رئيس البرلمان الأنديني: المغرب عاصمة عالمية للدبلوماسية البرلمانية    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء تقوم بزيارة عمل إلى جامعة غالوديت بواشنطن من أجل شراكة استراتيجية    هل يتجه حزب العدالة والتنمية إلى الحظر بعد أن تحول إلى جماعة إسلامية حمساوية    "ندوة السلام".. بن عبد الله يدعو لتكثل عالمي يواجه إجرام إسرائيل ويحيي سكان طنجة    سوريا.. السلطات تعتبر القصف الإسرائيلي لمنطقة قريبة من القصر الرئاسي بدمشق "تصعيدا خطيرا"    لهذه الأسباب سيغيب الدولي المغربي مزراوي عن فريقه … !    اعتقال مروج مخدرات خطير بمراكش وبحوزته آلاف الأقراص المهلوسة    توقيع اتفاقية إطار بشأن الشراكة والتعاون من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية وتعميم استخدام ميزات الهوية الرقمية    يونس مجاهد: مجالس الصحافة وضعت للجمهور وليست تنظيمات بين-مهنية    رغم القطيعة الدبلوماسية.. وفد برلماني مغربي يحل بالجزائر    مخاريق: لا يأتي من بنكيران سوى الشر.. وسينال "العقاب" في الانتخابات    الناظور ضمن خريطة أطول أنبوب غاز في العالم يربط إفريقيا بأوروبا    الجامعة الملكية المغربية تكرم المنتخب الوطني النسوي المتوج بكأس الأمم الإفريقية للفوتسال    بسبب اختلالات رياضية.. الجامعة الملكية تصدر قرارات التوقيف والغرامة في حق عدد من المسؤولين    مواطنون إسبان يشيدون بالمساعدة المقدمة من المغرب إثر انقطاع الكهرباء    البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية بجهة الداخلة    لبنان يحذر حماس من استخدام أراضيه للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    بعد 25 سنة.. شركة "FRS" تُعلن رسمياً توقف نشاطها البحري بين طنجة وطريفة    اللاعب المغربي إلياس أخوماش يشارك في جنازة جدته بتطوان    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    « بين التاريخ والرواية» كتاب جماعي يرصد مسارات أحمد التوفيق    في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    حادثة سير مميتة تنهي حياة سبعيني بالفقيه بن صالح والسائق يفرّ هاربا    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    للمرة الخامسة.. مهمة سير فضائية نسائية بالكامل خارج المحطة الدولية    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بريش (الخبير في الدراسات المستقبلية والاستراتيجية) ل«التجديد»: ما حدث في العالم العربي ينبغي أن نعترف أنه لم يكن مُستَشْرَفا
نشر في التجديد يوم 05 - 12 - 2012

اعتبر الدكتور محمد الرجراجي بريش، الخبير في الدراسات المستقبلية والإستراتيجية، أن الأمة تعيش أزمة دخلت فيها منذ تخليها عن دورها في حماية الحق ونشر العدل، وقال مدير مشروع تطوير التعليم الديني بوزارة التربية والتعليم بدولة الإمارات العربية المتحدة، «الأمة لم تنل بعد استقلالها الكلي فكريا وثقافيا»، مؤكدا أن هناك «سياسة تأزيم مادامت هناك سياسة تجهيل وأن يتولى غير الأكفاء المناصب كي توضع العقبات في وجه أهل الصلاح». ويرى بريش أن «الأمة مرت بفرص لم تجتمع فيها كلمتها على أمر جامع، فضاع منها القرار»، مؤكدا أنه حين «نتحدث عن المستقبل المفقود، ليس على أساس أن نندم على فترة ما ولكن لنعرف أنه مازال بالإمكان إعادة النظر فيه واستجماع شروطه، أو لكي ندرس أثر غيابه فنوقد أو نحرك هذه الخانة من المستقبلات المفقودة، التي منها ما يستدرك ومنها ما لا يستدرك، لكن تظل دائما زادا للذاكرة، يحثها على أن تبحث عن المستقبل المنشود».
