مجلس الحكومة يصادق على تعديل مرسوم مدونة السير    كأس العالم للأندية: ياسين بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد    أخبار الساحة    الوداد الرياضي يتلقى هدفين نظيفين أمام مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    بعيوي يقدم روايته عن فيلا كاليفورنيا وعلاقته ب"إسكوبار الصحراء" وزوجته السابقة    بيت الشعر في المغرب يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر    تعدد الأصوات في رواية «ليلة مع رباب» (سيرة سيف الرواي) لفاتحة مرشيد    سؤال الهوية الشعرية في ديواني .. « سأعبر جسر القصيدة» و «حصتي من الإرث شجرة» للشاعرة سعاد بازي المرابط    ‪حريق غابوي ضواحي تطوان يلتهم هكتارات.. و"كنادير" تواصل الطلعات    الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يؤكد على التحديات وجهود المملكة المغربية في مكافحة الجريمة المنظمة        الحكومة تصادق على إحداث المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي    نشرة إنذارية.. طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح يومي الخميس والجمعة بعدد من مناطق المملكة    بنيله شهادة البكالوريا من خلف أسوار السجن، نزيل يخطو أولى خطواته على سكة إعادة الاندماج (بورتريه)    تفكيك شبكة مغربية-إسبانية لتهريب البشر والمخدرات تستعمل قوارب الفانتوم    هشام بلاوي: الجريمة المنظمة تهديد متصاعد يتطلب تعاونًا قضائيًا دوليًا فعالًا        نشرة إنذارية..طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح بعدد من مناطق المملكة    معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    رائحة دخان تجبر طائرة على الهبوط في ميونخ    "حزب الله" يدين التهديد بقتل خامنئي    العيون ‬تحتضن ‬منتدى ‬إفريقيا ‬لبحث ‬الآفاق ‬الاقتصادية ‬والتجارية ‬بالقارة    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    دلالات ‬تجديد ‬مجلس ‬حقوق ‬الإنسان ‬دعمه ‬لمغربية ‬الصحراء    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    الذهب يصعد وسط التوتر في الشرق الأوسط    التصعيد بين إسرائيل وإيران يعيد للواجهة مطالب إحياء مصفاة "سامير" لتعزيز الأمن الطاقي    مجموعة "فيسين" تطلق طرحا عاما أوليا في بورصة الدار البيضاء    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    فرحات مهني يكتب: الجزائر الإيرانية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    لقجع: المغرب ملتزم بجعل كأس العالم 2030 نموذجا للاندماج والاستدامة البيئية    بيب غوارديولا في تصريح أعقب مواجهة الوداد الرياضي المغربي، إن "المباراة الأولى في دور المجموعات دائما ما تكون صعبة    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    مجموعة العمل من أجل فلسطين تعقد ندوة صحفية تحضيرا لمسيرة وطنية الأحد بالرباط    مربو الدجاج يثمنون توجه الحكومة لإعفاء الفلاحين الصغار ويدعون لإدماجهم الفعلي في برامج الدعم    كارثة صامتة .. ملايين الهكتارات العربية على وشك الضياع    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جبهة معارضة جديدة
نشر في التجديد يوم 12 - 02 - 2014

يمكنني الجزم بلا ارتياب أو تردد، أن بعضا من مكونات معارضة اليوم، احترفت كل أساليب الدجل والخفة والبؤس في الخطاب والارتباك في المعارضة، والتناقض في السلوك السياسي لرموزها وقادتها الجدد الذين أقحموا الى واجهة المشهد السياسي الوطني بغاية إحداث الارتباك فيه، وحجب أي إمكانية لتشكل تكتل وطني ديمقراطي يجمع تيارات الفكر والسياسية على برنامج الاصلاحات المهيكلة للدولة والمجتمع من أجل انجاز الانتقال الديمقراطي الحقيقي،
تلك المعارضة بهذه الطبيعة وبتلك الملامح والهوية السياسية الجديدة، راهنت في ممارستها على صعيد الساحتين البرلمانية والاجتماعية وكذا في حضورها السياسي العام، راهنت على أساليب التشويش على دينامية الاصلاح الديمقراطي الجارية وتهجينه والنيل من صدقيته، مع الاصرار على تبخيس المنجز الحكومي الممكن في المرحلة، في محاولة مكشوفة ويائسة في نفس الان للتعطيل والارباك والانهاك والالهاء وتحريف الصراع السياسي عن أهدافه الاصيلة، ومحاولة تحوير العملية الاصلاحية عن مراميها البعيدة القاصدة لتفكيك بنيات الاستبداد والتقدم خطوات في مسلسل مكافحة الفساد،
وهي بذلك الصنيع تعمل –بكل الوسائل المتاحة-على إثارة الضجيج وامتهان العنف اللفظي والسياسي معا إرادة منها لشغل المشهد السياسي برمته عن القضايا الاساسية للشعب، ممثلة في بسط الحريات واقرار العدالة الاجتماعية والاستفادة من ثمار النمو-التوزيع العادل للثروات- واقرار الكرامة الانسانية والتحقق بالاختيار الديمقراطي الحر وغيرها من شعارات، سبق وأن كانت موضوعا لحركة الانتفاض الشعبي التي عرفها المغرب في السنوات الماضية، والتي رافقت موجة الربيع الديمقراطي.
