موظفو الجماعات الترابية ينسحبون من الحوار مع وزارة الداخلية    برئاسة المغرب .. مجلس حقوق الإنسان الأممي يرفض الإعادة القسرية للمهاجرين    الملك محمد السادس يوجه خطابا إلى القمة الثالثة والثلاثين لجامعة الدول العربية    ميناء طنجة.. تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 30% حتى متم أبريل    تقرير: إحداث أزيد من 42 ألف مقاولة ذات شخصية معنوية نشطة بجهة الشمال    بمشاركة المغرب.. إنطلاق أعمال الدورة ال 33 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة    الملك محمد السادس: الأعمال الانتقامية في غزة أبانت عن انتهاكات جسيمة    مقترح "إلغاء الفار" ينتظر تصويت الأندية الانجليزية    ولاية أمن طنجة تحتفل بالذكرى ال 68 لتأسيس الأمن الوطني    طقس الجمعة.. أمطار ضعيفة و متفرقة وتشكّل سحب بالشمال وحرارة بالجنوب    التحقيق مع شرطي مرور بطنجة أشهر سلاحه أمام سائق    المغرب يثير من جديد موضوع استقلال الشعب القبايلي في الامم المتحدة    القمة العربية: الملك محمد السادس يعتبر محاولة إسرائيل فرض واقع جديد في غزة "أمرا مرفوضا"    على هامش تكريمه.. البكوري: مهرجان الريف يسعى لتقريب الإبداعات الناطقة بالأمازيغية إلى الجمهور التطواني    منح جائزة التميز لبرلمان البحر الأبيض المتوسط لوكالة بيت مال القدس الشريف    عائلات "مغاربة ميانمار" تحتج بالرباط .. وناجية تكشف تفاصيل "رحلة الجحيم"    هذه حجم الأموال التي يكتنزها المغاربة في الأبناك.. ارتفعت بنسبة 4.4%    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    "حماة المال العام" يستنكرون التضييق على نشاطهم الفاضح للفساد ويطالبون بمحاسبة المفسدين    أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    باحثون يعددون دور الدبلوماسية الأكاديمية في إسناد مغربية الصحراء    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي سمير الكزاز يقود مباراة السنغال وموريتانيا    بعثة نهضة بركان تطير إلى مصر لمواجهة الزمالك    كأس العرش.. مولودية وجدة يضرب موعدًا لمواجهة الرجاء في النصف النهائي    انطلاق القافلة الثقافية والرياضية لفائدة نزلاء بعض المؤسسات السجنية بجهة طنجة تطوان الحسيمة من داخل السجن المحلي بواد لاو    إيقاف مسؤول بفريق نسوي لكرة القدم ثلاث سنوات بسبب ابتزازه لاعباته    إطلاق مجموعة قمصان جديدة لشركة "أديداس" العالمية تحمل اللمسة المغربية    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال    قافلة GO سياحة تحط رحالها بجهة العيون – الساقية الحمراء    يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه    صعود أسعار النفط بفضل قوة الطلب وبيانات التضخم الأمريكية    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    ظاهرة "أسامة المسلم": الجذور والخلفيات...    الاستعادة الخلدونية    مطالب لوزارة التربية الوطنية بالتدخل لإنقاذ حياة أستاذ مضرب عن الطعام منذ 10 أيام    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    "إف بي آي" يوقف المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه بالمطار ويحقق معه حول مواقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    أكاديمية المملكة تُسائل معايير تصنيف الأدباء الأفارقة وتُكرم المؤرخ "هامباتي با"    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد ضريف أستاذ العلوم السياسية والباحث في الجماعات الإسلامية ل «التجديد»: الاستثناء المغربي مايزال قائما وكل القوى الدينية تنبذ العنف وتندد به
نشر في التجديد يوم 21 - 05 - 2013

أكد محمد ضريف أستاذ العلوم السياسية والباحث في الجماعات الإسلامية أن الدولة استوعبت بعد الأحداث الأليمة ل 16 ماي 2003 أن تدبير الشأن الديني ينبغي أن يكون بشراكة مع الفاعلين الدينيين الآخرين، وأن فكرة احتكار الدولة لتدبير هذا الحقل أصبحت متجاوزة. واعتبر ضريف أن الحديث عن تيار «سلفي جهادي» قد يطرح إشكالات عديدة، وأنه لا يوجد تنظيم جهادي بالمغرب، يمكن أن نتحدث عنه من خلال مواقف يعبر عنها أو وجود قيادة يمكن أن يتم التفاعل معها.
من جهة أخرى، قال «ضريف» إن الأرقام المتداولة الآن أنه منذ 2002 فككنا أكثر من 120 خلية، ويرى بأن مأساة 16 ماي لن تتكرر رغم بعض الأحداث العارضة فيما بعد، نافيا تجفيف منابع الإرهاب، لأن الإرهاب ليس ظاهرة محلية، هو ظاهرة عابرة للقارات وللحدود...الحوار
 ماهي الدروس المستفادة بعد عشر سنوات من التفجيرات البيضاء؟
❍ بعد تفجيرات البيضاء ل16 ماي 2003 عرف المغرب مجموعة من التحولات، وكان أول درس استوعبته السلطات يتمثل في مسألة أساسية تتعلق بضرورة قيامها بالعديد من الإصلاحات خاصة على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي والثقافي، حيث لاحظنا كيف أن السلطات انتبهت إلى وجود مناطق مهمشة وأحياء معزولة، كانت تستغل لاستقطاب الشباب وشحنهم بأفكار متطرفة، وفي هذا الإطار كانت هناك العديد من البرامج وفي مقدمتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أعلن عليها الملك سنة 2005.
من جراء ما حدث انتبهت الدولة أيضا إلى ضرورة الاعتماد على مقاربة جديدة في التعامل مع الفاعلين الدينيين في المغرب، أكيد أن الكل يتحدث عن الاستراتيجية التي اعتمدها المغرب في أبريل 2004 والتي كانت تهدف إلى ترسيخ مقاربة جديدة في التعاطي مع الشأن الديني ورغم بعض الانتقادات التي وجهت إلى هذه الاستراتيجية، إلا أن كل نقط التلاقي بين ما أقرته الدولة وبعض الفاعلين الدينيين كانت حاضرة بقوة، مما قلص من حجم انتشار ثقافة التطرف داخل المجتمع المغربي، لأن المسألة لا تتعلق بجهد بذلته الدولة بمفردها، بل كان من الدروس المستقاة أن الدولة استوعبت أن تدبير الشأن الديني ينبغي أن يكون بشراكة مع
الفاعلين الدينيين الآخرين، وأن فكرة احتكار الدولة لتدبير هذا الحقل أصبحت متجاوزة لذلك لاحظنا -إلى حد ما- أن الدولة في الاستراتيجية الدينية المعتمدة استعانت بخدمات الكثير من الفاعلين الدينيين.
ومن الدروس المستفادة أيضا، أن الاستمرار في اعتماد مقاربة أمنية صرفة، وإيقاف مسلسل الانفتاح الديمقراطي من شأنه أن يقوي أيضا نزعة التطرف ونزعة الغلو، ولا يؤمن استقرار البلد، لذلك ورغم وجود بعض الأصوات الإستئصالية التي كانت ترغب في إضعاف وتأجيل مشروع الانفتاح الديمقراطي فالدولة ممثلة في أعلى سلطة في البلاد حاولت أن تتحرر من هيمنة المقاربة الأمنية، وبالتالي اتخذت العديد من التدابير والإجراءات في أفق تكريس سلطة المؤسسات وتقوية أسس الممارسة الديمقراطية.
وعلى المستوى السياسي والحقوقي، كان من الدروس المستفادة، تجسيد المدخل الحقيقي للانخراط بشكل جدي في مسلسل الانتقال الديمقراطي الذي كان يقتضي تصفية الإرث المتعلق بسنوات الرصاص وضرورة التعامل بشكل موضوعي مع مصادر التهديد الاستقرار العام، علينا أن نتذكر أنه سنة 2004 أنشئت هيئة
الإنصاف والمصالحة، ووضعت جملة من التوصيات التي شكلت إحدى روافد الدستور الجديد.
لاحظنا كذلك أنه بالرغم من وجود بعض التوتر في مراكز اتخاذ القرار السياسي، ورغم إصرار الجهات الأمنية اعتماد مقاربة أمنية «فجة» إلا أن الانفراجات التي عرفها ملف الإرهاب زكت طرح التغيير في التعامل معه، خاصة وأن الربيع العربي كان عاملا مؤثرا.
