مشروع ضخم لطاقة الرياح يرى النور في العيون بشراكة مغربية إماراتية    المغرب وتركيا يتفقان على تعزيز التبادل التجاري وتوسيع التعاون الاقتصادي في ختام اجتماعات رفيعة المستوى بأنقرة    قطر توجه رسالة إلى الأمم المتحدة بشأن الهجوم الإيراني ضد قاعدة العُديد    العراق يعيد فتح مجاله الجوي بعد هدنة إيران وإسرائيل    مصر تعلن استئناف حركة الطيران بشكل تدريجي بينها والكويت وقطر والسعودية والإمارات    قائمة لبؤات الأطلس لنهائيات كأس إفريقيا    مونديال الأندية.. حكيمي يتوج بجائزة أفضل لاعب في مباراة باريس سان جيرمان وسياتل ساوندرز    الوداد يطمئن أنصاره عن الحالة الصحية لبنهاشم وهيفتي    بوغبا يترقب فرصة ثمينة في 2026    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    كأس العالم للأندية .. الأهلي خارج المنافسة وإنتر ميامي يصطدم بباريس    بعد تداول أنباء إعفائها.. مديرة "أنابيك" توقع اتفاقية شراكة مع وزارة الشباب والثقافة    بورصة الدار البيضاء تفتتح تداولاتها على وقع الأخضر    ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها    رغم الخسائر الثقيلة.. إيران استسلمت والتزمت بوقف إطلاق النار أولًا قبل إسرائيل    كيوسك الثلاثاء | المغرب يستعد للتألق عالميا بخطة سياحية شاملة لمونديال 2030    وفد من مؤسسة دار الصانع في مهمة استكشافية إلى أستراليا لتعزيز صادرات الصناعة التقليدية المغربية على الصعيد الدولي    رمسيس بولعيون يكتب... البرلماني أبرشان... عاد إليكم من جديد.. تشاطاراا، برويطة، اسعادات الوزاااار    توقعات حالة الطقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    النسخة السادسة والثلاثون من عرض الموضة Révélations صُنع في المغرب: تكريم للتميز في الإبداع المغربي    "بي واي دي" الصينية تسرّع خطواتها نحو الريادة العالمية في تصدير المركبات الكهربائية    ميناء الحسيمة يستقبل أول رحلة في إطار عملية مرحبا 2025    بركة: 300 كيلومتر من الطرق السريعة قيد الإنجاز وبرمجة 900 كيلومتر إضافية    تعادل وفرص بالجملة وأداء ولا أروع وخروج من البطولة للمارد الأحمر في أخر محطات كأس العالم للأندية    إيران تؤكد الاستعداد لوقف الهجمات    الهلال السعودي يتواصل مع النصيري    جيش إسرائيل: إيران تواصل القصف    الملك محمد السادس يؤكد للأمير تميم تضامن المغرب مع قطر    بنعلي: الحكومة تشتغل على تطوير البنيات التحتية للسيادة الطاقية المغربية    بركة: انقطاعات مياه الشرب