إعلان نواكشوط.. المغرب وموريتانيا يستعرضان آفاق التعاون الواعدة في مختلف المجالات    زلزال تفوق قوته 5 درجات يضرب هذه الدولة    حريق مهول يلتهم وحدة صناعية للأغطية دون خسائر بشرية    مصرع 6 أشخاص في حادثة سير مروعة بالطريق السيار    زيارة استثنائية وإنسانية للزفزافي تنعش آمال الحل في ملف حراك الريف    في يومها العالمي.. شجرة الأركان تتوّج رمزًا للتراث المغربي والصمود البيئي    الناظور غائبة.. المدن المغربية الكبرى تشارك في منتدى "حوار المدن العربية الأوروبية" بالرياض    البطولة.. الكوكب المراكشي على بعد نقطة من العودة إلى القسم الأول بتعادله مع رجاء بني ملال    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الارتفاع    العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تستنكر حرمانها من وصل الإيداع القانوني    ترامب يعلن موافقة باكستان والهند على وقف "فوري" لإطلاق النار    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يستعد للإعلان عن اعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية خلال جولته الشرق أوسطية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    سحابة كلور سامة في إسبانيا ترغم 160 ألف شخص على ملازمة منازلهم    إسبانيا تُطلق دراسة جديدة لمشروع النفق مع طنجة بميزانية 1.6 مليون أورو    بعد واقعة انهيار عمارة بفاس..التامني تسائل الداخلية عن نجاعة مشاريع تأهيل المباني الآيلة للسقوط    وساطة أمريكية تنهي التصعيد بين باكستان والهند    مهرجان مغربي في تاراغونا يبرز عمق العلاقات بين المغرب وإسبانيا    أنشيلوتي يفتح الباب أمام شابي ألونسو لخلافته في ريال مدريد: "أثبت أنه من أفضل المدربين في العالم"    الأوروبيون يسعون لهدنة مع موسكو    ديستانكت ومراد يرويان خيبة الحب بثلاث لغات    من الرباط إلى طنجة.. جولة كلاسيكية تحتفي بعبقرية موزارت    مهرجان "كان" يبرز مأساة غزة ويبعث برسائل احتجاجية    تنظيم استثنائي لعيد الأضحى بالمجازر.. هل يتجه الناظور لتطبيق النموذج المعتمد وطنياً؟    وكالة الحوض المائي اللكوس تطلق حملة تحسيسية للتوعية بمخاطر السباحة في حقينات السدود    "كان أقل من 20 سنة".. المنتخب المغربي يواجه سيراليون وعينه على مونديال قطر    نهضة بركان يستعد لنهائي الكونفدرالية وسط ترتيبات مكثفة بملعب بنيامين    طنجة تستقبل العالم وشوارعها ما زالت تبحث عن التهيئة    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    تقارير.. ليفربول وآرسنال يتنافسان على ضم رودريغو    "لجنة طلبة الطب" تتوصل إلى تفاهمات جديدة مع التهراوي وميداوي    القضاء الأمريكي يجمد تسريح موظفين    بالقرعة وطوابير الانتظار.. الجزائريون يتسابقون للحصول على الخراف المستوردة في ظل أزمة اقتصادية خانقة بالبلاد (فيديوهات)    حمد الله يكشف المستور.. رفضت التنازل لبنزيما وهددت بالرحيل    الفيفا يرفع عدد منتخبات كأس العالم للسيدات إلى 48 بدءاً من 2031    المدير العام لمجموعة الوكالة الفرنسية للتنمية في مهمة ميدانية بالصحراء المغربية    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    إمبراطور اليابان الفخري يغادر المشفى بعد فحوص ناجحة    النصيري يستعيد بوصلة التسجيل بتوقيع هدف في مرمى باشاك شهير    المغرب يدفع بصغار التجار نحو الرقمنة لتقليص الاقتصاد غير المهيكل    غزة تموت جوعا... كيلو الدقيق ب10 دولارات ولتر الوقود ب27    تطور دينامية سوق الشغل في المغرب .. المكتسبات لا تخفي التفاوتات    إيران وأمريكا تستأنفان المحادثات النووية يوم الأحد    "أسبوع القفطان" يكشف المستجدات    أسود الأطلس... فخر المغرب الذي لم ينقرض بعد    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    النظام الجزائري يمنع أساتذة التاريخ من التصريح للإعلام الأجنبي دون إذن مسبق: الخوف من الماضي؟    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدخل القيمي في إصلاح التعليم
نشر في التجديد يوم 27 - 04 - 2015

طبعا لا يمكن أن نقول إن إصلاح واقعنا التعليمي سيكون له مدخل واحد دون غيره، بل هي في الحقيقة مداخل مختلفة، أكتفي في هذا المقال بالحديث عن واحد منها هو المدخل القيمي، باعتباره صار يشكل تحديا حقيقيا داخل مؤسساتنا التعليمية.