 هل ساهم ربيع الاحتجاجات الذي شهده العالم العربي سنة 2011 في تطور مسار التيار «السلفي الجهادي» بالمغرب؟
❍ كمتتبع موضوعي، أرى أن الحديث عن تيار «سلفي جهادي» قد يطرح إشكالات عديدة، أعتقد أنه لا يوجد تنظيم جهادي بالمغرب، يمكن أن نتحدث عنه من خلال مواقف يعبر عنها أو وجود قيادة يمكن أن يتم التفاعل معها، أو وجود قواعد داخل هذا التنظيم منضبطة لقرارات ولمواقف القيادة، ما يوجد بالمغرب ونحن
نتحدث عن السلفية الجهادية هو فعاليات وأشخاص يؤمنون بهذا الفكر، وهناك شيوخ الكثير منهم يرفض هذا التوصيف.أقول، إن من اتهموا في المغرب بكونهم «سلفيين جهاديين»، لم يتورطوا في أي فعل إجرامي، وإنما اعتبروا منظرين أو مروجين لهذا الفكر، هؤلاء ظلوا قبل الربيع العربي يتبرؤون من داخل السجون مما نسب إليهم، وأعتقد بأن الربيع العربي ساعد هؤلاء على التعبير عن موقف كانوا يرغبون في التعبير عنه فيما قبل
هؤلاء كانوا ضحية ابتعادهم عن باقي القوى السياسية وأدركوا أن عدم وجود أي إطار تنظيمي يدعمهم ويدافع عنهم، جعلهم عرضة للكثير من التجاوزات، وفي الواقع هذا التحول كان قبل 2011 ودليل ذلك رسائل ومذكرات خرجت من داخل السجون تتبرأ من العنف، والتي لا يمكن أن نعتبرها مراجعات على اعتبار أن
هؤلاء كانوا في الأصل يرفضون أصلا فكرة المراجعات، وبعيدين عن ثقافة العنف بل كانوا يطالبون الدولة بمراجعة مواقفها منهم. وفي جميع الأحوال الربيع العربي ساعد السلفيين الموصوفين بالجهاديين على التعبير عن مواقفهم بشكل صريح، وعلى إعادة النظر في بعض المواقف التي كانوا يترددون في اتخاذها، ففي مصر
التيار السلفي الذي كان منظما خرج إلى الساحة السياسية واحتل حزب النور السلفي المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية وبالطبع ما جرى في مصر دفع سلفيي المغرب إلى التعبير عن الرغبة في الانخراط في العمل السياسي لكن ظلوا منقسمين لأنهم أصلا لا يشكلون وحدة.
 بعد مرور عشر سنوات من الفعل الإرهابي الشنيع، هل استطعتم كمتتبع تفكيك بعض شفرات لغز 16 ماي؟
❍ في جميع الأحوال، بالنسبة لما حدث في 16 ماي لا يمكن أن نعتبره ضربا لما كان يسمى بالاستثناء المغربي، لأن الكثيرين كانوا يرددون بأن التيار الإسلامي، أو التيار الديني بشكل عام هو تيار لا يؤمن بالعنف، وبالتالي فما حدث هو تكسير للقاعدة.
أعتقد بأن الاستثناء المغربي مازال قائما، وبتعبير آخر كل القوى الدينية ما زالت تنبذ العنف وتندد به وترفضه طبعا ما حدث ليلة 16 ماي هو تمكن جهات تؤمن بالعنف من استقطاب شباب مغاربة في ظروف معينة، هناك معطيات بوجود بعض الأيادي المتطرفة بالمغرب تمثل مجموعة ضيقة جدا ساهمت في استقطاب
شباب، لكن وجود هؤلاء ليس تكسيرا للاستثناء المغربي، لحد الآن لم يبرز تنظيم سلفي جهادي يؤصل للعنف ويمنحه الشرعية باستثناء ما كان يقال عن الجماعة المغربية المقاتلة ونحن نعلم ظروف تشكيل هذه الجماعة، التي كانت مرتبطة بالخارج أكثر من ارتباطها بالداخل.
لكن كما قلت، ما حدث ليلة 16 ماي يمكن فهمه في سياقه العام، من خلال مجموعة من المعطيات، المعطى الأول يتمثل في انتشار الفكر المتطرف وثقافة الموت التي يؤصل لها منظرون ليسوا بمغاربة، متمثلا في تنظيم القاعدة بالإضافة إلى شيوع ثقافة جديدة تأسست على الخصوم والأعداء من خلال العمليات الانتحارية
التي كانت أقواها أحداث 11 شتنبر 2001.
