ابن جرير تستضيف 1000 مشارك دولي في المناظرة الوطنية الخامسة للاقتصاد التضامني    الوكالة الوطنية تحث على الحذر وضمان السلامة الطرقية خلال عطلة عيد الأضحى    نتائج حملة أمنية لزجر الغش في الامتحانات الوطنية والجهوية للبكالوريا في المغرب    إغلاق رحبات الماشية يربك الجزارين    رصد حالات إجهاد حراري بين الحجاج    احتجاجات تصعيدية لموظفي التعليم العالي رفضًا لتعطيل النظام الأساسي واستشراء الفساد    الناطق باسم الحكومة يستعرض جديد الاستعمال المؤمن لشهادة الباكالوريا    موجة حر تضرب أقاليم مغربية خلال العيد .. و"الأرصاد" تفسر تقلبات الطقس    ساحل المضيق-الفنيدق يستعد للصيف    الدبلوماسية الجزائرية في مأزق التضليل: صفعة رواندية تكشف هشاشة النظام العسكري    مجلس الحكومة يصادق على تعيينات جديدة في مناصب عليا    بنوك المغرب… 9 يونيو يوم عطلة استثنائية بمناسبة عيد الأضحى    نشرة برتقالية تحذر من موجة حر تصل إلى 43 درجة يومي السبت والأحد    الفيتو الأمريكي ضد قرار «وقف النار» في غزة يثير الغضب في مجلس الأمن    مجلس الحكومة يتابع عرضا حول معطيات ومستجدات امتحانات البكالوريا    استئنافية طنجة تؤيد الحكم الابتدائي بسنتين نافذتين في حق مناهض التطبيع رضوان القسطيط    "مرحبا 2025".. الحكومة تؤكد الاستعداد لاستقبال الجالية ب520 رحلة ونصف مليون مسافر أسبوعيا    ماهي أسباب إعفاء الكاتب العام لوزارة النقل من طرف الوزير قيوح؟    ميناء طنجة المتوسط يُحقق إنجازاً جديداً في تصنيف أداء موانئ الحاويات    نائبة رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية: منعطف دبلوماسي كبير    أي مغرب استعاد المغاربة؟    معرض للفن التشكيلي والمنتجات المجالية بمولاي ادريس زرهون    مهرجان كازا ميوزيك يتافس بقوة موازين .. والجسمي يتألق في سماء الدار البيضاء    كرواتيا.. المغرب يفتتح شهر السينما والثقافة العربية بمدينة كارلوفاتس    أسماء لمنور تفوز بجائزة أفضل مطربة عربية في DAF BAMA بألمانيا    قرية طنجة الرياضية.. منشأة متكاملة تعزز البنية التحتية وتستعد لموعد كأس إفريقيا    دياز يؤكد غيابه عن مباراتي تونس والبنين ويعرب عن سعادته بتواجده مع اللاعبين رغم الإصابة    دونالد ترامب يوقع قرارا يمنع دخول رعايا 12 دولة لأمريكا    توقعات إيجابية لقطاع البناء بالمغرب في الفصل الثاني من سنة 2025    مهرجان كناوة 2025 بالصويرة .. تلاق عالمي بين الإيقاعات والروح    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    النفط يتراجع بفعل زيادة المخزونات الأمريكية وخفض سعر الخام السعودي    لقجع يزور معسكر الوداد الرياضي بمركز محمد السادس استعدادا لمونديال الأندية    إنفانتينو: مونديال السيدات "المغرب 2025" موعد مهم.. والمغرب أرض كرة القدم    بني ملال تحتضن اللقاء الجهوي الخامس حول أولويات وتحديات الشباب المغربي    هبوط اضطراري لطائرة بعد إصابة ركاب في مطبات هوائية شديدة    مقتل 4 صحافيين في قصف إسرائيلي    غضب في مجلس الأمن بعد فيتو أمريكي ضد مشروع قرار لوقف النار في غزة    يوميات حاج (6): الوقوف في عرفة .. لحظة كونية تتوق إليها الأرواح    أكثر من 1.6 مليون مسلم يتوافدون على عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    قتل الكلاب والقطط الضالة بالرصاص والتسميم يخضع وزير الداخلية للمساءلة البرلمانية    منتخب المغرب لأقل من 17 سنة للسيدات في مجموعة واحدة مع البرازيل وإيطاليا وكوستاريكا بمونديال 2025    بعد 5 سنوات.. الرجاء الرياضي يعلن عودة