آيت الطالب يجدد التأكيد على استمرارية الاستفادة من مجانية الاستشفاء بالنسبة للمصابين بمرض مزمن أو عضال    بغلاف مالي يناهز 30 مليون درهم.. المصادقة على 45 مشروعا في إطار INDH بإقليم الدريوش    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمم المتحدة: قرار إخلاء رفح للي صدراتو إسرائيل "ماشي إنساني"    قبل مواجهته نادي بركان.. ضربة موجعة للزمالك المصري بسبب 10 لاعبين    الملك يعزي العاهل السعودي في وفاة الأمير بدر بن عبد المحسن    نحو 40 في المائة من مجموع قتلى حوادث السير هم مستعملي الدراجات النارية    باستثناء شكايات جمعيات حماة المال العام اللي كيشكو فمصداقيتها.. القيادة الثلاثية للبام حطات شرط صارم لعضوية المكتب السياسي: ممنوع يكون محل متابعة قضائية من طرف مؤسسات الدولة    نتنياهو يرد على "قبول حماس للصفقة" بمهاجمة رفح    "البوليساريو" تهاجم الإمارات بسبب الصحراء    انخفاض العجز التجاري للمغرب إلى 61.9 مليار درهم    "رايان إير" تطلق خطا جويا بين طنجة وورزازات    إحداث أكثر 2400 مقاولة جديدة على مستوى جهة الشمال مع متم فبراير    القضاء يسجن ضابط شرطة 5 سنوات    الدكيك يحتفل بتصنيف "فوتسال الفيفا"    بعد دخوله قائمة هدافي الفريق.. هكذا احتفل اشبيلية بالنصيري    مناورات عسكرية موريتانية.. هل هي رسالة للجيش المالي ولفاغنر؟    زيوت التشحيم تجمع "أولى" و"إكسون"    انتقادات تطال وزير الصحة بسبب إقصاء 8 ملايين مغربي من التغطية الصحية    مرصد يثمن مأسسة الحكومة للحوار الاجتماعي    الأمثال العامية بتطوان... (591)    استعراض تجربة المغرب في مجال مكافحة الفساد خلال منتدى عربي بالقاهرة    بلاغ جديد وهام من المديرية العامة للضرائب    عاجل.. القضاء يعزل رئيس الرجاء محمد بودريقة من رئاسة مقاطعة مرس السلطان    وفاة المقدّم التلفزيوني الفرنسي الشهير برنار بيفو    بسبب تصرفات مشينة وعنيفة.. تأجيل محاكمة محمد زيان في قضية اختلاس أموال الحزب الليبرالي    لاعبين الزمالك كاعيين قبل الفينال ضد بركان ومدربهم كيحاول يكالميهم    تطويق أمني بالعاصمة يحول "مسيرة الصمود" لأطباء الغد إلى "وقفة الحشود"    الضمان الاجتماعي الإسباني يتحاوز عتبة 21 مليون منتسب    تطوان: إطلاق طلب عروض لإنجاز منطقة الأنشطة الاقتصادية والحرفية "كويلمة"    ارتفاع حصيلة قتلى الفيضانات في البرازيل إلى 83    بلقصيري: أجواء افتتاح مهرجان سينما المرأة والطفل في دورته الأولى    إسرائيل تغلق مكتب الجزيرة وألمانيا تنتقد القرار    حصيلة منجزات وكالة بيت مال القدس فاقت 13,8 مليون دولار خلال الخمس سنوات الأخيرة    هذه تفاصيل موجة الحرارة المرتقبة في المغرب ابتداء من يوم غد الثلاثاء    وثائقي فريد من وزارة الثقافة والتواصل يبرز 6 ألوان فنية شعبية على ضفاف وادي درعة    اللي كيمشي لطريفة وعزيز عليه الطون والسربيسة والسينما: ها مهرجان وها الافلام المغربية المعروضة فيه    إضراب جديد يشل محاكم المملكة    لأول مرة.. تاعرابت يحكي قصة خلافه مع البرازيلي "كاكا"    بسبب الهلال.. لجنة الانضباط تعاقب فريق الاتحاد السعودي وحمد الله    تسجيل بقوة 2.5 درجات على سلم ريشتر بإقليم تاونات    المغرب يحتضن الدورة 16 للبطولة الإفريقية للدراجات الجبلية    أسعار النفط العالمية تعود إلى الارتفاع    وفاة مدرب الأرجنتين السابق لويس مينوتي بطل مونديال 1978    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة من "منصة الجونة السينمائية"    "الثّلث الخالي" في القاعات السينمائية المغربية إبتداء من 15 ماي الجاري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    بعشرات الصواريخ.. حزب الله يستهدف قاعدة إسرائيلية في الجولان    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    المشاهد الجنسية في أفلام هوليوود تراجعات بنسبة 40% وها علاش    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    رأي حداثي في تيار الحداثة    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    الأمثال العامية بتطوان... (589)        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الورش التعليمي بالمغرب وأسئلة المرحلة
نشر في التجديد يوم 24 - 09 - 2014

يشكل المسار التشاوري الجديد الذي أطلقته وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، مسارا حاسما في اتجاه تفجير نقاش مجتمعي حول المعضلة التعليمية ببلادنا. خصوصا بعد الخطاب الملكي الاخير (20 غشت)،الذي اعترف فيه بوجود أزمة حقيقية، وقد عبر هذا الخطاب عن الواقع المأزوم بلغة صريحة وقاسة ونقدية عالية، لم نعهدها في الخطب الملكية السابقة طيلة العشر سنوات الاخيرة.
ولعل هذا السياق حاكم في فهم المشاورات الاخيرة التي أطلقتها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، حيث أنها تأتي للتجاوب مع القلق الرسمي حول المنظومة، وأيضا للقلق الذي يعتور المجتمع المغربي بكل شرائحه وفئاته وفاعليه السياسيين والاقتصاديين والنقابيين والجمعويين. وهذا المسار يأتي لتجاوز الأعطاب المنهجية التي كانت قد وقعت فيها الوزارة عندما بادرت بإطلاق البرنامج الاستعجالي والذي لم يستحضر فلسفة التشارك والإشراك في تنزيل البرامج والخطط والمشاريع –هذا على الرغم من كونها قد تكون مهمة وخلاقة ومبدعة-
ومع انطلاق هذا المسار التشاوري، تبين من خلال الملاحظات الأولية، أن هناك ثلاثة مواقف كبرى تشكلت من جراء التعامل مع السياق الجديد: أولها الموقف المتفائل من هذا المسار، والثاني، الموقف المشكك واليائس من العلمية التغييرية أو الإصلاحية للورش التعليمي، والثالث، وهو الأكبر، هو التعامل السلبي واللامسؤول من العملية برمتها، ويستعين هذا الطرف لتبرير موقفه، بالتجارب السابقة، التي مرت والتي عملت على إعادة إنتاج نفس أوضاع الأزمة التعلمية، ولعل أحسن ما يجده هذا الطرف، هو القول، بأنه لا إصلاح للتعليم بالمغرب، فنحن سنبقى في هذه الدائرة المفرغة.
طبعا، هذا المواقف الثلاثة، طبيعية في مجتمع يعرف أزمة بنوية في المنظومة التعليمية، لكن أعتقد أن الاستسلام للمواقف الحتمية والعدمية، لن يخدم الملف في أي شيء، بل سيزيد من تعميق الأزمة. كما أن الموقف المتفائل جدا من المسار التشاوري، بدوره لن يخدم الملف، لأنه ينبني على تصورات تنحو نحو المثالية، بيد أن المطلوب في نظرنا، هو اتخاذ مسافة نقدية تفاؤلية لكن عقلانية، وليس تشكيكية في كل دعوة أو مسار إصلاحي أو تغيير كيفما كان. انطلاقا، من هذه المواقف، سنحاول أن نبين الجديد في هذا الورش، وذلك من خلال العناصر التالية:
أولا على مستوى التشخيص:
رغم أن الكل (فاعلون رسميون ، الوزارة، المجلس الأعلى، التقارير الدولية والوطنية)، يؤكدون أن المنظومة التعليمية تشكو من أعطاب بنيوية حادة ومزمنة، فإننا نود أن نثير الانتباه إلى مسألة هامة –في اعتقادنا- وهو أننا في بعض الأحيان نعتقد أننا نقوم بالتشخيص لواقع المنظومة، لكننا نقع في نوع من الاختزالية والتبسيطية أو في المنظور التقنوي، حيث أننا في غالب الاحيان، نؤكد أن مخرجات المنظومة التعليمية والتربوية، لم تعد تؤدي إدماج الشباب في سوق الشغل، أو إلى تراجع المستوى التعليمي أو إلى ارتفاع نسب الهدر المدرسي أو إلى ضعف الحكامة التربوية، أو ترهل وظيفة الموارد البشرية. غيرها من الإشكالات –التي نؤكد أنها خطيرة وذات أثر- لكننا نتغافل بوعي أو بدونه عن أهم إشكال في نظري وهو تراجع الأدوار الريادية للمنظومة التربوية، ونقصد بها الوظائف التنشئوية والتثقيفية والقيمية والتأهيلية في أبعادها الكلية. ولهذا نعتقد أن هذه المشاورات تأتي لتعيد طرح الأسئلة المقلقة والحارقة، وأيضا لاعادة النظر في الأسئلة البديهية والمتداولة، من أجل الوقوف جيدا عند الاعطاب الحقيقية والعميقة، وليس فقط عند بعض التمظهرات والنتائج والآثار. وهناك مسألة إضافية، يمكن أن نضيفها في هذا السياق، هو أن فتح هذه الورشات على أوسع نطاق، هو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الفاعلين وإدماجهم وضمان انخراطهم في هذا الورش التغييري وليس الاصلاحي للمنظومة. فكما يقول حكيم الهند الماتماها غاندي: "كل أمر تتخذه لصالحي لكن بدون إشراكي فهو ضدي" وهذه المقولة تصلح لكي نفهم النفس العام الذي حفز الفاعل الرسمي لاطلاق هذا الورش، حيث أنه يريد أن يصبح موضوع التعليم والمنظومة التربوية، موضوعا عموميا ومفتوحا على النقاش العام، وربما هذا ما يؤسس لمرحلىة، نأمل أن–تشكل قطيعة- مع المقاربات السابقة.
ثانيا: على مستوى المقاربة
وبناء عليه، فنحن لا نعتقد أن هذا المسار الجديد ليس إلا ذرا للرماد في العيون، أو تكتيكا انتهازيا من طرف الوزارة. فكما سبق وأن بينا أن المقاربات السابقة، خصوصا في مرحلة إعداد وتنزيل البرنامج الاستعجالي، وقع تعثر كبير في تسريع وتيرة الاصلاحات، بسبب عدم انتهاج المقاربة التشاركية الواسعة والحقيقية. ولهذا فنحن نرى أن ضمان مشاركة الجميع وفق الابداع المغربي المتميز بالتأسيس لثقافة الديمقراطية –خصوصا في القضايا الكبرى، ومنها قضية التعليم- لن ينتج عنه إلا الخير.
في هذا السياق، يمكنني أن أذكر بالمقاربة الرائدة التي انتهجها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في سبيل بلورة النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية، حيث أطلق سلسلة من المشاورات على كل الفاعلين والمهمتمين والخبراء والمسؤولين، لكي يتم إدماج آرائهم وتصوراتهم ومواقفهم واقتراحاتهم في المشروع. واليوم يمكنني أن أؤكد بعد إطلاعي على تلك الوثيقة أنها تلبي مجموعة من الاختيارات الكبرى والتوجهات الاستراتيجية والمنظور الشمولي في التنمية، مستحضرين حتى البعدين الثقافي والقيمي في الموضوع. وهذا مكسب للمغاربةأجمعين، بطيعة الحال نتمنى أن يتم التنزيل العملي في انسجام مع روح هذه الفلسفة التشاركية.
ثالثا: وقفة مع مرحلة الميثاق الوطني للتربية والتكوين
بالرجوع إلى الوراء قليلا، وخصوصا لحظة أجرأة الميثاق، يمكن أن نبسط بعض الملاحظات الأولية: أولا يجب التأكيد على أن المغرب كان من بين الدول العربية الرائدة في بلورة وثيقة من مثل هذا الحجم، وأنه انتهج فلسفة التشارك وانخراط جميع الفاعلين في بلورة هذه الرؤية، لكن الذي وقع هو أن التعامل الانتهازي مع الوثيقة من طرف المخزن العميق، و بعض الفاعلين السياسين والنقابيين أفرغ الوثيقة من محتواها. وهنا نفتح قوسا لنذكر القراء، بأن الوثيقة لم تكن ملزمة لأنها لم تتخذ صبغة دستورية ولم يتم التصديق عليها في البرلمان، هذا على الرغم من أن الكل كان مجمعا على بنودها. (هذا الامر وقع في عهد كل من السيدين عبد الله ساعف والحبيب المالكي)
من جهة ثانية، وقع خلاف إديولوجي حول مضمون بعض القضايا في المنهاج التربوي بين الاسلامين واليساريين، خصوصا في مرحلة إعادة صياغة المنهاج التربوي، ومن ثم المقررات الدراسية (يمكن أن نشير إلى الصراع حول شطب مادة التربية الاسلامية من هذه المقررات).
مسألة أخرى، ذات طبيعة سياسية وهي أنه وقعت عدة أزمات سياسية في مرحلة تنزيل الميثاق، فكلما تتغير الحكومة إلا ويقع تغير في نوع المقاربة. ففي عهد إسماعيل العلوي وعبد الله ساعف كان قد بدءا مسارا معينا في التعاطي مع الميثاق، تميز بدوره بالتردد والبطء في مقاربة القضايا المستعجلة والآنية وأيضا الاستراتيجية والجوهرية. هذا مع التذكير أنه أنجزت العديد من المشاريع. وحتى عندما تسلم السيد الحبيب المالكي مقاليد القرار التربوي، سيعرف المسار الاصلاحي تعثرا في بعض القضايا، ومنها الاستمرار في التعاطي التجزيئي مع المنظومة، بمعنى الاهتمام بجوانب على حساب أخرى. ولكي نعطي مثالا ملموسا على ما ندعيه، يمكننا أن نشير إلى الهاجس الذي ميز هذه الفترة وهو استكمال التعميم الكلي للتعليم الابتدائي، لكن في ظل شروط دراسية لا تستحضر البعد الكيفي في المسألة ونقصد به الجودة. مما جعلنا نستفيق بعد مدة على مسألة جودة التعلمات التي يتلقاها المتمدرسون، وهو ما كانت تكشف عنه التقارير الدولية العالمية، خصوصا تقويمي "بيرلز" (القراءة) و"تيمز" الرياضيات والعلوم"، حيث بوأتنا مراتب متدنية مقارنة مع بلدان تعرف صعوبات وقلاقل وحروب، كاليمن وبعض دول إفريقيا.
طبعا هناك حيثيات كثيرة، لا يسمح المجال بالتفصيل فيها، كضعف السند المجتمعي للقضية، وضعف إن لم أقل غياب الاهتمام بالموضوع من طرف كافة القطاعات الحكومية، وترسبات البنيات الذهنية المتخلفة التي لا تريد التغيير أوالاصلاح، وأقصد مجموعة من الأطراف كالادارة التربوية بمعناها الشامل، وبعض الفاعلين النقابين الذين كانوا يمانعون –بوعي أو بدونه- في سيرورة الاصلاح. لأنه يجب أن نعرف أنهلايوجد إصلاح، بدون ثمن وتضحيات وأكلاف، وقد لا تكون مادية ولكن معرفية وعليمة وتقنية وبشكل خاص قيمية.
لكن المهم هو أن التعامل التجزيئي والسياسوي والانتهازي حتى مع وثيقة الميثاق، أدى بنا إلى النتيجة المعروفة وهي فشلنا في كسب رهان العشرية المخصصة كأولوية لموضوع التعليم. هذا على الرغم من تأكيدنا أن الوثيقة تبقى إنجازا مهما للذكاء الجماعي للعقل المغربي.
رابعا: دستور 2011 والتعديل المطلوب في الرؤية التربوية
بالرغم من الطابع المتميز لوثيقة الميثاق، تبقى كل وثيقة وكل إنجاز فيه جوانب من القصور، هذا بالاضافة إلى المستجدات والمتغيرات بل التحولات التي طرأت في العقد الماضي، مما يحتم إعادة النظر في محتوى الوثيقة ليتلاءم مع الراهن المغربي اليوم. ولعل من بين المستجدات التي حصلت في السنتين الأخيرتين، هو التصديق على الوثيقة الدستورية الجديدة، والتي تجعلنا أمام مقدمات "لمشروع مجتمعي جديد". وكما هو معلوم فقد تضمنت الوثيقة، من بين ما تضمنته التنصيص على لغتين وطنيتين: اللغة العربية والأمازيغية، بالإضافة إلى الدعوة إلى الانفتاح على اللغات الحية، مما يفهم منه الانتقال من الاعتماد على اللغة الفرنسية كلغة ثانية للمغاربة إلى لغات أخرى عالمية كالإنجليزية مثلا. وهناك مقتضيات أخرى، لا يتسع المجال للتفصيل فيها، تقتضي مراجعة عميقة للمنهاج التربوي وللرؤية التربوية برمتها، كالروافد الثقافية الغنية للمغرب، الاندلسية والحسانية والعبرية والحضارية، وكل ذلك يجعلنا أمام رهانات جديدة وتصورات ورؤى مغايرة لما كان عليه الحال في وثيقة الميثاق.
خامسا: ما هي المداخل الأساسية للنقاش في الورش التعليمي
هناك شبه اتفاق( بين الوزارة الوصية وبعض الفرقاء الاجتماعيين) على أربعة عناصر-تشكل مفاصل الرؤية التغييرية الحالية- وهي:
أولا: هناك الورش المتعلق بالرأسمال البشري، ولا أقول الموارد البشرية، والتي يقع في صلبها تكوين المدرسين وتأهيلهم في أفق مهننة هذه المهنة التي تزداد يوما عن يوم تعقيدا كبيرا. في ظل التحديات المعرفية والقيمة المهارتية التي تواجه هذه الفئة (انظر مقالاتنا السابقة بجريدة هيسبريس). وينضاف لهذه الفئة المفتشون، الذين تقلصت أدوراهم في السنوات الأخيرة، مما جعل وظيفتهم شبه معطلة، فاليوم نحتاج إلى فتح هذا الورش، بمعية الفاعل النقابي الذي يضم هذه الهيئة للاستماع إلى اقتراحاتهم وملاحظاتهم، في أفق إدماجهم في سيرورة الإصلاح.
ثانيا: ورش الحكامة التربوية في شموليته وعمقه وفلسفته، فربما يمكن تلخيص مشكلات القطاع، في ضعف حكامته. وهناك أمثلة كثيرة تبين ذلك، سنتوقف عند مستوى واحد، حيث يبين حجم الهدر المالي في القطاع التعليمي (تقدم حجم الميزانية المرصود للقطاع، بربع الميزانية الكلية للمغرب أي ما يعادل 30%)، لكن على مستوى النتائج، تبدو المفارقة الكبيرة. وهذا ما يجعلنا نستنتج ضعف الحكامة التربوية. ولا شك أن للأمر أسباب ومسببات ، منها ما هو قانوني وتنظمي ومنها ما هو ثقافي وقيمي: فعلى سبيل المثال،تتجلى إحدى الرواسب السلبية التي لا زالت تشرط مهنة التدريس، وخصوصا في القطاع العمومي، هو ضعف أداء المدرسين. وهذا مرتبط في نظرنا المتواضع، بما ورثناه عن النظام الفرنسي، من ميكانيزمات وآليات في التفكير والتخطيط والبرمجة. فالوظيفة الدائمة، أو المنصب المستمر، يفقد حيوية التدريس ويصيب العاملين بترهل ديداكتيكي، وبكسل فكري معرفي،وكل ذلك ينعكس على سيرورة التدريس وعلى نوعية التدخلات التي يتلقاها التلاميذ.