عند الحديث عن هذا الجانب، أي جانب القيم في بناء الإنسان داخل الفصول الدراسية، نحتاج إلى توسيع دائرة الحديث في الموضوع، فلا نكتفي بتوجيه سهام النقد إلى جهة دون أخرى، فعند وقوع حادث اعتداء على رجل تعليم نوجه سهام النقد إلى التلميذ، وعند وقوع حالة اغتصاب تلميذة من قبل مدرسها نوجه سهام النقد إلى رجل التعليم دون غيره.
دعونا نوسع دائرة الحديث فننظر إلى واقع المؤسسات وما فيه، ثم ندقق النظر في المسهم الحقيقي فيها، ونقترح ما يمكن تقديمه من الحلول.
أما عن الواقع فيعرفه القاصي والداني: عدد لا يستهان به من الناشئة انشغلوا بالتدخين والمخدرات وغيرها فصارت أذهانهم غائبة أثناء الحصص الدراسية، والذين سلموا من هذه الآفة انخرطوا في مسلك العلاقات الغرامية فصارت الحصص الدراسية لحظات غزل بالعين أو الورق أو السياحة الذهنية بين لحظات العشق والغرام، ومن كان سليما من هذا وذاك تلقاه غارقا بكل جوارحه في صراع خلفه في البيت بين أمه وأبيه أو أحد أفراد أسرته، وهكذا يدخل المدرس فيلقى نفسه بين أشباح لا تكاد تعي شيئا مما يقول.
وهذا الذي فصلنا القول فيه يعطي نتيجة طبيعة هي الخصام المتواصل بين المدرس والتلميذ قد تصل في ظروف معينة إلى العنف.
أما أسرة التعليم فانسابت داخلها علل وأمراض ينبغي للجميع الاعتراف بها، منها بعض الحالات المرضية التي تصل بها درجة الموت القيمي حد اغتصاب الطفولة داخل مؤسسة تربوية تعلم الأخلاق والقيم والفضائل. ومن هذه الأمراض تقصير بعض رجال التعليم في تأدية الواجب المهني؛ مما أسهم في نشر مرض عضال آخر استهلك كل طاقات الشباب وأوقاتهم، وهو ما يصطلح عليه ب"الساعات الإضافية". ومن علله كذلك تغليب البعض منهم ثقافة الحق على ثقافة الواجب. ومن علله كذلك ضعف تكوين طائفة معتبرة منهم، وانحصار عجلة التكوين المستمر الفردي قبل المؤسسي.
أما أولياء الأمور فيبدو أن طائفة كبيرة منهم قررت تقديم استقالة جماعية من وظيفة تربية الأبناء ومتابعة مسارهم، فمن يكون لهؤلاء الأبناء المساكين الذين يفتحون أعينهم على البيت وليس فيه الوالد الذي قرر الخروج إلى المقهى المجاور قبل الساعة الثامنة، وحين يأتي الليل يخلدون إلى النوم قبل أن يروا رب أسرتهم!
أما الطائفة الثانية فهي التي قررت تنشئة أبنائها في حياة من الدلال الزائد إلى حد تبرير كل أخطائهم كيفما كانت طبيعتها، بل إن بعضهم يرافق ابنه إلى فصله الدراسي ليشبع المدرس شتما وسبا لأنه أعطاه نقطة لا ترضيه وهو يستحق أقل منها، أو لأن المدرس كتب به تقريرا بعد أن تطاول عليه وتجاوز كل آداب الاحترام.