ويرى الدكتور في الهندسة المدنية، والذي تقلد عدة مناصب في قطاع الأشغال العامة بالمغرب، قبل أن يهاجر إلى الخليج، أن «التنمية هي علم وأخلاق قبل أن تكون اقتصادا، وهي استعادة نوع من العافية واستعادة الهوية وارتفاع السقف المعرفي ووجود أهل الصلاح واتساع دائرتهم»، وشدد المتحدث في حوار ل«التجديد»، أن الناس يمكن أن يكونوا فقراء، لكن لا يصح فيهم أن يكونوا عديمي الأخلاق، فالشيء الذي لا يحتمل أن يكونوا من الذين نسوا أنفسهم بالتعبير القرآني، أي ذابت هويتهم بحيث لم تعد لديهم ثقافة جامعة ولم تعد لهم قيم ضابطة.
● في البداية أستاذ بريش، علم المستقبليات هو علم أم مجرد تخصص أكاديمي، ما معنى أن يكون الشخص باحثا في القضايا المستقبلية؟
●● لازال الكثير من الناس يرون في هذا الفن علما، وهو في الحقيقة لم يستو بعد علما، لكنه فن له أدواته ويرى البعض أنه شيء يمكنهم من رؤية الغيب، أو يتطلعون به لتأريخ المستقبل، والإنسان من طبعه إذا كان تواقا راغبا في إنجاز مشروعه يفكر في غده، لأن الماضي شيء ولى لا يمكن إلا أن يستفاد منه، والواقع شيء حاصل يمكن الاستفادة من تشخيصه، ويبقى فن المستقبليات هو المجال الذي يمكن أن تتجسد فيه تلك الأماني، وذلك المتخيل الذي سينقلب مشروعا مجسدا هو الغد، فإذا القضية ليست استطلاعية بقدر ما هي تحفيزية أولا وقضية قرارية ثانيا، والمستقبلية الاستطلاعية لها أدواتها ومنهجيتها ويمكن أن تعرفنا عن التيارات الغالبة، ويعمل بها في الشأن الديموغرافي وفي المجال التعليمي، ويمكن أن تعرف كم من الأعداد ستستوعب في 2020 إذا أخذت بعين الاعتبار وثيرة التطور في خمس سنوات أو عشر سنوات، لكن يبقى دائما أن الجانب الكبير في الدراسات المستقبلية عمليا هو المستقبيلة القرارية، يعني أي قرار سنتخذ لأي مستقبل، أنت مثلا يريد أن يكون عندك طريق فائق السرعة في اتجاه معين، أنت إذا حددت مشروعا وتنظر في القرار ومآلات كلفة، وتحدد الوظائف التي ستمكنك من المشروع والعقبات، فأنت تنظر إلى مجمل المآلات سلبا وإيجابا لتتخذ القرار، فهذه إذا هي المستقبلية القرارية والتي تنبني على سيناريوهات ومشاهد مشروطة بشروط أنت تنطلق منها، فالمستقبلية العملية الفعلية هي التي تنطلق من ماذا سأفعل الآن، لأن اتخاذ القرار الآن في حاجة إلى عين على هذا القادم، ولابد من النظر إلى بعيد، وببصر حديد، ودون ذلك لا يمكنك أن تفكر جيدا، والناس الذين يستثمرون أموالهم ينظرون إلى الغد ومآلاته، وتصبح هذه المستقبلية جيدة حين يكون النظر جماعيا، وكل جهة يصنع فيها القرار السياسي أو الاقتصادي لابد أن يكون فيها شيء من التفكير المستقبلي، ونحن نعيب على برلمانياتنا ووزرائنا ومسؤولينا في مراكز القرار عدم اعتمادهم على جهات تدرس هذه السيناريوهات وتنظر فيها قبل أن تتخذ القرار، والعديد من القرارات كان ممكنا أن نستغني عنها، وعديد من أشياء كان لابد أن يتخذ فيها القرار، لأن رجالها حضروا ووقتها حل، وفي المستقبليات هناك ما يعرف بالمستقبليات المفقودة، لأنه كان ممكن أن يمشي الحاضر أمامنا جهة المستقبل لكنه لم يوظف، مثلا حين نقول ضاعت الفرص في كذا وفاتنا كذا، وكم من فرص أضعناها منذ الاستقلال في السياسة والاستثمار وغيرهما، لأن هناك صراعات جانبية شغلت الناس.
● هل هناك امتداد زمني للمستقبليات؟
●● لا يمكن أن تفكر بالمستقبل إلا بأفق زمني، نترك أصحاب الأدبيات يفكرون في ماذا سيقع بعد مائة سنة وماذا يكون بعد مائتين سنة، نعم يمكن أن يكون في بعض الأشياء التي تتحرك ببطء، مثل تحركات الأرض ومفاصلها الزمنية والتي تحتاج إلى عشرين سنة وثلاثين سنة لإدراك شيء من تطورها، هذا يمكن التفكير فيه في أفق قرن أو أكثر، وحين تريد أن تبني قنطرة ما، أنت تنظر إلى متى كانت الفيضانات الكبيرة على مدى قرن من الزمان مضى، وتعرف أقصى المستوى الذي وصل إليه الماء، وهذه نعتمد فيها على المدون وعلى الشفهي حتى نستطيع أن نعرف كل شيء عن تلك البقعة التي ستبني فيها القنطرة، ونفس الشيء حين تريد أن تبني سدا، تسأل متى كان الجفاف أشد ما كان، ومتى كان الفيضان أكثر ما كان، إذا أنت تسمح لنفسك على مدى قرن من الزمن أن تعرف حتى تستطيع أن تقول أن هذا ممكنا وهذا غير ممكن.
● من يهتم أكثر بالمستقبليات؟
●● الدراسات المستقبلية عادة تهتم بها فئتان، المقاولات الكبرى، لأن في الشأن المقاولاتي، حينما يكون الشخص يريد فقط الإنتاج، ويريد أن ينتج كمية محددة من منتوج ما، لا يسعه إلا أن يستعين بالتخطيط، فيحدد الأفق الزمني انطلاقا من ما لديه من مادة خام وموارد مالية وبشرية، ويحتاج المستثمر لنوع من المغامرة لأنه سيتوجه إلى جمهور، وهذا نوع من الدراسة المستقبلية مهم لرفع درجة اليقين. من جهة أخرى نجد أيضا الجهات العسكرية أكثر اهتماما بالدراسات المستقبلية، حيث بني عليها الاقتصاد ومصالح عدة نظرا لنفوذها، فهاتان الجهتان هي اللتان تهتمان أكثر بالدراسات المستقبلية، أما الأفراد والمجموعات القليلة فعادة لا تهتم بهذا النوع من الدراسات، ثم نجد أيضا الوزارات الكبرى الأكثر تأثيرا وحساسية، منها وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية، فهي تهتم وتنظر لمجال الدراسات المستقبلية.
● هل ممكن أن نقدم تشخيصا لمستقبل العالم العربي في ظل ما شهده العامل العربي من حراك خلال السنتين الماضيتين؟
●● أولا، ما حدث في العالم العربي ينبغي أن نعترف أنه لم يكن مستشرفا، أنا من الذين دعوا للمؤتمر الأول للمستشرفين العرب، ونظمته المنظمة العربية للثقافة والعلوم، في الأسبوع الأخير من نونبر 2011 بالعاصمة التونسية، وأنهى المؤتمرون مؤتمرهم وكانوا من كبار المستشرفين العرب، ببرقية أرسلوها للرئيس بنعلي، والرئيس هذا لم تكن تفصله إلى أيام قليلة ليس فقط عن زواله بل عن فراره، هؤلاء المستشرفون لم يكن يخطر لهم على البال أن الذي يرسلون له البرقية لن يمكث حتى شهر ونصف بعد مؤتمرهم هذا، لأنهم عقدوا مؤتمرهم في الأسبوع الأخير من نونبر وبعد أسبوعين ستنطلق الثورة التي ستمكث 23 يوما ليفر الرئيس، لماذا؟ هل لقلة معرفة هؤلاء بالاستشراف، لا بل لفجائية الأمر، ولو سألت أي تونسي في ذلك الوقت، لم يكن أحد يعتقد أن هناك إمكانية لمجرد تقليل الرئيس من سلطاته، فإذا هناك نفح رباني في هذه الثورات، وطبعا حين وقعت الناس تشرح ذلك بكل ما يتعلق بالأسباب، ومنها أن البوعزيزي أحرق نفسه رحمه الله، نعم تلك أحداث توالت، لكن لم تكن لتستشرف، وحين انهار الاتحاد السوفياتي لم يكن أحد من المستقبليين في أوروبا أو غيرها ينتظرون ذلك، وهذا يعني أن الله عز وجل أذن بوقوع تغيرات انطلقت كالبركان، ولاشك أنها لا زالت مستمرة، والذي ظن أن الزلزال مضى والأمور استقرت فقد جانب الصواب، لازالت التغيرات ستقع وليست بالضرورة من صنف التغيرات الإيجابية.
