الذي يتابع ما تكتبه الصحافة الوطنية والأجنبية عن المرأة المغربية وعن المغرب تبعا لذلك، لا يمكنه إلا أن يشاطر الوزيرة الصقلي في معاتبتها بعض وسائل الإعلام لتقديمها صورة نمطية سلبية عن المرأة. فوزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن أفاضت في نقد الصحافة التي تتغاضى عن الجوانب الايجابية لحضور المرأة في المجتمع مقابل حصرها دور المرأة في الموضة أو الجريمة أو الدعارة. بل إنها شددت، في حوارها مع جريدة الشرق الأوسط في عددها ليوم الأحد المنصرم، على أن الفئة التي تتعاطى الدعارة هي فئة تكون في الغالب ضحية شبكات الاتجار بالبشر لتتساءل بعد ذلك لماذا نحاكم المرأة ونتغاضى على دور الرجل وهو العنصر المنظم لهذه الشبكات؟ وقالت الوزيرة هناك عمل مشترك مع مجموعة من اللجان الوزارية لمحاربة شبكات الاتجار بالبشر وأعلنت نحن الآن بصدد تحضير استراتيجيه وطنية لتحسين صورة المرأة المغربية خارجيا... كل هذا الكلام جميل، لكن بالمقابل فكل من يتابع تصريحات الوزيرة، وغيرها من المسؤولين، في الموضوع لا يمكنه إلا أن يثير دور سياسة حكومتها في تكريس الصورة النمطية السلبية عن المرأة. فالوزيرة لم تتحدث عن قصة الميثاق الوطني لتحسين صورة المرأة في الإعلام الذي تم التوقيع عليه من طرف ممثلي ثلاث وزارات في الحكومة في 51 مارس 5002 ضمنها ياسمينة بادو التي كانت كاتبة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين، وتحول إلى وثيقة تاريخية تتخذ الحكومة تاريخ ميلادها ذكرى سنوية للتباكي على صورة المرأة في الإعلام. لم تقل الوزيرة لماذا فشلت الحكومة في تفعيل ذلك الميثاق حتى في وسائل الإعلام الرسمية حيث تستغل صورة المرأة خ الجنس في ترويج مختلف السلع، وكيف تحولت ثقافة الجسد إلى معيار حاسم في اختيار البرامج التلفزية وفي تقييم الإنتاج السينمائي وفي اختيار فناني المهرجانات ونجوم المسابقات،... لم تقل الوزيرة لماذا تم وأد ذلك الميثاق؟ هل يتعلق الأمر باختيارات اديولوجية وسياسية تجد تبريرها في خصوم سياسيين منافسين، أم بإكراهات مالية تجد مصوغاتها في الأغلفة المالية الضخمة التي تدرها الاشهارات والبرامج على صناديق الإعلام الرسمي؟ وكيفما كانت المبررات التي يكن أن تسوقها الوزيرة فالأمر يتعلق بسياسة تقتل المرأة وتسير في جنازتها باكية مولولة! وبالرجوع إلى تحسين صورة المرأة في الخارج حيث تتدخل عوامل أعقد وأصعب، نجد أن ما أسمته الوزيرة استراتيجيه وطنية لتحسين صورة المرأة المغربية خارجيا يعتبر أمرا حيويا مطلوبا لحماية كرامة المغرب والمرأة المغربية، لكن النجاح في تنفيذ هذه الإستراتيجية، وليس وضعها، يتوقف على عدة شروط بعد شرط الإرادة السياسية الصادقة و يمكن إجمالها في: أولا مراجعة منظومة القيم التي تؤطر السياسة الإعلامية الرسمية بما يصحح المقاربة التي تجعل العلاقات غير الشرعية أمرا عاديا وتستخف بمؤسسة الزواج وتطبع مع الأبناء غير الشرعيين وتقدم الخيانة الزوجية على أنها عترة سرعان ما يقوم أحد الزوجين منها و يجب مقابلتها بالتفهم، وتقدم البكارة على أنها تزمت والعهر على أنه انفتاح ...، وهي الموضوعات التي يتم تسريبها من خلال المنتوج المستورد رغم وجود بدائل مناسبة محلية وأجنبية، وفسح المجال للتنشئة على الكرامة والقيم النبيلة الأصيلة في المجتمع المغربي. ثانية، تحرير السياحة المغربية من آفة البحث عن الكم بكل الوسائل ولو بانتعاش السياحة الجنسية. ومن المعلوم أن الضربة القاضية التي تلقتها صورة المرأة المغربية في الخارج تلقتها من هذا الباب. فأغلب ما كتب عن المغرب ونسوته كتب من زاوية سياحية قبل أن تنضاف لها زاوية الهجرة بحثا عن الزوج أو عن العمل. ثالثا، إدماج مؤسسات القضاء في مقاربة تحسين صورة المغرب في الخارج حيث لعب القضاء بأحكامه المخففة على الأجانب المتورطين في كل أشكال الانتهاكات الجنسية في المغرب حتى ضد الأطفال بأحكام مخففة. بل إن أغلب الحالات يتم فيها ترحيل الأجانب معززين مكرمين إلى بلدانهم !مما يشجع ويغري ممتهني الدعاة بالسوق المغربية. رابعا، إدماج السياسة الأمنية في تلك المقاربة حيث نجد أنفسنا أمام تنام مطرد لدور الدعارة في المدن السياحية وحيث أن استهداف القاصرات وخاصة في الوسط المدرسي أصبح من ثوابت بعض الحانات الليلية ودور القمار بل وكثير من الإقامات المفروشة والرياضات. وكثيرة هي القضايا التي تكشف عن تورط أجانب في اغتصاب أطفال مستغلين جهلهم وفقرهم أو مستغلين تطلعهم إلى جنة الغرب للإيقاع بهم. خامسا، تفعيل التصريحات التي قيلت أكثر من مرة وفي البرلمان حول وضع آليات مشتركة بين مختلف الوزارات لمراقبة عقود العمل في الخارج، ذلك أن معظم النساء اللواتي ينتهين في شبكات الدعارة يتم خداعهن بعقود عمل غير حقيقية. ويمكن الحديث في إطار التحديات والعقبات أيضا عن السياسة الإعلامية التي بذل تقوية القيم الدينية والأخلاقية فيها يفسح المجال لمحاصرة ممنهجة متدرجة لمصادر تلك القيم على مستوى المناهج التعليمية والتربية وعلى مستوى المؤسسات التعليمية. والذي نخشاه، وعلى غرار الميثاق الوطني لتحسين صورة المرأة في الإعلام، هو أن يكون نشاط الحكومة في وضع المواثيق والاستراتيجيات التحسينية لصورة المرأة موجه ليس للتطبيق ولكن لإيجاد معايير مادية تساهم في تحسين صورة السياسة الرسمية لدى المنتظم الدولي ومؤسساته، أما تطبيق تلك المواثيق والاستراتيجيات فدونه إرادة مواجهة عقبات وتحديات جسام.