أثار موضوع الإجهاض منذ سنوات العديد من السجال والنقاش بين مؤيد ومعارض، فالبعض اعتبره حرية فردية تخوّل للمرأة التصرف في جسدها كما تشاء، والبعض اعتبره قتل للأرحام بدون موجب حق، ولم يكن لينتهي هذا السجال الذي دام شهوراً إلا بتدخل ملكي حسم الأمر وأنهى الخلاف. وكان الملك محمد السادس قد شكل قبل 4 سنوات، وتحديدًا في مارس 2015، لجنة مكونة من وزير العدل والحريات ووزير الأوقاف ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لإطلاق مشاورات لمراجعة القوانين المتعلقة بالإجهاض، وذلك بعد نقاشات حادة مجتمعية وسياسية بهذا الخصوص. لكن رغم ما جاء به المشرع لازالت عمليات الإجهاض في تزايد، حيث وصل عددها اليومي ما بين 600 إلى 800 حالة خارج إطار الزواج وفق تقارير بهذا الشأن. وبهذا الخصوص، أكد إبراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات-تمارة، أن الإجهاض الذي أطره القانون لا إشكال فيه؛ لأنه يتم في ظروف صحية طبيعية وتحت إشراف طبي مما يؤمن حياة المرأة خصوصا إذا كان الإجهاض في الأيام الأولى. أما حالات الإجهاض السرية وهي السائدة، فإن أهم أسبابها يختصر في كون المرأة الحامل تريد التخلص من ذلك الحمل لأنه غير شرعي وخارج مؤسسة الزواج، أو لكون الزوجة أو الزوجين لا يرغبان في الحمل لأسباب مادية. وأشار المتحدث إلى أن هذا النوع من الإجهاض يخلق جدلا واسعا في الأوساط الدينية والطبية والسياسية والقانونية حول مدى شرعيته وقانونيته وأخلاقيته، حيث ينقسم المجتمع إلى مناهضين له يتشبثون بمبدأ حق الجنين في الحياة، ومناصرين له يؤكدون على حق المرأة في الاختيار في أن تستمر في الحمل أو لا تستمر فيه. واعتبر رئيس المجلس العلمي أن شيوع الإباحية والعلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، من بين أهم الأسباب التي تؤدي إلى الاجهاض، خصوصا لدى الشباب الغير قادر على تحمل أعباء الزواج، واستشهد سكنفل بالحديث النبوي الشريف الذي قال فيه النبي صلى الله عليه و سلم “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاءٌ”، أي وقاية من الوقوع في الزنا. وأكد سكنفل أن الإسلام يحرم قتل الأبناء بسبب الفقر وإسقاط الجنين قبل اكتماله، كما حدده القانون، مستشهدا بالآية الكريمة “وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا”. من جهتها، أكدت عائشة الشنا، رئيسة جمعية التضامن النسوي، في تصريح هاتفي ل “برلمان.كوم”، أن التربية الجنسية هي أساس مجتمع سليم بعيدا عن عمليات الإجهاض والتخلي عن الأطفال في الشوارع، داعية الحكومة والمجتمع والمسؤولين إلى الانتباه لمسألة التربية الجنسية، ومحاولة إدراجها بالمناهج الدراسية لأن الأمر مهم جدا. وشددت الشنا على أن تدريس التربية الجنسية في المناهج الدارسية المدارس هي ضرورة لازمة لتوعية الجيل الناشئ، مؤكدة على تحميل المسؤولية للرجل وليس للمرأة وحدها في حالة وجود حمل أو إجهاض خارج إطار الزواج. وفي هذا السياق، أوضحت الشنا، أنها "تسعى دائما للتواصل مع الشابات المغربيات من أجل تحسيسهن بخطورة الحمل خارج إطار الزواج"، مشيرة إلى أنها "تواصلت مع شابات يدرسن في الجامعة تورطن في علاقات جنسية نتج عنها حمل خارج إطار الزواج". من جانبه أكد شفيق الشرايبي، طبيب أمراض النساء والتوليد ورئيس جمعية مكافحة الإجهاض السري بالمغرب، أن عملية “الإجهاض الطبي” يمكن أن تشكل خطورة على المرأة في بعض الحالات، كإجراء العملية بدون تخدير أو في مكان لا يتوفر على الشروط الصحية الملائمة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي لمضاعفات خطيرة منها تمزق الرحم. وتابع الشرايبي أن النوع الثاني من الإجهاض يكون “تقليديا”، بحيث تلجأ النساء اللواتي لا يتوفرن على إمكانية مادية، إلى الطرق التقليدية، وذلك عن طريق اتباع وصفات شعبية لإنهاء الحمل غير المرغوب فيه، إما لأسباب صحية أو نفسية، أو لكونه نتاج جريمة اغتصاب، أو بسبب الفقر أو لرعاية طفل آخر رضيع. وشدد ذات المتحدث على أن هذا النوع من الإجهاض يسبب للسيدات الحوامل مضاعفات خطيرة، أولها النزيف، بل أيضا قد تتسبب في إحداث ثقب في الرحم ما قد يتطلب تدخلا طبيا عاجلا، والتهابات قد تتطور إلى مرض عضال. وأوضح الشرايبي، أن الحديث عن صحة المرأة لا نقصد فقط صحتها الجسدية بل أيضا النفسية والاجتماعية، لذلك يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار صحتها العقلية والاجتماعية التي تكون بدورها مهددة نتيجة الحمل غير المرغوب فيه. وبحسب منظمة الصحة العالمية تُجري 56 مليون امرأة عملية إجهاض سنويا على مستوى العالم، 45% منها إجهاض غير آمن، وتتركز في البلدان النامية بأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، ومن بين كل أربع حالات إجهاض هناك حالة واحدة فقط آمنة في البلدان المحظور فيها الإجهاض. يذكر أن الحديث عن عمليات الإجهاض المخالفة لما جاء به المشرع المغربي طفت على السطح من جديد منذ اعتقال إحدى الصحفيات في عيادة طبيب معروف بالرباط، بتهمة إجراء عملية إجهاض مخالفة للقانون وخارج إطار الزواج.