● أي مستقبل تستشرفونه بخصوص أداء الحكومات التي يقودها الإسلاميون الآن؟
●● مجرد وجودها يعتبر فاتحة لمستقبليات قادمة، أنتم لازلتم شبابا لا تذكرون الوقت الذي لم يكن ممكنا أن يلج فيه صاحب الرأي الإسلامي حتى للجامعة ليكون أستاذا، ثم شاء الله أن تدخل الدراسات الإسلامية للجامعات، والفضل في ذلك للأستاذ بلبشير حفظه الله، ففتحت مستقبلات عديدة. صحيح أن من نجحوا في الانتخابات عقب الربيع العربي يحملون ألوانا إسلامية، لكن الشعب هو من أفرزهم وهو الذي يريدهم ويطمع أن يكون الخير والصلاح على يدهم ويرجو ويتوق لذلك، لكن هل كلهم سيكونون صلحاء ونزهاء؟ هذا ما ننتظره ونتوخاه، لكن الذين يعاكسون الآن من أفرزهم الشعب ويحاربونهم، يخشون أن يمتد الأمر لسنوات، والذين يخططون لمستقبلات قادمة يريدون أن تكون هذه فلتة وأن تكون المحطات السياسية القادمة مناسبة لإبعادههم عن الحكم والقرار، والشرفاء لا يمكن أن نحصرهم فقط في من ينعتون بالصف الإسلامي، لكن هم موجودون داخل الشعب وفي أحزاب أخرى يمكن الاعتماد عليهم ولا يقلون إخلاصا، فإذا، أن يتزعم هؤلاء يعني الخروج من الضعف إلى القوة، ومغرب قوي وتونس قوية هذا شيء يخافه الآخرون، لنعمل بعض الدرس المستقبلي، لنفترض مغربا قويا وتونس قوية أيضا، هل تعتقد أن إفريقيا ستتحرك مثل ما كانت تتحرك من قبل، فالمغرب قوي سيجعل العديد من الناس يستحضرون تاريخ المغرب، وعدد من الدول من شمال أوروبا إلى جنوب إفريقيا سيطلبون النجدة من المغرب وسيستحضرون تاريخه، حتى لو لم يرغب هو في ذلك، لأنه صار على درجة من القوة والنفوذ، وصار له نوع من الإمكان أن يحق الحق ويبطل الباطل، ولا يمكنك أن تتصور كم سيأتيك من يريد أن تحميه وتمد له يد العون ويعيد معك خالي الأزمان من التطور والازدهار، وهذا أمر يدركه الذين يعرفون الجيواستراتيجية ويعرفون ما معنى القوة، وهي أصناف، أن تستطيع الفعل والامتناع عن الفعل ودفع غيرك عن الفعل وأخيرا تستطيع إلزام غيرك بالفعل، وإذا كنت تستطيع أن تفعل ذلك إذا أصبح لك دور إقليمي، وتؤثر في الأطراف وتنافس الكبار وتتصارع معهم، وهذا كله ينظر إليه الآخرون ويدركونه، ولذا انطلاق القطار الديمقراطي وبخطى بصيرة وتواتر يسعى نحو الصعود، هذا شيء لا يرغب فيه من يستغلون الخيرات ويريدون النفوذ، فهناك رغبة أن يبقى المتخلف متخلفا لأنهم يحققون العديد من المكاسب السياسية والاقتصادية وغيرها. نعم اللون السياسي الذي صعد الآن هو اللون الإسلامي لكنه ابن الدار، ولم يأتي من خارج الديار، والشعب أعطاه الكلمة ولم يعطها بشكل كامل للإسلاميين، بل أعطاها لهم ولغيرهم، ممن يثق فيهم من صلحاء البلد، لكن مجرد صعود نسبة من الإسلاميين أفزعت الكثيرين، منهم أصحاب المصالح والجهات الخارجية لأنها ترجع الهوية والقوة التي جاء بها الدين، الذي له جاذبيته وقوته وأثره وفعله في الشعوب الأخرى، فإذا ما استقام أصبح نموذجا يحتذا به، وسيقتدي به أهله والواثقون به حتى من الديار الأخرى وهذا يفزع الآخرين.
