حسن لقيبي الأثنين 16 يونيو 2025 - 1:32 رسالة إلى متابعي الصراع الإسرائيلي - الإيراني بعد اندلاع الصراعات العسكرية، لا تكون المواجهة مقصورة على ساحات القتال أو منصات القرار السياسي، بل تنطلق بالتوازي معارك أخرى لا تقل شراسة، ساحتها الحقيقية هي فضاءات التواصل الاجتماعي، ووقودها العاطفة، التعصب، الحقد الأعمى، الاصطفاف، التحريض والذباب الإلكتروني... إنها حرب السرديات والمعلومات، حيث تتحول الأخبار العاجلة إلى وابل لا ينقطع، وتتضارب التحليلات، وتتنافس الفيديوهات ما بين الصادم والمسلي على التأثير في وعي المتلقي وتوجيه رؤيته للعالم. بين هذا وذاك يجد المتابع نفسه وسط هذا الطوفان الإعلامي، غارقا وسط كم هائل من المعطيات المتناقضة، محاولا أن يفهم ما الذي يجري فعليا، دون أن يصبح فريسة لتضليل متعمد أو ضحية لاستقطاب ذكي وممنهج. هذا المقال محاولة لتفكيك منطق الفوضى الإعلامية، ثم المساهمة في تقديم أدوات عقلية ومنهجية لتحصن المتابع من الوقوع في فخاخ الدعاية والتأثر العاطفي المفرط. هو نداء للوعي، في زمن تتنافس فيه القوى على عقولنا، لا فقط على خرائط النفوذ. ساحات المعارك الإعلامية والحرب النفسية تخوض الأطراف المتصارعة أومن ينوب عنها معارك إعلامية شرسة، فالمحتوى المتدفق على هواتفنا ليس مجرد أخبار، بل قصف إعلامي ضمن حرب نفسية موجهة بعناية، تتراوح ما بين الدعاية التي تمجد طرفا وتشيطن آخر، والمعلومات المضللة كالفيديوهات القديمة والصور المفبركة والتسريبات الحصرية...، وصولا إلى المحتوى العاطفي الخام الذي يتجاوز العقل ويركز على العاطفة. تتعقد هذه الحرب بتعدد ساحاتها الرقمية، حيث تؤدي كل منصة دورا نوعيا في إعادة تشكيل الوعي؛ فمنصة إكس تستخدم كساحة للنقاشات النخبوية والتحليلات السريعة، بينما تنتج على تيك توك وإنستغرام فيديوهات قصيرة شعبوية تبسط الصراع في ثوانٍ، وغالبا ما تشوهه. أما واتساب وتليغرام، فهما الأنفاق الرقمية المظلمة التي تنتشر فيها الشائعات والمحتويات الصادمة بلا رقيب، وبسرعة هائلة وهي المنصات المفضلة لأصحاب نظرية المؤامرة. كما يتصدر صناع الرأي واجهة التأثير، من استوديوهات الأخبار وشاشات التلفاز إلى شاشات الهواتف، حيث يظهر "الخبراء الاستراتيجيون" و"الجنرالات المتقاعدون" لتحليل الأحداث بلهجة تبدو محايدة، لكنها كثيرا ما تعكس الخط التحريري للقنوات التي تستضيفهم. ثم تنتج من تصريحاتهم مقاطع منتقاة تبث عبر منصات التواصل، فتتحول آراؤهم الموجهة إلى "حقائق" يتداولها الناس في نقاشاتهم، مشكلة بذلك حلقة مغلقة وخطيرة من التكامل بين الإعلام التقليدي والجديد. أهدافالحروبالإعلاميةوالنفسية تلعب المعارك الإعلامية، في زمن الحروب المعاصرة، دورا محوريا لا يقل أهمية عن الميدان العسكري، بل قد يسبقه ويمهد له فالهدف الأول للحرب الإعلامية هو تقوية الجبهة الداخلية بهدف طمأنة المواطنين، وبث مشاعر الوحدة والثقة، بما يعزز التماسك الوطني ويمنع الانهيار النفسي. في المقابل، تسعى إلى إرباك العدو عبر التضخيم المدروس للقدرات والإنجازات، لإضعاف معنويات جنوده وزرع الشك داخله وإرباكه، بما قد يؤثر على قراراته العسكرية والقيادية. لا تتوقف المعارك الإعلامية عند الحدود العسكرية، بل تمتد إلى كسب الرأي العام، وهو سلاح استراتيجي عابر للقارات يستخدم في تجييش الفئة المستهدفة نفسيا وفكريا، وتأهيلها لاحقا للانخراط في شبكات ضغط، أو حملات تعبئة، أو حتى جماعات مسلحة. كما يمكن توجيه هذا الرأي العام نحو الحرب الاقتصادية إما مقاطعة، أو احتجاج أواستهداف لأسواق العدو أو حلفائه، لإرباك اقتصاده والتشويش على توازناته. أما الأخطر فهو تعبئة الرأي العام وتوجيهه ضد دوله الأصلية نفسها، تحت شعارات مناهضة الاستبداد، ما يجعل من الإعلام أداة "ناعمة" لبناء معارضة داخلية بأهداف تخدم أطرافا خارجية، فالحرب الإعلامية ليست مجرد أخبار ومعلومات يمكن تجاوزها بل هي هندسة اجتماعية للوعي وتفخيخ للعقول. توصيات لتعزيز المناعة الفكرية قبل الشروع في قراءة هذا الجزء من المقال، من الضروري أن يدرك المتابع أن هذه الإرشادات لا تقدم كوصايا أو