1. الرئيسية 2. المغرب الكبير الجزائر ترحّل أكثر من 16 ألف مهاجر إفريقي نحو النيجر خلال شهرين الصحيفة من الرباط الجمعة 6 يونيو 2025 - 15:29 في تصعيد جديد لأزمة الهجرة جنوب الصحراء الكبرى، أعلنت السلطات النيجرية أن الجزائر قامت بترحيل ما يزيد عن 16 ألف مهاجر إفريقي غير نظامي نحو أراضيها خلال شهري أبريل وماي فقط، وهو ما يمثل أكثر من نصف عمليات الطرد الجماعي المسجلة منذ بداية سنة 2024. هذه الأرقام المقلقة، التي أكدت وقوعها السلطات الإدارية في منطقة أرليت شمال النيجر، تشمل نساء وأطفالا وقُصّرا، وقد وُصفت من قبل منظمات حقوقية محلية ودولية بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي ولقواعد حماية المهاجرين الضعفاء. وبحسب المعطيات الرسمية، وصل خلال يومي الأحد والإثنين من الأسبوع الماضي 1,466 مهاجرا إلى معبر أسامكة الحدودي، على دفعتين، الأولى ضمّت 688 مهاجرا من عشر دول غرب إفريقية، من بينهم 239 نيجريا، والثانية كانت أكثر مأساوية، وشملت 778 نيجريا من بينهم 222 طفلًا قاصرًا، نُقلوا في 13 شاحنة وشاحنة صغيرة واحدة في ظروف مجهولة. وهذه الأرقام تنضاف إلى 8,086 مهاجرا طُردوا خلال شهر ماي وحده، من بينهم 5,287 نيجريا و2,799 من جنسيات إفريقية أخرى، ليبلغ العدد الإجمالي للمرحلين منذ أبريل حوالي 16,000 شخص، حسب مصادر رسمية. وتشير تقديرات السلطات النيجرية إلى أن عمليات الترحيل الأخيرة تمثل أكثر من نصف مجمل حالات الترحيل البالغة 31,000 شخص خلال عام 2024، فيما هذه الأرقام تعكس تسارعا غير مسبوق في وتيرة الطرد الجماعي للمهاجرين، في ظل تزايد الضغوط الداخلية على النظام الجزائري وتنامي الخطاب الأمني المرتبط بالهجرة غير النظامية. لكن ما يثير القلق أكثر، هو ما أفادت به منظمة Alarme Phone Sahara التي تنشط ميدانيا في المنطقة، والتي أكدت وفق ما نقلته صحيفة "لوموند" الفرنسية أن الترحيلات تتم في "ظروف عنيفة وغير إنسانية"، واصفة الأمر ب"انتهاك حقوق الإنسان بشكل صارخ"، وداعية الجزائر إلى "وقف فوري لحملات الاعتقال والطرد الجماعي". وفي مواجهة هذه الموجات البشرية المتلاحقة، أعلنت السلطات النيجرية منتصف ماي نيتها تسريع عمليات ترحيل المهاجرين نحو بلدانهم الأصلية، من خلال خطة تنسيقية مع المنظمة الدولية للهجرة تهدف إلى إعادة أكثر من 4,000 مهاجر قبل نهاية يوليو، تفاديًا لما وصفته ب"كارثة إنسانية محتملة" في شمال البلاد. وتتخوف نيامي من أن تؤدي هذه الكثافة السكانية المفاجئة في منطقة غير مؤهلة لاحتضان آلاف المرحلين، إلى تفشي الأمراض، وتدهور الأمن الغذائي، وتهديد الاستقرار الهش أصلًا في مناطق حدودية صحراوية. والجدير بالذكر، أن النيجر ألغت في نونبر 2023 قانونا يعود لسنة 2015 يجرّم تهريب المهاجرين، وهو ما أثار انتقادات واسعة من قبل الشركاء الأوروبيين والمنظمات الدولية، واعتُبر خطوة إلى الوراء في ملف مكافحة الاتجار بالبشر. لكن السلطات النيجيرية، التي يقودها نظام عسكري منذ انقلاب 2023، بررت هذا الإجراء بكونه يعزز السيادة