كل ذلك وغايتها الانقضاض على التجربة الاصلاحية بنقضها ومحاولة نسفها، بل واغتيالها معنويا واجهاضها سياسيا.
حديثي لا يتجه أساسا لتقييم الاداء السياسي والنضالي للمعارضة الديمقراطية الوطنية سواء بالنقد أوالمعالجة أوالكشف عن أعطابها وعوراتها–سواء كانت تلك التي تشتغل داخل المؤسسات أو التي تمارس خارجها- بل إنني أركز حديثي واهتمامي النقدي إلى بعض من القوى السياسية والحزبية التي تستعمل موقع المعارضة المؤسساتية ، لا لاحداث التوازن السياسي المطلوب داخل النسق السياسي، وإنما تستعمل ذلك الموقع بقصد إلى الاساءة الى وظائف المعارضة المستقلة الارادة النبيلة المقصد والشريفة الذمة، ولدورها الديمقراطي الاكيد في البناء الديمقراطي لبلدنا،
فأنا لا أتصور ممارسة سياسية ديمقراطية سليمة بلا معارضة جادة اقتراحية مبادرة نقدية ومسؤولة، تملك إرادتها المستقلة وتشكل بديلا فعالا هي السلطة التنفيدية القائمة، وتمتلك مشروعا مجتمعيا وأفقا نضاليا وتجذرا شعبيا وحضورا في خلايا المجتمع ومؤسساته المدنية، لكي تساهم في تحصين البلد ضد التطرف السياسي والاستبداد السياسي.
لكننا –للاسف الشديد -إزاء معارضة غريبة الصفات والملامح، فهي استبدلت وظيفتها واستأجرت ارادتها ورهنت استقلالها السياسي والفكري، معارضة كسيحة بئيسة مثيرة للشفقة،
معارضة مجازية تعارض الاصلاح وتسدي الخدمات لقوى الفساد والاستبداد، الشيئ الذي جعلها تنمو بجينات مختلفة، وتبدو بقدرات رخوة واهنة، وتتوشح بلياقة شائخة وبمحدودية في الاقتراح والنقد و طرح البدائل، وحضورها النضالي والتنظيمي في المجتمع يبدو خافتا ومحدودا.
فهي لا ترعوي، ولا تجد أدنى حرج في الاستعانة بخدمات شبكات المصالح الفئوية والنخبوية والادارية والسياسية والاعلامية والاقتصادية التي تشكلت على مدى فترات متطاولة من الزمن السياسي والاجتماعي للمغرب المعاصر، وأسست لنموذج سياسي للتحكم في الناس والنخبة والسياسية والعمل العام مبني على السيطرة على المجتمع وضبطه بمنطق العصى والجزرة، بحيث شكلت مكونات تلك الشبكات ومراكز القوى متضامنة، نمطا سياسيا زبونيا ونسقا سياسيا يؤسس للسلطوية الناعمة، ذلك النظام السياسي والاجتماعي الذي استوى واكتمل تشكله قبل اندلاع موجة الربيع الديمقراطي، وقد كان سيؤدي بالبلاد إلى حافة الانهيار والانفجار، لولا الحكمة الجماعية التي تمت بها معالجة حركة الاحتجاج السياسي على تردي الاوضاع السياسية والاجتماعية.
