توفيت الممثلة آني جيراردو، الشخصية البارزة في السينما والمسرح في فرنسا مؤخرا، في مستشفى لاري بوازيير في باريس عن سن تناهز التاسعة والسبعين، بعد معاناة كبيرة من مرض الزهايمر. لقد اشتغلت في السينما ما يفوق 50 عاما: أكثر من 220 فيلما. وحصلت على 3 سيزار و2 موليير ومثلت مع أكبر الممثلين والمخرجين الفرنسيين: لوشيانو فيسكونتي وجان ماري وألان دولان وجان كابان وكلودل لولوش ومارشيلو ماستروياني... وقد لعبت أدوارا متعددة ومتنوعة: دراما، أفلام بوليسية، أفلام كوميدية وروائية. لقد جسدت شخصيات مهمة، وكانت في بعض الأحيان الأولى من نوعها بالنسبة للممثلات النساء، كدور طبيبة أو سائقة طاكسي أو محامية. ازدادت آني جيراردو في باريس يوم 25 أكتوبر 1931 وكانت أمها مولدة. وسارت على نهج أمها في دراسة التمريض. ولكن سرعان ما تغير مسارها، وكانت أولى خطواتها في ملاهي مونمارتر. ولجت آني جيراردو معهد الكوميديا الفرنسية سنة 1954 وبعدها بدأت حياتها المهنية ببطء. وعرفت مسيرتها الفنية بعض الإحباطات في البداية، ولكنها حققت نجاحا باهرا في الدور الذي ستعرف به طول حياتها في السينما والمسرح، وهو «مدام مرغاريت» سنة 1974. وبعدها أصبحت من الممثلات المحبوبات والأكثر شعبية في فرنسا والبلاد الفرنكوفونية. وحققت عدة أدوار في الدراما والكوميديا. وسنة 1971 لعبت أحسن دور لها في فيلم «موت من أجل الحب». وحصلت على سيزار أحسن ممثلة سنة 1977 عن فيلم «الدكتور فرانسوا غياند». ونسيت آني جيراردو ونسوها المخرجون طيلة 15 سنة، عبرت عن هذه اللحظة، بدموع غزيرة في حفل سيزار 1996 وقالت «ربما نساها السينمائيون الفرنسيون ولكنها لم تنس السينما الفرنسية وأنها لم تمت ولازالت حية». لقد أصبحت رمزا لمرضى الزهايمر في فرنسا بعد إصابتها بهذا المرض منذ بداية القرن. وبرهنت على دفاعها عن المرضى المصابين بالزهايمر بشجاعة وبصبر، ولكن بمساعدة عائلتها وأصدقائها. فكما يصيب المرض الدماغ ويؤثر على الذاكرة فإنه يؤدي إلى وهن في العضلات وفقدان الأشياء البسيطة اليومية. في فيلم وثائقي من إخراج نيكولا بوليوه، تكلمت عن مرضها بصعوبة شديدة. لقد شاركها المخرج معيشتها وشغلها اليومي طيلة ثمانية أشهر. وقد ذكر المخرج أنه كان من الصعب عليه تصوير هذا الفيلم، تصوير فنانة قديرة، كانت مثال الجمال والاستقامة، وأصبحت محرومة من ذاكرتها، وأصبحت لا تعرف أعمالها. وذكر أيضا أنه من الصعب مشاهدة هذا الفيلم، وهذا ما حصل لي ولمجموعة من الأصدقاء، فالممثلة الأنيقة الجميلة أصبحت لا تقوى حتى على أبسط الأعمال اليومية كالأكل والشرب. وأصبحت تردد كلمات يهمس بها في أذنها من خلال السماعة، ويتخيل أنها لا تفهم ما تردده ولكنها كانت تردده بلهجة متقنة، ربما تلقائيا ومهنيا، نتيجة للممارسة الطويلة (طيلة 50 عاما) فوق خشبة المسرح أو الأفلام التي مثلت فيها. هل كانت مدركة لحالها؟ لقد جعلها المخرج نيكولا بوليوه تلعب دور امرأة مهددة بفقدان الذاكرة. وعندما همس لها في أذنها عبر السماعة بالجملة المصيرية: «أنت مصابة بفقدان الذاكرة ولن تعود الذاكرة أبدا»، لم تستطع ترديدها منذ أولى اللقطات بل احتاجت إلى سبع لقطات لقول تلك الجملة وبصعوبة. وعن غير قصد، أصبحت آني جيراردو رمزا لمرض الزهايمر، بل للمرضى وللجمعيات المسؤولة عنه. إن الفيلم الوثائقي «هكذا تمشي الحياة» للمخرج نيكولا بوليوه، مكننا من رؤية الممثلة الفرنسية القديرة آني جيراردو وهي تتألم، من وطأة المرض. ومكننا من رؤية واضحة لمرض فتاك لا علاج له، مرض الزهايمر. لقد سالت دموع المتفرجين عندما سئلت آني جيراردو: هل أنت سعيدة؟ فأجابت: لست سعيدة الآن ولكنني لا أعرف لماذا؟