الوطنية ويمنح الدولة حرية أكبر في التعامل مع شبكات الهجرة ضمن مقاربة أمنية وإنسانية متوازنة. وتشير التطورات الجارية إلى أن أزمة المهاجرين غير النظاميين في الساحل لم تعد مسألة ثانوية أو إنسانية فقط، بل تحولت إلى أداة صراع جيوسياسي وتوتر بين الجزائر وجيرانها، خاصة النيجر. ففي الوقت الذي تتزايد فيه عمليات الترحيل الجماعي، تفقد الدولة النيجرية قدرتها على التحكم في الأعداد المتزايدة من المرحلين، وسط هشاشة أمنية خانقة وتمدد للجماعات المسلحة العابرة للحدود. وفي العمق، لا يمكن عزل موجة الترحيلات الجماعية التي تنفذها الجزائر ضد المهاجرين الأفارقة عن التوترات المتصاعدة بينها وبين عدد من دول الساحل، وعلى رأسها النيجر، مالي، وبوركينا فاسو، فالعلاقة بينها وهذه العواصم لم تعد محكومة فقط بمحددات التعاون الحدودي أو مكافحة الإرهاب، بل تحولت في الآونة الأخيرة إلى ساحة صراع مكتوم تُستعمل فيه أوراق الهجرة، الغاز، وتحالفات المحاور العسكرية. النيجر، التي تواجه تحديات داخلية ضخمة منذ انقلاب يوليوز 2023، ترى في ترحيل عشرات الآلاف من المهاجرين نحو أراضيها دون تنسيق مسبق نوعا من العبء المقصود و"الكمين الإنساني" الذي يضعها تحت ضغط دولي ومالي واجتماعي خانق، فيما ترفض الجزائر علنا الاتهامات، لكنها لا تُخفي امتعاضها من تقارب نيامي مع قوى جديدة على حساب نفوذها التقليدي في الساحل. وخلال العقدين الماضيين، لعبت الجزائر دور "الوصي الأمني" غير المعلن في الساحل الإفريقي، مستفيدة من موقعها الجغرافي ومواردها المالية ونفوذها الاستخباراتي، غير أن هذا الدور بدأ يتآكل تدريجيا مع صعود قوى إقليمية منافسة وتغير المزاج السياسي في دول الساحل، حيث أُقصيت الجزائر من مفاوضات استراتيجية، وتقلّصت قدرتها على التأثير في ديناميات الحكم الجديدة. وفي هذا السياق، يقرأ بعض المحللين ترحيل الجزائر للمهاجرين كرسالة ضغط مزدوجة، من جهة، تُوجّه إلى الأنظمة العسكرية الجديدة في نيامي وباماكو وواجادوجو التي بدأت تبتعد عن المدار الجزائري التقليدي، ومن جهة أخرى، تُحمّلها مسؤولية ما بات يُعرف ب"قنابل بشرية" في الجنوب الصحراوي. المفارقة أن الجزائر، التي لطالما روّجت لنفسها باعتبارها "فاعل استقرار في الساحل"، تبدو اليوم متّهمة، من قبل منظمات حقوقية وحتى بعض المسؤولين في دول الجوار، بأنها تصدر الفوضى بدل الأمن، وتُغذي التوترات بدل احتوائها. فالهجرة، حين تُستخدم كورقة ابتزاز، تتحول من ظاهرة إنسانية إلى أداة جيوسياسية، ومن مسؤولية جماعية إلى قنبلة موقوتة تتقاذفها الأنظمة المتنافسة على النفوذ. وتتجه أزمة المهاجرين المطرودين من الجزائر نحو أن تصبح أحد أكثر ملفات التوتر حساسية بين الجزائر ودول الساحل، خاصة في ظل غياب رؤية مشتركة لإدارة ملف الهجرة، واستمرار التجاذبات السياسية والأمنية،وما لم تُفتح قنوات حوار مباشر ومسؤول بين الجزائر وجيرانها الجنوبيين، فإن المنطقة ستكون أمام خطر مضاعف: انفجار إنساني في الشمال النيجري، وانفلات أمني في فضاء مفتوح يزداد هشاشة كل يوم.