الاتحاد الدولي لكرة القدم يتلقى 4.5 مليون طلب لشراء تذاكر كأس العالم    حموشي يجري زيارة عمل إلى تركيا    الانبعاثات الكربونية في أوروبا تبلغ أعلى مستوى منذ 23 عاما    تأهب داخل الحلف الأطلسي.. روسيا تنفي انتهاك مقاتلاتها المجال الجوي الإستوني    هجوم إلكتروني في قلب أوروبا.. تضرر أنظمة وتوقف رحلات عدة مطارات    حموشي يجري زيارة عمل إلى تركيا        موسكو تُعيد رسم معالم النقاش حول الصحراء وتُضعف أطروحة الجزائر    فوز ثمين لأولمبيك آسفي أمام نجيليك النيجري في كأس الكاف            العمران تنظم محطة مدريد من معرض "إكسبو مغاربة العالم" لتعزيز روابط الجالية مع العرض العقاري الوطني    "الأحرار" يستحضر من الداخلة مسيرة نصف قرن من العطاء بالصحراء المغربية    الرباط وبكين تؤسسان لحوار استراتيجي يرسخ المصالح المشتركة    فيينا.. المغرب يترأس الاجتماع العام ال11 للشبكة الدولية للأمن والسلامة النوويين    كأس العالم لكرة القدم لأقل من 20 سنة (الشيلي 2025) .. تركيز "أشبال الأطلس" منصب الآن على عبور الدور الأول (الناخب الوطني)    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة لن يستضيف سان جرمان في ملعبه ال"كامب نو"    المغرب والصين يرسّخان شراكتهما الاستراتيجية عبر حوار دبلوماسي مؤسساتي جديد    الرسالة الملكية في المولد النبوي            برادة: 800 مؤسسة مؤهلة هذا العام لاستقبال تلاميذ الحوز    الحسيمة.. موعد طبي بعد أربعة أشهر يثير الاستياء        سيدي بنور.. حظر جمع وتسويق المحار بمنطقة سيدي داوود    جمعيات تتبرأ من "منتدى الصويرة"    إعادة إنتخاب ادريس شحتان رئيسا للجمعية الوطنية للإعلام والناشرين لولاية ثانية    بعد الجزائر وموسكو .. دي ميستورا يقصد مخيمات تندوف من مدينة العيون    العداءة الرزيقي تغادر بطولة العالم    "الملجأ الذري" يصطدم بنجاح "لا كاسا دي بابيل"    سي مهدي يشتكي الرابور "طوطو" إلى القضاء    حقوقيون يبلغون عن سفن بالمغرب    "حركة ضمير": أخنوش استغل التلفزيون لتغليط المغاربة في مختلف القضايا    مشروع قانون يسمح بطلب الدعم المالي العمومي لإنقاذ الأبناك من الإفلاس        ترسيخا لمكانتها كقطب اقتصادي ومالي رائد على المستوى القاري والدولي .. جلالة الملك يدشن مشاريع كبرى لتطوير المركب المينائي للدار البيضاء    منتخب الفوتسال يشارك في دوري دولي بالأرجنتين ضمن أجندة «فيفا»    الصين تشيد بالرؤية السديدة للملك محمد السادس الهادفة إلى نهضة أفريقيا    مساء اليوم فى برنامج "مدارات" : صورة حاضرة فاس في الذاكرة الشعرية    حجز أزيد من 100 ألف قرص مهلوس بميناء سبتة المحتلة    ثقة المغاربة في المؤسسات تنهار: 87% غير راضين عن الحكومة و89% عن البرلمان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    تقنية جديدة تحول خلايا الدم إلى علاج للسكتات الدماغية    السجن المؤبد لزوج قتل زوجته بالزيت المغلي بطنجة        زلزال بقوة 7.8 درجات يضرب شبه جزيرة كامتشاتكا شرقي روسيا    أسعار النفط دون تغير يذكر وسط مخاوف بشأن الطلب    المغرب في المهرجانات العالمية    إسرائيل تجمد تمويل مكافآتها السينمائية الرئيسية بسبب فيلم «مؤيد للفلسطينيين»    تسجيل 480 حالة إصابة محلية بحمى "شيكونغونيا" في فرنسا    الكشف عن لوحة جديدة لبيكاسو في باريس    350 شخصية من عالم الدبلوماسية والفكر والثقافة والإعلام يشاركون في موسم أصيلة الثقافي الدولي    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكرى رفيق الحريري
نشر في بيان اليوم يوم 17 - 02 - 2019

يصعب على اللبناني، المنتمي فعلا إلى فكرة اسمها لبنان، القبول بأنّ جريمة اغتيال رفيق الحريري في مثل هذه الأيّام، قبل أربعة عشر عاما، أدّت الغرض المطلوب منها، أقلّه في المدى المنظور. قضت الجريمة على المحاولة الجدّية الوحيدة التي بُذلت منذ العام 1975 من أجل إعادة الحياة إلى المشروع الوطني الوحيد القابل للحياة، مشروع رفيق الحريري الذي انطلق من قلب بيروت.
