصلة بظاهرة الاستعمار (الامبريالية)، وتتجسد في قدوم موجات متتالية من سكان البلدان الامبريالية إلى المستعمرات قبل الاحتلال العسكري أو بعده بقصد استيطانها والإقامة فيها بشكل دائم أو الهيمنة على الحياة الاقتصادية والثقافية واستغلال ثروات البلاد.
ويطلق على هؤلاء عادة اسم «المستعمرين». ومن هنا اشتقت كلمة استعمار. وترافق هذه الظاهرة حملات عسكرية عنيفة من أجل حماية هؤلاء المستوطنين وإرغام سكان البلاد الأصليين على القبول بهم. أما دور هؤلاء المستعمرين الأجانب في البلاد المستعمرة والمرتبطين بالدولة الامبريالية الأم فيكمن في تأمين استمرارية النهب الاستعماري لهذه البلاد وربطها نهائيا بعجلة الامبريالية العالمية. ويؤدي هذا النوع ن الاستعمار إما إلى طرد السكان الأصليين كما حدث في فلسطين وهذا نادر المثال، وإما إلى استئثار هذه الأقلية المستعمرة (المعمرين) بالحكم والامتيازات، كما في جنوب إفريقيا وروديسيا، وهناك بالإضافة إلى هذا الاستعمار الاستيطاني، الاستعمار التقليدي الذي يكتفي باستغلال البلاد وحكمها بواسطة جيوشه وعملائه. (ص:172 ج:1)
السلب والنهب
وكلا الاستعماريين هو في نهاية المطاف نهب وسلب منظم لثورات البلاد المستعمرة فضلا عن تحطيم كرامة شعوب هذه البلاد وتدمير تراثها الحضاري والثقافي وفرض الثقافة الغربية الاستعمارية على أنها الثقافة الوحيدة القادرة على نقل البلاد المتخلفة إلى حضارة العصر.
استغلال الدين
وهكذا ندرك من خلال هذا التشخيص الموجز حقيقة الظاهرة الاستعمارية التي تشكل في شكل امبريالي ومع ذلك فإن هذا الاستغلال الاقتصادي واحتكار خيرات الشعوب يختفي وراء شعارات دينية كما حصل في الحروب الصليبية وكما حصل فيما بعد ذلك.
والقوافل الاستعمارية في العصر الحديث توجه الجنود مصحوبين بالإنجيل ويرددون في نفس الآن الأناشيد المبجلة للمسيح والمسيحية مثل:
طر سعيدا واحمل معك الرسالة عبر البحار
طر سعيدا واحمل معك رسالة الصليب
وضع الأرض إلى الأرض وتطلع إلى السماء
واحمل الثراء لأسواق السنة الذهبية
نشيد الايطاليين في طرابلس
وقد وضع الإيطاليون في عام 1911 نشيدا للجند والمتطوعين يرددونه جاء فيه:
(أماه صلي ولا تبكي –بل اضحكي وتأملي- ألا تعلمين أن إيطاليا تدعوني وأنا ذاهب إلى طرابلس فرحا مسرورا لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة ولأحارب الديانة الإسلامية التي تميز البنات الأبكار للسلطان –سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن. ليس للمجد من لم يمت لإيطاليا حقا، تحمسي أيتها الوالدة... تذكري كاروني التي جادت بأولادها في سبيل وطنها... إن سألك أحد عن عدم حدادك علي فأجيبيه: «إنه مات في محاربة الإسلام». الطبل يقرع يا أماه، أنا ذاهب أيضا... ألا تسمعين هرج الحرب دعيني أعانقك وأذهب».
قانون الاستعمار
لقد كان قانون الاستعمار وجنوده ما كتبه أحد القادة الاستعماريين وهو:
«يجب علينا أن نسن قانونا يبيح لنا أن نحرق أو نسلخ جلود الثوار وهم أحياء لأن نار الانتقام التي تتأجج في صدورنا لا تخمد بالشنق وحده، ثم إن الأمم الشرقية اعتادت ألا تحسب للحكومات حسابا ولا تخاف جانبها إلا إذا كانت ذات سطوة قاهرة».
ومن هنا ندرك أنه لا مقارنة أصلا بين الفتح الإسلامي وما وفره للشعوب من التسامح والتعاون وما قامت به جنود الحركة الاستعمارية بما أسلفنا.
الإسلام تحت الهيمنة الاستعمارية في المغرب
ونواصل ما كتبه صاحبا كتاب: (المسيحيون واليهود في التاريخ الإسلامي العربي والتركي حول شمال إفريقيا..) يقولان في العنوان أعلاه:
«وإذ أنصت حزينا إلى كل هذه الأمور، أتساءل عما يمكن أن يكون عليه مستقبل بلد يسلم إلى مثل هؤلاء الرجال وإلام سيقود في نهاية الأمر هذا الشلال من العنف والمظالم، إن لم يكن إلى تمرد السكان الأصليين والى خراب الأوروبيين».
اليكسيس دو توكفيل، ملاحظات حول الجزائر، باريس 1841.
«يتمسك المرء بالحلم ويتساءل: وماذا لو كان فرنسيو الجزائر قد أرخوا آنذاك قبضة النظام، وسمحوا تدريجيا بتمثيل المسلمين وفكوا، في تواز مع ذلك، ارتباطهم بالمتروبول؟ عندئذ تبدأ اليوتويبا».
بيير نورا، فرنسيو الجزائر، باريس 1961.
بين الحملة الصليبية والاستعمارية
كانت إفريقيا الشمالية فرنسية على مدار مائة وثلاثين عاما، أما الفرنجة فقد أقاموا في الأرض المقدسة فترة أطول، ومن المؤكد أن فوارق واقعية تميز الحدثين.
أولا، فارق المسافة، فقبل استعارة البوصلة من الملاحين العرب، كانت القدس في أقصى العالم المعروف، على أبواب بلاد يأجوج ومأجوج، أما مدينة الجزائر فكانت أقرب إلى طولون من باريس، وسرعان ما سوف تؤدي الملاحة البخارية ثم التلغراف والطيران إلى اختزال غربي البحر المتوسط إلى مستوى بحيرة، وهكذا فإن المغرب الكولونيالي كان على ارتباط وثيق بالمتروبول في حين أن ممالك الشرق اللاتينية كانت مفطومة منذ مولدها، وعلاقات القوى الدولية هي أيضا تنقلب، ففي قلب العصر الوسيط الأوروبي، انطلق الصليبيون إلى اقتحام شرق كانت ما تزال تشع منه ثقافة رائعة، أما حملة الجزائر التي تهجم على الثغور الضعيفة للإمبراطورية العثمانية، فهي ترفع القوة الفرنسية، على الضد من ذلك، إلى ذروتها وفي الشام كان الفرنجة يتصورون أنهم سوف يجدون حليفا في الجماعة المسيحية العربية، لكن الفرنسيين، إذ يهبطون في المغرب، كانوا يعرفون أن المسيحية قد انطفأت فيه سبعمائة سنة.
الاستيطان
وعن الاستيطان الصليبي والاستعماري يقولان:
لكن الملحمة الدينية (الصليبية) والفتح الاستعماري (الفرنسي) يتميزان أيضا بوجوه شبه عميقة، إن كلا منهما سوف يبدأ بمغامرة عسكرية قبل أن يعتبر نفسه، فجأة مشروعا استيطانيا، وفي كلتا الحالتين، فإن نداءات الرحلة سوف تندفع من فرنسا لتمتد بسرعة إلى البلدان المجاورة، بما يوحد، في وجه الإسلام، نوعا من ائتلاف أوروبي-كاثوليكي، وقبل كل شيء فإن الديمغرافيا توحد بين هاتين الحكايتين. فالصليبيون والكولون (الفرنسيون) سوف يظلون دائما أقلية جد هزيلة، ثم إن حفيد المهاجر، في جيب عكا أو جيب باب الواد، سوف يظل، بعد عدة أجيال، أجنبيا يمكن التعرف عليه بسهولة تامة، فهو لا يعرف الذوبان بأكثر مما تسنى لأسلافه، وفي دول الشرق اللاتينية كما في المغرب، يحول رفض شامل ومتعدد الأشكال للثقافة العربية –الإسلامية لا سبيل إلى علاجه دون تأصل الجسم الأوروبي الغريب.
حلم إعادة المسيحية
وعن حلم عودة المسيحية إلى إفريقيا الشمالية المغرب الإسلامي يقول الكاتبان:
عندما هبطت قوات شارل العاشر إلى مدينة الجزائر، لم تكن أول قوات تقتحم إفريقيا الشمالية، ففي عام 1497، في معمعان إعادة الفتح (الاسباني)، كان الأسبان قد طاردوا بالفعل «الكفار» حتى أرضهم الأصلية وأقاموا في مملكة تلمسان محمية لن يجد الفرنسيون منها غير بقايا مجتمع انتقالي من «المرتدين» والمستعمربين (نصارى الأندلس)، فهل كان يمكن لذكرى هذا الاندفاع المسيحي في أرض الإسلام والذي دام ثلاثة قرون أن تختفي لو أن كريستوفر كولومبوس لم يكتشف، بالصدفة قبل ذلك بخمس سنوات، شعوبا أكثر كفرا بكثير؟ لا مراء في أن كل طاقات الغزو الاسباني كانت سوف تنصب من الشاطئ الآخر لمضيق جبل طارق.
وأكيد أن الاستعمار الفرنسي قد دام فترة أقل، لكن تغلغله كان أعمق، فبينما اكتفت اسبانيا بالساحل، اخترقت فرنسا مجاهل الصحراء، وبثت لغة في شعب بأكمله، وانقضت على تونس (1881) ثم على المغرب الأقصى (1912)، وهذا المشروع الفريد في التاريخ الاستعماري الفرنسي، يعبئ أكثر من مليون إنسان وموارد مادية ضخمة، ولم يحدث من قبل قط أن حشدت أوروبا المسيحية مثل هذه القوى لكي توطد أقدامها في عالم البحر المتوسط الإسلامي.
حلم و واقعية
وعن هذا الحلم واصطدامه بالواقع يقول المؤلفان:
«وسرعان ما تؤدي الواقعية إلى هجر حلم إعادة المسيحية، ويطول أمد الاحتلال وتملي الظروف التحول إلى إنشاء مستعمرة استيطانية، والواقع أن الاستعمار الذي كان في البداية عسكريا وفرنسيا وموجها إلى الجزائر، سوف يصبح مدنيا وأوروبيا وسوف يمتد بعد ذلك إلى البلدان المجاورة، ويصبح من الشواغل الثابتة للإدارة توطيد المكونات المتباينة للمجتمع الاستيطاني، الذي يظل دائما مجتمع أقلية واضحة بالرغم من حيويته الديموغرافية وشيئا فشيئا تصوغ القوانين التي تصدرها الإدارة والتدابير التي تتخذها مجتمعا أصيلا، لكن هذا المجتمع، وهو كتلة مصمتة في مواجهة المجتمع المسلم، يسمح لنفسه بالانجرار إلى دوامة الانفصال القاتلة.
الاشتراكية في خدمة الاستيطان
وفي مقابلة بين الاستيطان في فلسطين والاستيطان الاستعماري الفرنسي في الجزائر يقول المؤلفان:
ومما يدعو إلى الدهشة ان تشابك الأنشطة الزراعية والعسكرية وصبغة الأفكار الاشتراكية وأفكار فورييه خاصة بعد ثورة 1848، سوف تستبق تنظيم الكيبوتزات التي سوف يجري غرسها في فلسطين بعد ذلك بقرن، والحال أن المساهمة المدنية لم تكن مجرد مساعدة إضافية، بل عدة أساسية في وجه عدو قادر، بلا حدود على تجنيد مقاتلين من بين صفوف جماعته السكانية، بل قادر على اللجوء، باسم التضامن الإسلامي إلى الطاقات البشرية والعسكرية الأكثر ضخامة أيضا في المغرب الأقصى، الذي كان آنذاك مستقلا، وعلى غرار الكيبوتزات، فإن هذه القصبات المحصنة سوف تؤسس أسطورة بالنسبة للذاكرة الجماعية للمستوطنين بأكثر من أن تؤسس ركائز اقتصاد كولونيال جزائري.
الإسلام دين وحيد بعد ألف وثلاثمائة سنة
وبعد قمع استمر مائة وثلاثين سنة في الجزائر وخمسة وسبعين عاما في تونس وأربع وأربعين عاما في المغرب بقي الإسلام وحده في موطنه ومكانه بين السكان الذين رحبوا ويرحبون بكل من أراد أن يشاركهم في بناء الأوطان التي نهبها الاستعمار والاستيطان طيلة عقود و مهد لذلك بحروب صليبية متواصلة منذ ما يزيد على أربعة قرون أبرزها على مستوى المغرب الأقصى معركة وادي المخازن ومعارك باربروس في الجزائر وتونس ضد نفس المجموعات والدول ذلك هو التاريخ وهذا هو الواقع استعمار استيطاني مبني على الاستغلال ونهب الخيرات والتمييز العنصري والعرقي، وما يعرفه الناس من الدموية والقتل وإحراق المدن والقرى وغير ذلك مما هو مذكور ومسجل في التاريخ.
الخلاصة: الاستمرارية
ومع ذلك فإن العالم الإسلامي ومن ضمنه شعوب المغرب الإسلامي فإنها منذ اعتنقت الإسلام وتفاعلت مع دعاته وهو ما لم تفعله مع ديانة أخرى بقي الأصل والجذور هي العقيدة الإسلامية السمحة النابذة للغلو وما ينيع الغلو من العصبية المقيتة كانت عرقية أو مذهبية وحتى دينية فالإسلام الحق هو المبني على قوله تعالى: «لكم دينكم ولي دين- فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، ومحاولة النيل من هذه الوحدة باستغلال بساطة وضعفهم وحاجتهم لإيجاد أقلية دينية فمصيرها مع وعي الناس وإدراكهم للحقيقة هو مصير كل المحاولات السابقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.