بانون إلى صفوفه    الهلال السعودي يعلن تعاقده مع المدرب الإيطالي إنزاغي بعد رحيله عن إنتر ميلان    سلطات الحسيمة تواصل حملات تحرير الملك العمومي بأهم شوارع المدينة    المغرب يسرّع تعميم محطات شحن السيارات الكهربائية استعداداً لكأس العالم 2030    المنتخب البرتغالي يبلغ نهائي دوري الأمم الأوروبية بفوز ثنائي على ألمانيا    في يوم عرفات.. ضيوف الرحمن يتوافدون لأداء الركن الأعظم بخشوع وإيمان    بداية عهد جديد في تدبير حقوق المؤلف.. مجلس إداري بتمثيلية فنية ومهنية لأول مرة    مؤتمر علمي بالدوحة لاستنطاق الإعلام العالمي حول حرب غزة    ضوء النهار يعزز المناعة.. دراسة تكشف سر النشاط الصباحي للخلايا الدفاعية    خبراء في فاس يناقشون مصير الترجمة في عصر الذكاء الاصطناعي    موسم الحج.. منع تصوير ورفع الأعلام السياسية والمذهبية بالمشاعر المقدسة    دراسة: الإفراط في الأطعمة المصنعة قد يسرّع أعراض باركنسون    الحجاج يتوافدون إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية    عندما يخرج النص عن النص! أو وقفة أمام امتحان إشهادي غير موفق    "الخرف الحيواني" يصيب الكلاب والقطط مع التقدم في العمر    الناظور.. نفاد حقنة تحمي الرضع من أمراض الرئة    









هيروشيما : الذاكرة والاستعبار
نشر في الصحيفة يوم 08 - 03 - 2021

يوم زرتُ مدينة هيروشيما هتفت من أعماقي: يا الله إنها " مدينة الألم والجمال"، ففي يوم واحد ذهب ضحية تلك الشراسة الساديّة نحو 70 ألف إنسان ومثلهم فيما بعد، على الرغم من وصول الحرب العالمية الثانية (1939-1945) إلى نهاياتها، لكن الرئيس الأمريكي هاري ترومان قرر إلقاء قنبلة ذرية على هيروشيما ومن بعدها على ناكازاكي اليابانيتين، لتجريب ذلك السلاح الفتّاك واكتشاف تأثيراته التدميرية.
شعرتُ حينها بمرارة لا حدود لها وأنا أتنقّل مذهولاً في متحف المدينة وأشاهد صوراً وأفلاماً وثائقية وأستمع إلى أصوات الرعب في تلك الفاجعة المجنونة، والتي ما تزال آثارها السلبية قائمة حتى اليوم، ولكن بقدر ما تُعتصر القلوب لمشاهدة وسماع قصص العذاب الفظيع، فإن النفوس تتفتّح حين تبعد قليلاً عن تلك الأجواء الكئيبة والمكفهرّة، لتطالعك أشجار الكرز المورقة، بأزاهيرها المضيئة في الربيع الذي صادف زيارتنا للمدينة، لترى مشاهد آخّاذة حين يتفيأ اليابانيون تحت ظلال تلك الأشجار ويتنشقون رائحتها الزكية، لتزيدهم تأمّلاً وهدوءًا نفسياً فوق ما هم عليه، وهكذا ترى الوجه الآخر لتلك المدينة الفضية الضاحكة العذبة والمتغنّجة، جامعة كل مفاتن الجمال: النور والنظارة والبحيرات والخلجان .
استعدتُ ذلك بمناسبة مرور75 عاماً على انتهاء الحرب، حيث شهد العالم أهوالاً لا حدود لها راح ضحيتها أكثر من 60 مليون إنسان، وتدمير الممتلكات والمرافق الحيوية والخسائر المادية الهائلة، تلك التي ليس من السهل نسيانها، إذْ لا بدّ أن تبقى في دائرة الضوء، للاستفادة من دروسها وعِبرِها، وهو ما حدا بالجمعية العامة للأمم المتحدة، الإعلان عن أن يومي 8 و9 مايو (أيار) هو يوم للاستعبار، وذلك بالقرار رقم 5922 الذي اتخذته في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2004، محاولة استخلاص الايجابي من هذا الحدث التاريخي الذي هيّأ لتأسيس الأمم المتحدة، والتي وضعت هدف " حماية السلم والأمن الدوليين" في صدارة أهدافها، مؤكدة في ديباجة ميثاقها إلى : إنقاذ الأجيال المقبلة من الويلات والحروب، مهيبة بالدول الأعضاء أن تأخذ بعضها البعض بالتسامح وأن تبذل الجهود لتسوية نزاعاتها وحلّ خلافاتها بالوسائل السلمية.
