الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لبنان : هل يمكن إبقاء القديم على قدمه؟
نشر في الصحيفة يوم 08 - 03 - 2021

أعاد الانفجار المروّع الذي حصل في مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) الجاري أزمة الدولة اللبنانية إلى الواجهة، وإن كانت هذه الأزمة قديمة ومعتّقة منذ التأسيس قبل نحو 100 عام، إلا أنها تفاقمت على نحو متسارع خلال العقود المنصرمة، وخصوصاً بعد مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري إلّا أنها ترافقت هذه المرّة مع ثلاثة أحداث كبرى مهمة:
أولها- استمرار وباء كورونا " كوفيد – 19" منذ شباط (فبراير) الماضي وارتفاع نسبة الإصابات في الأسبوعين الأخيرين ما قبل الانفجار.
وثانيها- استمرار معاناة اللبنانيين بتهديد وجود الدولة اللبنانية ، والمسألة تتعلّق بالعقد الاجتماعي وشرعية نظام الحكم ، سواء بدستور العام 1943 أو بميثاق الطائف العام 1989 الذي جاء بعد حرب أهلية دامت نحو 15 عاماً.
وقد عاظمت كارثة مرفأ بيروت من معاناة اللبنانيين، إضافة إلى أزمات النفايات والمازوت والبنزين والكهرباء وتلوث المياه وعجز المصارف وانهيار سعر الليرة اللبنانية، لدرجة أصبح نصف اللبنانيين في خط الفقر ودونه وقد اضطرت محال تجارية وخدمية وسياحية إلى الإغلاق، كما تم الاستغناء عن خدمات 400 ألف عامل، فضلاً عن أن 300 ألف إنسان أصبحوا بلا مأوى .
وثالثها – استمرار انتفاضة 17 اكتوبر (تشرين) 2019 ، ولعلّ أهم مطالبها تنحية الطبقة السياسية الحاكمة منذ عقود من الزمان بسبب فشلها وفسادها، والتوجه صوب عقد اجتماعي جديد يتجاوز الطائفية ويؤسس لدولة المواطنة، وهذا يتطلب تعديل الدستور وسن قانون انتخابي جديد على أساس النسبية.
وإذا كانت مثل هذه المطالب صعبة وبعيدة المنال، بل تكاد تكون مستحيلة حتى وقت قريب، خصوصاً إعادة الاعتبار للدولة وهيبتها التي ينبغي أن تعلو على الجميع، فإنه بعد التطورات الأخيرة واستقالة الحكومة أصبحت مطروحة على بساط البحث، وإنْ لم تتحقق هذه المطالب كلها دفعة واحدة لكنها أصبحت في برامج أوساط وقوى سياسية وطيف واسع من اللبنانيين، وقد يمهّد ذلك لتغييرات تدرّجية وعلى مراحل، إذْ لم يعد يحتمل استمرار الوضع على ما هو عليه.
ولا يمكن للبنان الخروج من عنق الزجاجة ووصوله إلى المعافاة الحقيقية، لاسيّما كسب ثقة المجتمع الدولي دون إجراء إصلاحات جذرية وجوهرية ومحاربة الفساد والمفسدين واستعادة الأموال المنهوبة والمساءلة على التقصير وسوء الإدارة والعبث بحياة وممتلكات الناس وحقوقهم، ، وهو ما لمّح إليه الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون خلال زيارته لبيروت ومن المفترض عودته أوائل سبتمبر (أيلول) المقبل.
وقبل أن يكون التغيير مطلباً للقوى الخارجية فإنه حاجة لبنانية ماسة، وهو بيد اللبنانيين أولاً، لاسيما إذا بادروا إلى عقد اجتماعي جديد، فإن الدول الشقيقة والصديقة والمجتمع الدولي، يمكنها حينذاك أن تقدّم لهم الدعم المطلوب. وبالطبع فثمة عقبات وضغوط كبيرة على هذا الصعيد، منها التهديدات " الإسرائيلية" المستمرة، وتحديات القوى الإقليمية والدولية، التي تريد أن يكون لها حصة مؤثرة في التوافقات السياسية، سواء إبقاء القديم على قدمه أو إجراء تغيير يصب في مصلحتها.
إن إعادة تأسيس الدولة اللبنانية وفقاً للتطور الدستوري والسياسي المعاصر الذي يعني اعتماد مبادئ المواطنة، التي تقوم على الحرّيات والمساواة وعدم التمييز وعلى المشاركة والشراكة (العيش معاً) ووفقاً لقواعد العدل وحكم القانون بعيداً عن نظام الزبائنية واقتسام الغنائم، وبتقديري إن لبنان بالمواطنة والتنمية المستدامة وعلى أساس الهويّة الجامعة مع الإقرار بالتنوّع واحترام الخصوصيات والهويّات الفرعية يمكنه تجاوز محنته الراهنة، وسينهض كطائر الفينيق من الرماد، مزدهراً معافى في محيطه العربي ودوره الثقافي والحضاري كجسر للقاء الثقافات وامتداداتها، واعداً بسلام حقيقي وعادل، لما يملكه شعبه من نشاط وإبداع وحيوية وطاقة ومبادرة .
إن المدخل الأول لحل الأزمة اللبنانية وإنهاء الانقسامات المجتمعية هو التمسّك بالمواطنة العابرة للطائفية لتحقيق التنمية المستدامة بجميع جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والقانونية والتربوية والتعليمية وغيرها وضمان عيش المواطن وحقوقه الإنسانية في ظل دولة تعلو مرجعيتها جميع المرجعيات الدينية أو الإثنية أو المناطقية أو السياسية أو الحزبية أو العشائرية أو غيرها.
والطريق نحو هذه الدولة لا بدّ أن يمرّ ب مصالحة تاريخية بين الدولة والمواطن، بحيث يشعر الأخير أن الدولة هي دولته وراعية لمصالحه، والحكومات تأتي وتذهب لخدمته وليس لسرقته، ويحتاج الأمر إلى عمل طويل الأمد لتحسين الأوضاع الصحية والمعاشية والخدمية وتوفير فرص عمل وضمانات اجتماعية وتقاعدية وضمان للشيخوخة، بما يعزّز من وعي المواطن وثقته بالدولة من جهة ويُشعِر المسؤول الحكومي أنه جاء لخدمة الناس وليس لتنفيذ مصالحه الخاصة أو المذهبية أو الفئوية على حساب مصالح الشعب، وما السياسة في نهاية المطاف ومنذ أرسطو وابن خلدون سوى تحقيق الخير العام، وإذا ما قصّر المسؤول أو فشل لا بدّ من مساءلته في قضاء حر ونزيه ومستقل ومهني ودون تدخلات من أي جهة كانت داخلية أم خارجية إقليمية أم دولية.
*باحث ومفكر عربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.