عيد الأضحى: مناسبة للقفز على المعنى الطبع غلاب؛ هكذا قالت العرب؛ فقد كنت أود كتابة تهنئة العيد في سطرين ردا على عدد من الأحبة و الأصدقاء و المعارف و تهانيهم الكريمة؛ بيد أن السطرين تناسلا إلى سطور .... المفروض في عيد الأضحى استحضار التضحية و البذل من أجل العقيدة و الفكرة و المبدأ كما فعل خليل الرحمان بالتضحية بابنه و قرة عينه إسماعيل على الأب و الابن الصلاة و السلام ! و منها استحضار التضحية في نسختها المحمدية؛ و كيف ضحى صلى الله عليه و سلم بكل شيء و على رأسها مكة و ما فيها و هي أحب البقاع و مسقط الرأس و حرم الله الآمن و بيته الكريم و كعبته المكرمة...و معه المهاجرين الذين ضحوا بأعز ما يملكون: المال و الولد و الأهل و التجارة و العشيرة؛..و الأنصار الذي وجدوا أنفسهم يقاسمون قوم غرباء المال و الأهل و الأهم من ذلك الاستقرار بحيث أضحوا قبلة لهجوم و بطش قريش و حلفائهم...الكل ضحى و بذل و هذا مكمن السنة و العبرة .... فأين نحن من هذا ؟ من الواضح أننا نتحدث في عالم المثل و الطوباويات و الأحلام و الأساطير...؛ و الدليل ان الكثير من المغاربة قد ضحوا تضحية لا ينكرها أحد...تضحية كبيرة و مكلفة ! لقد ضحوا بكرامتهم أو ما تبقى منها من أجل الظفر بخروف او كبش العيد ؟ فضاعت الكرامة و ضاع ماء الوجه...حتى تحولت الأسواق و معها لمناسبات إلى مآثم و مأتم جماعية لتشييع الكرامة الآدمية إلى مثواها الأخير ! و لأنها مؤامرة متكاملة فالدولة/ النظام يختار موقف المتفرج فرحا مستبشرا بازدهار ثقافة الافتراس و الفردانية و التفكك! إن هناك ثلاثية في المجتمع لن يستطيع تجاوزها و بلوغ بر العافية إلا إذا استقامت : 1 _ الإيمان بالفكرة و المشروع و الحلم. 2 _ حد أدنى من الالتزام بالمشروع. 3 _ و حد أدنى من التضحية و البذل من أجل الفكرة و المشروع. إن واقعنا يجعلنا نخرج بخلاصة بأننا مجتمع بلا فكرة أو مشروع أو حلم مجتمعي؛ متحلل من كل انواع التزام أو حتى القابلية للالتزام و بدرجة أعلى القابلية للتضحية ... و لأننا نعيش اللا فكرة و اللا مشروع و اللا حلم...فلا تسأل عن سبب الرتابة و الملل الذي يرزح فيه مجتمعنا الذي فقد المعنى و المبنى! فاليوم و الأمس و الغد في مجتمعنا أمور متساوية متشابهة من المستحيل أن تميز بينها ! باستثناء طبقة الحيتان و المفترسين الذي يعني عندهم الغد و الوقت عموما المزيد من الأموال المنهوبة و الامتيازات و الاختلاسات و التفويتات...اما الغالبية الصامتة المتفرجة فالغد عنها هو رمز المجهول ؟ و حتى لن نكفر مجتمعنا المريض لن أتحدث عن التضحية و البذل و تلك المعاني الطوباوية.....بل أتحدث عن عبارة واحدة و وحيدة و هي الالتزام بالعهود و العقود و الفكرة و المبدأ ...لقد بتنا شعبا و جماعات و فرادى نكره فعل التزم يلتزم التزاما..و مشتقاتها... حتى أنني أكاد أعَرِّف الإنسان المغربي متحلل من أي التزام... ! فالشيوعي يكره الالتزام بمبادئ كارل بن ماركس ! و الإسلامي يتخفف ما أمكن من تعاليم الإسلام باحثا له عن إسلام مزاجي مطاطي يساير حالة اللا معنى و اللا وعي ! و الليبرالي يتبرم و يتخفف من مبادئ الليبرالية و على رأسها تكافؤ الفرص و المنافسة الحرة و الدولة ! و العلماني غارق في تقديس الأشخاص و تمجيد الآلهة الجدد ممجدا للدولة الثيوقراطية الأوليغارشية على حساب الدولة المدنية ! ما ألوم على "الإنسان" المغربي و أعاتب عليه ليس في أنه لا يقدر على البذل و التضحية و العطاء؛ بل في أنه لا يريد ! مشكلتنا مشكلة إرادة و ليست مشكلة قدرة و إمكانيات ! و في القرآن الكريم نجد أن الله تعالى تجاوز عن غير القادرين : لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى? وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) بينما أغلظ القول على غير المريدين مع قدرتهم: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) و يزداد المشهد تراجيدية حينما نجد في مجتمعنا ان من لهم القدرة ليس لديهم إدارة بينما من لهم إدارة ليست لهم قدرة و هكذا ضعنا بين جلد الفاجر و وهن الأمين ! عيد مبارك لمن ضحى و يضحي بالفاني من أجل الباقي و بالأدنى من أجل الأسمى... عيد مبارك لمن ما يزال يؤمن أن الفكرة و المشروع لا معنى لا بلا التزام عيد مبارك لمن أدرك أن الكرامة يضحى من أجلها لا بها ! و مع ذلك يبقى الأمل و الرجاء في الله تعالى لأنه وحده الذي: " يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ " شكرا لكل من سأل عنا و راسلنا و اتصل بنا؛ فنحن بخير و على خير و لا ينقصنا إلا