بينما في الأنظمة الأنغوساكسونية، والتي تعتمد على قيم المنافسة والابتكار والتجديد، والتقييم حسب المردود الذي يقدمه الموظف في المرفق التعليمي، فإنه يؤثر في النتائج العامة. وأنا أعتقد لو فعلنا هذه الثقافة لتغيرت الأمور في الإدارة المغربية بصفة عامة، وفي قطاع التعليم بصفة خاصة. ولهذا فأنا أجازف بالقول، لا بد من إدخال ثقافة المقاولة والمنافسة في المنظومة التعليمية (أعتقد ان الفاعل النقابي لن يستسيغ هذا الاقتراح)، لكن المصلحة العليا للبلد وحجم التحديات التي تواجهنا تفرض جرأة كبيرة في طرح البدائل، وليس تغطية الشمس بالغربال. هذا مع التأكيد على أهمية الزيادة في الرواتب الخاصة بالمدرسين (فرغم الزيادات التي عرفها القطاع في العشرية الأخيرة، فإنها لا تكفي في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة اليوم).
ثالثا:المنهاج التربوي، وما يهم كل العدة البيداغوجية والمنهجية والديداكتيكيةواللوجستيكية وما إلى ذلك.وأهم ورش في هذا السياق، هو ورش تغيير المناهج التعليمية، بما يتماشى مع التحولات الكبيرة التي يعرفها المغرب، وأيضا التحولات التي تعرفها الحقول المعرفية في العالم. ولهذا فليس مقبولا اليوم أن نظل غائبين ومغيبين عن الثورات المعرفية التي تجتاج العالم بأسره، والتي لا تعرف عنها المدرسة المغربية أي شيء. حيث نجد أن هناك حاليا ثلاث تكنولوجيات محورية تطغى على المشهد الجيوتكنولوجي في مجتمع المعرفة، وهي: التكنولوجيا البيولوجية والتكنولوجيا النانوية وتكنولوجيا المعلومات، ولكل من هذه التكنولوجيات الثلاث منفردة قوة فائقة، غير أن مصدر قوتها الأكثر خطورة، يكمن في تلك القدرة التضاعفية الهائلة الناجمة عن اندماجها وتفاعلها. هذا بالإضافة إلى استكمال النقاش في القيم والمهارات التي يجب أن نستدمجها في المنهاج التربوي المقبل، والاهتمام بشكل خاص، بالمنهاج في صورته الشمولية، من التعليم الأولي إلى العالي. وأخيرا هناك الجانب المهني في المنهاج التربوي، وكيفية إدماج مجموعة من التكوينات المهنية الجديدة في المدرسة العمومية، خصوصا مع الدمج الجديد الذي هم الوزارتين. وهذا يتطلب نقاشا أكبر من اللجنة الوزارية لاصلاح المنظومة، بل يتعداها إلى المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي، لكي يؤطر مجموع الإقتراحات والأفكار والحلول لتحقيق الانسجام والوحدة في منهاجنا التعلميى، وهنا أقصد بشكل خاص إشكالية تدريس اللغات ولغات التدريس، فاليوم ليس مطلوبا منا تعويم هذا النقاش أو تأجيله إلى ما لا نهاية، بل المطلوب الجرأة والإقدام في طرح السيناريوهات والبدائل من أجل اختيار الأنسب والأقدر على نقلنا من عالم الذيلة والتخلف إلى مسار الندية مع الآخر، وإلى مرحلة العافية.
رابعا: العرض التربوي: وكل ما يتعلق بتوسعة العرض التربوي، كالتعميم والقضاء على الهدر المدرسي (الذي بلغ مستويات جد خطيرة ومقلقة في الآن ذات، حيث تتحدث المعطيات الرسمية الأخيرة عن 300 ألف حالة منقطع عن الدراسة) وهناك إشكالات التكرار والرسوب، وأيضا توسعة العرض في المناطق القروية والعميقة من المغرب المنسي والمهمش. هذا بالإضافة إلى ورش التعليم الأولي، الذي نعاني فيها من خصاص فظيع، ومن تخبط في مناهجه ومن تعدد هجين لمقرراته.
كما أن هناك إشكالية الانتقالات بين المستويات، والتي تحتاج إلى نقاش في مستوى وقف النزيف الكبير، حيث أن هناك مجموعة من التلاميذ تلتحق بالمستويات العليا، دون أن تكون لها الكفايات الدنيا للالتحاق، مما يعقد مسألة التحصيل الدراسي في هذه المستويات. هذا بالإضافة إلى استثمار بعض التجارب الناجحة، كالمدراس الجمعاتية التي ينظر منها أن تطور العرض التربوي، خصوصا في المناطق القروية والمهمشة، وهذا ما سيجنبنا تدبيرا رشيدا للموارد المالية والبشرية. ولعل من بين الأمور الملحة في محور العرض التربوي، هي مسألة تجويد المعارف التي يتلقاها التلاميذ في المدرسة العمومية، والتي تحدثت عنها التقارير (بيلزوتيمز)،حيث بينت حجم تأخرنا.وعليه نحتاج إلى مقاربة نوعية، وليس كمية في هذا الورش، من أجل الرقي بمعارف أبنائنا مستقبلا.
ويبقى المحور الخاص بالرؤية التربوية التي تتضمن وظائف المدرسة العمومية ومهامها وفلسفتها وغاياتها. والتي لا تحظى باتفاق جميع الفاعلين، لكنني أعتقد أن من الخطأ التغاضي عنه، لأنه يمثل في –اعتقادنا- جوهر النقاش في الورش التعليمي/ التربوي.إذ أن طبيعة هذا المحور، هو أنه سيمكننا من إعادة النظر في الوظائف الأساسية للمدرسة المغربية، وهذا يتطلب –في اعتقادي المتواضع- أن نجيب عن سؤال الأسئلة: أية مدرسة نريد للمواطن المغربي؟ وبأية رؤية فكرية وفلسفية؟ ولأية غايات وأهداف وآفاق؟
إن هذه الأسئلة، التي -يعتقد البعض أننا أجبنا عنها في الميثاق- لا تعفينا من إعادة طرحها في سياق المشاورات الجارية، بين كل الفاعلين، لأننا نعتقد أن المدرسة المغربية، أصبحت تعاني اليوم من أزمة هوية حقيقة، لذلك فمعانقة هذه الأسئلة، سيمكننا من استخلاص رؤية –لا اقول موحدة- ولكن على الأقل شبه منسجمة تقدم لنا تصورا عن ما ذا نريد.
و أخيرا،يمكننا أن نضيف ورشا آخر نقترحه وهو ورش الجهوية في منظومة التربية والتكوين، الذي سيعمل المغرب على تنزيله في الأفق القريب، مما يتطلب نظرا ثاقبا للموضوع في استحضار ذكي ومرن لمختلف التجارب الجهوية الناجحة في العالم.
ختاما، لا أتصور أننا استطعنا أن نحصر كل الإشكالات في هذا المقال، وليس من مهمتنا أن نفعل ذلك، لكن الذي حفزنا على نشر هذه الأفكار المتواضعة، هو الرغبة التي تسكننا في إثارة الرأي العام، ودعوته إلى الدخول في النقاش العمومي والمفتوح، حول مصير المدرسة المغربية، خصوصا ونحن نمر بمرحلة جد حرجة وجد مثقلة بالتحديات، الشيء الذي يتطلب وعيا مضاعفا، أولا: المضي في المسار التشاوري واستكمال حلقاته بنفس نقدي ومتفائل وعقلاني، بعيدا عن كل رؤية عدمية أو تشكيكية مغالية. وثانيا: القدرة على توليد أفكار وتصورات واقتراحات، تكون قادرة على انتشالنا من مرحلة الذيلية والترهل إلى مرحلىة العافية والندية. وأيضا تجاوز الأفكار القاتلة التي يمكن أن تعيد نفس الأوضاع وتعيد إنتاج نفس الأزمات. وهو ما لا نريده للمدرسة المغربية. في المستقبل القريب أو المتوسط أو البعيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.