محدودة .. وعملية التحلية غير مضرة بالصحة    إيران ترد بقوة على اغتيال عالمها النووي    الدرك يقتحم "فيلا الماحيا" في الجديدة    بين الآلي والإنساني .. "إيسيسكو" تناقش الجامعة في زمن الذكاء الاصطناعي    جمعية تطالب بمنع دخول السيارات والدراجات إلى الشواطئ بعد حادث الطفلة غيثة    الحسيمة تترقب زيارة ملكية خلال الأيام المقبلة    فرنسا تجدد التأكيد على أن حاضر ومستقبل الصحراء "يندرجان بشكل كامل في إطار السيادة المغربية"    27% من القضاة نساء.. لكن تمثيلهن في المناصب القيادية بالمحاكم لا يتجاوز 10%    الذهب يرتفع وسط الإقبال على أصول الملاذ الآمن مع ترقب رد إيران    بوريطة يستقبل وزير الشؤون الخارجية القمري حاملا رسالة من الرئيس أزالي أسوماني إلى الملك محمد السادس    دعاية هزيلة.. بعد انكشاف مقتل ضباط جزائريين في طهران.. نظام العسكر يُروج وثيقة مزورة تزعم مقتل مغاربة في إسرائيل    ياسين بونو يتوج بجائزة رجل المباراة أمام سالزبورج    بسمة بوسيل تُطلق ألبوم "الحلم": بداية جديدة بعد 12 سنة من الغياب    إشكالية التراث عند محمد عابد الجابري بين الثقافي والابستيمي    مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تنظم المعرض الفوتوغرافي "أتيت من نظرة تَعْبُرُ" للفنان المصور مصطفى البصري    رأي اللّغة الصّامتة – إدوارد هارت    وسط ارتباك تنظيمي.. نانسي عجرم تتجاهل العلم الوطني في سهرة موازين    "تالويكاند" في دورته الرابعة.. تظاهرة فنيّة تحتفي بتراث أكادير وذاكرتها    هذه تدابير مفيدة لتبريد المنزل بفعالية في الصيف    موازين 2025.. الفنانة اللبنانية نانسي عجرم تمتع جمهورها بسهرة متميزة على منصة النهضة    موازين 2025 .. الجمهور يستمتع بموسيقى السول في حفل المغني مايكل كيوانواكا    موجة الحر في المغرب تثير تحذيرات طبية من التعرض لمضاعفات خطيرة    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكلمة‏ والحرية‏ والمسئولية
نشر في أسيف يوم 14 - 11 - 2006

نعترف‏ جميعا‏ أن‏ عملية‏ التحول‏ الديمقراطي‏ هي‏ عملية‏ صعبة‏ ومعقدة‏, وأن‏ طرق‏ الوصول‏ إليها‏ تثير‏ من‏ الجدل‏ والاختلاف‏ بأكثر‏ مما‏ تفترضه‏ من‏ اتفاق‏ أو‏ إجماع‏ . ولا‏ بد‏ من‏ الاعتراف‏ أيضا‏ بأنها‏ عادة‏ لا‏ تسير‏ في‏ اتجاه‏ واحد‏ إلي‏ الأمام‏ , بل‏ إنها‏ في‏ مراحلها‏ الانتقالية‏ - وبحكم‏ التعريف‏ والتجربة‏ - قد‏ تتعرض‏ للعثرات‏, بل‏ والانتكاسات‏ فتمضي‏ خطوة‏ للأمام‏ حينا‏ وخطوات‏ أخري‏ إلي‏ الخلف‏ حينا‏ آخر‏ ثم‏ تتكرر‏ تلك‏ الدورة‏ حتى‏ تستقر‏ في‏ النهاية‏ علي‏ قواعد‏ ترتضيها‏ الغالبية‏.‏