وحين نتوقّف اليوم دولاً وشعوباً ومنظمات للسلم والتضامن وحقوق الإنسان وحتى الأفراد، للاحتفال بهذه الذكرى الأليمة ، فالأمر يتطلّب إعمال التفكير بصورة جماعية بمآلات البشرية ونتائج الحروب لصيانة السلام العالمي وتعزيز التعاون الدولي وتنمية روح المصالحة على المستويات العالمية والإقليمية والوطنية، فضلاً عن تعميق القيم الإنسانية المشتركة والمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرّيات الأساسية، لاسيّما الاعتراف بالآخر والإقرار بالتنوّع والتعددية وقبول حق الاختلاف.
ليس القصد من الاحتفال بذكرى الحرب استعادة المشاهد الحربية أو النجاحات التي حققها هذا الجيش أو ذاك أو تمجيد هذا النظام أو ذاك، بل لتعلّم الدرس جيداً، " فحوار سنة أفضل من حرب ساعة"، علماً بأن حروب ونزاعات ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت بالمئات وقد جرت بالوكالة وتركت هي الأخرى آثاراً مؤلمة، لاسيّما في فترة الحرب الباردة (1947-1989) والصراع الآيديولوجي والحرب الإعلامية والدعائية والنفسية بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، والتي استخدمت فيها جميع وسائل القوة الناعمة الأكثر إيلاماً وخبثاً من الحروب الفعلية، وهو ما استمر بعد انهيار الكتلة الاشتراكية مثل الحصارات الدولية واستخدام العقوبات الاقتصادية وخنق بعض المجتمعات من داخلها ، لكي تسقط مثل التفاحة الناضجة بالأحضان، والعقوبات سلاح سبق للولايات المتحدة أن استخدمته ضد البلدان الاشتراكية والعديد من البلدان العربية والعالمثالثية .
لعلّ في الاستذكار فرصة للتأمّل أيضاً، في الأضرار الفادحة التي حلّت بالبشرية والكوارث اللاحقة التي أعقبتها والتي دفع أكثر من جيل ثمنها باهظاً، فانتشار فايروس كورونا اليوم لا بدّ أن يدفع العالم إلى إعادة حساباته، حيث أصبح الجميع دولاً وشعوباً، أغنياء وفقراء، مؤمنون وغير مؤمنين مستهدفاً، فقد تزهق الروح بأية لحظة، الأمر وضع البشرية كلّها في حالة حزن وذهول وعدم طمأنينة وتحدٍّ، وهو ما يحتاج إلى تعاون دولي على جميع الصُعد ، فبدلاً من الانشغال بتطوير وتصنيع الأسلحة وتخصيص الميزانيات الهائلة لها، ينبغي توجيهها للصحة والتعليم والبحث العلمي وعلوم الفضاء، فضلاً عن الاستفادة المتكافئة للبشر جميعاً من نتائج الثورة الصناعية بطورها الرابع والذكاء الاصطناعي، والعمل على إطفاء الحروب وردم بؤر النزاع، والعمل على تنمية العلاقات بروح الإخاء والتعاون والسلام والتسامح لتوفير الاستقرار والأمن وضمان المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.
إن ما يجمع البشر هو الكثير الذي علينا تعظيمه ، أما ما يفرّقهم فهو القليل الذي ينبغي تقليصه، لاسيّما لمواجهة العدو المشترك للإنسانية جمعاء وهو الأمراض والأوبئة، والفقر والجهل، هذا الثلاثي المرعب، لكي تنعم البشرية بالعدل والسلام والاستقرار وصولاً إلى إزالة أسباب اندلاع الحروب والنزاعات ووضع حدٍّ للاستغلال واحترام الحقوق والحرّيات، والتوجّه صوب التنمية، وتلكم إحدى أمنيات البشرية على مرّ التاريخ.
باحث ومفكر عربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.