مونديال الشباب.. فرص مصر بالتأهل "شبه مستحيلة" وهذا هو السيناريو الممكن    الفخامة المصرية على الأراضي المغربية.. «صن رايز» تستعد لافتتاح فندق جديد    المظاهرات خلال اليومين الماضيين جرت دون تسجيل أي سلوك من شأنه المساس بالحق في التجمع السلمي (المجلس الوطني لحقوق الإنسان)    طقس الأحد: أجواء حارة نسبيا مع هبوب رياح قوية في المناطق الجنوبية    المديرية العامة تصنع الحدث في معرض الفرس برواقها المديري وعروض شرطة الخيالة (ربورطاج)    الجامعة السنوية لحزب "الكتاب" توجه انتقادات لاذعة إلى تدبير الحكومة    طنجة.. الدرك الملكي بكزناية يطيح بأربعة أشخاص متورطين في تخزين وترويج مواد غذائية فاسدة    تشكيلة "الأشبال" لمواجهة المكسيك    مباراة شكلية .. منتخب "الأشبال" ينهزم أمام المكسيك في "المونديال"    57 قتيلا في ضربات إسرائيلية بغزة    حجز آلاف الأقراص المخدرة بتيفلت    إحباط محاولة لتهريب الذهب بميناء طنجة المتوسط    الأمن يحبط تهريب مخدرات بالكركرات    محمد الريفي يعود بديو مع "أورتيجا"    الحقوقي عزيز غالي في عداد المختطفين لدى إسرائيل وسط صمت رسمي مغربي    الأمن يدخل على خط خلاف بين جانحين وحارس ليلي انتهى بتهشيم سيارات بأكادير    المجلس الوطني لحقوق الإنسان: المظاهرات خلال اليومين الماضيين جرت دون تسجيل أي سلوك من شأنه المساس بالحق في التجمع السلمي    المسطرة الجنائية تكافح الاتجار بالبشر        المنتخبون التجمعيون يثمنون مطالب الشباب ويستنكرون 'الدوغمائية' المتربصة بالمجهود التنموي    نادي "بيتيس" يعلن إصابة أمرابط    من يستبيح بيت رئيس الحكومة؟ .. التوحش الافتراضي أخطر من الخصومة السياسية        رئيسة المفوضية الأوروبية تشيد بحماس    إسرائيل ترحل أربعة مغاربة من المشاركين في "أسطول الصمود العالمي"    فضل شاكر يسلم نفسه للجيش اللبناني بعد نجاح كبير لأغاني أصدرها قبل شهور                    القضاء الأمريكي يحكم بحبس نجم الهيب هوب ديدي    لجان التحكيم بالمهرجان الوطني للفيلم    العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات        لجنة التعذيب.. الوجه الخفي للنظام العسكري الجزائري الذي يرهب أبناءه    معرض الفرس بالجديدة.. الخيول العربية-البربرية ركيزة أساسية لشرطة القرب    قصف متواصل وإسرائيل تتحدث عن تقليص عمليتها بغزة تجاوبا مع خطة ترامب                أين اختفى هؤلاء "المؤثرون" في خضمّ الأحداث الشبابية المتسارعة بالمغرب؟    مسرح رياض السلطان يواصل برنامجه لشهر اكتوبر    يعقوب المنصور يستقبل الدشيرة بملعب البشير بالمحمدية عوض الملعب الأولمبي بالرباط    انخفاض سعر صرف الدرهم مقابل الدولار والأورو    إلَى جِيل Z/ زِيدْ أُهْدِي هَذا القَصِيدْ !    الاتفاق الفلاحي الجديد... أوروبا تعترف عمليًا بالسيادة المغربية على الصحراء    الكاتب عبد اللطيف اللعبي يوجّه رسالة تضامن إلى شباب الاحتجاجات في المغرب    جينك يعلن خضوع الواحدي لعملية جراحية في الكتف        فقدان حاسة الشم بعد التعافي من كورونا قد يستمر مدى الحياة (دراسة أمريكية)    علماء يجددون توصيتهم بالتقليل من اللحوم في النظام الغذائي    حمية الفواكه والخضراوات والمكسرات "قد تمنع" ملايين الوفيات عالميا    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أي دور للأمازيغية في بناء هوية مغرب اليوم؟

سيتجدد النقاش، ككل سنة مع حلول السنة الأمازيغية، عن مشروعية الاحتفال مع المغاربة ب "إيض يناير" أو "إيض سكاس" أو "حاكوزة". لكنني لن أخوض في هذه الجزئية، بقدر ما أحب أن أقف على العداوة التي يكنها كثير من الإسلاميين للفكرة الأمازيغية... بل إن الحركة الوطنية نفسها أهملت الملف الأمازيغي لعقود طويلة، في مقابل اهتمام كبير بالثقافة العربية والإعلاء من شأنها، في تأثر واضح بالمد المشرقي القومي والإسلامي، الذي يرى العربية ركنا أساسيا من أركان الهوية المغربية.
لطالما استدل كثير من الإسلاميين ببعض النصوص الشرعية الدالة على نبذ القبلية والعصبية وغيرها، وكذلك بعض النصوص العامة كحديث: "لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى"، فاستفادوا من ذلك إبطال الاعتزاز بالقومية واللغة الأمازيغية، واعتبار إحيائها إحياء للعصبية "الجاهلية". هذا الأمر أعطى انطباعا بالتعارض بين الأمازيغية والإسلام، بل إن هؤلاء المعنيين خاضوا في سبيل ذلك حروبا فكرية كبيرة جدا، ككل حروبهم الأخرى، لجزمهم بصواب رأيهم المستند على الحق المطلق... الإسلام!
سألت نفسي في وقت سابق، وأنا ابن الأب العربي والأم الأمازيغية، هل كان الإسلام يقصد محو الأعراق الأخرى وصهرها ضمن البوتقة العربية الخالصة؟ أيمكن أن يكون الأمر كذلك كما تربينا عليه في محاضن الحركة الإسلامية، والقرآن نفسه يعترف بكافة الأعراق والأجناس، بل ونبه إلى أن تعددها وتنوعها من مقاصد الخلق الإلهي؟ ما جدوى قوله تعالى إذن في كتابه العزيز: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).
ألم يكن القصد من التعدد هو قصد التعارف؟ والتعارف هنا مفهوم ثقافي عميق الدلالة، يحيل إلى أغراض التواصل والانفتاح والتفاهم، وقبول الآخر أيضا؛ وهو الأمر ذاته الذي يفتقده كثير من الإسلاميين إلى اليوم – في مفارقة غريبة – حين يعلون من شأن العربية والانتماء العربي على حساب الهوية القومية الأمازيغية.
لقد كان هذا المعنى حاضرا في أذهان المسلمين على امتداد التاريخ الإسلامي، فألفوا كتبا بمختلف اللغات، ولم يسعوا في وقت من الأوقات إلى فرض لغة ما على عموم الأمة الإسلامية آنذاك. لقد ألف الغزالي – أحد أكابر الفقهاء المسلمين – كتبا بالعربية والفارسية، وكتب ناصر الدين البيضاوي الشافعي صاحب التفسير المشهور كتاب (نظام التواريخ) بالفارسية، وبالمغرب كتب المهدي بن تومرت كتابه (التوحيد) أو (العقيدة) في نسختين، واحدة بالعربية وأخرى بالأمازيغية، وكتب امحمد بن علي أكبيل الهوزالي كتبا دينية بالأمازيغية، ككتابه: (الحوض في الفقه المالكي)، وكتابه: (بحر الدموع في المواعظ والرقائق)، وكتابه: (النصيحة في مدح الشيخ أحمد بن ناصر الدرعي)، وقد تحدث أحمد بوكوس عن عدد من المؤلفات الأمازيغية في الدين والتصوف والتاريخ والسير بخط أمازيغي أحيانا، وبخط عربي أحيانا أخرى، كما اطلعت على فهرس المخطوطات الأمازيغية بمكتبة جامعة ليدن، فوجدت بها عددا لا يستهان به من الكتابات عن الدين والتاريخ والسير، وراجعت المكتبة الوطنية بالرباط، فوجدت بها ما يقارب الأربعين مخطوطا بالأمازيغية في مجالات العقيدة والتصوف والتفسير والفقه والأدب، ولقد عدت للمكتبات المعتنية بالمؤلفات الهندية والتركية فوقفت على مئات الكتب الدينية المكتوبة بلغات القوم الأصلية.
في العصر الحديث، ألف بعض رواد الحركة الوطنية كتبا ورسائل باللغة الأمازيغية، كما فعل المختار السوسي حين كتب الأربعين النووية بالسوسية، وترجم كتاب (الأنوار السنية) لابن جزي إلى لغته الأصلية، ولم يكن الأمر يشكل أي حرج على الإطلاق، فما الذي تغير لتتحرج الحركة الإسلامية من دعم المطالب الأمازيغية العادلة؟
نعود من جديد إلى استحضار عامل الإيديولوجيا التي دمرت الكثير من الأسس التي كانت صالحة لبناء مجتمع أكثر تسامحا مع التيارات الفكرية، وأكثر انسجاما وانفتاحا في الوقت ذاته؛ فلقد كان لتبني بعض أبناء الحركة الأمازيغية مواقف متطرفة من العربية – ومن الإسلام في بعض الأحيان – ومغرقة في التأدلج، ردة فعل متطرفة من جهة كثير من الإسلاميين في جعل العربية والإسلام شيئا واحدا.
