روى البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:''الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم'' وروى أيضا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل''وفي صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ''غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه ''فظاهر هذه النصوص يفيد وجوب الاغتسال ليوم الجمعة، غير أن ما يصرفها عن الوجوب ورود أحاديث تفيد أنه سنة وليس بواجب، من ذلك ما رواه الترمذي وغيره بسنده وصححه الألباني عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:'' من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل'' فقوله : ''فبها ونعمت'' دليل على جواز الاقتصار على الوضوء لصلاة الجمعة، قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، اختاروا: الغسل يوم الجمعة، ورأوا أن يجزئ الوضوء من الغسل يوم الجمعة. وحتى ما يفيد في ظاهره أن بعض الصحابة فهموا وجوب الاغتسال، وجهه بعض العلماء إلى كونه سنة مؤكدة وليس فرضا واجبا، روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما ''أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة، إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فناداه عمر: أية ساعة هذه؟ قال: إني شغلت، فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضأت. فقال: والوضوء أيضا؟ وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل'' قال الترمذي في سننه :''قال الشافعي: ومما يدل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل يوم الجمعة أنه على الاختيار لا على الوجوب، حديث عمر حيث قال لعثمان:'' والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل يوم الجمعة'' فلو علما أن أمره على الوجوب لا على الاختيار، لم يترك عمر عثمان حتى يرده، ويقول له: ارجع فاغتسل، ولما خفي على عثمان ذلك مع علمه، ولكن دل في هذا الحديث أن الغسل يوم الجمعة فيه فضل من غير وجوب يجب على المرء في ذلك'' وفهم القائلون بسنية الاغتسال للجمعة بأن الأمر بالاغتسال معلل بدفع الأذى عن المصلين حال اجتماعهم يوم الجمعة، واستدلوا في ذلك بما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان الناس ينتابون (يحضرون فوجا بعد فوج) يوم الجمعة من منازلهم والعوالي (القرى المجتمعة حول المدينة من جهة نجد)، فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم، وهو عندي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا'' وفي رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها قالت:''كان الناس مَهَنَة أنفسهم (خدم أنفسهم أي ليس لهم من يكفيهم أشغالهم) وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم (بما يصيبهم من عرق وغبار) فقيل لهم لو اغتسلتم'' فجمهور فقهاء الأمصار على أن الاغتسال لصلاة الجمعة سنة مؤكدة خلافا للظاهرية الذين قالوا بالوجوب وأغربوا فربطوا الغسل باليوم لا بالصلاة، قال الباجي في المنتقى(1/237):'' وأجمع فقهاء الأمصار على أن الغسل للجمعة ليس بواجب وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه وأنه أي وقت اغتسل من اليوم أجزأه سواء اغتسل قبل الصلاة أو بعدها'' ومهما يكن، فالمومن يجتهد لفعل الأفضل والأحسن، والاغتسال على الأقل مرة في الأسبوع مما يناسب الفطرة وأصول النظافة، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:'' نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهذا اليوم (يشير إلى يوم الجمعة) الذي اختلفوا فيه، فهدانا الله. فغدا لليهود (يقصد السبت) وبعد غد للنصارى (يقصد الأحد) فسكت. ثم قال: حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما، يغسل فيه رأسه وجسده'' فالأفضل أن يجعل يوم غسله الأسبوعي هو يوم الجمعة، لما فيه من فضل وتميز وأجر وثواب ولكونه مناسبة أسبوعية يجتمع في المسلمون، فناسب أن يجتمعوا على هيأة حسنة وطيب رائحة. روى مالك في موطئه بسنده عن ابن السباق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع:'' يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك'' روى البخاري في صحيحه بسنده عن سلمان الفارسي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :''لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى'' وروى الترمذي بسنده وحسنه الألباني عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اغتسل يوم الجمعة وغسل (رأسه) وبكر وابتكر ودنا واستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها '' فالاغتسال للجمعة سنة جارية في المسلمين، حتى استغرب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لمن لا يستن بها، روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده عن عبيد الله بن الحارث قال:'' كنت مع سعد فجاء ابن له، فقال له: هل اغتسلت؟ قال: لا، توضأت ثم جئت. فقال له سعد: ما كنت أحسب أن أحدا يدع الغسل يوم الجمعة.'' وعلى كل من يتولى أمر تحديد عطل الناس الأسبوعية وأوقات عملهم أن يراعي التيسير على الناس حتى يحافظوا على هذه السنن، فيترك لهم الوقت الكافي للاغتسال ليوم الجمعة والتبكير إليها، ومن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.