المعطى الثاني تمثل في إعلان المغرب عن انخراطه في الحرب ضد الإرهاب بعد الاعتداءات التي عرفتها أمريكا، وكان لانخراط المغرب كلفته، فقد اتهمت القاعدة المغرب بأنه استقبل معتقلين محسوبين عليها تسلمهم من أمريكا، وبالتالي والكل يتذكر ما ورد في كلمة أوردها بن لادن سنة 2003 حين دعا أتباعه إلى استهداف المغرب ولم يتأخر الرد، وبصرف النظر عن ذلك فقد كان هناك سياق يدفع إلى قيام عمليات انتحارية بالمغرب بالموازاة مع السعودية ودول أخرى.
حين نتحدث عن اعتداءات 16 ماي يجب أن نميز بين مستويين، مستوى الذين وقفوا وراء أحداث 16 ماي، وأعتقد أنه بالرجوع إلى السياق فبعض الجهات المتطرفة وفي مقدمتها القاعدة عبر تنظيم كان مرتبطا بها وهو الجماعة المقاتلة المغربية، كان من أهدافه استهداف المغرب، والمستوى الثاني يتعلق بمن قاموا
بتوظيف تلك العمليات الانتحارية لمحاولة التضييق وفرض مقاربة أمنية صرفة تروم توقيف مسلسل الانفتاح الديمقراطي الذي كان قد انخرط فيه المغرب.
 خرج من السجون بيان يتهم المشايخ بعقد صفقة مع الدولة من أجل العفو عنهم، ما هي قراءتكم لمثل هته الخرجات؟
❍ ينبغي أن نتفهم أحيانا الأسباب التي تدفع لكتابة المعتقلين من داخل السجون لمثل هذه البيانات، للتعبير عن مواقف أحيانا لا تختلف عما هو معتاد في المغرب لتدبير الصراع أو الخلاف. ففي المغرب -للأسف- نسرع بإلصاق التهم بمن نختلف معهم، وليس هذه أول مرة يتم اتهام الشيوخ بأنهم قبلوا بالصفقة مع الدولة،
بالرغم من أن عددا من المعتقلين أنفسهم سبق أن برؤوا الشيوخ، كما كنت واحدا ممن دافع عن براءة المشايخ.
من الصعب ديمقراطيا أن نتفهم اعتقال شخص بسبب تعبيره عن رأيه، لذلك عندما تقدم الدولة على تصحيح خطئها سواء من خلال مبادرة 14 أبريل 2011 التي استفاد منها محمد الفيزازي وعمر الشاذلي، أو من خلال مبادرة يناير 2012 التي استفاد منها أبو حفص، وحسن الكتاني، وعمر الحدوشي في إطار العفو الملكي بمناسبة ذكرى عيد المولد النبوي، فهذا أمر طبيعي، وشخصيا مازلت مؤمنا ببراءة المشايخ مما نسب إليهم.
وأعتقد بأن الحديث عن صفقة بين الدولة والشيوخ هو كلام مبالغ فيه، والقول بأن هناك فئة انحنت للعاصفة مجرد كلام، نحن نعرف بأن المعتقلين باستثناء الشيوخ هم شباب ذوو معرفة محدودة ولا يمكن اعتبار أن تراجع هؤلاء عن بعض الأفكار انحناء للعاصفة، ومازال هناك معتقلون داخل السجون، كما أن هناك جهات تطالب عمليا بطي هذا الملف، ومبادرات أطلقتها بعض الجمعيات الحقوقية، مثل منتدى الكرامة لحقوق الإنسان الذي نظم لقاء للتعريف بالفكر السلفي، وتأكيد ما يؤمنون به.