فأي‏, تغيير‏ بل‏ وكل‏ تغيير‏ مهما‏ تكن‏ الرغبة‏ فيه‏ والشوق‏ إليه‏ , يثير‏ من‏ المخاوف‏ والشكوك‏ ما‏ يجعل‏ الإقدام‏ عليه‏ يكتنفه‏ الكثير‏ من‏ التردد‏, فالانتقال‏ مما‏ هو‏ معتاد‏ إلي‏ ما‏ هو‏ جديد‏ ليس‏ أمرا‏ سهلا‏. لذلك‏ فإن‏ الارتكان‏ أو‏ الرهان‏ علي‏ وجود‏ بعض‏ المؤشرات‏ الأولية‏ للتغيير‏ لا‏ يكفي‏ في‏ ذاته‏ للحكم‏ علي‏ سلامة‏ تلك‏ العملية‏ ورسوخها‏, مثلما‏ لا‏ يضمن‏ تلقائيا‏ تحققها‏, بل‏ قد‏ يعد‏ من‏ قبيل‏ التبسيط‏ المخل‏ لتلك‏ العملية‏ المعقدة‏ والتي‏ بلا‏ شك‏ لا‏ تقف‏ عند‏ حدود‏ أو‏ مستويات‏ الحديث‏ عما‏ يدخل‏ ضمن‏ ' القضايا‏ الكبرى‏', أي‏ التغييرات‏ الدستورية‏ والقانونية‏ والتشريعية‏ , فضلا‏ عن‏ عملية‏ الانتخابات‏ ذاتها‏ .‏فهذه‏ المستويات‏ تعد‏ من‏ الكليات‏ الظاهرة‏ ولكنها‏ قد‏ تغفل‏ المستويات‏ التحتية‏ الأكثر‏ تأثيرا‏ في‏ عملية‏ التغيير‏ والتي‏ تمتلئ‏ بالجزئيات‏ والتفاصيل‏ المهمة‏ , وعلي‏ الرغم‏ من‏ أهميتها‏ ومحوريتها‏ مازالت‏ لا‏ تحتل‏ المكانة‏ التي‏ تستحقها‏ في‏ النقاش‏ العام‏ مقارنة‏ بالعناوين‏ '‏البراقة‏ ' لتلك‏ القضايا‏ الكلية‏ المشار‏ إليها‏ , والمقصود‏ هنا‏ هو‏ الثقافة‏ السياسية‏ التي‏ يتمتع‏ بها‏ أي‏ مجتمع‏ والتي‏ تعد‏ هي‏ البيئة‏ الأشمل‏ التي‏ تحتوي‏ بداخلها‏ جميع‏ القضايا‏ الكبرى‏ المتعلقة‏ بعملية‏ التحول‏ الديمقراطي‏. فهذه‏ البيئة‏ إما‏ أن‏ تكون‏ بيئة‏ حاضنة‏ لقيم‏ الحرية‏ والتعددية‏ والإصلاح‏ والتغيير‏ التي‏ تستوجبها‏ تلك‏ العملية‏, وإما‏ علي‏ العكس‏ تكون‏ طاردة‏ أو‏ نافرة‏ من‏ تلك‏ القيم‏ . ولا‏ شك‏ أن‏ وسائل‏ التنشئة‏ لتلك‏ الثقافة‏ - التي‏ تعد‏ فرعا‏ من‏ الثقافة‏ العامة‏ السائدة‏ - تتعدد‏ وتتنوع‏ ولكن‏ تبقي‏ أهم‏ وسائلها‏ متركزة‏ في‏ الصحافة‏ والإعلام‏ , وبالتحديد‏ في‏ لغتها‏ السياسية‏ التي‏ تعبر‏ من‏ خلالها‏ عن‏ قيم‏ معينة‏ تنشرها‏ في‏ المجتمع‏ وتقود‏ أو‏ توجه‏ بها‏ الرأي‏ العام‏, وهذا‏ بالضبط‏ ما‏ يتوقف‏ عنده‏ هذا‏ المقال‏ , لما‏ لتلك‏ الوسائل‏ من‏ دلالات‏ عميقة‏ وأثر‏ بالغ‏ علي‏ باقي‏ مجريات‏ أو‏ جوانب‏ التطور‏ الديمقراطي‏ . فعلي‏ مدي‏ السنوات‏ القليلة‏ الماضية‏ شهدت‏ الصحافة‏ - وربما‏ الإعلام‏ أيضا‏ - تطورات‏ ملحوظة‏,‏خاصة‏ من‏ الناحية‏ الكمية‏ المتمثلة‏ في‏ زيادة‏ عدد‏ إصدارات‏ الصحف‏ الخاصة‏ أو‏ ما‏ تسمي‏ مجازا‏ بالمستقلة‏ .