مسؤولية الجزائر لا غبار عليها في قضية طرد 45 ألف أسرة مغربية    المعارضة بمجلس المستشارين تنسحب من الجلسة العامة وتطلب من رئيسه إحالة مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة على المحكمة الدستورية    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية وطقس بارد من الأربعاء إلى السبت بعدد من مناطق المملكة    أمطار وثلوج تنعش منطقة الريف وتبعث آمال موسم فلاحي واعد بعد سنوات من الجفاف    وهبي: الحكومة امتثلت لملاحظات القضاء الدستوري في "المسطرة المدنية"    "كان المغرب".. المنتخب الجزائري يتغلب على السودان (3-0) في أولى مبارياته في دور المجموعات    السلطة القضائية تنضم إلى PNDAI    مخطط التخفيف من آثار موجة البرد يستهدف حوالي 833 ألف نسمة    كأس إفريقيا للأمم 2025.. الملاعب المغربية تتغلب على تقلبات أحوال الطقس    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقيف شخص بحوزته أقراص مهلوسة وكوكايين بنقطة المراقبة المرورية بطنجة    "ريدوان": أحمل المغرب في قلبي أينما حللت وارتحلت    كأس إفريقيا للأمم 2025 .. منتخب بوركينا فاسو يحقق فوزا مثيرا على غينيا الاستوائية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    قضية البرلماني بولعيش بين الحكم القضائي وتسريب المعطيات الشخصية .. أسئلة مشروعة حول الخلفيات وحدود النشر        توفيق الحماني: بين الفن والفلسفة... تحقيق في تجربة مؤثرة    المخرج عبد الكريم الدرقاوي يفجر قنبلة بمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي ويكشف عن «مفارقة مؤلمة في السينما المغربية»        وفاة رئيس أركان وعدد من قادة الجيش الليبي في حادث سقوط طائرة في تركيا    شخص يزهق روح زوجته خنقا بطنجة‬    نص: عصافير محتجزة    وزير الصحة يترأس الدورة الثانية للمجلس الإداري للوكالة المغربية للدم ومشتقاته    رباط النغم بين موسكو والرباط.. أكثر من 5 قارات تعزف على وتر واحد ختام يليق بمدينة تتنفس فنا    أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة    الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة من الدعم    بنسعيد: الحكومة لا تخدم أي أجندة بطرح الصيغة الحالية لقانون مجلس الصحافة    روسيا تعتزم إنشاء محطة طاقة نووية على القمر خلال عقد    المغرب في المرتبة الثامنة إفريقيا ضمن فئة "الازدهار المنخفض"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    الاقتصاد المغربي في 2025 عنوان مرونة هيكلية وطموحات نحو نمو مستدام    الحكومة تصادق على مرسوم إعانة الأطفال اليتامى والمهملين    الأمطار لم توقّف الكرة .. مدرب تونس يُثني على ملاعب المغرب    بول بوت: العناصر الأوغندية افتقدت للروح القتالية    انفجار دموي يهز العاصمة الروسية    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب تايوان    كأس إفريقيا بالمغرب .. مباريات الأربعاء    فرنسا تندد بحظر واشنطن منح تأشيرة دخول لمفوض أوروبي سابق على خلفية قانون الخدمات الرقمية    عجز ميزانية المغرب يقترب من 72 مليار درهم نهاية نونبر 2025    فدرالية الجمعيات الأمازيغية تهاجم "الدستور المركزي" وتطالب بفصل السلط والمساواة اللغوية    مواجهات قوية للمجموعتين الخامسة والسادسة في كأس إفريقيا    انتصارات افتتاحية تعزز طموحات نيجيريا والسنغال وتونس في كأس إفريقيا    الأمطار تغرق حي سعيد حجي بسلا وتربك الساكنة    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا متجاوزا 4500 دولار للأونصة    "الهيلولة".. موسم حجّ يهود العالم إلى ضريح "دافيد بن باروخ" في ضواحي تارودانت    طقس ممطر في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    بكين وموسكو تتهمان واشنطن بممارسة سلوك رعاة البقر ضد فنزويلا    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها        الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلفيون في دول المغرب العربي: التطور الفكري والسياسي
نشر في هسبريس يوم 28 - 06 - 2011

عرفت الحركة البحثية حول الظاهرة السلفية في الوطن العربي اهتماما بارزا في السنوات الأخيرة من طرف عدد من المؤسسات البحثية، بمختلف مرجعياتها الفكرية والأيديولوجية، ورهاناتها العلمية والسياسية والأمنية، باعتبار أن سياق انتشار وبروز هذه الدراسات مسكون بشكل أساسي بالإرهاب والعنف السياسي، بحيث أن الدراسات حول هذه الظاهرة انتشرت بشكل غير مسبوق مع أحداث 11 شتنبر بالنسبة للعالم العربي بصفة عامة، وأحداث 16 ماي بالنسبة للمغرب، وهو ما يجعل عددا من هذه الدراسات تسقط في وهم الموضوعية، وتقديم خدمات غير مباشرة (وبعض الأحيان تكون مباشرة) للأجهزة الأمنية.