محزن المشهد اللبناني الذي حلّت فيه الوصاية الإيرانية، بالصوت والصورة والفعل والسلاح غير الشرعي، مكان الوصاية السورية بكلّ ما كانت تعنيه من تخلّف ووحشية على شتى الصعد. محزن أن يأتي شخص مثل محمّد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، إلى بيروت في هذه الأيّام بالذات من أجل إعلان انتصار إيران على لبنان واللبنانيين وعلى رفيق الحريري نفسه لا أكثر.
أتى ظريف إلى بيروت ليعرض خدمات معيّنة ذات أهداف أكثر من واضحة. لا علاقة لهذه الأهداف بأي مصلحة لبنانية، لا من قريب ولا من بعيد. على العكس من ذلك، لهذه الخدمات المعروضة علاقة بالمخرج الذي تبحث عنه إيران من أزمة عميقة. لا يفيد في العثور على المخرج الكلام الحماسي الذي يصدر عن هذا المسؤول الإيراني أو ذاك وعن الرئيس حسن روحاني بالذات، كلام من نوع أن "الجمهورية الإسلامية" ستهزم العقوبات الأميركية.
جاء ظريف إلى بيروت لأهداف مرتبطة بحاجة إيران إلى أن تظهر بطريقة أو بأخرى أنّ جريمة اغتيال رفيق الحريري، والجرائم الأخرى التي تلتها، أعطت ثمارها وأن وزير الخارجية فيها صار قادرا على أن يسرح ويمرح في بيروت، أي في ملعبه، من دون حسيب أو رقيب. تعتبر إيران بكلّ بساطة أن العمل الدؤوب الذي تقوم به في لبنان منذ ما قبل العام 1982 والذي جاء اغتيال رفيق الحريري في سياقه، استنادا إلى البيان الاتهامي للمحكمة الدولية في لاهاي، أوصل لبنان إلى ما وصل إليه. ما وصل إليه لبنان بات يسمح لأي مسؤول إيراني بالقول بصوت عال إن طهران تتحكم بأربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. الحقيقة أن لهذا الكلام بعض الأساس، لولا أنّ بغداد تتمرّد يوميا على طهران، وترفض نير الاستعمار الإيراني، فيما بيروت لا تزال تقاوم…
يعرض وزير الخارجية الإيراني على لبنان أسلحة أو صواريخ، فيما الطفل يعرف أن لا قيمة للأسلحة الإيرانية في التصدي لإسرائيل. الدليل على ذلك في غاية الوضوح. يكفي المشهد السوري للتأكد من أن العرض الإيراني لا قيمة له على أرض الواقع.
لم تنقص رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، الذي يعرف جيّدا من قتل والده، الشجاعة ليقول صراحة للوزير الإيراني "إن الحكومة تنطلق في برنامجها للنهوض من مصلحة الشعب اللبناني والمصالح العليا للبنان"، لافتا نظره إلى "احترام لبنان لتعهداته والتزاماته تجاه المجتمعين العربي والدولي". لا يزال سعد الحريري الحصن اللبناني الأخير في الدفاع عن لبنان واللبنانيين ومصالحهم في وجه الهجمة التي انطلقت من طهران، والتي لا تقيم وزنا للبلد بل تعتبره مجرّد مشروع مستعمرة تدور في الفلك الإيراني.