● هل الأمة اليوم تعيش أزمة؟
●● هي تعيش أزمة منذ أزمنة، هي منذ تخلت عن دورها في حماية الحق ونشر العدل دخلت إلى أزمة، فإذا الأمة التي استعمرت ما تزال تتخبط في جهل، والتي لازالت تعاني من ارتفاع نسب الأمية والأمة أطراف من كيانها مستعمرة، والأمة التي غرس في كيانها هذا الجزء الغريب عنها والذي اسمه إسرائيل، إن لم تكن تعيش أزمة فماذا تعيش، أنت إذا رأيت جريحا مقطوع الأيدي ورأسه مضمدا ويدعي أنه كامل الصحة، فذاك نوع من السخرية، يجب أن نعترف أن الأمة لازالت حديثة العهد من التخلص من جانب من الاستعمار ولم تنل بعد استقلالها الكلي فكريا وثقافيا، فكونها تعيش أزمات بما احتكت به من تيارات وأفكار، وكانت لها حقوق مهضومة قبل الاستعمار وبعده، والآن أصبحت على الأقل لها هيآت تدافع عن هذه الحقوق ولها إلمام بالأخطاء التي كانت ترتكبها، وتسعى إلى نوع من جبر الضرر في ما قامت به اتجاه أبنائها، هذا كله يدل على أن الأمة إن رامت رشدا ستتعافى من رشدها، أما أنها مأزومة فهذا تحصيل حاصل، وأملنا أن لا تكون عندها سياسة تأزيم.
● هل هناك فعلا سياسة تأزيم تتعرض لها الأمة؟
●● طبعا هناك سياسة تأزيم، مادام هناك سياسة تجهيل وغير الأكفاء يتبوءون المناصب كي توضع العقبات في وجه أهل الصلاح، كل هذا يدخل في إطار التأزيم، والظلام يعيش منه عدد من اللصوص وهناك من يجد مصباح النور فيطفئه ويسعى لإطفائه، لأنه ألف أن يعيش في الظلام والنور يكشفه. إذا هناك من يسعى للتأزيم، «ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم»، لكن ينبغي أن نعرف من يؤزم، أحيانا يمكن للجسد نفسه أن يؤزم بجهله بالأولويات وبالمناهج السليمة التي ينبغي أن يتبعها للخروج من الأزمة. فالباطل زهوق لكن يحتاج أن يدمغ بالحق، وهذه سنة قائمة وتجدها في عديد من الأمثلة والكتابات عند المسلمين وغيرهم، لكن حين تتضخم بحيث يصبح أن الذنب لا يمكن أن يأتي إلا من الآخر، والبلية لا تأتي إلا من الخارج، والذات منزهة، هنا تتجلى فعلا عقلية المؤامرة.
● أي مستقبل تنموي تنشده الأمة في ظل الحديث عن المستقبل المفقود؟
●● نحن حين ندرس المستقبلات، ينبغي أن نعرف أن الأمة مرت بفرص لم تجتمع فيها كلمتها على أمر جامع فضاع منها القرار، وهذا القرار الجامع كان سيمكنها من القرار الجامع، فإذا هذه الأمور تظل في إطار المستقبلات المفقودة، وإذا ما استجمعت شروطها مستقبلا، وحضر رجالها بزغت، وحين نتحدث عن المستقبل المفقود، ليس على أساس أن نندم على فترة ما ولكن لنعرف أنه مازال بالإمكان إعادة النظر فيه واستجماع شروطه، أو لكي ندرس أثر غيابه فنوقد أو نحرك هذه الخانة من المستقبلات المفقودة التي منها ما يستدرك ومنها ما لا يستدرك، لكن تظل دائما زادا للذاكرة، يحثها على أان تبحث عن المستقبل المنشود.
وإن تحدثنا عن التنمية فهي علم وأخلاق قبل أن تكون اقتصادا، فهي استعادة نوع من العافية واستعادة الهوية وارتفاع السقف المعرفي ووجود أهل الصلاح واتساع دائرتهم، حيث يمكن للناس أن يكونوا فقراء لكن لا يصح فيهم أن يكونوا عديمي الأخلاق، فالشيء الذي لا يحتمل أن يكونوا من الذين نسوا أنفسهم بالتعبير القرآني، أي ذابت هويتهم بحيث لم تعد لديهم ثقافة جامعة ولم تعد لهم قيم ضابطة، وأصبحوا لا يدركون من يخدمون، هل عدوهم أم أنفسهم أم من يكيدون لهم، يعني هذه هي موانع التنمية، أما إذا استجمع الأمر، وكانت دائرة المستطاع اليوم أفضل من دائرة المستطاع غدا، ستتحقق التنمية، لكن ينبغي لدائرة المستطاع أن تستغل كاملة، يعني أن تكون كل طاقاتنا البشرية والشابة منها رجالا ونساء موظفة جهة أن تحافظ على الموجود وأن تجتهد لإيجاد المفقود، أما إذا كانت جزء كبير من الأمة معطلة من نساء ورجال، كان لابد من هذا التسليط الرباني، والذي أسميه نظرية الغراب الذي يبعثه الله في الأرض ليرينا كيف نواري سوءاتنا، ويتجلى في استعمار ونهضة ويقظة وثورة كل ذلك يحرك الذات لكي تنهض بذاتها وتستعيد صحوتها ورشدها.
● أي استراتيجية ترصدونها للنهوض بثقافتنا الإسلامية؟
●● أولا، لا ثقافة بدون علم، ولا ثقافة بدون علماء ولا ثقافة بدون وعي بما نحن فيه، ووعي بالحال والمآل، والثقافة هي أن تدرك أنك شيء له تاريخ وغد ينشده ويسعى إليه، وليس فقط أن يكون عندك إدراك بالعقبات، بل أن تكون عندك قوة لاقتحام هذه العقبة، والله عز وجل قال، «فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا كمتربة»، فك الرقاب التي هي غارقة في الذنوب وفك الرقاب التي هي عالقة في الظلم، والظلم الاجتماعي يجب أن يرفع، وإذا كان الذي يعيش تحت عتبة الفقر لا تفك رقبته، من الذي ستفك رقبته، من الأحق بفك الرقاب، فرقاب الناس ينبغي أن تفك من الجهل ومن الظلم والمعوقات التي تحول دون إدراك الشخص لإنسانيته وكرامته. إذا لم يكن عندنا إدراك باقتحام هذه العقبات التي هي فعلا معطلة للجانب الإنساني ومذهبة للهوية وللكرامة، لا يمكننا أن نتحدث عن الثقافة، والثقافة الإسلامية هي الإسلام حين يتجسد ثقافة في أخلاقه وأبعاده وكرمه، وفي الصفات التي هي صفات القدوة النبوية، وجاء الرسول ليجسد هذا التجسيد واضحا جليا في حركاته، «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم».
● ما أثر الدراسات المستقبلية المرتبطة بالإسلام؟
●● مازال جانب الدراسات المستقبلية عند المسلمين ضعيفا، لأن جانب الدراسات المستقبلية يحتاج إلى مؤسسات، ويحتاج إلى لجان متعددة التخصصات، ويحتاج إلى أن يهتم به رجال القرار، لازال رجال القرار يرون أنفسهم أكبر من أن يستشيروا بحكم معرفتهم وإدراكهم للواقع، فعندما تذهب إلى أمريكا وتسأل عن مكتبة الكونغرس، سيفزعك أن ترى المكتبة بالمقارنة مع الكونغرس نفسه، فكل العمارات التي تحيط بالكونغرس معظمها عبارة عن مكتبة، بمعنى أن الرجل في مجلس الشيوخ أو في الكونغرس حين يريد أن يدرس واقعا ما، معه طاقم كبير من المستشارين ويمكن أن تعد له المادة فضلا أن تعد له المراجع، وإن أراد أن يذهب للمغرب يعرف كل شيء عنه وفي مختلف المجالات، أما عندنا نحن، نعتبر أن البرلماني هو فرد يتحرك، بدون مستشارين ولا فريق عمل لتشخيص واقع واستشراف المستقبل، ونحن مازلنا بعيدين حتى من حيث التنظير عن ما يجب أن يكون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.