إغلاق مقاهي شهيرة في طنجة إثر عمليات مراقبة مباغتة    ريان إير تعلن عن تعديل جديد يخص أمتعة المسافرين    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تكساس إلى 50 قتيلا بينهم 15 طفلا    خورخي فيلدا : قتالية اللاعبات كانت حاسمة لانتزاع التعادل أمام زامبيا    توقعات طقس الأحد بالمغرب        الملك يهنئ رئيس الرأس الأخضر ويؤكد حرصه على تعزيز التعاون الثنائي    الدوحة تستضيف "حماس" وإسرائيل    الحوثيون يقصفون مطار "بن غوريون" في إسرائيل    الملك يهنئ رئيس القمر بالعيد الوطني    حكيمي يواصل التألق بمونديال الأندية        احتفالات عاشوراء تحول ساحات وشوارع سلا والدار البيضاء إلى مظاهر فوضى واشتباكات مع الأمن(فيديو)        مشروع طرقي ضخم لتحسين الوصول إلى ملعب الحسن الثاني ببنسليمان    باتريس موتسيبي: نسخة المغرب 2024 من كأس إفريقيا للسيدات ستبقى خالدة في الذاكرة    "حزب الله" يرفض التخلي عن السلاح    منتج الكبّار .. تعاونيات تبدع طرقا جديدة للتثمين وأقاليم تتلمّس الطريق    "حزب سانشيز" يمنع أعضاءه من الاستعانة بخدمات بائعات الهوى    احتفالات عاشوراء تتحول إلى ساحة شغب ومواجهات مع القوات العمومية    ميسي يقود إنتر ميامي إلى فوز كبير في عودته إلى الدوري الأميركي    "الطعريجة".. رمز متجذر في احتفالات المغاربة بعاشوراء    المغرب يراهن على مليون سائح صيني بحلول 2030    القمة السابعة عشرة لدول البريكس: تكتل متنامٍ وخيار بديل    المؤسسات والمقاولات العمومية.. زغنون يدعو إلى حوار إستراتيجي بين القطاعين العام والخاص    تخريب شبكة المياه يتسبب في احتمال إغلاق المسبح البلدي بمكناس    في حوار مع الدار.. الخبير الدولي الصيني برنارد سوك: الصحراء أرض مغربية    إشهار ترويجي لشركة المراهنات "1xBet" يُظهر خريطة المغرب مبتورة على القناة الرياضية يثير الجدل (صورة)    القهوة تكشف سرا جديدا.. "إكسير الشباب" يعزز صحة الأمعاء ببكتيريا نافعة    وزارة الشباب تؤكد ضمان صحة وتغذية آلاف المستفيدين من مخيمات الصيف    بومداسة يوقع "إثنوغرافيا الدرازة الوزانية"    الهيمنة المسمومة .. كيف دفعت الصين ثمناً باهضاً للسيطرة على المعادن النادرة    شجار بين سكارى داخل محل خمور يُفجر غضب سكان حي بشارع مولاي الرشيد بطنجة    كارثة رقمية محتملة .. ثغرة خطيرة تهدد آلاف المواقع المغربية    مدينة الحاجب تحتفي بعيد العرش في سهرة فنية بمشاركة Mos Kadiri    مؤشر مازي يسجل ربحا بنسبة 0,94 في المئة    باريس سان جرمان يهزم بايرن ميونيخ ويبلغ نصف نهائي مونديال الأندية رغم النقص العددي    كأس إفريقيا للسيدات (المغرب 2024).. تعادل مثير بين المنتخب المغربي ونظيره الزامبي (2-2)    رفع اللواء الأزرق بميناء مارينا سمير وأربعة شواطئ تابعة لعمالة المضيق-الفنيدق    نداء من أجل تأسيس مجلس مغاربي للثقافة موجه إلى وزراء الثقافة المغاربيين        بيان تضامني مع المعتقلة سعيدة العلمي صادر عن هيئات ومنظمات حقوقية وسياسية في أوروبا الغربية    الوعي الزائف:رسالة إلى امرأة تسكنها الأوهام!    إخلاء طائرة رايان إير في مايوركا بسبب إنذار كاذب وإصابات طفيفة بين الركاب    غويركات يرثي محمد بهضوض.. "الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم"    عبد الله العروي: اسْتِبانَة    "الحرب بوسائل أخرى": رواية عن السلطة والحب والإدمان    السلطات تمنع عروض الهواء الطلق في "الليلة البيضاء للسينما وحقوق الإنسان" وتثير استياء المنظمين    الملك يبعث تهنئة إلى الرأس الأخضر    جامعة محمد السادس تشارك في ابتكار جهاز ينتج المياه العذبة من الهواء دون مصدر طاقة خارجي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    الحرارة القاتلة: دعوات عاجلة لحماية عمال البناء والزراعة بالمغرب    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا يمكن محاربة الفساد بأحزاب فاسدة
نشر في الصحيفة يوم 17 - 11 - 2022


1. الرئيسية
2. آراء
لا يمكن محاربة الفساد بأحزاب فاسدة
سعيد الكحل
الثلاثاء 30 أبريل 2024 - 7:32
نص دستور 2011 في الفصل 36 على معاقبة "المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي". كما ألزم السلطات العمومية بالتصدي لكل "أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات". وشدد، في المقابل على "يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية". كما نص على إحداث "هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها"، والتي خرجت إلى النور سنة 2015، حيث وضعت "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد" برؤية» توطيد النزاهة والحد من الفساد بالمغرب بشكل ملموس في أفق 2025 « جاعلة من أهدافها الأساسية:
جعل الفساد في منحى تنازلي بشكل ملموس وبصفة مستمرة وتعزيز ثقة المواطنين؛
تحسين نزاهة مناخ الأعمال وتموقع المغرب دولياً.