في ذكرى غياب رفيق الحريري، من المفيد، على الرغم من كل المصاعب التي يمرّ فيها لبنان، التذكير بأمر أساسي. لا يزال في لبنان من يقاوم المشروع الإيراني الذي أخذ أبعادا جديدة بعد الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 يوم تفجير موكب رفيق الحريري. لم يعد سرّا من خطّط للجريمة ومن نفّذها. لم يعد سرّا أن سلسلة اغتيالات حصلت بعد ذلك، آخرها اغتيال محمد شطح لتغطية الجريمة الأصلية واغتيال لبنان كلّه. لم تكن حرب صيف 2006 مع إسرائيل سوى حرب على لبنان. تواطأ طرفا هذه الحرب على لبنان. كان رفيق الحريري، بكل ما يرمز إليه مشروعه، هدفا لتلك الحرب التي دمّرت جزءا من البنية التحتية اللبنانية وهجّرت مزيدا من الشباب اللبناني.
ظل لبنان هدفا إيرانيا. هناك بلد مطلوب ترويضه واختراقه. فعندما ذهب سعد الحريري إلى طهران في خريف العام 2010 كرئيس لمجلس الوزراء، طلب الإيرانيون ثلاثة أمور هي الآتية: إعفاء الإيرانيين، أسوة بمواطني الدول العربية، من تأشيرة لدخول لبنان، وتوقيع معاهدة دفاع بين لبنان وإيران، على غرار معاهدة الدفاع الإيرانية – السورية، والسماح لإيران بدخول النظام المصرفي اللبناني. دفع سعد الحريري ثمن رفضه المطالب الثلاثة. أسقط "الثلث المعطل" حكومته تمهيدا لفرض نجيب ميقاتي رئيسا للوزراء بواسطة "القمصان السود"، أي عناصر "حزب الله" التي نزلت إلى الشارع البيروتي. لا حاجة إلى سرد الوقائع مجددا وتحديد الجهة المسيحية التي تولّت رعاية عملية إسقاط حكومة سعد الحريري في تلك الأيّام.
ما تطلبه إيران حاليا من لبنان أقرب إلى طلب المستحيل. يستطيع لبنان إعفاء المواطنين الإيرانيين من التأشيرة. هذا ما فعلته حكومة نجيب ميقاتي في حينه. لكنّ لبنان لا يستطيع توقيع معاهدة دفاعية مع إيران أو الحصول على أسلحة إيرانية مع ما يعنيه ذلك من وجود خبراء إيرانيين يدربون عناصر من الجيش اللبناني على استخدام تلك الأسلحة. فوق ذلك كلّه، بل الأهمّ من ذلك كلّه، لا يستطيع لبنان فتح نظامه المصرفي أمام إيران. على العكس من ذلك، لا خيار آخر أمام المصارف اللبنانية والسلطات المختصة غير الالتزام بالعقوبات الأميركية على إيران. هذا في حال كان لبنان يريد المحافظة على ما بقي من اقتصاده.
يتبيّن كلّ يوم أكثر لماذا كان مطلوبا التخلّص من رفيق الحريري بصفة كونه عقبة أمام المشروع التوسّعي الإيراني أوّلا. كان عقبة لبنانية وعربية في الوقت ذاته. فبعد 14 عاما على غيابه، يبدو واضحا أن إيران حققت تقدما في لبنان. كان الدليل فرض "حزب الله" خياره رئيسا للجمهورية وقيام المجلس النيابي الحالي الذي هو إنتاج قانون انتخابي عجيب غريب لا يعرف سرّه غير "حزب الله". فوق ذلك كلّه، لم يكن للحكومة اللبنانية الحالية أن تتشكل لو لم تفرج عنها إيران التي استطاعت تغيير "المعايير" التي تتشكل على أساسها الحكومات في البلد.
هل الوضع الراهن أقصى ما تستطيع إيران تحقيقه في ظلّ غياب عربي عن البلد؟ الجواب أن لبنان ما زال يقاوم، لكن الكثير سيعتمد في نهاية المطاف على ما يدور في المنطقة كلها وفي الداخل الإيراني. تبقى إيران، على الرغم من كلّ العضلات التي تعرضها خارج حدودها، دولة فاشلة على كلّ صعيد، خصوصا على الصعيد الاقتصادي. ليس لديها نموذج تقدمه للبنان وغير لبنان غير ميليشياتها المذهبية التي تعني ثقافة الموت ولا شيء آخر.
قتلت ثقافة الموت رفيق الحريري. تكاد تقضي على لبنان… لكنّها لا يمكن أن تنقذ إيران ولا مشروعها التوسّعي في أي بلد من بلدان المنطقة، خصوصا في العراق البلد الذي بدأ شعبه يظهر، أكثر فأكثر، مدى انزعاجه من الهيمنة الإيرانية وكلّ المشاريع بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.