الخط : إستمع للمقال يبدو أن هناك من يحاول أن يرث هلوسات محمد زيان التي كان يقول فيها بأن "المغرب يسير بدون ربان". كما يبدو جليا بأن هناك من يحاول جاهدا أن يحل محل الصحفي الإسباني المعادي للمغرب فرانسيسكو كاريون، الذي كان يتلقف تلك الهلوسات ويتعاطى معها بمنطق "الفاعل المعنوي"، الذي يُسخر شخصا فاقدا للأهلية لنشر المقالات التي تتعدى التقييم والحوصلة لتُلامس التجريح والاستهداف. وللأسف، ليس هناك من هو أصلح لخلافة محمد زيان في عدميته سوى من هو أكثر عدمية منه، وهو فؤاد عبد المومني، الذي نفث ذاتيته، وكرَّس إيديولوجيته، واجترَّ استيهاماته، في تقييمه المزعوم لربع قرن من حكم الملك محمد السادس. ولم تطغ الذاتية، ويغيب التجرد، على حسابات فؤاد عبد المومني فقط، بل حضرت الإيديولوجية الموغلة في السوداوية، وهو ما جعله يتماهى حد التطابق مع مقولة الفيلسوف الفرنسي اليساري Louis Pierre Althusser التي قال فيها "الإيديولوجي يأتي إلى الواقع ليبحث فيه عن ما يدعم فرضية أتى بها معه، ويتجاهل فيه ما يزعج نظريته". ففؤاد عبد المومني دبج مقالته بأفكار مسبقة، وليس بتحليل واقعي، واستعرض فيها بشكل غير ظاهر موقفه الثابت من الدولة والنظام، وخصوماته "المالية" السابقة مع المؤسسات الرسمية، وهو ما جعله يكتب بحقد مبطن، وبانتقام مغلف بثبات انفعالي، سرعان ما ينفضح بسبب انجراف نرجسية فؤاد عبد المومني وانبلاجها من ثنايا المقال. فقر.. في الفهم والاستيعاب تظاهر فؤاد عبد المومني باستعراض بعض الإيجابيات في حكم الملك محمد السادس، تفاديا لسقوطه في الإسفاف كما قال، لكنه سيجد نفسه ساقطا في الابتذال والإسفاف معا. ففي معرض الإيجابيات، قال فؤاد عبد المومني "مما يُسَجل، هو ما استفادت منه فئات معوزة، كالتزويد بالماء الشروب والكهرباء وتقوية شبكة الطرق القروية وتعميم ولوج التعليم، وما تنعم به أساسا الفئات الميسورة كالمطارات والطرق السيّارة والقطار الفائق السرعة"!. فهذا "المحلل" يتوهم بأن الطرق السيارة والمطارات والقطار الفائق السرعة مخصص فقط للفئات الميسورة، وأنها هي من تستفيد منها بشكل حصري، جاهلا أو متجاهلا بأن تيسير حركية السلع والبضائع، وتأمينها، ومضاعفة منافذ جلبها ونقلها، ينعكس أساسا على الطبقات الفقيرة والمتوسطة! وبلغة "الخشيبات"، فعندما يتم تحسين جودة الطرق، فإن ذلك ينعكس حتما على سرعة نقل البضائع، واختصار مسار نقلها، وإنقاص تكلفة المحروقات المرتبطة بها، والتقليص من حوادث السير، وانخفاض بوليصة التأمين عليها، وهو ما تكون له انعكاسات مباشرة على المستهلك من الفئات الفقيرة والمتوسطة. ونفس الشيء بالنسبة للقطار الفائق السرعة، الذي بصرف النظر عن دوره الفعال في النقل السككي، والذي يتوهم فؤاد عبد المومني أنه متاح فقط للطبقات الميسورة، فإنه لعب دورا كبيرا في اختصار مسافة السفر بين شمال المغرب ووسطه، في وجه المسافرين والفاعلين الاقتصاديين، كما عزز من السياحة الداخلية، وهي أمور لها انعكاسات إيجابية على جميع الشرائح المجتمعية وليس على الطبقات الغنية فقط. وما ينطبق على القطار الفائق السرعة ينطبق كذلك على تعزيز المطارات والمنافذ الحدودية. فالسياحة الخارجية تحتاج لمطارات ومنافذ بحرية وبرية متطورة، وعائدات هذه السياحة يستفيد منها الجميع بشكل مباشر، الحرفيين ومهني النقل والعاملين في القطاع السياحي وغيرهم، أو بطريقة غير مباشرة من خلال مبدأ عدم تخصيص الموارد الذي يسمح بضخ العائدات العمومية في الميزانية العامة. سوداوية مقيتة لقد رسم فؤاد عبد المومني صورة قاتمة للوضع بالمغرب خلال ربع قرن من حكم الملك محمد السادس. فقد ادعى بكثير من السطحية والعتمة بأن لا شيء تحقق، زاعما بأن الوعود بقيت حبيسة العهود، وظلت الانتظارات دون سقف المنتظرين، وتخلى الواعدون عن أماني الموعودين! هكذا هي نظرة المدير السابق لمؤسسات القروض الصغرى. والمثير أن فؤاد عبد المومني وهو يشيع سوداويته المقيتة، لم يستحضر نهائيا أن المغرب خلال فترة حكم محمد السادس أوجد البنية التحتية الملائمة للإقلاع الاقتصادي، في محيط إقليمي ودولي موسوم بالإضرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولا أدري هل سبق لفؤاد عبد المومني أن سمع بميناء طنجة المتوسط، كرابع أكبر ميناء للحاويات في العالم، وبمشروع ميناء الناظور للتخزين الطاقي، ومشروع ميناء الداخلة الذي سيفتح دول الساحل والصحراء على الواجهة الأطلسية، ويعزز من ريادة المغرب كقطب جهوي وداعم للأمن والاستقرار بالمنطقة. ولا غرابة كذلك إذا كان فؤاد عبد المومني يجهل ما تحقق في صناعات الطائرات والسيارات بالمغرب، إن على مستوى المساهمة في الناتج الإجمالي، أو على مستوى التوظيف والتشغيل المهني. ولم يكن لتتحقق هذه المشاريع بدون الاستثمار في البنية التحتية، وفي الربط الطرقي، والتكوين التخصصي الذي توفره المدن الجديدة للمهن والكفاءات والمعاهد العليا للمهندسين وغيرها. فالأمور تفهم بالمعاني أكثر من المباني كما يقال، لكن مشكلة فؤاد عبد المومني هي أنه كتب مقالته وهو يبحث عن الواقع السوداوي الذي يريده هو، وليس الواقع الذي نعيش فيه جميعا بإيجابياته التي نسعى لترصيدها وسلبياته التي نتطلع لتخطيها! فالرجل لم يرَ في ربع قرن ما تحقق في قضيتنا الوطنية الأولى، من اعترافات دولية أخرجت قضية الصحراء من مستنقع الأعداء، ومن مكاسب دبلوماسية عديدة جعلت المغرب يفاوض من مركز القوة في المحافل الدولية. المغرب.. منارة الأمن والاستقرار تجاهل فؤاد عبد المومني الكثير من المكاسب والإنجازات المهمة التي حققها المغرب في 25 سنة من حكم الملك محمد السادس، وهو معذور في جهله أو تجاهله هذا، لأنه يعتبر نفسه غير فاعل في هذه الإنجازات، وبالتالي فدوره ينحصر في تبخيسها بدل تثمينها. فهل يمكن لفؤاد عبد المومني أن ينكر كيف استطاع المغرب أن يعزز من أمنه واستقراره خلال ربع قرن من حكم الملك محمد السادس، في سياق دولي وجهوي تميز بانتقالات سياسية عنيفة، وتدافعات جماهيرية قوية، وبانفلاتات أمنية في عدة مناطق تتقاطع مع المحيط الاقليمي للمغرب. وهل يجرؤ الرجل أن يَنفِي كيف دَبَّر المغرب انتقاله السياسي بعقد اجتماعي جديد، وكيف نجح في تحييد الخطر الإرهابي، وتأمين حدوده، مما بوّأ المغرب مكانة عالمية متميزة، جعلته قبلة للاستثمارات الأجنبية، ولتدفقات السياح من كل دول العالم، وملاذ آمن لاحتضان كبرى التظاهرات المالية والاقتصادية والرياضية والأمنية العالمية. فهل يعتقد فؤاد عبد المومني أن سوداويته المقيتة هي التي جعلت صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يختارون المغرب لاحتضان اجتماعاتهما السنوية رغم مخلفات زلزال الحوز في سنة 2023؟ وهل يتوهَّم كذلك أن اختيار المغرب لاحتضان كأس العالم بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال في 2030 كان بسبب تحليلاته المفرطة في العدمية؟ ولسنا هنا بصدد لفت انتباه فؤاد عبد المومني للمكتسبات والمنجزات، لأنها جلية متجلية لمن يراها بمنظور المحلل الموضوعي، أما الحاقد المتحامل فهو لا يرى سوى ما تفرزه إيديولوجيته العقيمة. وهذا هو حال فؤاد عبد المومني، الذي يعتقد بأن المغرب يعيش بمفرده وبمعزل عن الاضطرابات السياسية والتجاذبات القوية التي يعيشها العالم المعاصر بسبب الحروب والجوائح والصراعات المسلحة. ويكفي هنا كذلك أن نذكر فؤاد عبد المومني بتدبير المغرب للجائحة الصحية، بشكل ساهم في التقليل من نسبة الوفيات، وساهم في تعزيز الدولة الاجتماعية، وتكريس نموذج أمني متميز قادر على حماية أمن الأشخاص والممتلكات رغم التدابير الاحترازية التي كانت مفروضة وقتها. عدالة انتقالية وحكامة أمنية لم يرى فؤاد عبد المومني في 25 سنة من حكم الملك محمد السادس ما يتماهى مع حقوقيته المزعومة. فالرجل لم يدرك مقاصد العدالة الانتقالية والمصالحات التي أطلقها المغرب مع تاريخه المعاصر، ممثلة في تجربة الإنصاف والمصالحة. ولم يستفز الإصلاح الشامل والعميق للمنظومة الأمنية ببلادنا فؤاد عبد المومني، الذي لم يتلمس التطبيقات الحقوقية الكثيرة في الوظيفة الشرطية، وكيف أصبحت أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية مفتوحة أمام زيارات الهيئات الوطنية والدولية المعنية بمناهضة التعذيب. ولا كيف أصبح العمل الشرطي تحت مجهر القضاء والقانون والرقابة المواطنة! ولا كيف نجحت السلطات الأمنية في تذليل البون الشاسع الذي كان بينها وبين المواطن في السابق، وكذا امتصاص النزاع المفتعل الذي كان بين المؤسسة الأمنية والمجتمع! فاليوم، في ظل حكم الملك محمد السادس، أصبحت الشرطة تنظم الأبواب المفتوحة للأمن ويزورها ملايين المغاربة؟ فهل كان هذا في السابق؟ واليوم، أصبح مؤشر الثقة في الأمن هو الأعلى وطنيا بين الهيئات الأخرى، وتجاوز 85 بالمائة! فهل يمكن تحقيق هذه المكتسبات بالترهيب والتخويف كما ادعى ذلك فؤاد عبد المومني بكثير من التضليل والتدليس والتحامل على المغاربة؟ ولئن كان من شيء يمكن أن نُذكِّر به فؤاد عبد المومني، لأن المجال لا يتسع لاستعراض كل المنجزات، فهو أن ترسيخ المكتسبات الحقوقية ببلادنا لم يكن فقط نتيجة نضال أحادي الجانب محسوب على جهة دون غيرها، بل كان نتاج إرادة سياسية وانخراط رسمي قَطَعَ مع كل أشكال المقاومات المؤسسية. ويكفي أن نستعرض هنا ما تحقق في مجال التشريع، وفي تعزيز الضمانات القانونية التي تنهض كحائل ضد التعسف والتجاوز والشطط، وما تحقق أيضا في الوظيفة الأمنية من حكامة وأنسنة للتدابير القانونية الاحترازية، علاوة على ما تحقق كذلك في الجانب المؤسساتي وفي الهيئات المعنية بإنعاش وتطوير منظومة حقوق الإنسان. وهذه الشذرات المقتضبة لم تكن المصلحة الغائية منها هي الرد على فؤاد عبد المومني، ولا مجاراته في لعبة السوداوية ونقيضها، وإنما هي فقط لتذكير الرجل بأننا عشنا جميعا في كنف ربع قرن من حكم محمد السادس. لكن كل واحد منا يرى ما تحقق من مكتسبات بمنظوره الخاص، ونحن لسنا مسؤولين عن فشل أو إخفاق فؤاد عبد المومني وضياع ربع قرن من حياته سدى في "التغرير ..بكل أصنافه". الوسوم اعتقال العدمية الملك محمد السادس داعش عبد المومني