‏كما‏ شهدت‏ تغييرا‏ شاملا‏ في‏ جميع‏ مؤسسات‏ الصحف‏ الحكومية‏ بعد‏ فترة‏ طويلة‏ من‏ الجمود‏ الذي‏ حال‏ دون‏ تجديد‏ قياداتها‏ ودمائها‏ , وهو‏ أمر‏ سبق‏ أن‏ تناولته‏ باستفاضة‏ وسائل‏ صحفية‏ وإعلامية‏ عديدة‏ ولا‏ داعي‏ للتوقف‏ عنده‏ وقد‏ حدث‏ بالفعل‏ . ولكن‏ يبقي‏ السؤال‏ الجوهري‏: هل‏ هذه‏ المتغيرات‏ الكمية‏ والتغييرات‏ الصحفية‏ (‏دون‏ الوقوع‏ هنا‏ في‏ خطأ‏ التعميم‏ أو‏ الحصرية‏) قد‏ أدت‏ بالفعل‏ إلي‏ تغيير‏ عميق‏ في‏ المضمون‏ وفي‏ اللغة‏السياسية‏ المستخدمة‏ أو‏ في‏ الإسهام‏ في‏ نشر‏ ثقافة‏ جديدة‏ أو‏ فكر‏ جديد‏ يواكب‏ العصر‏ ويدفع‏ بتلك‏ القضايا‏ السياسية‏ الكبرى‏ إلي‏ الأمامإن‏ تاريخ‏ الصحافة‏ المصرية‏ هو‏ تاريخ‏ طويل‏ عريق‏ حافل‏ بفترات‏ الإشراق‏ والازدهار‏ والانحياز‏ لقيم‏ الحرية‏ والتنوير‏, وهو‏ ما‏ كفل‏ لمصر‏ لحقب‏ متتالية‏ موقع‏ الريادة‏ العربية‏ دون‏ افتعال‏ أو‏ شعارات‏. فحين‏ اجتذبت‏ مصر‏ مبكرا‏ رؤوس‏ الأموال‏ والكتاب‏ من‏ بلاد‏ الشام‏ في‏ السبعينيات‏ من‏ القرن‏ التاسع‏ عشر‏ واختاروها‏ مكانا‏ لإقامة‏ أعرق‏ صروح‏ الصحافة‏ العربية‏ ممثلة‏ آنذاك‏ في‏ جريدة‏ الأهرام‏ التي‏ أسسها‏ بشارة‏ ونقولا‏ تقلا‏ في‏ عام‏ 1875 لم‏ يكن‏ ذلك‏ محض‏ صدفة‏ وإنما‏ كان‏ لدورها‏ التنويري‏ , الذي‏ بدأ‏ يسطع‏ مع‏ أول‏ وأهم‏ تجربة‏ للدولة‏ الحديثة‏ في‏ عهد‏ محمد‏ علي‏ , وأيضا‏ لانفتاح‏ ثقافتها‏ ورحابتها‏ لتسع‏ الجميع‏ . ومنذ‏ ذلك‏ الحين‏ تأسست‏ مدارس‏ صحفية‏ مصرية‏ راسخة‏ وعميقة‏ كان‏ الأهرام‏ في‏ مقدماتها‏ الذي‏ تعاقب‏ علي‏ رئاسة‏ تحريره‏ والكتابة‏ فيه‏ كوكبة‏ من‏ ألمع‏ وأبرز‏ نجوم‏ الفكر‏ والأدب‏ والصحافة‏ والشعر‏ (‏أمثال‏: طه‏ حسين‏ , العقاد‏, مطران‏ خليل‏ مطران‏ , انطون‏ الجميل‏, توفيق‏ الحكيم‏ , نجيب‏ محفوظ‏ , د‏. حسين‏ فوزي‏ , يوسف‏ السباعي‏ , يوسف‏ إدريس‏ , لويس‏ عوض‏ وزكي‏ نجيب‏ محمود‏ ..) فكان‏ الأهرام‏ بحق‏ منارة‏ فكرية‏ إلي‏ جانب‏ كونه‏ صرحا‏ صحفيا‏ ضخما‏ , وكانت‏ القضايا‏ الكبري‏ التي‏ تثار‏ فيه‏ والسجالات‏ الفكرية‏ والسياسية‏ شاهدة‏ علي‏ مسئولية‏ الكلمة‏ والرغبة‏ الجارفة‏ في‏ الارتقاء‏ بالوطن‏. كذلك‏ روز اليوسف‏ التي‏ أسستها‏ فاطمة‏ اليوسف‏ عام‏ 1925 كأول‏ سيدة‏ تقتحم‏ بقوة‏ وثبات‏ مجالا‏ كان‏ قصرا‏ علي‏ الرجال‏ واعتبر‏ عملا‏ أكثر‏ من‏ رائد‏ بمعيار‏ زمانها‏ . كما‏ تولي‏ رئاسة‏ تحريرها‏ في‏ فترة‏ أخري‏ في‏ منتصف‏ الأربعينيات‏ الكاتب‏ الكبير‏ إحسان‏ عبد‏ القدوس‏. وأسست‏ مجلة‏ '‏روز اليوسف‏'‏وقادت‏ لفترة‏ طويلة‏ مدرسة‏ صحفية‏ سياسية‏ وأدبية‏ امتازت‏ بالجرأة‏ والاختلاف‏ وحققت‏ من‏ خلالها‏ ليس‏ فقط‏ شهرة‏ واسعة‏ (‏خاصة‏ في‏ أوساط‏ الشباب‏) وإنما‏ استطاعت‏ أيضا‏ أن‏ تحافظ‏ من‏ خلالها‏ علي‏ قاعدة‏ ثابتة‏ من‏ القراء‏ الذين‏ ارتبطوا‏ بها‏ زمنا‏ ليس‏ بالقصير‏.