لكن معارضة اليوم-على تلك الشاكلة التي سبق الاشارة الى بعض ملامحها سلفا- وجدت في تلك الشبكات ومراكز القوى المناهضة للاصلاح، سندًا لها لاستعادة المبادرة للحضور في المشهد العام من جديد، وذلك بالقفز الى الواجهة من خلال ارادة التحكم في مفاصل الدولة والمجتمع، وتأبيد السيطرة عليها.
وغير خاف على كل نبيه وملاحظ حصيف، ما تمر بها قضية الاصلاح من عسر ومن قصف شديد من كل جانب، بحيث نلمح أن هنالك حربا شرسة تدار رحاها الان، وبلا هوادة على كل المبادرات الاصلاحية التي يقوم بها قادة التجربة التدبيرية الحالية من مستوى موقع السلطة التنفيدية.
حرب شاملة، معلنة وخفية، ومن طرف واحد، وبأدوات قذرة رديئة وبئيسة، حرب تشن على جبهات متنوعة وفي صعد ومستويات عديدة، تقودها تحالفات متقاربة المرامي والاهداف، في تنسيق تام مع شبكات المصالح المتكاتفة والمتساندة مع مراكز القوى والتجمعات الفئوية، وباستخدام مكشوف للاعلام الخاص والعام وتوسل بآليات الادارة العمومية وغيرها، كلها قوى يجمع بينها الاعتماد المتبادل، والتشابك في المنافع الريعية مادية كانت أو رمزية، والتحالف في الاستراتيجيا النهائية.
كل ما سبق تسطيره، يمثل بالنسبة إلينا توصيفا مجملا لحالة الصراع الجارية على الاصلاح في البلد منذ مدة ليست بالبعيدة،
تلك الحالة من الصراع، تكشف بالملموس وبما يدع مجالا للشك، تشكل تحالف عضوي متين بين قوى الافساد العمومي ورموز الاستبداد السياسي التي كانت تشكل حصنا للنفوذ والتسلط والتحكم في الارزاق والعباد، والتي امتهنت أسلوب الضبط والقهر والطغيان واحترفت منهج قطاع الطرق لا القادة السياسيون، ومن مواقع مختلفة وعلى فترات متباعدة،
الغاية النهائية لتلك الاطراف والقوى، هي محاولة إنهاك تجربة الاصلاح الديمقراطي برمتها التي يقودها العدالة والتنمية باقتدار، في أفق إجهاضها والانقلاب عليها واغتيالها سياسيا ومعنويا بعد الفشل في التشويش عليها وتفخيخها من الداخل ووضع العراقيل والمطبات واثارتها في وجهها، وإنه من الطبيعي في السلوك السياسي لتك القوى وحلفائها أن تتوسل بعديد من الاليات والادوات والفئات المجتمعية، من خلال الاستعمال الانتهازي لاحتجاجاتها والنفخ في معاناتها وتحريف نضالاتها، مع العمل على تهييجها والمزايدة بها.
الدرس الاساسي الذي يمكننا استخلاصه من التحليل السابق، هو أن بعضا ممن يخاصمون التجربة الديمقراطية الوليدة في المغرب، وممن لا يحملون لها ودا ولا يكنون للشعب ولا للاختيار الشعبي الحر أدنى قيمة أو اعتراف بإمكانية هزيمتهم السياسية وهم لا يسلمون لحقيقة تاريخية فاقعة تنبئ بفشلهم الذريع وانحطاطهم المريب،
انهم لم يستوعبوا بعد حقيقة تنكب الشعب عنهم وعقابهم وتجاهلهم، فهم يعملون على الصيد في الماء العكر، ويستثمرون في بعض الاخطاء التدبيرية الصغيرة للفريق الذي يدبر الشأن العام في المرحلة، ليحولوها الى خطايا، ويمعنون في ادارة الصراع السياسي بأدوات غير نزيهة ولا ديمقراطية ولا تحمل قيم المبدئية و المصداقية ولا التخلق و لا الرصانة ولا المسؤولية السياسية وبعيدا عن قيم التنافس الديمقراطي النزيه والخبير.