فأين أصل الداء إذن؟
الحق أن الكل مشارك في انهيار منظومة القيم المجتمعية، فبالأمس القريب كانت لرب البيت رمزية خاصة، وكانت عينه لا تغفل عن فلذات أكباده لحظة واحدة، إذا كانوا في البيت فأمهم عين له عليهم، وإذا كانوا في المدارس كان المدرس عينا عليهم، وإذا كانوا في الشارع كان المجتمع رقيبا عليهم، ليس بمنطق تقييد الحريات، ولكن بمنطق آخر هو الحرص على منظومة تربوية قيمية داخل المجتمع، تحفظ كيانه وتحفظ تماسكه وتماسك أجياله وأفراده، فالطفل قبل أن يعي شيئا يسمى رقابة الضمير وغيره يحتاج مرشدا يرشده ويسدد سيره، بل مرشدين متكاملين حيثما حل وارتحل، أما اليوم فرب البيت لا يطل ببيته إلا إذا طوى النهار رداء وربما حتى يرخي الليل سدوله، فإذا حل فإنما يحل ببيته ضيفا لا تكاد تسمع له ركزا. لقد استقال من وظيفته التربوية تماما، وراح يلقي باللوم على الجميع؛ إلا على ذاته المفرطة في واجبها الوجودي.
أما المجتمع فقد دخل في حالة صمت شبه تام عن إنكار مظاهر المنكر في المجتمع؛ حتى صرنا نرى مشاهد لا تقبل إلا بين الرجل وزوجه مظاهر عامة بين فئات من أفراد المجتمع علانية، دون أن يكون أحد قادرا على إيقاف ما يجري، فقد تواطأ الناس على القبول بهذا، ولعل أسوأ صورة رأتها عيني تمثل شاهدا صادما على ذلك ما يجري يوميا على ضفاف لوداية بالرباط. ومثل ذلك أو قريب منه يشهده الناس يوميا في ما يسمى بالمساحات الخضراء داخل الحواضر. لقد صرنا نرى مظاهر الاعتداء على النساء في الشوارع بلا حياء، وإن كان للنساء في ذلك نصيب.
بالأمس كان الجار يربي أبناء جاره ويؤدبهم ويعينهم في كل حوائجهم، أما اليوم فالكل صار يخشى على نفسه من السب والشتم أو من أي تهمة منكرة قد توصله إلى ردهات المحاكم. كثيرة هي الظواهر المَرضية التي يراها المجمع ليل نهار ويتواطأ على قبولها، من قبيل الرشوة والكذب والنفاق والفحش في القول والعمل …
أما الأسر فصارت واقعا مثيرا؛ نسب الطلاق بين الآباء صارت بمعدلات مخيفة، والصراعات الزوجية اليومية لا يكاد يخلو منها بيت، والنموذج في الأخلاق صار كالإبرة في قش.. وما زاد من حدة ما نشهده اليوم وسائل الاتصال الحديثة، بداية من التلفاز الذي تصدر المجالس فأغلق فرص الحوار بين أفراد العائلة، وحرم البناء من جلسات الإنصات، وفتح لهم باب التفريج عن النفس بوسائل بديلة؛ قد تكون الرفقة السيئة، وقد تكون جهازا من أجهزة الاتصال التي ينعزل بها عن العالم، ويفتح علاقات أخرى مع عوالم أخرى؛ لا يعلمها إلى الله.
خلاصة الأمر أن إصلاح منظومة التعليم أكبر من تقديم مخططات وبرامج تمتد لتشمل عشرين عاما أو غير ذلك، بل ينبغي معالجة الأمور بمنظور شمولي، وفتح الباب لسماع الاقتراحات من مختلف الأطراف، والكف عن سياسة الأذن الصماء التي أخرجت لنا أجيلا مشوهة فكريا وسلوكيا، نقضي أيامنا في لومها وعتابها، واللوم العيب أولا. فإننا لا نريد أن نخسر عقدين من الزمن ثم نعود إلى نقطة الصفر بعد تحصيل نتيجة الصفر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.