بعد تسع سنوات من تأسيس هيأة النزاهة ووضع إستراتيجية محاربة الفساد، لم يشهد ترتيب المغرب في مؤشر مدركات الفساد تحسنا؛ بل تراجع إلى المرتبة 97 عالميا من أصل 180 دولة، بعدما كان يحتل المرتبة 88 سنة 2015، والمرتبة 80 من بين 183 دولة سنة 2011. الأمر الذي يستوجب البحث عن أسباب فشل استراتيجية مكافحة الفساد في تحقيق أهدافها؛ إذ لم يعد يفصلها عن أفق 2025 سوى أشهر معدودة. ولا تتعلق الأسباب بالإطار الدستوري، فهو واضح في إلزام الحكومة بالتصدي للفساد ووجوب ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتي شدد عليها جلالته في خطاب العرش 2017:" وهنا أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.. إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب".
إلى جانب الإرادة الملكية، فإن كل المقومات الدستورية والقانونية متوفرة لربط المسؤولية بالمحاسبة. فالدستور واضح، في أكثر من فصل، بوجوب إخضاع كل مسؤول إلى المحاسبة وعدم إفلاته من العقاب كما هو واضح في الفصل الأول من الدستور: "يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة"، أو في الفصل 154 الذي ينص " تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور".
أما الإطار القانوني ففيه ما يكفي من الفصول لمحاسبة الفاسدين والمرتشين والمخلين بمسؤولياتهم، وعلى رأسها الفصل 36 الذي يوجب "على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات. يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية". كل هذه الترسانة القانونية والدستورية استعصى عليها مواجهة الفساد ونهب المال العام بكل جدية وصرامة. الأمر الذي يستدعي البحث عن الخلل في مواضع أخرى.
في سنة 1796، وجّه الرئيس الأمريكي جورج واشنطن انتقادات شديدة للأحزاب السياسية لكونها أتاحت الفرصة لرجال "مخادعين وطموحين وبلا مبادئ لتقويض سلطة الشعب". فالوضعية التي عليها الأحزاب المغربية اليوم لا تختلف عن تلك التي انتقدها الرئيس الأمريكي. فقد فتحت أبوابها للعناصر الفاسدة والمرتشية فطبّعت مع الفساد وعطّلت الدستور وخرقت القانون؛ مما وفّر الحماية لتلك العناصر التي نجدها في البرلمان كما نجدها في المجالس الترابية. وسبق لجلالته أن دعا الأحزاب إلى حسن اختيار مرشحيها لتدبير الشأن العام كما في خطاب 30 يوليوز 2016 (أدعو الأحزاب لتقديم مرشحين، تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة، وروح المسؤولية والحرص على خدمة المواطن). لقد تجاهلت الأحزاب الدعوة الملكية فأفرزت حكومات وبرلمانات تفتقر للإرادة السياسية القوية لمحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين. وهذا ما نبّهت إليه "رسالة النزاهة5" التي أصدرتها "الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها" في مارس 2024، حيث وجهت انتقاداتها إلى عجز الحكومة وعدم رغبتها في محاربة الفساد وأرجعت انتشاره إلى عاملين اثنين. أولهما: "المسؤولون الذين ينتهكون القانون ويعرضون أنفسهم للفساد لا تتم متابعتهم بشكل كاف"؛ ثانيهما: "عدم قدرة الحكومة على احتواء الفساد وعدم وجود آلية للنزاهة".