كل هذا مع الاطمئنان الى كون التجربة الاصلاحية الماثلة أمامنا والتي نعيش على إيقاع بعض أطوارها، تولدت من رحم تجربة ديمقراطية فريدة، وتمخضت عن اختيار انتخابي نزيه، تحصل فيه حزب العدالة والتنمية على المركز الاول لحظة الاستشارة غير المسبوقة في التاريخ الانتخابي في المغرب المعاصر، انتخابات غير المطعون في صدقيتها السياسي.
بناءا على ذلك، يمكننا التأكيد على مسألة حيوية وبالغة الاهمية، تتمثل في ان التحالف الجاري تخليقه وتوليده قسريا، ينبني على هدف جوهري يتمثل أساسا في : الرغبة في معارضة تبلور تحالف سياسي ممكن وعريض بين مكونات التيار الوطني الديمقراطي الاصيل الرافد لطموحات شعبنا في التحرر والانعتاق، ذلك التكتل المجسد للجماعة السياسية الوطنية بكل عائلاتها ومرجعياتها الفكرية والسياسية الاصيلة والمتجذرة شعبيا في وفاق وطني وتشارك في صناعة المستقبل الجامع المبني على المواطنة الكاملة والشرعية الديمقراطية.
من أجل بلوغ ذلك الهدف، فان تكتل الاعاقة الديمقراطية المشكل حديثا –والمتكون من تحالف ظرفي قوامه أربع أحزاب تتمترس بموقع المعارضة المؤسساتية- يعمل بإخلاص على تنفيد المطلوب منه من مهام قذرة، غير ديمقراطية ولا نزيهة، مهام لها صلة بالمشاركة في جريمة إرباك تجربة الانتقال الديمقراطي في مغرب اليوم، في محاولة يائسة منها لاستعادة أدوات عمل النسق السياسي السلطوي، وإعادة عقارب الزمن السياسي بالبلد إلى سابق عهده، بنفس المنهج التحكمي وبنفس التوازنات السياسية المراقبة للمشهد السياسي التي كانت مبنية على ضبط المجتمع والتحكم فيه. كل ذلك يتم بتنسيق محكم ووثيق مع مراكز القوى والنفوذ والجاه، وفي شراكة واضحة مع شبكات المصالح الظاهرة والخفية-كما سبقت الاشارة سلفا-
لكن كل أولئك نسوا أو تناسوا حقيقة تاريخية فارقة وعنيدة في تطورنا السياسي الحديث، تجلت في بداية عصر جديد لعلاقة الدولة بالمجتمع مبنية على المشروعية والتوازن والانبثاق الخلاق لتجربة ديمقراطية تأسست على نداءات الحرية والتحرر، ودشنت لانهيار جدار الخوف وآذنت بتأسيس عصر المشروعية الشعبية، التي أطلقت المجتمع من عقاله وفجرت طاقاته، وأخرجته من الحجر ومنطق الاكراه، بحيث مضى معها زمن التحكم الى غير رجعة.
وهنا وجب لفت الانتباه الى أن تلك القوى لن تستسلم، بالرغم من أن البلاد برمتها تؤدي فاتورة تأخر الاصلاحات بالرغم من أن قوى الاصلاح الديمقراطي الاصيلة تواجه حربًا مستعرة ومستمرة، خصوصا بعد النجاح –وبأقل الخسائر-في إعادة تشكيل أغلبية جديدة وبالتالي توليد الحكومة الحالية، مع تسجيل النجاح الحكيم في عدم تسليم البلاد للمجهول من خلال رهنها لسيناريو الفراغ المؤسساتي، الذي كان يريد البعض من قوى الردة الديمقراطية -التي كانت تراهن على المفاعيل السلبية للتحولات السياسية والاقتصادية الجارية على الصعيدين الاقليمي والدولي- قلت السيناريو الذي كان البعض يريد أن يورط فيه البلد ويزج بها للمجهول.