وبما أن موضوع السلفية عموما والسلفية الجهادية خصوصا، برز بشكل أساسي مع انتشار العنف السياسي في منطقة المغرب العربي، فإن مقاربة الموضوع من الناحية العلمية تعاني من تحديين: التحدي الأول هو الوقوع في التماهي مع الخطابات الرسمية المسكونة بهاجس الإرهاب، وتعتمد مقاربة أمنية تبريرية في تعاطيها مع الموضوع، والتحدي الثاني يرتبط بما يمكن تسميته بالتضخم الإعلامي حول السلفية الجهادية، والحركات الإسلامية عموما، والسير نحو تضخيم بعض الجزئيات او بعض الجوانب الشاذة من الظاهرة من أجل لإثارة الإنتباه إليها، وهو ما يعيق الوصول إلى عمق الظاهرة وتمظهراتها والفاعلين الأساسيين فيها، ويشكل عقبة أمام الباحثين من أجل تقديم تحليل وتفسير عميق للظاهرة بعيدا عن الضغط الإعلامي اليومي ، وأيضا من الخطاب الرسمي التبريري.
وفي سياق دراسة الحركات السلفية في دول المغرب العربي، أصدر مركز المسبار للدراسات والبحوث في أواخر شهر يناير 2011 دراسة مهمة حول هذا الموضوع، وهي الدراسة الثانية التي تصدر عن مركز المسبار بخصوص منطقة المغرب العربي، بعد دراسة الحركة الإسلامية في المغرب الصادرة سنة .2007
منهجية الدراسة
يتكون الكتاب من تسعة مساهمات من طرف مثقفين وباحثين في العلوم الإجتماعية والسياسية متخصصين من دول المغرب العربي، متخصصين في موضوع السلفية والحركات الإسلامية، ساهموا في تحليل وتفكيك الظاهرة من وجهات نظر متعددة تغني الباحثين والمتخصصين في الموضوع من أجل تكوين صورة متكاملة حول تمظهرات الظاهرة السلفية في منطقة المغرب العربي، والوقوف عند المشترك والمختلف بين هذه الحركات وأيضا العناصر المكونة لكل حالة على حدة، سواء على مستوى الخطاب أو الفاعلين او العلاقات.
من الناحية المنهجية يمكن تصنيف مختلف الدراسات التي وردت في هذا الكتاب إلى صنفين، الصنف الأول يمكن تسميته بالدراسات الماكروية، والصنف الثاني الدراسات الميكروية أو دراسة الحالة.
الصنف الأول تناول مواضيع واسعة نسبيا، بحيث تطرقت عدد من المساهمات في الكتاب إلى مواضيع واسعة نسبيا سواء تعلق الأمر بالموضوع او المنطقة الجغرافية، بحيث نجد ثلاث دراسات حول المغرب، ودراستين حول تونس، ودراسة حول الجزائر ودراستين غطت المنطقة كلها.
لقد ركزت أغلب الدراسات هنا على التحليل العام لمسار تطور الحركة السلفية في دول المغرب العربي، من خلال ابراز سياق وتاريخ النشأة والتطور، ثم الحجم والخصائص التي تميز التيارات السلفية في هذه الدول، وعلاقة السلفية المشرقية بالسلفية المغربية، وعلاقة التيار السلفي في المنطقة بالدولة، وطريقة تعاطي هذه الأخيرة مع كل حالة من هذه الحالات، ثم أخيرا مستقبل أو مآلات التيار السلفي في المنطقة على ضوء التطورات الجارية في المنطقة، وهو ما يجعل هذه الدراسة ذات راهنية خصوصا مع ما يقع حاليا في المنطقة من تفاعل على المستوى السياسي والإقتصادي والإجتماعي، وتأثير الثورات العربية والحراك الشبابي الجاري على هذا التيار.
الصنف الثاني يتعلق بدراسة حالات ميكروية، وهنا بالخصوص تبرز دراستان حول مسارات النخب السلفية في المغرب، الأولى تناولت نخبا سلفية حالية، مثل الشيخ أحمد المحرزي (الملقب بأبو عبيدة)، والشيخ البحياوي والشيخ زهرات والشيخ المغراوي...، وهي بالأساس عبارة عن دراسة بيوغرافية لهؤلاء الشيوخ تناولت مسارهم الإجتماعي وعلاقتهم بالمجتمع، وتكمن أهمية المنهج البيوغرافي التي تم اعتماده في هذه الدراسة '' في أنه يهتم بكيفية دقيقة بأحد مظاهر الحركات السلفية العاملة في المغرب، (...) ولم يتعلق الأمر بسير ذاتية مجردة، وإنما بتحليل يركز على بيان تفاعل الشخصيات مع واقعها الإجتماعي فضلا عن حراكها الدعوي''(ص:621)، أما الدراسة الثانية فتناولت فكر أحد القيادات السلفية الوطنية في مغرب ما بعد الإستقلال، والذي كان له دور في تجديد الفكر الديني في المغرب، ويتعلق الأمر بعلال الفاسي، وعلى خلاف المساهمة السابقة، فقد ركزت هذه الدراسة على أفكار علال الفاسي الكبرى وفعاليتها التجديدية، عبر ربطها بسياقها الفكري والسياسي العام بدل التفاصيل الخاصة بالعمل الدعوي المباشر.
التطور الفكري والسياسي للتيار السلفي في دول المغرب العربي
تتباين الدول المغاربية بخصوص التجارب السلفية، سوءا تعلق الأمر بتطورها التاريخي وحضورها المجتمعي وأيضا طريقة تعاطي السلطة معها، إذ نجد عناصر مشتركة وعناصر اختلاف بينها، الأمر الذي يحتاج إلى تدقيق في كل حالة عل حدة، ثم العمل ثانيا على رصد التشابهات والتباينات بين الحركات السلفية في دول المغرب العربي من خلال تقديم نماذج ثلاثة دول: تونس والجزائر والمغرب
الجزائر: القمع يولد الانفجار
التجربة الجزائرية مختلفة عن التجربة التونسية، فهي تتميز بوجود ثلاثة تيارات للسلفية، واضحة ومتبلورة في الواقع وذات مسارات متباينة ومختلفة، '' يتمثل الأول في السلفية السياسية (أو السلفية الحركية)، ثم السلفية الجهادية التي تتبنى الجهاد، فيما يتجلى النوع الثالث بالدعوة السلفية (يطلق عليها أيضا إسم السلفية العلمية أي السلفية القائمة على المعرفة الدينية).
تتباين مسارات هذه السلفيات الثلاث في الجزائر، بحيث أن الأولى ترجع في تاريخها إلى الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، في إطار الجبهة الإسلامية للإنقاذ، في حين ترفض السلفية الجهادية المؤسسات القائمة برمتها، وتعاديها وتسعى من خلال استعمال العنف إلى تغييرها، ''وقد تجلت في شكل رئيسي خلال التسعينات في الجماعة الإسلامية ووريثتها ''الجماعة السلفية للدعوة والقتال''. وفي العام 2006 تكون تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من بقايا الجماعة السلفية للدعوة والقتال ما أضفى على السلفية في الجزائر بعدا عالميا'' (ص:66).
وتعتبر أمل بوبكير بأن كلا من السلفية السياسية والسلفية الجهادية تمر حاليا بمرحلة من الأفول نتيجة محدودية فعالية مشروع المصالحة الوطنية في الجزائر، وعدم قدرة التنظيم التكيف مع المستجدا الإقليمية والدولية، هذا بالرغم من تسجيل الباحثة كون ''تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ما يزال قادرا على القيام بهجمات إرهابية.