 (أقاطعه) قلتم بأن الدولة ومن أجل تصحيح الأخطاء تقدم على العفو الملكي، ما معنى خروج ما يعتبر قيادات وزعماء ل»تنظيم» معين فيما يترك التابعون وراء القضبان ما تعليقكم؟
❍ يجب أولا إدراك أن هذه الملفات خاصة، هي ملفات يختلف فيها ماهو قانوني بما هو سياسي، فنحن لسنا أمام قضايا يتورط فيها أشخاص بفعل يجرمه القانون لسنا أمام عصابة إجرامية..هذه قضايا سياسية، فمثلا «ملف بلعيرج»، فهي قضية سياسية بالدرجة الأولى، بل هي نوع من تصفية الحساب مع تنظيم كان يسمى
بتنظيم الاختيار الإسلامي، تشكل في بداية الثمانينيات وكان يتهم بمساندته للخميني وللثورة الإيرانية، وأن مجموعة من هؤلاء قدموا البيعة للخميني..هذا ملف معروف، بمعنى أن الخلاف في الأصل مع السياسيين كان مع أشخاص مازالوا يعملون من داخله لكن يمارسون التقية، إلا أن هؤلاء يقولون بأنهم أنهوا الارتباط مع هذا
التنظيم وآمنوا بالمشاركة السياسية، في حين ارتأت الدولة بأن هؤلاء «شيعة» يمارسون التقية.
وبالتالي ففي هذا الملف تداخلات بين اعتبارات سياسية، وقانونية، لكن في نفس الوقت هناك أشخاص أقحموا فيه، ويتابعون على خلفية أفعال يجرمها القانون.
ما علينا أن نستحضره من مثل هذه الملفات، هو أن السياسيين حين يغادرون السجون بناء على عفو ملكي لم يبرؤوا من التهم المنسوبة إليهم بل تم العفو عنهم في إطار تصحيح الدولة لأخطائها بين الفينة والأخرى، وهو ما حدث مع المشايخ الذين اعتقلوا على خلفية أحداث 16 ماي 2003.
 لنعد إلى مبادرات المجتمع المدني المطالبة بطي ملف «السلفية الجهادية» ماذا تشكل خطوة منتدى الكرامة الأخيرة؟
❍ في جميع الأحوال، المجتمع المدني يمكن أن يأخذ المبادرة من أجل حل ما أعتبرها «معضلة» السلفية، والتي ينبغي أن تتخد قبل الحل، تدابير الثقة، هذه التدابير لا يمكن أن تبنى إلا بعد فهم الحالة السلفية من خلال دفع الشيوخ إلى توضيح مواقفهم.
وما لاحظناه من خلال اللقاء التشاوري الأول الذي نظمه المنتدى وجمعية الوسيط وجمعية عدالة، فقد كان هناك نفور بين السلفيين وبعض مكونات المجتمع المدني، فمن جهة السلفيين، فهم يعتبرون أن الجمعيات الحقوقية علمانية لا تدافع إلا على من يقاسمونها مرجعيتها، بل أهملتهم لأنهم لا يحملون نفس المرجعية، وهي فكرة
ترسخت لديهم، في حين اتهم المجتمع المدني من خلال منظماته الحقوقية السلفيين بكونهم كانوا يرفضون أحيانا التواصل معهم..
في رأيي على الأقل في هذا اللقاء وضحت الكثير من المنظمات الحقوقية موقفها من السلفيين، كما كان فرصة ليتعرف الشيوخ على المجتمع المدني وإن كان يختلف معهم إيديولوجيا.
 هل تتوقعون أن هذا اللقاء بداية لحوار حقيقي لحل ملف السلفية بالمغرب؟
❍ أعتقد أنه إذا استطعنا عبر هذه اللقاءات إزالة عدد من الموانع التي تحول دون التقاء السلفيين بالحداثيين سيكون مكسبا كبيرا للجميع.
من جانب آخر، الدولة في المغرب مصرة على عدم الانخراط في أي حوار مع التيار السلفي، حيث كان هذا الخيار واضحا منذ البداية، مع وزير العدل السابق المرحوم «محمد بوزوبع» بعد اعتداءات 16 ماي، ثم عبر عنه «عبد الواحد الراضي»، وكذلك وزير الداخلية الأسبق «شكيب بنموسى» الذي اعتبر أن الوسيلة الوحيدة هي التماس العفو الملكي.
وبالتالي فالمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية لها دور في تكريس ثقافة الاختلاف في المغرب، يعني حين يقبل سلفي بحضور ندوة يحضرها حداثيون وعلمانيون، ذلك يعتبر مكسبا، وتجسيدا للإيمان بالاختلاف، فقد كانت هناك لقاءات ومناظرات بين الإثنين، وبصرف النظر عن حجم مساحة الاختلاف فمثل هذه اللقاءات التي
تنظم بين السلفيين والعلمانيين ستحقق مكسبا كبيرا، لأننا في المغرب لسنا ضد إلغاء الاختلاف بل نحن في حاجة إلى الاعتراف بالاختلاف، وأن يكون هذا الاختلاف منظما ومحكوما بضوابط قانونية وسياسية.
 هل استطاع المغرب تجفيف منابع الإرهاب محليا، بعد انخراطه في الحرب الدولية ضد الإرهاب؟
❍ الأرقام المتداولة الآن أنه منذ 2002 فككنا أكثر من 120 خلية، والكل يعلم الآن بأن مأساة 16 ماي لن تتكرر رغم بعض الأحداث العارضة فيما بعد.
لكن لا يمكن الحديث عن تجفيف منابع الإرهاب، لأن الإرهاب ليس ظاهرة محلية، بل هو ظاهرة عابرة للقارات وللحدود.
فكثير من الخلايا كان يقودها إما مغاربة يحملون جنسيات أجنبية ويقيمون في الخارج، أو كانت لهم ارتباطات بمجموعات إرهابية خارج الوطن.
الإرهاب يتوالد، ويصعب القضاء عليه لكن يمكن احتواؤه، يمكن أن نقول بأن هناك نجاحات فيما يتعلق بمنع الخلايا الإرهابية بالمس باستقرار المغرب، لكن إخفاقات فيما يتعلق باستقطاب المئات من المغاربة الذين يتجهون إلى بؤر التوتر إلى الحركات الجهادية.
نتذكر أن التقارير الأمريكية ذكرت بأن مئات المغاربة استقطبوا للقتال في العراق، والجزائر ومالي..وسوريا، الآن عشرات من المغاربة يقاتلون هناك حين نتعرف على عمل التنظيمات الإرهابية فالسلطات الأمنية نجحت في إيقاف استهداف المغرب، لكن مازالت تلك التنظيمات قادرة على استقطاب المغاربة من داخل المغرب، وإرسالهم إلى بؤر التوتر.
 الساحل اليوم يوجد في مقدمة الملفات المطروحة على الساحة الدولية هل أثر هذا الملف على المغرب؟
❍ الأمن القومي المغربي الآن يبدأ من منطقة الساحل جنوب الصحراء، نحن في المغرب كنا دائما نعتبر أن موريتانيا مجال حيوي بالنسبة للحفاظ على الأمن المغربي خاصة أن منطقة الساحل الآن، هي منقسمة بين صنفين من التنظيمات، هناك تنظيمات إرهابية تحمل فكرا متطرفا كتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي،
وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وأنصار الشريعة، وهناك تنظيمات انفصالية ترغب في إقامة دول لها مثل حركة أنصار الدين التي أعتبرها شخصيا حركة انفصالية أكثر منها حركة إرهابية، ثم الحركة الوطنية لتحرير أزواد.
وعلينا أن نستحضر مسألة أساسية وهو أنه في هذه المنطقة يتفاعل ما هو ديني، بما هو سياسي بمعنى آخر أنه مع طبيعة الثقافة السائدة في منطقة الساحل وهي ثقافة محافظة أحيانا يبدو للمتتبع أننا أمام حركات دينية، ونحن أمام حركات سياسية تطالب بالاستقلال.
من يستمع للمبررات التي تقدمها حركة أنصار الدين، أوالحركة الوطنية لتحرير أزواد سيتفهم واقع الأزواديين في شمال مالي، نظرا للعزلة التي عاشها شمال مالي وهذا ليس دفاعا عن الانفصال ولكن تذكير بالدور الذي ينبغي أن تقوم به السلطة المركزية من أجل ضمان حقوق كافة مواطنيها.
نعتقد أن تفاعل النزعة الانفصالية والنزعة الإرهابية الآن وصل إلى مخيمات تندوف بحيث أن المعطيات المتوفرة تتحدث على أن حركة التوحيد والجهاد بالخصوص المكونة من البوليزاريو وبعض الأشخاص ذوي الجنسية الموريتانية هذا التفاعل بين النزعة الانفصالية وانتشار ثقافة التطرف المرتبطة بالإرهاب يؤثر حتما على وضع المغرب، خاصة في أقاليمه الجنوبية، هذا التأثير أدركه المنتظم الدولي حيث مافتئ كريستوفر روس يذكر بالتحولات والمتغيرات الجديدة وفي مقدمتها تداخل الإرهاب والانفصال الذي ينبغي أن يدفع إلى إيجاد حل سياسي متوافق عليه ودائم بالأقاليم الجنوبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.