ومع ذلك، فإنه بالرغم من سقوط جدارات الخوف، وتشكل وعي جديد بالحتمية التاريخية للاصلاح السياسي، والضرورة الحاسمة لاحداث التغيير المجتمعي، والاستجابة العملية لقانونه التاريخي، وبجانب الانبعاث الجديد لحركة الشارع المنطلقة شعبيا، والمطالبة باقرار الاصلاح العميق للدولة، وانجاز مهمة الانهاض الشامل للمجتمع، بالرغم من كل ذلك فإننا نؤكد حقيقة ملازمة للمراحل الانتقالية نفسها تتمثل في انبعاث مقاومات شرسة لحركة الاصلاح تمثلت في بروز تحالفات مناهضة للتغيير، تعمل باليات الدولة العميقة، وتنشط بكل مقدرات الدولة، وهي تحاول جهدها العمل على استعادة ما أسقطته حركات الاحتجاج السياسي، وأساسا حركة 20 فبراير .
فالحرب –إذن-تستعر في كل فترة، لأن شبكة مصالح الدولة العميقة وكل ارتباطاتها وتحالفاتها الظاهرة والخفية، لا يمكن لها أن تستسلم بيسر لمنطق التاريخ، ولا يتصور أن تخضع بسهولة لمنطق الانتقال والإصلاح ، و هي تصعد الخناق على التجربة وقتما تخشى أن تصل إليها يد التغيير وإخضاعها للحساب والتفكيك، بأسلوب ذكي يراهن على الزمن وعلى التطبيع السياسي لقوى الإصلاح بما يراعي موازين القوى الفعلية على الارض.
فكلما اقتربت البلاد من تحقيق الاستقرار السياسي وتوطين السلم الاجتماعي والتوازن المؤسساتي، ذلك الاستقرار الحاضن لتفعيل مسلسل الإصلاحات العميقة والشاملة والمهيكلة، كلما تشعر شبكات المصالح وقوى التحكم ومراكز النفوذ التي سطت على تدبير الحياة العامة في السابق، بالخطر أكثر، وكلما تحرك قطار الاصلاح إلا وتشعر هي معه بالتهديد الجدي لمصالحها ولتحالفاتها، لذلك فهي تنظم المقاومة ضد الاصلاح ورموزه وبرامجه وخططه، وتتحرك غريزيا للدفاع عن أسلوبها في الوحيد في البقاء المبني على الفساد والتحكم والاستفراد والاستبلاد، وهذا ما يبصرنا بحقيقة تحريكها لاليات الاعلام والقضاء والادارة وو،
الاستقرار الذي نعنيه هنا، هو البيئة السليمة والحيوية للاصلاح الشامل، والاصلاح العميق والشامل، هو وحده من سيجعل المغرب ينفصل عن مخطط الجمود الذي يبشر به تكتل الفساد وتحالف الاستبداد، وهو وحده من سيحجبنا عن الارتهان لزمن تمكن التسلط والاحتكار من التلبس بنظامنا السياسي والاقتصادي، الذي كان قيد التشكل في مرحلة التحكم السابقة على الانتفاضة المباركة العارمة التي اعترت العالم العربي برمته.
من اللازم الانتباه، إلى أن نخبة الدولة العميقة أو الموازية -في تعبير مميز للأستاذ أفتاتي-استطاعت توظيف العديد من القوى السياسية وبعض من الكائنات الحزبية الشاردة عن الجماعة الوطنية، لتشكل لها غطاءً سياسيًا-ثلاثي إعطاب الانتقال الديمقراطي، هنا نلمح إلى الجبهة الجديدة التي هي قيد التشكل- وجعلت العديد من وسائل الإعلام الورقي السيار والالكتروني الرائج، بما فيها وسائل عمومية مملوكة للدولة، توفر لها غطاءً إعلاميًا يوفر لها الدعاية وإمكانية التسويق.
وهي ذات القوى التي عملت في السابق، على انتهاز فرصة الانقلاب في مصر خصوصا وموجة الردة الديمقراطية والنكوص السياسي التي طالت الربيع العربي عموما، لمحاولة الانقضاض على التجربة الديمقراطية الإصلاحية التي يقودها العدالة والتنمية، بنسفها والتشويش عليها وتفكيكها والتشكيك في فعاليتها .لكن هيهات.
لزم التشديد على أن بعض تلك القوى المضادة للتغيير التراكمي الهادئ، والتي تخاصم قوى الإصلاح الديمقراطي الحقيقي بقيادة العدالة والتنمية ، أصبحت تجد في الدولة العميقة والموازية و في شبكة النفوذ والتحكم والمصالح التي هيمنت في الوضع السابق، حليفا طبيعيا وشريكا عضويا.