أجوبة جاهزة، بل كدعوة للتفكير الصريح مع النفس، والتحرر من الأوهام والمواقف المسبقة. إن السير على هذا النهج يقتضي شجاعة فكرية، وصدقا ذاتيا، وهدفا نبيلا وهو البحث عن الحقيقة، لا الانتصار لرأي أو تبرير لموقف. كما يتطلب هذا المسار امتلاك رؤية تاريخية شاملة، تسمح بفهم الأحداث في سياقها الزمني، وربط الحلقات ببعضها لفهم الصورة الكاملة، بعيدا عن الانتقائية أو التحيز اللحظي. وفيما يلي ست خطوات تساعد على بناء الوعي والمناعة الفكرية: * تنويع مصادر المعلومات: الاعتماد على مصدر واحد، حتى وإن بدا موثوقا، يؤدي إلى رؤية ناقصة. فغالبا ما تتوزع عناصر الحقيقة بين روايات متعددة. لذلك، من المفيد الاطلاع على وجهات نظر متعارضة كأن يتابع الفرد قناة "الميادين" ثم يقارن تغطيتها ب "العربية" أو" الجزيرة" أو "سكاي نيوز عربية"، ويكمل الصورة من خلال وكالة أنباء دولية مثل "رويترز" أو "أسوشيتد برس". الحقيقة لا تكمن في صوت واحد، بل في نقاط الالتقاء والاختلاف بين الأصوات. * التمييز بين الخبر، والتحليل، والتوجيه الدعائي: تعد هذه المهارة من أبرز أسس التعامل مع الإعلام. * الخبر: هو معلومة قابلة للتحقق، تنقل كما وقعت. مثال: "إطلاق أكثر من 100 طائرة مسيّرة من إيران نحو إسرائيل" * التحليل: هو تفسير لهذا الحدث، وقد يختلف من محلل لآخر. مثال: "العملية الإيرانية تهدف إلى الحفاظ على توازن الردع دون الذهاب إلى مواجهة شاملة." * الدعاية: تعتمد لغة عاطفية، وتهدف إلى التأثير لا إلى الإخبار. مثال: "الرد الإيراني البطولي أنهى أسطورة الردع الإسرائيلي." 3. التحقق من مصدر المحتوى قبل تداوله:قبل مشاركة أي صورة أو مقطع مرئي، ينبغي التحقق من مصدره الأصلي وتوقيته. أدوات بسيطة مثل "البحث عن الصور في تطبيق عدسة جوجل" تتيح التأكد مما إذا كان المحتوى حديثا أو قديما أو منسوبا إلى سياق خاطئ. فكم من مادة أُعيد تداولها على أنها حديثة، وهي في الحقيقة تعود لسنوات أو أماكن مختلفة. 4. الحذر من اللغة المشحونة عاطفيا:تلعب اللغة دورا أساسيا في توجيه المتلقي، فالتعابير من قبيل "نمر من ورق" أو "الفقاعة الإعلامية" أو "ضربة ساحقة" أو "رد مهين" أو "انتصار بطولي" لا تقدم معلومة دقيقة، بل تثير المشاعر وتشوه التقدير الواقعي. المطلوب هو الانتباه لهذه الصيغ واستبدالها ذهنيا بتوصيفات محايدة تساعد على تقييم الحدث بصورة عقلانية. 5. عدم التسرع حتى تصبح الصورة أوضح:غالبا ما تتسم الساعات الأولى من وقوع الأحداث بتضارب في المعلومات وظهور روايات غير دقيقة، لذلك فإن التريث وعدم التسرع في إصدار الأحكام يعد سلوكا مسؤولا. فالحقيقة تحتاج وقتا لتتبلور، فيما تتهاوى الإشاعات بمجرد مرور يوم أو اثنين. 6. متابعة المتخصصين لا "الوجوه الإعلامية: الخبير الحقيقي يتميز بالهدوء والوضوح، ويتحدث بلغة دقيقة بعيدة عن الانفعال. بخلاف بعض الضيوف الإعلاميين الذين يسعون إلى الإثارة، فإن الباحثين الأكاديميين والمحللين المحايدين يقدمون تحليلات معمقة ومبنية على المعرفة الدقيقة، وليس على الانطباع اللحظي أو الخطاب الدعائي. تجدر الإشارة إلى أنه من الطبيعي أن يكون للإنسان موقف أو تعاطف مع طرف دون آخر في الصراعات الإقليمية أو الدولية، وهو حق مشروع يعكس حرية التفكير والانحياز العاطفي أو الأخلاقي، بل من حقه أيضا أن يتمنى فوز طرف معين بناء على قناعاته أو تصوره الخاص للأحداث. غير أن هذا التعاطف، مهما بلغ، ينبغي ألا يحجب عنه حقيقة ما يجري على أرض الواقع، ولا أن يمنعه من إدراك مصالح بلده وأمته على المدى البعيد، بما يتجاوز منطق الولاءات العابرة أو الارتباط بنظام سياسي معين. إن متابعة الصراع الإيراني الإسرائيلي اليوم تتجاوز حدود الاطلاع الإعلامي لتصبح مشاركة ضمن حرب سرديات معقدة، لم تعد المسألة مجرد تلقي أخبار متدفقة، بل هي مواجهة يومية مع خطاب إعلامي يستهدف تشكيل وعيك وتوجيه مشاعرك، لذلك ينبغي أن نستعمل أدوات التحليل والنقد لامتلاك القدرة على التمييز بين المعلومة والدعاية، بين التضامن الإنساني والانجرار العاطفي. الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة