إحباط محاولة جديدة للهجرة السرية على سواحل إقليم الجديدة    المجلس الجماعي للجديدة يصادق على جميع نقاط جدول أعمال دورة ماي 2025    الدردوري: منصات المخزون والاحتياطات الأولية تجسيد للرؤية الملكية في تعزيز الجاهزية لمواجهة الكوارث    الدولي المغربي أشرف حكيمي يقود باريس سان جيرمان لنهائي دوري الأبطال    الشرطة القضائية بالعرائش تتمكن من إحباط محاولة تهريب طنين من مخدر الشيرا وتوقيف ثمانية أشخاص    بعد جلسة استمرت 12 ساعة.. المحكمة تحجز ملف النقيب زيان للمداولة    الشرطة تحبط محاولة تهريب طنين من الشيرا بالعرائش وتفكك شبكة إجرامية متورطة في التهريب الدولي عبر البحر    الطيران الباكستاني يؤكد تفوقه ويسقط مقاتلات هندية متقدمة داخل مجالها الجوي    ارتفاع أسهم شركة "تشنغدو" الصينية بعد تفوق مقاتلاتها في اشتباك جوي بين باكستان والهند    منتدى التعاون الصيني الإفريقي: كيف أرسى أسس شراكة استراتيجية؟    مكناس تبدأ في بناء محطة قطار حديثة بتكلفة 177 مليون درهم    تفكيك شبكة دولية للمخدرات بين العرائش وتطوان    اتفاقية رقمنة تصدير منتجات الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي بالمغرب    حكيمي يقود سان جيرمان لتجديد الفوز على أرسنال وبلوغ نهائي الأبطال    عبد اللطيف حموشي في زيارة عمل إلى فيينا ويلتقي مسؤولي أجهزة استخبارات من قطر وتركيا والسعودية والإمارات وباكستان    غزة تُباد.. استشهاد 102 فلسطينيا في سلسلة مجازر إسرائيلية وإصابة 193 خلال 24 ساعة    وهبي: "أشبال الأطلس" مستعدون لمواجهة أي منتخب في الدور القادم    بلقشور يكشف عن موعد إجراء مباراتي السد ويؤكد تواجد تقنية "الڤار"    التجسس على "واتساب": القضاء الأمريكي يغرم "إنزو" الإسرائيلية بمبلغ 168 مليون دولار لصالح "ميتا"    استهلك المخدرات داخل سيارتك ولن تُعاقبك الشرطة.. قرار رسمي يشعل الجدل في إسبانيا    باكو.. الأميرة للا حسناء تزور المؤسسة التعليمية "المجمع التربوي 132–134"    تصعيد خطير في جنوب آسيا: سلاح الجو الهندي يتكبد خسائر بمئات الملايين بعد هجوم باكستاني دقيق    لمواجهة الكوارث.. الملك يعطي انطلاقة إحداث منصة للمخزون والاحتياطات الأولية    المصطفى الرميد: لا تعارض بين الانحياز لقضايا المغرب ونصرة غزة    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    رئيس الحكومة الإسبانية يثني على مساهمة المغرب في تجاوز أزمة انقطاع التيار الكهربائي    مجلس أوربا: قانون العقوبات البديلة "منعطف تاريخي" في المنظومة القضائية المغربية    العصبة تكشف برنامج الجولة الأخيرة من البطولة الاحترافية    الجزائر تواصل مطاردة المثقفين.. فرنسا تتلقى مذكرتي توقيف دوليتين ضد كمال داود    صحيفة أجنبية: المغرب يعد الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ملاحظة نقدية من طرف ألفونس ويلهانز حول جان بول سارتر والعقل الجدلي    ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    أبو الأسود الدؤلي    توقيف مواطنين فرنسيين من أصول مغربية يشتبه تورطهما في قضية تتعلق بالسكر العلني وارتكاب حادثة سير بدنية مع جنحة الفرار    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    ديزي دروس يكتسح "الطوندونس" المغربي بآخر أعماله الفنية    من إنتاج شركة "Monafrique": المخرجة فاطمة بوبكدي تحصد جائزة وطنية عن مسلسل "إيليس ن ووشن"    إسبانيا تمول محطة تحلية عملاقة بالمغرب ب340 مليون يورو    الخطوط الملكية المغربية و"المبنى رقم 1 الجديد" في مطار JFK بنيويورك يبرمان شراكة استراتيجية لتعزيز تجربة المسافرين    لأول مرة في مليلية.. فيلم ناطق بالريفية يُعرض في مهرجان سينمائي رسمي    من هي النقابة التي اتهمها وزير العدل بالكذب وقرر عدم استقبالها؟    بركة: نعيش سنة الحسم النهائي للوحدة الترابية للمملكة    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    الزمالك المصري يقيل المدرب بيسيرو    "التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على كافة المستويات.. وخطابها "مستفز" ومخالف للواقع    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    "كوكا كولا" تغيّر ملصقات عبواتها بعد اتهامها بتضليل المستهلكين    فليك يتهم الحكم بإقصاء برشلونة ويُخاطب لاعبيه قبل الكلاسيكو    دافيد فراتيزي: اقتربت من فقدان الوعي بعد هدفي في شباك برشلونة    المغرب يستقبل 5.7 ملايين سائح خلال 4 أشهر    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حزب البديل الحضاري / إشكالات ورهانات
نشر في أسيف يوم 06 - 03 - 2008

في المنهج:تستدعي الضرورة المنهجية البحث عن أثر الحزب ( أوراقه السياسية والتنظيمية، بياناته، وتصريحاته الإعلامية...) للكشف عن بنائه السياسي والفكري. إذ داخل منطوق النص ترقد جوانب خفية تكون أحيانا حاسمة في مساره السياسي. ذلك أن الحقل السياسي هو بؤر للإنفلاتات والتناقضات وطمس المعنى...ومن ثمة،فالمعنى مرتحل على الدوام بفعل إكراهات ذاتية وموضوعية.وانشغالنا ببنية حزب البديل الحضاري يدخل ضمن استراتيجية البحث عن المعنى.وعلى هذا الأساس، فالارتقاء ببنية الحزب منهجيا ينبع من رؤية داخلية تتوخى فهم منطقه الداخلي وميكانيزمات تطوره وإنتاجه وأدائه...وهو ما يعني حصر مجال البحث في إطار رقعة لعب صغيرة تنطوي على قدر كبير من مسالك التيه. ملاحظات أولية:تحت عنوان: " من نحن؟ "، " ماذا نريد؟ "، " ماهي قضيتنا؟ "، " ما السبيل إلى ما نريد؟ ". علامات استفهام تحاول أوراق حزب البديل الإجابة عنها للتعريف بالخط السياسي للحزب وبأهدافه. وطبعا ثمة أوراق تفصيلية أخرى تدخل في باب رسائل موجهة إلى اليسار وإلى التيارات الإسلامية للدعوة إلى عقد تحالفات تراها البديل مخرجا مناسبا لأزمة التواصل بين المكونات اليسارية والإسلامية. فلطالما يرسل حزب البديل إشارات تستعجل بناء رأسمال الثقة بين الفاعلين السياسيين، وهو بهذا المعنى يختزل في ذاته جسر التواصل وأسباب التعايش. لكن، بداخل هذه الأوراق ترقد مساحات بيضاء لا تسعفها القدرة على إيجاد أجوبة لإشكالات تتعلق بموقع الحزب داخل المشهد السياسي. إذ بالرغم من اللغة التي تمتلكها هذه الأوراق والتي لا تختلف في بنائها عن لغة القوى الديمقراطية، فإن تفكيرها يظل متشبثا بالأهداف العامة وبالنوايا الحسنة.فما هو المسلك الذي سيقودنا إذن إلى الإمساك بالخيوط الأساسية للتفكير السياسي للبديل الحضاري؟نعتقد أن الحوارات التي يعقدها كل من ذ.مصطفى معتصم الأمين العام للحزب، وذ.الأمين ركالة الناطق الرسمي باسم الحزب، تنطوي على قدر كبير من الأهمية، بحيث تكاد تغطي تلك المساحات البيضاء.ومن ثمة،فتناولنا لأهم القضايا في الفكر السياسي لحزب البديل يجعل من حوارا ته الإعلامية مادتنا الأساسية، بما تملك من معالم التفرد والخصوبة في التفكير السياسي للحزب. في التكوين والتحول"جاء تأسيس حزب البديل الحضاري يوم 22/أكتوبر/1995 نتيجة سيرورة حركية تجد جذورها في الحركة الوطنية مرورا بالشبيبة الإسلامية وحركة الاختيار الديمقراطي ". من داخل هذه القنوات عرف مسار الحزب تحولات ميزت معالم تفكيره السياسي، بحيث سجل حضوره في إطار الإتحاد الوطني لطلبة المغرب مناهضا مشروع "لا" التي تتزعمه القوى ذات التوجه الإسلامي كدلالة مقاطعة مؤسسات الكفر والضلال.والعمل داخل الإتحاد الوطني كفضاء طلابي دشن انطلاقة البديل وسط إعصار شديد، لكونها تمثل من جهة، الابن الضال في أعين الإسلاميين، ومن جهة أخرى تمثل حركة رجعية محافظة كابحة للتقدم في تقدير الماركسيين.ففي سياق الستينيات والسبعينيات يكتسي التموقع السياسي أهميته من حيث الاصطفاف ومن حيث التميز داخل السلم الإيديولوجي لدلالة الحسم في التوجهات الليبرالية أ والاشتراكية.أما الوسط موقع لا يرقى إلى حروب الجدل ولا يحظى بالتفرد، بل إنه ساحة استراحة للأطراف المتناحرة ومركز التدريب لشحذ سيف المهارات الخطابية بالنسبة للمبتدئين.إذن كيف ستواجه البديل الحضاري مصيرها كحركة "منبوذة" ومعزولة سياسيا؟ من خلال مقاربتنا للنسق السياسي والفكري لحزب البديل الحضاري، نلمس كون عقيدته السياسية تتماهى مع المستحيل إنجازه، إذ مراهنتها على المسافات الطويلة يجعل منها حركة تنمو بتدرج بطيء. فهي حركة نخبوية تراهن على البعد الزمني لقياس مفعولات اجتهاداتها مدركة أن حركة التاريخ تتغير بقوة الأفكار. فقوة حزب البديل الحضاري- كما يشير ذ.معتصم- في آرائه وأفكاره واصطفافا ته، إذ من "الاختيار الديمقراطي" إلى "البديل الحضاري" حركة تاريخية تعكس رغبة الجنوح نحو تبني فلسفة الانفتاح والحوار وبناء تحالفات ومد الجسور بين المكونات الديمقراطية. إن الانتقال من مرحلة الصحوة كمؤشر عن لحظة طفولية تعكس صرا عات ديماغوجية وإيديولوجيا إلى مرحلة المؤسسات والتنظيمات والبرامج السياسية...يعزز لحظة النضج- لدى البديل- والوعي بأهمية تقليص مسافة الانعزال وفتح مسارب أمام تكثلات. ولعل تفكيك العلامة/التسمية يعكس إلى أي حد تسعى البديل إلى إيجاد شرعية التأسيس لموقعها الجديد داخل سياق يكتنفه ثقافة النبذ والإقصاء. إذ المرور من مرحلة انقلابية ( مرحلة الاختيار الثوري بلغة حركة التحرر الوطني ) إلى مرحلة "الاختيار الديمقراطي" ينتشل الحركة من مسألة اللاحسم في اختياراتها. فالديمقراطية قوام تفكيرها وأساس شرعية مشروعها المجتمعي و"ليست ذلك التعريف الفلسفي كما هو موجود في المضامين الإغريقية أو في أدبيات الثورة الفرنسية. بل إنها آلية التي تمكن من الوصول إلى السلطة عن طريق انتخابات تحترم إرادة الشعب".(ذ.معتصم.جريدة Reporter). ثم مرحلة البديل الحضاري باعتبارها تشكل"بديلا لواقع انغلق عليه الآفاق...وحضاري لأننا أبناء حضارة إسلامية"(ذ. معتصم, جريدة السلام العدد،70/2000).وأمام هذه العناصر، نخلص إلى أن حزب البديل الحضاري كمرحلة متقدمة في مسارها تعني البديل في الاجتهاد داخل المرجعية الإسلامية والإقرار بالمنطق النسبي والانفتاح على الحكمة الإنسانية...وبذلك تكون قد أسست موقعا يغني مساهمتها ويعزز دعاويها السياسية، باعتبارها ملتقى تقاطع بين العلمانيين والإسلاميين مع البحث عن قوا سم مشتركة تحترم بنود التعاقد المؤسس للاختلاف. إشكالية الهويةإشكالية الهوية لدى البديل الحضاري يتم مقاربتها من خلال مبدأين أساسيين:مبدأ اجتهادي تنتصب مقوماته في اتجاه محاربة حركات استنساخية، التي تجتر سياقات تاريخية بحمولاتها الرمزية والنظرية مفاتحها الأساسية "الصالح لكل زمان ومكان". ومبدأ انفتاحي يروم التفاعل والتلاقح مع كل المساهمات الفكرية الإنسانية. بهذا تكون حركة البديل حركة تجديدية، فتعامل البديل مع أجهزة مفاهمية تحمل قدرا من التوظيف الحداثي والعقلاني كمنطلقات تصورية، ثم التصدي لقيم وأفكار تشكل عوائق أمام التاريخ، كان بمثابة قلب الطاولة على نسيج المسلمات والجاهز للتصريف والدوغمائية...ذلك أن إشكالية الحركات الإسلامية، كونها تقليدا نية ولم تستطيع أن تبني بنائها النظري على خلفية تحديثية"بدايتها ارتبطت بإشكالات فقهية أو تنظيمية ولم ترتبط بإشكالات فلسفية أو تصورية"( الأمين ركالة. مجلة منتدى الحوار). ومن ثمة، فحركة البديل الحضاري انتدبت لنفسها مهمة مزدوجة: إعادة قراءة الإسلام مستلهمة عناصر الحداثة يسعفها في ذلك " تكوينها العلمي" و"ماضيها القريب من الحركة الماركسية اللينينية". ثم العمل السياسي على قاعدة المشاريع والبرامج والتدبير العقلاني للاختلاف. وهي مداخل تحدث بموجبها خلخلة للمرجعيات الإسلامية، مهددة شعبويتها ودعائمها القلبية. صحيح أن القاعدة العددية- كما يقول ذ.الطوزي- لا تمنح للأفكار قوتها، بل القوة في مدى تكييف هذه الأفكار وفق الشروط الزمنية الملائمة.ومن هذا الاعتبار، يظل العنصر الزمني لدى البديل ذا أبعاد فلسفية يتغذى من المطابقة فيما بين الأذهان والأعيان. تلك هي الحكمة التي تجمع في توليفة تفاعلية عناصر الجدل في التفكير والممارسة.
وإذا كان الرهان على العنصر الزمني، ما يجعل البديل الحضاري تواجه بإصرار وبتفاؤل انعزالها، فإن انسيابه ليس بحركة هادئة سلسة، بل متوتر بفعل مراكز الضغط والمقاومة بأشكالها المتعددة، تصر كل مرة على جعل حركته دائرية بطيئة تنتج المحظور والخرافي والمستحيل نقده... إذ تحت مبرر الخصوصية تنتصب المرجعية الإسلامية رافضة لكل القيم الحضارية والإنسانية جاعلة من الثرات الإسلامي وعاء الإجابات المطلقة.وبما أن التاريخ لا تحقن خصوبته الفعلية إلا من خلال التضاد والاختلاف لتحويل مساره، فإن بؤر التنوير تتشكل إرادتها من داخل هذه المرجعية السياسية الإسلامية، لتعلن عن استعدادها للحوار معتمدة مرجعية الحكمة الإنسانية، خصوصا تلك "المتضمنة في المواثيق و الإثفاقيات الدولية وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".(ذ.معتصم.موقع إسلام أون لين). لعله الانفلات من دائرة الأسر/ الخصوصية لمعانقة الامتداد ورحابة الأفق. وممانعتها في كونها حركة اجتهادية في إطار المرجعية الإسلامية. إشكالية السياسي و الدينيفي سياق التصنيفات المعتمدة للأحزاب السياسية، يتموقع حزب البديل في خانة الأحزاب الإسلامية تماشيا مع تصريحاته وأوراقه، الأمر الذي يعطي الانطباع سلفا أنه حزب يتبنى أطروحة الجمع بين المقدس والدنيوي. ومن ثمة، فالثوابت المرجعية الإسلامية تظل علامة فارقة لهذه الأحزاب لا يجوز المساس بروحها. لكن، إذا استحضرنا التصريحات الإعلامية لكل من ذ.معتصم، وذ.الأمين ركالة بخصوص هذه الإشكالية، فإن معالجتهما النقدية تمر عبر مفاهيم تنزع عنها طابع المطلق والغيبي لتتم المعالجة في إطارها التاريخي وليس الأسطوري. فالمفاهيم مثل الفصل/التكامل/التعاقد/المواطنة..تجد مرجعيتها في فلسفة الأنوار كمنبع لإشاعة قيم ديمقراطية، وفي نفس الوقت من داخل حقل العلوم الإنسانية ومناهجها الحديثة. وبما أن الفكر السياسي الإسلامي ارتفع ببنيته إلى ما فوق الطبيعي، فإن خطابه ذو بنية ميثية مفتوحة على المدهش والغرائبي...ومن ثمة، فنقد المقدس داخل إشكالية العلاقة السياسي والديني، يعتبر في تقدير حزب البديل الحضاري مدخلا أساسيا في ضبط إطار الفصل والتكامل بين المكونين، والذي يعني من جهة"نزع القداسة عن القرارات السياسية". ومن جهة أخرى "البحث عن الصيغ التكامل والتعايش بين الدولة والدين".(ذ.ركالة.جريدة الأحداث المغربية).وعلى هذا الأساس، ففصل السياسي عن الديني "يقتضي تحديد مجالات كل من الدين والدولة المدنية" من أجل "تحرير المجال الديني من أي توظيف سياسي"(ذ.ركالة.جريدة الأحداث المغربية). والفصل ليس بمنطق الإقصاء أو التهميش للدين باعتباره يشكل"بنية عائقة"، بل الفصل الذي يروم الاجتهاد لتحقيق مبدأ التكامل لكل المكونات التي تجيب عن حاجيات الإنسان الروحية والمادية بما تضمن من عناصر الانسجام، إذ"ليس الخطأ في تكوين أحزاب سياسية تستلهم القيم والمبادىء والأحكام الإسلامية، لكن في الانزلاق من ذلك نحو إعادة قدسية العقيدة السياسية المستمدة من القيم الدينية وقدسية السلطة المرتبطة بها"(ب.غليون.الدولة والدين, ص 461).وحزب البديل يعلي من قيم التشارك والمواطنة وحقوق الإنسان، باعتبارها مفاهيم شكلت تحولا في التاريخ الإنساني (الثورة الفرنسية). إنه يسعى بذلك إلى هدم الأسس المعيقة لآلية التفكير السياسي ومساهما في خلخلة الخطاب المؤسطر لفائدة الحدث التاريخي"نحن الآن مطالبون بالانتقال من الدولة ما قبل مدنية إلى الدولة المدنية. دولة يكون فيها المواطن هو الوحدة السياسية الأساس بغض النظر عن اعتقاداته ومرجعيته، دولة يكون فيها الشأن السياسي شأنا عاما غير قابل للاحتكار والمصادرة. دولة تضمن التداول السلمي للسلطة". (ذ.ركالة، جريدة الأحداث المغربية).المشروع المجتمعي للبديل الحضاري بقدر ما يقاوم الدولة اللاهوتية, على اعتبار حقيقة الدين تختلف عن حقيقة الدولة, بقدر ما يكرس حرية الاعتقاد واحترام حقوق الإنسان ،ذلك أن الاعتقاد ليس امتيازا يمنح الإحساس بالتفوق والتعالي وامتلاك الحقيقة كأساس للانتقاء والاصطفاف عبر معايير تركب مراتب التدرج من العام إلى الخاص لتستقر سلطتها في ذاتها(جماعتها) مستلهمة حظوتها من المطلق. لعل " تجربة الاعتقاد يجب أن تكون مكفولة بموجب الدستور، إذ لا معنى أن تفرض على شخص أن يكون مسلما بالولادة..فالإسلام قبل كل شيء اختيارا".(ذ.معتصم، لوجورنال إيبدوالعدد 119). نخلص إلى أن مقاربة إشكالية السياسي والديني لدى حزب البديل الحضاري يتملص من التصنيفات الحاسمة التي تشتغل بالثنائيات الحادة، كما لو أنها أقطاب منفصلة. وفي نفس الوقت لا تستهويه عملية التماهي لدرجة الخلط بين الوظائف، إذ "لا وجود لدولة دينية في إطار فهمنا للإسلام "(ذ.ركالة، جريدة الأحداث المغربية) كما لا يروم البحث عن صيغ توفيقية لإرضاء الأطراف المتقابلة. فمعالجة الإشكالية في إطار من الإنزلاقات تشوش على مضمون دولة المواطنة وتقود إلى بناءات تقصي التعدد والاختلاف. والديمقراطية هي أسمى قسمة بين الإطارات السياسية وتبني قيمها، بهذا القدر أو ذاك ما يجعل خفض التوتر بين السياسي والديني أمرا أكثر جدية.والديمقراطية التي ينشدها حزب البديل ليست تقية حزبية أو تحايلا على مضمونها، بل هي فلسفة وتوجه سياسي وسلوكي " لهذا رفضنا أي اصطفاف في الساحة السياسية المغربية على أساس علماني في مقابل إسلامي أو ديني في مقابل لا ديني. واعتبرنا الاصطفاف اليوم يجب أن يتم على أساس من مع الديمقراطية ومن ضد الديمقراطية "(ذ. معتصم، موقع إسلام أون لاين). إشكالية النقائضطالما نجد حزب البديل الحضاري يرسل إشارات متعددة نحو بناء تحالفات، بحثا منه عن المشترك السياسي بين اليساريين والإسلاميين. لكن، ما معنى أن تصر البديل على جمع المتناقضات وهي تعلم أكثر من غيرها أنها عملية مستحيلة؟!!يقول ذ.معتصم في حوار له مع جريدة reporter " نحن لا نريد أن ننتقد غدا كما تنتقد الآن الحركات الوطنية التي لم تتحمل مسؤوليتها. والأجيال المقبلة لا تسامحنا على تقصيرنا في استمرار واقع بقطبين متناحرين: قطب إسلامي وآخر علماني ". ثم يضيف " إننا نحاول تجنيب بلادنا أوضاع مأساوية كالتي عاشتها الجزائر، وتونس، أو الدول العربية التي لم تتمكن من إيجاد مخرج لأزمتها".البديل انتدبت لنفسها مند البداية مهمة هدم العوائق، منطلقة من أن فكرة الحدود هو سياج نفسي قبل أن يكون فكري. وفي ندوة عقدت بالدار البيضاء أيام 11 يناير2001 تحت شعار" تجميع القوى الديمقراطية ضرورة لتحقيق الانتقال الديمقراطي" أشار ذ. حررني إلى أن البديل الحضاري " بذلت أكبر مجهود لتخطي الحواجز الوهمية التي كانت تفصل بين الديمقراطيين، وخاصة الديمقراطيين ذوي المرجعية العلمانية والديمقراطيين ذوي المرجعية الدينية". ونداء الديمقراطية الذي تم التوقيع عليه في نفس اليوم، هو تتويج لمسار يأتي في سياق تحولات تمس أنماط التفكير السياسي لدى اليسار. الاتفاق إذن على برنامج مشترك بين الإسلاميين واليساريين ليس غريبا فهو ثمرة تقارب تاريخي، إذ "جزء منا له تاريخ قريب من الحركة الماركسية اللينينية"( ذ. معتصم، لوجورنال العدد.119 ) واستمر هذا التقارب مع الفعاليات اليسارية"مجموعة الميادين". السؤال الآن: ما معنى ألا تستجيب الأطراف الإسلامية الأخرى لنداء الديمقراطية، خصوصا وأن المشترك يستهدف البرامج وليس المرجعيات وهذا من شأنه تذويب لهيب التناقضات؟يعزي الأمين ركالة الأسباب في "انعكاسات فشل مشروع الوحدة(1992- 1990). والسبب الثاني يكمن في الدينامية والتحولات التي شهدتها الساحة الإسلامية طيلة العقد الأخير...الشيء الذي جعل الاهتمام بالشأن الداخلي ذو أولوية قصوى". هذه المبررات التي يسوقها ذ.ركالة، هل فعلا ترخي بضلالها على المشروع التعاقدي؟ أم أن الحركات الإسلامية مازالت ترى في دعوات البديل انتصارا للمضمون اليساري على حساب المضمون الإسلامي؟ تبقى الأسئلة مفتوحة حول رحلة الجسر التي تخوض البديل مغامرتها، هل ستفضي إلى مرفأ حيث تتعايش القيم والأفكار، أم أن القذائف التي تستهدف جسر البديل ترى في استراتيجية الحدود أمنها السياسي؟تلك هي إذن أسطورة سيزيف الحضاري مثقلة بنزيف التاريخ.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.