لا يمكن، إذن، محاربة الفساد بأحزاب ينخرها الفساد ويعشش فيها المفسدون. ذلك أن الفساد، كما جاء في الرسالة التي وجهها جلالة الملك إلى القمة ال 31 للاتحاد الإفريقي التي انعقدت، بالعاصمة الموريتانية نواكشوط تحت شعار "كسب المعركة ضد الفساد: مسار مستدام لتحويل إفريقيا" يوليوز 2018:"الفساد يساهم في الانحراف بقواعد الممارسة الديمقراطية، وفي تقويض سيادة الحق والقانون؛ كما يؤدي إلى تردي جودة العيش، وتفشي الجريمة المنظمة، وانعدام الأمن والإرهاب". هذه الانحرافات متفشية في واقعنا المغربي وكشفت عنها تقارير المجلس الأعلى للحسابات دون أن تكون للحكومات المتعاقبة الإرادة القوية لمحاكمة ومحاسبة كل المتورطين، تنفيذا للتوجيه الملكي (فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع: الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين). خطورة الفاسدين أنهم ينهبون المال العام ويحرمون المواطنين من الاستفادة من المشاريع التنموية ومن فرص الشغل والخدمات الاجتماعية في تواطؤ مع المسؤولين في المجالس المحلية الذين افتحص قضاة المجلس الأعلى للحسابات صفقات التجهيز التي أشرفوا عليها دون أن تطالهم يد العدالة باستثناء أقلية قليلة منهم بعد أن صارت فضائحهم قضية رأي عام. وسبق للسيد إدريس جطو أن أكد أمام البرلمانيين، سنة 2020، أن المجلس ينجز ما بين 40 و 50 تقريرا افتحاصيا كل سنة، وأن المجالس الجهوية للحسابات تقوم تقريبا ب 250 مهمة رقابية واستطلاعية، وأن هذه التقارير لا تؤخد بعين الاعتبار من قبل الحكومة و البرلمان وتمر دون مناقشتها أو الاشتغال عليها وهي تقارير مهمة تبرز النواقص و الاختلالات في القطاعات التي يتم افتحاصها و مراقبتها، وأن "فيها ما يكفي وهي تقارير جد مهمة للاقتصاد الوطني". وتكفي إطلالة سريعة على الحساب الإداري للمجالس الترابية لاكتشاف حجم النهب والتبذير بمبررات محاربة الجردان والكلاب الضالة ورغم ذلك لا تخلو مدينة من هذه الكائنات التي تهدد سلامة وصحة المواطنين، فضلا المبالغ الكبيرة المرصودة لتنقل الأعضاء وحفلات الاستقبال والمحروقات وقطع الغيار للأليات التي لم تعد صالحة للاستعمال. أما الملايير المرصودة للمشاريع الوهمية فحدث ولا حرج. كل هذا الفساد تمارسه وتشرف عليه الكائنات الانتخابية التي تنخر الأحزاب والمؤسسات المنتخبة حتى صارت لها سطوة جعلتها عصية على المحاسبة.
نحن، إذن، أمام وضع شاذ قال عنه جلالته (وأمام هذا الوضع، فمن الحق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانون هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟ فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، تدفع عددا من المواطنين، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات. لأنهم بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل". إن خطورة الفساد وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة لا تقتصر على فقدان الثقة في الأحزاب السياسية، بل تتجاوزها إلى الاقتصاد حيث تكلّف المغرب 5 % من الناتج الداخلي الخام، حسب الجمعية المغربية لحماية المال العام. الأمر الذي ينعكس مباشرة على تصنيف المغرب في مؤشر التنمية حيث احتل الرتبة 120 عالميا. ولا مخرج من هذا الوضع إلا بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة عبر تحويل كل التقارير المنجزة من طرف المجلس الأعلى للحسابات على أنظار العدالة للبت فيها بالسرعة المعقولة التي لا تترك مجالا للمتورطين في الفساد للمناورة. وقد أثبتت التجربة المغربية أن أولى مداخل محاربة الفساد: إخراج وزارة العدل من العباءة الحزبية وجعلها وزارة للسيادة ضمانا للنزاهة وللفعالية، تفعيل قانون "من أين لك هذا" ثم تشديد عقوبة الإثراء غير المشروع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.