لقد وجدت فيها –إذن-السند الوحيد لها، وأصبحت تراهن على استعادة ذات نمط التدبير والهيمنة على الشأن العام وعلى مفاصل الدولة، لمواجهة الحضور السياسي البارز لقوى التيار الوطني الديمقراطي الاصيل، والاهم لمنطق الإصلاح وثقافته.
وهنا وجب الانتباه الى أن هنالك جهات عديدة من مصلحتها العمل على عرقلة الإصلاح المنطلق، وهي من مصلحتها إعاقة التنزيل الديمقراطي للدستور، و نحن نراها الآن تنحاز لتأويل محافظ غير ديمقراطي للدستور-بالرغم من كثير من ملاحظاتنا عليه-
هي تحاول ذلك، ببساطة حتى لا تبدأ مرحلة استقرار حقيقية، تفضي الى رؤية ثمار الاصلاح الحقيقية تصل الى شعبنا، فقرائه وقراه وهوامش مدنه وطبقاته المهمشة ومجاله المستبعد من دورة النمو.
وهي نفسها تراهن على إحداث الارباك العام في المجتمع، حتى تبقى البلاد رهينة في أيديهم جامدة على مستوى مربع المرحلة الانتقالية التي يتمنون لها الدوام والاستطالة، على أمل أن يتمكن رجالات الدولة العميقة وحلفائهم الطيعون، من استعادة السيطرة على كامل مفاصل الدولة والمؤسسات الحيوية للمجتمع، وبالتالي إدامة السيطرة على توجيه القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، وتشكيل النظام السياسي والاجتماعي وفق الهندسة التي يريدون ويحلوا لهم إخراجه على منوالها في حلة جديدة وبديلة تتجاوز منطق الاصلاح الديمقراطي، بل تتجاوز حتى الصيغة الدستورية التي تبلورت من خلال الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011.
بكلمة جامعة، وبالنظر لكل ما سلف تحليله، فإننا أصبحنا ندرك أكثر من أي زمن مضى أننا أمام معارك وجودية متعددة جبهات –في حرب ممتدة مع الفساد والاستبداد- معارك رئيسية وجانبية، سترهن قضية الاصلاح الديمقراطي الشامل في البلد لزمن آخر،
فنحن الآن وفي هذه الأيام نشهد واحدة من أخطرها، هي معركة من قبل الخصوم الطبيعيين للاصلاح والبلاد معا، معركة تستهدف تجربة الاصلاح الديمقراطي برمتها، من خلال الرهان على إنهاك قوى الاصلاح الحقيقية في معارك هامشية وإلهائها في أخرى جزئية على حساب المعركة الاساسية من أجل النهضة،
إنهم يريدون شغلنا عن هم التنمية والحرية والعدالة والاجتماعية والكرامة الانسانية والمواطنة الكاملة ووو، حتى ولو كلفهم الامر سقوط الدولة القاتل في الجمود السلطوي البائد أو الانتظار الذي يرهن المجتمع ويكبح طاقاته الفاعلة ويعطل مقدراته المنتجة،
إن القادة الكامنون في الخفاء والزعماء الظاهرون على السواء لهذه الحرب الدائرة والمستعرة على الاصلاح، لا يهتمون الا لاجندتهم البئيسة ولنزواتهم المغرورة والمغرر بهم من خلالها، إنهم لا ينصاعون إلا لمن يخدم منطقهم السلطوي التحكمي المتخفي والمعلن.
وجب الحذر والانتباه الى طبيعة المعركة كما هي متجلية في واقع الصراع حول الاصلاح الديمقراطي، لكي لا نخطئ العنوان والاتجاه والخصم،
فالخصم اللدود في هذه المعركة، هو بنيات الفساد وتحالف الاستبداد وشبكات المصالح وراكز القوى والنفوذ، ورموزها جميعا،
فالمعركة تدار مع القوات الشعبية وبمنطق النضال الديمقراطي الصبور والجسور والمشارك، منطق العمل السياسي النضالي من داخل المؤسسات، بمنطق الممارسة الفاعلة، والشراكة الوثيقة، والتعاقد السياسي، لكي لا تصبح البلاد رهينة ومستأجرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.