تناسلت برامج "أخطر المجرمين" وطنيا و دوليا... و عندنا تعرض على دوزيم و ميدي 1 تلفزة و إذاعة. أي فائدة يجنيها المواطن من مثل هذه البرامج؟؟ تشهير بشخص المجرم الذي يقضي عقوبته كشكل من أشكال القصاص، و تشهير أيضا بعائلته التي تؤخذ بذنب أحد أفرادها. بمقاربة شرعية يسقط الذنب بعد القصاص، و لو أن الحكم الصادر في حق الجاني فيه كلام، فيغفر الله الذنب، و يتناسى المجتمع الجريمة مع مرور الزمن. لكن بهكذا برامج تظل الذاكرة المجتمعية حية يقظة ، و يزيد المذنب على حر وخز الضمير هم نظرة المجتمع... و قد يعود إلى نفس جرمه من باب اليأس من الغفران، و من باب الانتقام من فئة لا تعرف للصفح معنى.... عائلة الجاني أيضا تعيش حصار المجتمع و نظراته القاسية، وينسب كل فرد فيها إلى الجاني أبوة و بنوة و أخوة... تليها ما تليها من عقد و ضيم و مرارة.. المجرم مهما تشيطن و تأبلس لا بد أن ينسى حدثا بسيطا مهما اجتهد في الإخفاء و التخفي... و هذه البرامج تنبه ضمنيا مجرم الغد إلى أخطاء ارتكبها سابقوه، يجتهد ، أي مجرم الغد،أكثر في تصحيحها و في تطوير أساليب جرمه. فيصبح عمل المحققين أكثر تعقيدا ، و تصبح الجرائم ألغازا و طلامس يستعصى أحيانا حلها على كولومبو و شارلوك هولمز. المقاربة الأمنية حاضرة بقوة في هذه البرامج، و تحليل علماء الإجرام ، ضيوف البرنامج، لا تتجاوز سطحية نفسية المجرم دون تحميل المسؤولية و لو معنويا لمجتمع يرفض و يلفظ الفاشل ... و لا يشير بأصابع الاتهام أبدا لإدارة و دولة خرجت مناهجها التعليمية طوابير من المعطلين و ثرواتها توزع بين مهرجانات العري و الابتذال، و أجور خيالية لشرذمة قليلة من علية القوم... قد تكون خلفية هذه البرامج هي نشر الفوبيا المخزنية، بتذكير كل رأس أينعت أن قطافها قريب، و أن المخزن يحصي الشاذة و الفاذة، و أنه لا تمنعه جدران صماء و لا فيافي جرداء... لسان حال المخزن في هذه البرامج يذكر بخطبة الحجاج في أهل البصرة: (أيها الناس من أعياه داؤه فعندي دواؤه ومن استطال أجله فعلي أن أعجله ومن ثقل عليه رأسه وضعت عنه ثقله ومن استطال ماضي عمره قصرت عليه باقيه إن للشيطان طيفا وللسلطان سيفا فمن سقمت سريرته صحت عقوبته ومن وضعه ذنبه رفعه صلبه ومن لم تسعه العافية لم تضق عنه التهلكة ومن سبقته بادرة فمه سبق بدنه بسفك دمه. إني أنذر ثم لا أنظر وأحذر ثم لا أعذر وأتوعد ثم لا أعفو إنما أفسدكم ضعف ولائكم أما أنا فإن الحزم والعزم سلباني سوطي وأبدلاني به سيفي فمقبضه في يدي ونجاده في عنقي و حده في عنق من عصاني . والله لا آمر أحدكم أن يخرج من باب هذا المسجد فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه.) هو ترويج لحنكة الأجهزة الأمنية التي تبيد الفتنة في مهدها، أجهزة تعتقل الإرهابيين المفترضين و هم في بداية الشات على الانترنيت ... و الحق أن هذا جيد و مطلوب، لكن بالمقابل هناك جرائم ، أي نعم أقل من خطرا الإرهاب، تنتظر الحل، فقطاع الطرق و سارقو الحواسيب و الهواتف لا زال بعضهم حرا طليقا... يونس حماد