إن تاريخنا المغربي مثقل بذاكرتين عن العلاقة بين "الفاتحين العرب" والسكان الأصليين الأمازيغ. الذاكرة الأولى تمجد "الفتوحات الإسلامية"، وتصور عملية "الفتح" في شكل ملائكي صرف، وذاكرة ثانية تستحضر عمليات الاسترقاق التي مورست ضد الأمازيغ، وعددا من الإجراءات الظالمة أيام الدولة الأموية.
ينكر هؤلاء الإسلاميون التاريخ السيء كعادة كل التراثيين في تلميع الماضي، حتى لا ينهار مشروعهم، ويعتبرون أن الحركة الأمازيغية إنما هي الوجه الآخر للشيوعية واللائكية؛ ويمعن بعض أنصار الحركة الأمازيغية في استعادة تاريخ لم يعُد يمثل ثقلا أساسيا مع التبني التدريجي للحداثة ومفهوم الدولة المدنية، الأمر الذي يقطع بالضرورة مع أي ماض سياسي كيفما كان.
لنترك التاريخ جانبا، ونتأمل في القضية الأمازيغية اليوم بعد كل الأشواط الكبيرة التي قطعتها النضالات المدنية من أجل إعادة الاعتبار للهوية الأمازيغية، كأهم مكون – بعد الإسلام – في النسيج الهوياتي المغربي.
ما من شك في أن الرؤية الملكية كانت أكثر تقدما في سبيل إعادة إحياء القضية الأمازيغية، والإجراءات التي تم اتخاذها في هذا الصدد، كإجراء الدسترة وإحداث معهد ملكي للدراسات الأمازيغية، ومحاولة إدخالها إلى المقررات الدراسية، وإن كان الأمر يعرف تعثرا كبيرا لعدة أسباب... لكن الملاحِظ يرى – وبجلاء شديد- أن موقف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين لا يعرف نفس التطور ولا نفس الديناميكية في التفاعل، الأمر الذي يفسر العجز الشديد في ممارسة التأطير السياسي والثقافي، في سبيل ترسيخ قوي وفاعل للهوية الأمازيغية.
بعض هذه الأسباب يرجع إلى الترسبات التي ورثت من حقبة السبعينات والثمانينات، حيث كان التيار اليساري على سبيل المثال متأثرا بشدة بالنماذج الاشتراكية المشرقية غير المشرفة، كحزب البعث في العراق وسوريا. في المقابل، كان الإسلاميون مأخوذين بالخطابات السلفية الوهابية التي تجعل كل حديث عن الهوية بمثابة تعصب عرقي "لا يجوز شرعا".
كل هذا ينبغي أن ينتهي اليوم. لا يمكننا أن نبني هوية تئن تحت سطوتها فئات عريضة من أبناء المجتمع المغربي! هذا التصرف لا يشبه إلا الإيديولوجية النازية بشكل متطابق تماما.
لقد كان للأمازيغية دور حضاري فعال في بناء امبراطوريات مغربية قوية، سواء كان ذلك قبل الإسلام أو بعده خلال العصر الوسيط، كالمرابطين والموحدين والمرينيين، ولم يكن هناك من صراع بين المكونات العربية والأمازيغية، فالموحدون – بصفتهم أعظم إمبراطورية مغربية – كانوا يكتبون الكتب المؤسسة بالعربية والأمازيغية على حد سواء، ولم يدعوا في يوم من الأيام نسبا عربيا، كما كان يفعل الكثير من الناس آنذاك لاكتساب السلطة الرمزية والسياسية.
واليوم، ينبغي أن يعود هذا الدور ليأخذ حجمه الطبيعي في بناء مغرب متعدد الهويات والروافد الثقافية، عبر التكريس الإيجابي للأمازيغية ضمن الخارطة الثقافية المغربية، عوض إنتاج تطرف إقصائي أمازيغي مقابل تطرف عروبي لا يخدم أي منهما مشروع الدولة الحديثة، التي تحفظ قيمة المواطنة لجميع أفراد الشعب على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية والجنسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.