تاريخ التيار السلفي في الجزائر يجد جذوره في الحركة التحررية التي واكبت حرب الإستقلال، فقد شارك عدد من العلماء الذين كانوا منخرطين في جماعة العلماء الإصلاحين في معارك التحرير وكانوا يستمدون مشروعيتهم السياسية انطلاقا من مواقفهم الدينية، إلا أن قيادات هذا التيار كان مهمشا في جبهة التحرير الوطني، وقاموا بتأسيس جمعية ''القيم''، واشتغلوا في العمل الدعوي في الجامعات والمساجد خلال فترة السبعينات، ''وسعوا إلى إحياء الإسلام السلفي الإصلاحي الذي ارتبط بحرب الإستقلال'' (ص: 69)، إلا أنه يمكن تقسيم التيار السلفي خلال تلك الفترة (الثمانينات) إلى توجهين: التوجه الأول يبرز في ''سلفيي الدعوة''، والذين يعتمدون مبدأ التغيير من اسفل، أي أسلمة المجتمع عبر فرض معايير وقواعد سلوك تستند إلى قراءة صارمة للنصوص الدينية، بالإضافة إلى رفضها المشاركة في المؤسسات القائمة، والتوجه الثاني، يتمثل في ''السلفية السياسية''، هذه الأخيرة تشترك مع التوجه السابق في المنطلقات والأسس المعرفية، أي الإلتزام بقواعد سلوكية صارمة على المستوى الأخلاقي، إلا أنها تختلف على مستوى المواقف والتصورات الخاصة بالتغيير، بحيث أن السلفية السياسية كانت تدعو إلى تكوين تيار سياسي يسعى على أسلمة الدولة والمجتمع، وقد كانت متأثرة بتيار الإخوان المسلمين في مصر، وقد عرفت السلفية السياسية توسعا من الناحية العددية خلال الثمانينات من خلال اندماج جيل جديد من الشباب، خصوصا الجامعي، أعطى للحركة دينامية جديدة تجلت بشكل أساسي في قدره الحركة على استقطاب أعداد جديد من الشباب على خلفية المظاهرات التي جرت خلال سنة ,1988 كما عرفت السلفية السياسية مرحلة جديدة بعد فترة قليلة من ذلك، أي في سنة ,1989 مع تاسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والذي ساهمت في تأسيس بنية مؤسساتية للتيار السلفي السياسي في الجزائر، وشاركت في العملية السياسية وتمكنت من الفوز في الإنتخابات البلدية سنة ,1990 ثم الإنتخابات البرلمانية سنة ,1991 قبل أن يتم الإنقلاب العسكري، وإلغاء نتائج الإنتخابات، وحظر الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
وتعتبر أمل بوبكير بأن فشل السلفيين في بناء دولة إسلامية أدى إلى انقسامهم مرة أخرى، حيث اختار عدد منهم اعتزال السياسة، واعتناق الدعوة السلفية ليتمكنوا من البقاء كتيار اجتماعي وديني، في حين اتجه آخرون إلى السلفية الجهادية والعنف، إلا أن الباحثة لم تشر إلى اعتقال عدد من دعاة الجبهة، وهرب آخرين إلى الخارج نتيجة المتابعات والإغتيالات التي كانت تنظمها السلطات في الجزائر في حقهم.
تونس: ظاهرة جديدة وهامشية
بخصوص التجربة التونسية، تؤكد كل من دراسة الكاتب والصحفي التونسي صلاح الدين الجورشي وأستاذ التاريخ المعاصر أعلية علاني، أن التيار السلفي لم ينشأ في وقت مبكر في تونس، بحيث يؤرخ له كلا الباحثين في نهاية التسعينات من القرن الماضي، وهذا راجع إلى عدة أسباب يجملها الباحثان في عدة عناصر أساسية: تغلغل الصوفية الطرقية في الثقافة الدينية التونسية، وانتشار نموذج ''التدين المغاربي'' الذي يختلف جملة عن ''الإسلام الطهوري والنظري'' الذي صاغه العقل السلفي القديم حسب تعبير الباحث صلاح الدين الجورشي، ثم أيضا التأثير الفكري لزعماء مثل عبد العزيز الثعالبي ثم ابنه الفاضل بنعاشور باعتبارهم من علماء الأزهر ذوي التوجه الفكري المعتدل، وأخيرا حسب رأيي الباحثين، التجربة البورقيبية في التحديث، ودورها في إعادة صياغة الوعي والوجدان التونسي، وهو ما ساهم في تأخر ظهور تيار سلفي في تونس.
والحديث عن التيار السلفي في تونس لم يطفو إلى السطح إلا في السنوات الأخيرة، فهي ''لم تتحول إلى قضية تشغل السلطة والنخب السياسية والفكرية، وجزء هاما من الرأي العام، إلا بعد اكتشاف مجموعة مسلحة دخلت في اشتباك مع الأجهزة الأمنية نهاية بين أواخر دجنبر 2006 وبداية يناير ,''2007(ص: 12) وهو ما دفع إلى طفو الظاهرة إلى السطح من خلال التغطية الإعلامية الواسعة لهذه الأحداث خصوصا وارتباطها بالظاهرة عموما.
بخصوص بنية التيار السلفي في تونس فهو ليس امتدادا لحركة النهضة التونسية، بالرغم من وجود تقاطعات على المستوى الفكري، بل ولد التيار السلفي في تونس في قطيعة مع حركة النهضة، وتراثها الفكري والسياسي والتنظيمي.
ظهر التيار السلفي في تونس نتيجة عدد من الأسباب، يعددها ذ.اعلية علاني كالتالي:أولا هناك غياب تيار ديني معتدل، بسبب حظر النظام التونسي لحركة النهضة، ثم ثانيا بسبب تهميش التيارات المعارضة الغير إسلامية للمرجعية الإسلامية في خطابها وممارستها، مما جعلها معزولة عن المجتمع، وثالثا بسبب انتشار التيار السلفي القوي في المشرق والدول المغاربية المجاورة، ورابعا من خلال التأثر بما وقع في الجزائر، وخامسا انتشار الفكر السلفي من خلال الفضائيات والإنترنيت، وسادسا ضعف النخب ومؤسسات التنشئة الإجتماعية في تحصين الشباب التونسي، وسابعا وأخيرا، انتشار التيار السلفي في صفوف المهاجرين التونسيين.
المغرب: الحركات السلفية وجذورها التاريخية والفكرية
لن نقوم بالحديث عن نشأة الحركة السلفية أو جذورها التاريخية والفكرية باعتبار أن هذا الموضوع كتب عنه الكثير، فالمذهب السلفي ظهر في المغرب منذ زمن طويل، وخصوصا على يد السلاطين العلويين، ابتداء من السلطان المولى سليمان، مرورا بالسلطان سيدي محمد بن عبد الله، انتهاء بالسلطان مولاي الحسن الأول. ويعتبر الباحث عبد الحكيم أبو اللوز بأن ما يعطي لهذه المرحلة أهمية كونها تزامنت مع الفترة التي عاش فيها محمد عبد الوهاب، وهذا في رأيه مؤشر واضح على علمية الدعوة السلفية وقدرتها على التعبئة والانتشار آنذاك، بدليل وتجاوب الزعامات السياسية معها. تجاوبا أساسه الاقتناع بصحة ما يدعو إليه من إصلاح عقدي واجتماعي.
وسنتكفي بالحديث عن السلفية الجديدة كما ظهرت مع رواد الحركة الوطنية وخصوصا علال الفاسي (مساهمة عبد السلام طويل)، ثم مع النخب السلفية التقليدية (عبد الحيكم ابو اللوز) في المغرب الراهن.
السلفية الجديدة: الأصول والرواد
بخصوص التاصيل التاريخي لأصول السلفية الجديدة في المغرب يبرز توجهان، التوجه الأول يعتبر بأنها تعود إلى أبي شعيب الدكالي ومحمد بن العربي العلوي، في حين يذهب التوجه الثاني على أنها مرتبطة بأحمد بن خالد الناصيري وأحمد بن المواز ومحمد بن الحسن الحجوي، وإن كان البعض يفضل عدم وضع أي تنصيف من هذه التصنيفات باعتبار أن الدعوة السلفية لم تكن حكرا لشخص او توجه واحد، بل كانت تعبر عن توجه عام ضمن النخبة الوطنية لفترة من تاريخ المغرب التحرري ضد الإستعمار، وهو ما عبر عنه محمد بن الحسن الوزاني في قوله: ''الدعوة السلفية لم تكن وقفا على واحد دون الآخر في مكان دون سواه، لم تكن محتكرة في يد العناصر الدينية دون غيرها، فضلا عن أنها لم تكن لها زعامة تتمثل في أي شخص بأي جهة من البلاد'' (ص:031).
غير ان عبد السلام الطويل يعتبر بأن كلا الإتجاهين اتفقا على الدور الهام الذي لعبه محمد بن عبد الكريم الخطابي، ليس كقائد لحرب الريف التحررية الكبرى فحسب، وإنما كفقيه سلفي تلقى تعليمه في القرويين.
وقد عرفت السلفية تحولا في الثمانينات مع الشيخ تقي الدين الهلاي، مؤسس ما يمكن يصطلح عليه ''المدرسة الوهابية المغربية'' ولن تبرز هذه المدرسة، إلا بعد وفاة الشيخ المؤسس سنة 1987 بالدار البيضاء، حيث انتقلت المشيخة إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب المغراوي والذي أسس المنهج الخاص به منذ سنة ,1975 أي سنة تأسيس ''جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة'' (ص:971). ويمكن التمييز حاليا في المغرب بين اتجاهين متباينين ضمن الحركات السلفية في المغرب الراهن:
السلفية التقليدية: وهو تعبير عن اتجاه تقليدي ضعيف التأثر بالسياقات المحلية، ويشتغل فقط في العمل الوعظي والدعوي، وقد كانت مساهمة عبد الحكيم ابو اللوز مهمة في هذا السياق، فقد تناول مسارات النخبة السلفية التقليدية (يطلق عليها البعض السلفية العلمية)، من خلال نماذج متعينة من بعض الشيوخ عبر رصد مساراتهم الفردية ليرسم لنا لمحة عن حياة هؤلاء الشيوخ.
السلفية الجهادية: وهو توجه راديكالي ضمن الحركات السلفية في المغرب الراهن، تمتلك رؤى معيارية صارمة للنص الديني وتسعى على تطبيقه في الواقع من خلال استعمال العنف المادي والرمزي كأدوات لتحقيق غاياتها، وقد برزت أولى الأسماء المحسوبة على تيار ''السلفية الجهادية'' أو ''الجيل الأول'' للتيار، ضمن تداعيات الغزو العراقي للكويت سنة,1990 ثم ظهر ''جيل ثاني'' من السلفيين مع أحداث 11 شتنبر ,2001 مع صدور فتوى من شيوخ ودعاة سلفيين مغاربة عبروا فيها عن رفض دخول المغرب في الحرب العالمية حول الإرهاب، وهو ما شكل صدمة بالنسبة لصناع القرار السياسي في المغرب، وهو ما تلاه اعتقالات في صفوفهم على خلفية أمنية صرفة خلال سنتي 2002 و 2003( قبل 16 ماي)، ثم بعد ذلك الاعتقالات التي شملت هذا التيار بعد أحداث 16 ماي، والتي اعتمدت ثنائية التضييق بالنسبة للإسلاميين المعتدلين والمعترف بهم من طرف الدولة، والإقصاء بالنسبة للإسلاميين الجهاديين ضمن ''تيار السلفية الجهادية''.
وقد توقف منتصر حمادة عند المراجعات التي قام بها التيار السلفي الجهادي في المغرب، أي العمل على التخلي على اللجوء إلى العنف والقوة المادية كأسلوب للتغيير والإصلاح المؤسس على أرضية شرعية أو تأصيلية، فقد برزت أولى مبادرات ''المراجعة''في صفوف الإسلاميين المعتقلين على خلفية أحداث 16 ماي الإرهابية، مباشرة بعد الإعتداءات التي تعرضت لها مدينة الدار البيضاء في شهر مارس وأبريل ,2007 من خلال وثيقتين صادرتين عن عبد الوهاب رفيقي ومبادرة تبناها علي العلام، ومبادرة ثالثة صادرة عن حسن الخطاب.
تعريف مركز المسبار للدراسات والبحوث
مركز المسبار للدراسات والبحوث هو مركز مستقل متخصص في دراسة الحركات الإسلامية والظاهرة الثقافية عموما، ببعديها الفكرى والاجتماعي السياسي. يبدي المركز اهتماما خاصا بالحركات الإسلامية المعاصرة، فكرا وممارسة، رموزا وأفكارا، كما يهتم بدراسة الحركات ذات الطابع التاريخي متى ظل تأثيرها حاضرا في الواقع المعيش.
بطاقة تقنية حول الكتاب
الكتاب: السلفيون في دول المغرب العربي
المؤلف: مجموعة من المؤلفين
عدد الصفحات:262
الناشر: مركز المسبار للدراسات والبحوث
الطبعة: الأولى/ يناير 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.