‏ولاشك‏ أن‏ المدرسة‏ الصحفية‏ التي‏ أسسها‏ مصطفي‏ وعلي‏ أمين‏ في‏ الأخبار‏ كانت‏ هي‏ الأخرى‏ إضافة‏ مميزة‏ تدلل‏ علي‏ مدي‏ تنوع‏ الإبداع‏ الصحفي‏ وتعدد‏ مدارسه‏ ومناهجه‏ وليس‏ فقط‏ زيادته‏ العددية‏ أو‏ الكمية‏ . وهناك‏ بالطبع‏ أمثلة‏ أخري‏ عديدة‏ ليس‏ المجال‏ هنا‏ يتسع‏ لحصرها‏ جميعا‏ وإنما‏ ما‏ تهدف‏ إليه‏ تلك‏ اللمحة‏ السريعة‏ للتاريخ‏ العريق‏ للصحافة‏ المصرية‏ هو‏ المقارنة‏ بين‏ ما‏ كانت‏ عليه‏ وما‏ أصبح‏ عليه‏ حالها‏ الآن‏ . فعلي‏ الرغم‏ من‏ الزيادة‏ الملحوظة‏ وربما‏ غير‏ المسبوقة‏ في‏ أعداد‏ الصحف‏ إلا‏ أن‏ ذلك‏ لم‏ ينعكس‏ - في‏ أغلب‏ حالاتها‏- علي‏ مضمونها‏ السياسي‏ , أو‏ لغة‏ خطابها‏ والارتقاء‏ المرجو‏ منه‏ , أو‏ قدرتها‏ علي‏ اقتحام‏ قضايا‏ جديدة‏ وجريئة‏ تشكل‏ تحديات‏ حقيقية‏ أمام‏ عملية‏ الإصلاح‏ , وفي‏ كلمة‏ واحدة‏ في‏ قدرتها‏ علي‏ ترسيخ‏ قواعد‏ جوهرية‏ للحرية‏ والتعددية‏ الحقيقية‏ تؤمن‏ , بحق‏ , بالتنوع‏ في‏ الآراء‏ ووجهات‏ النظر‏ والمنطلقات‏ الفكرية‏ وتستمد‏ قوتها‏ لا‏ من‏' الصوت‏ العالي‏' أو‏ ' الترهيب‏ ' ولكن‏ من‏ قوة‏ الإقناع‏ والتأثير على‏ الأفكار‏ ذاتها‏ والقضايا‏ التي‏ تطرحها‏ وفق‏ رؤية‏ شاملة‏ متجانسة‏ .الواقع‏ إننا‏ إزاء‏ ظاهرة‏ جديدة‏ تستحق‏ كثيرا‏ من‏ التأمل‏ فأغلب‏ (‏ولا‏ نقول‏ كل‏) الصحف‏ سواء‏ سميت‏ بالقومية‏ أو الخاصة‏ تكتسب‏ تقريبا‏ شكلا‏ وخطا‏ واحدا‏ ما‏ يجعلها‏ تبدو‏ أقرب‏ إلي‏ '‏المعزوفة‏' الواحدة‏ التي‏ يحركها‏ '‏مايسترو‏' واحد‏ مع‏ اختلاف‏ المستويات‏ بالطبع‏ . والأهم‏ من‏ الحديث‏ عن‏ هذا‏ الشكل‏ هو‏ طبيعة‏ اللغة‏ السياسية‏ التي‏ تخصصت‏ فيها‏ بعض‏ تلك‏ الصحف‏ والتي‏ بات‏ من‏ المعتاد‏ أن‏ تخرج‏ عن‏ حدود‏ النقد‏ الموضوعي‏ واللياقة‏ الأدبية‏ أو‏ الذوق‏ العام‏ المتعارف‏ عليه‏ لتصبح‏ أقرب‏ إلي‏' المنشور‏' الرديء‏ الذي‏ يمتلئ‏ بالانحيازات‏ المسبقة‏ ويقدم‏ العامل‏ الشخصي‏ علي‏ السياسي‏ أو‏ الموضوعي‏ وكأنها‏ تعيد‏ إلي‏ الذاكرة‏ تلك‏ اللغة‏ القديمة‏ للشعر‏' الهجائي‏' المهجور‏. وربما‏ '‏تفاخر‏' البعض‏ و‏'‏تحجج‏' بأن‏ هذا‏ الأسلوب‏ ' الهجائي‏' أصبح‏ إلي‏ حد‏ كبير‏ معمما‏ يطول‏ الجميع‏ كبارا‏ وصغارا‏ رسميين‏ أو‏ غير‏ رسميين‏ سياسيين‏ أو‏ كتابا‏ ومثقفين‏ ! ولكن‏ من‏ قال‏ إن‏ هذه‏ دلالة‏ علي‏ الحرية‏ أو‏ أنها‏ من‏ الممارسات‏ الديمقراطية‏ ! الأرجح‏ أنها‏ تعويض‏ عن‏ غياب‏ القضية‏ أو‏ هشاشة‏ الفكرة‏ و‏ افتقاد‏ الحجة‏. والدليل‏ علي‏ ذلك‏ أن‏ تلك‏ النوعية‏ من‏ الصحافة‏ المكتوبة‏ عادة‏ ما‏ تسجن‏ نفسها‏ وتسجن‏ معها‏ النقاش‏ العام‏ في‏ المربع‏ رقم‏ واحد‏ , فلا‏ هي‏ تدفع‏ إلي‏ الأمام‏ ولا‏ هي‏ تمتلك‏ القدرة‏ علي‏ مراجعة‏ كثير‏ من‏ الأوضاع‏ السلبية‏ القائمة‏ خاصة‏ في‏ هذا‏ الوقت‏ الذي‏ يشهد‏ فيه‏ المجتمع‏ كله‏ حركة‏ سياسية‏ وثقافية‏ تنبض‏ بالتغيير‏ تطلعا‏ للأفضل‏ . وربما‏ تكفي‏ المقارنة‏ هنا‏ بين‏ تلك‏ المظاهر‏ السلبية‏ التي‏ تشهدها‏ الصحافة‏ السياسية‏ و‏ ما‏ تشهده‏ الساحة‏ الثقافية‏ والفنية‏( , وهي‏ وسيلة‏ إبداعية‏ أخري‏ غير‏ مباشرة‏ للتنشئة‏ السياسية‏) من‏ أعمال‏ فنية‏ جديدة‏ وجريئة‏ تحمل‏ مضمونا‏ سياسيا‏ ورسالة‏ مثل‏ العمل‏ السينمائي‏ القيم‏ ' دم‏ الغزال‏' لمبدعه‏ الكاتب‏ المعروف‏ وحيد‏ حامد‏ ومسرحيتي‏ ' رجل‏ القلعة‏ ' وأهلا‏ يا بكوات‏' التي‏ يعاد‏ عرضها‏ الآن‏ . ولأنها‏ أعمال‏ ذات‏ قضية‏ , ورغم‏ أنها‏ تتعرض‏ لسلبيات‏ كثيرة‏ موجودة‏ إلا‏ أنها‏ لم‏ تعد‏ في‏ حاجة‏ إلي‏ ' تلك‏ اللغة‏ المفتقدة‏ إلي‏ المنطق‏' ولكن‏ اتسمت‏ لغتها‏ , رغم‏ جسارة‏ موضوعاتها‏ وجرأتها‏ , بالثبات‏ والهدوء‏ والجمال‏ معا‏, فصاحب‏ القضية‏ أو‏ وجهة‏ النظر‏ لا‏ يعرف‏ سوي‏ قوة‏ الإقناع‏ وجرأة‏ الدفاع‏ عن‏ الحق‏ والحرية‏ .‏ ظاهرة‏ سياسية‏ في‏ المقام‏ الأول‏ , أي‏ أن‏ حلها‏ ليس‏ في‏ تشديد‏ العقوبات‏ القانونية‏ أو‏ تقييد‏ حرية‏ الصحافة‏ أو‏ التضييق‏ علي‏ الصحفيين‏ , بل‏ علي‏ العكس‏ فتوسيع‏ قاعدة‏ الحرية‏ هو‏ ما‏ نصبو‏ إليه‏ جميعا الآن‏ وفي‏ المستقبل‏. ولكن‏ التعرض‏ لها‏ هنا‏ هو‏ للإشارة‏ إلي‏ مواطن‏ الخلل‏ التي‏ تستحق‏ من‏ الجميع‏ قراءتها‏ بإمعان‏ للوقوف‏ عند‏ أسبابها‏ ظاهرة‏ كانت‏ أو‏ كامنة‏, حتى‏ تصبح‏ ' الكلمة‏' التي‏ قدستها‏ الأديان‏ جميعا‏ , فكانت‏ فاتحة‏ القرآن‏ الكريم‏ ' اقرأ‏' وفي‏ الإنجيل‏ ' كانت‏ في‏ البدء‏ الكلمة‏' , هي‏ بحق‏ رسالة‏ وهي‏ حرية‏ ومسئولية‏ معا‏. فالكلمة‏ هي‏ القادرة‏ إما‏ علي‏ الهدم‏ أو‏ البناء‏ . فألا‏ يرد‏ إليها‏ اعتبارها‏ ؟‏!.‏المصدر : حركة القوميين العرب

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.