من الواضح أن مشروع القرار الأمريكي الجديد المعروض على مجلس الأمن ينطوي على تراجع من قبل الاحتلال لم يأت، لا بفعل الضغوط الدولية، ولا بفعل نضال أعضاء مجلس الحكم الموقر، بل جاء بفعل المقاومة الباسلة التي قلبت حسابات المحتلين رأساً على عقب وحولت انتصارهم السهل إلى ورطة يتخبط فيها الرئيس الأمريكي وفريقه اليميني المحافظ. على أن ذلك لا يعني أن الاحتلال قد اعترف بالهزيمة أمام المقاومة وقرر الرحيل التدريجي، بقدر ما يعني أنه يحاول بكل ما أوتي من قوة تخفيف الأعباء الملقاة على عاتقه من دون أن يتخلى عن الأهداف الجوهرية التي جاء إلى العراق بسببها، ممثلة في السيطرة على مقدراته، ومن ثم استخدامه محطة انطلاق نحو إخضاع الوضع العربي برمته، وصولاً إلى مشاريع أخرى عنوانها السيطرة على العالم بسطوة القوة العسكرية. في حيثيات القرار الذي بين أيدينا والذي لا يعرف ما إذا كان سيتعرض لبعض التغيير تبعاً لاعتراضات الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أم سيمر كما هو.. في الحيثيات تكرار ممل لكلمة السيادة من دون أن تحمل معناها الجوهري، بل إن ذلك ينطبق أيضاً على مصطلح السيادة الكاملة الذي يرد مراراً في التفاصيل. يحدث ذلك لأن السيادة الكاملة المقصودة لا تعني السيادة الحقيقية، لا على المال والعوائد النفطية، ولا على الجوانب الأمنية التي ستبقى بيد قوات الاحتلال. والحال أن من يمسك بالأمن في أي بلد سيكون هو صاحب السيادة وليس من يديرون الشؤون البلدية على غرار ما كان عليه الحال في سلطة أوسلو. على هذا الصعيد ستكون الحكومة الانتقالية مجرد أداة تنفيذية بيد الاحتلال، وفي واقع الحال فهي لن تحصل، حتى على الصلاحيات المنصوص عليها في القرار، بدليل أن كثيراً من الصلاحيات التي نص عليها في قرار مجلس الحكم نفسه لم يتم الالتزام بها، فكيف في هذه المرحلة الأكثر حساسية بالنسبة للاحتلال؟! ينطبق هذا على مسلسل نقل السلطة بدءً من تشكيل الحكومة الانتقالية وصولاً إلى الدستور ثم الانتخابات الكاملة نهاية 2004 أو نهاية الشهر الأول من 2005. وهنا يمكن القول إن المحتلين سيحددون خطواتهم التالية تبعاً لشكل الحكومة، وما إذا كانت ستشرع لوجودهم العسكري وتحمي مصالحهم في البلاد، أم ستكون أكثر استقلالية وتطالبهم بالرحيل، وأقله تحول بينهم وبين تمرير ما يريدون. لكن المسار المذكور سيمضي فيما المقاومة مستمرة، بل ربما ازدادت سعة وشمولاً كي تشكل أداة ضغط عسكرية ومالية على المحتلين، فيما تشكل أداة ضغط سياسي على من يتعاونون معهم من خلال الحكومة أو المؤتمر الوطني أو حتى المجلس المنتخب في حال حصل ذلك بالفعل ومن خلال قانون انتخابي عادل من وجهة نظر الطوائف والأقليات، الأمر الذي لا يتوقع أن يمر بسهولة في ظل التعقيدات الكثيرة التي سيؤدي إليها نظام المحاصصة الطائفية، فضلاً عما يبدو متوقعاً من حيث فرز الانتخابات لأناس لا يتوقع أن تنسجم توجهاتهم مع رغبات الاحتلال، أكانوا من السنة أم من الشيعة. في ضوء ذلك كله لا بد من التأكيد على حقيقة أن الشق الإيجابي من السيناريوهات المستقبلية هو من إنجازات المقاومة، أما تجنب السلبي منها، وهو كثير كما هو متوقع، فسيكون من مهمات تلك المقاومة أيضاً، لكن ذلك لن يعني أنها ستزرع فيما المتعاونون مع الاحتلال يجنون، والسبب هو أن العراقيين واعون لهذه المعادلة، وعلى رأسهم من يقاومون. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني