الخط : إستمع للمقال إن المغرب يتوجه باليد الممدودة، من موقع القوة والاقتدار وليس الضعف: فقد مدَّها سنة 2018، وكان قد عاد إلى الاتحاد الإفريقي منتصرا على كل العراقيل ضد عودته. وفي 2020، بعد الاعتراف التاريخي لأمريكا بسيادة المغرب، وهو الاعتراف الذي قلب الموازين دوليا. وهذه السنة 2025 بعد أن تحقق تحالف دولي واسع حول المقترح المغربي، وتعززت مصداقيته داخل أوروبا وأمريكا اللاتينية وفي الوسط الآسيوي والقارة الإفريقية.. إذا كانت الحقيقة الناصعة هي أن ملك المغرب طالب، منذ توليه العرش، «بصدق وحسن نية» كما قال في أحد خطبه، بفتح الحدود بين البلدين، وبتطبيع العلاقات المغربية الجزائرية، فإن الملك مدَّ يده إلى الجزائر على الأقل ثلاث مرات... الأولى كانت سنة 2018، من خلال الخطاب الذي ألقاه مساء يوم الثلاثاء 6 نونبر، بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين للمسيرة الخضراء. والثانية في 2021، بعد الاعتراف الأمريكي في دجنبر 2020 بسيادة المغرب على صحرائه، واليوم في خطاب العرش يوليوز 2025، جاء بعد اعتراف بريطانيا والبرتغال، واستقرار الرأي العام الدولي على موقف شبه موحد من المقترح الحكم الذاتي. وفي كل مرة كان العرض الملكي محكوما بهاجس تجاوز الوضع المتأزم من طرف النظام الجزائري، وكان العرض الملكي من موقع قوة وبعد إحراز نصر من الانتصارات في قضية الصحراء وسواها. ولعل الحديث في سياق الدعوة الملكية الأولى، لا يمكن أن يُغفل حقيقة وردت في خطاب المسيرة لسنة 2018، حيث سجل جلالة الملك أن «رجوع المغرب إلى أسرته المؤسسية (الاتحاد الإفريقي) لم يكن فقط بهدف الدفاع عن قضية الصحراء المغربية، والتي تتقاسم معظم الدول الإفريقية موقفه بشأنها»، بل كان من أجل خدمة إفريقيا. وهو تنبيه جد دقيق في كون المعركة داخل الاتحاد الإفريقي لم تربحها الجزائر... كما أنه زاد على ذلك الإشادة « بقرارات لقمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، المنعقدة بنواكشوط» والتي قطعت «مع المناورات التي تناسلت في رحاب الاتحاد الإفريقي، وأضاعت على إفريقيا وشعوبها وقتا ثمينا، كان أحرى أن يوظف من أجل النهوض بالتنمية وتحقيق الاندماج». ومن مكر الصدف أن سنة اليد الممدودة الأولى تزامنت مع التنسيق الجزائري الإيراني، الذي دفع المغرب، المستهدف في وحدته من وراء هذا التنسيق، إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران. في المرة الأولى دائما، وضع الملك محمد السادس، الدعوة في سياق تاريخي وإنساني مغاربي واسع محكوم بالكثير من المرجعيات المشتركة: أواصر الأخوة، ووحدة الدين واللغة، والتاريخ والمصير المشترك. بل ذهب الملك محمد السادس إلى ربط المقاومة الجزائرية بالعرش العلوي من خلال التشديد على أن «موقف المملكة المساند للثورة الجزائرية ساهم في توطيد العلاقات بين العرش المغربي والمقاومة الجزائرية» وليس فقط بين مقاومتين والشعبين! ومن الأشياء التي لا يمكن إغفالها، التنبيه كذلك إلى «أن مصالح شعوبنا هي في الوحدة والتكامل والاندماج، دون الحاجة لطرف ثالث للتدخل أو الوساطة بيننا». وهو ما يعني الاستقلال عن حسابات الأطراف المحتملة والخوض في التقارب من زاوية استقلال القرار المغاربي. ومن النقط القوية في الدعوة الموجهة منذ 7 سنوات، اقتراح الملك على الأشقاء في الجزائر «إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، يتم الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتها». وأكد أن المغرب «منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر»، وحدد مهمتها «في الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات». وشدّد خطاب الملك على «رفع التحديات الإقليمية والدولية، وعلى «الاحترام الكامل لمؤسسات الجزائر الوطنية». وجدّد الملك محمد السادس الدعوة، مرة ثانية في خطاب الذكرى الثانية والعشرين لعيد العرش الذي ألقاه يوم السبت 30 يوليوز 2021، وقد بنى الدعوة على المشتركات العميقة كما بناها على المسؤولية في ما آلت إليه أوضاع البلدين. وفي هذا الصدد قال «لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى الرئيس السابق، ولا أنا، مسؤولين على قرار الإغلاق». و «أن الأسباب التي كانت وراء إغلاق الحدود، أصبحت متجاوزة، ولم يعد لها اليوم، أي مبرر مقبول». وذهب محمد السادس بعيدا مرة أخرى عندما أكد «لأشقائنا في الجزائر، بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن یأتیکم منه أي خطر أو تهديد؛ لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا. لذلك، نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره». وختم الملك محمد السادس خطابه بدعوة موجهة مباشرة إلى «فخامة الرئيس الجزائري، للعمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية»! في الخطاب الراهن، والذي توجه به جلالته إلى المغاربة والعالم، وردت الفقرة الخاصة بالدعوة اليد الممدودة بعد فقرات تهم التنمية الاقتصادية والبرنامج الجديد للعدالة المجالية والانتخابات القادمة. وقد توجه الملك محمد السادس بكلامه إلى «جوارنا المباشر، في علاقتنا بالشعب الجزائري الشقيق.» مضيفا أن «الشعب الجزائري شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين، والجغرافيا والمصير المشترك». وجدد الحرص الملكي على مد اليد «لأشقائنا في الجزائر»، وعلى «استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول؛ حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين». وأكد جلالته «تمسك المغرب بالاتحاد المغاربي» الذي لن «يكون بدون انخراط المغرب والجزائر، مع باقي الدول الشقيقة»... والواضح أن خطاب الملك الجديد لم يذكر الرئيس الجزائري بالإسم، كما في المرتين السابقتين، كما أنه لم يجدد الدعوة إلى تشكيل آلية للحوار، كما سبق ذكر ذلك في الخطابين السابقين، وهذا لا يعني التخلي عمَّ سبق، بقدر ما يعني أن الكرة ما زالت في ملعب الحكام في الجزائر. الملاحظة هي التركيز في المخاطبة على «الشعب الجزائري»، ليكون شاهدا على نوايا المغرب، إذا أغفلها المعنيون. المستقبل في العلاقة متوقف على ما ستتخذه القيادة الجزائرية من مواقف عقلانية وبراغماتية.. والتي لن يسعفها فيها المستقبل بالمزيد من التماطل، وإذا تأخرت.. فلن تقبل منها شكاية، لا سيما وأن قطار الحكم الذاتي على السكة الصحيحة وهو يسير نحو الحل.. والذي سيتم بقرار دولي إذا عاندته الجزائر وقت لا ينفع عناد! الوسوم الجزائر المغرب الملك محمد السادس اليد الممدودة