الأمن المغربي يوجه ضربة استباقية قوية لتنظيم داعش ويُفكك خلية إرهابية خطيرة بين تطوان وشفشاون    مرصد التنمية البشرية: مستوى رضا عام مرتفع بشأن الدعم الاجتماعي المباشر يتجاوز 87 بالمائة    التنسيقية المهنية للجهة الشمالية الوسطى للصيد التقليدي ترفع مقترحاتها بخصوص '' السويلة '' للوزارة الوصية    ممثل وزارة الخارجية في المناظرة الوطنية: الذكاء الاصطناعي أداة لبناء شراكات جنوب-جنوب مبنية على القيم والمصالح المشتركة    ياسين بونو.. الحارس الذي حوَّل المستحيل إلى تقليد في ذاكرة الكرة العالمية    وفاة معتقل من "خلية شمهروش" داخل السجن المحلي بالعرائش    الرعاية الملكية السامية شرف ومسؤولية و إلتزام.    ترامب يحث حماس على قبول "المقترح النهائي" لهدنة 60 يوما في غزة    غزة تباد.. إسرائيل تقتل 29 فلسطينيا بينهم 10 من منتظري المساعدات    وقفة احتجاجية بسلا ضد الإبادة الإسرائيلية في غزة ومطالب بفتح المعابر    تلسكوب "ألما" في شمال تشيلي يلتقط صورا غير مسبوقة لبدايات الكون        ثنائية جيراسي تمنح دورتموند بطاقة العبور لمواجهة الريال في ربع نهائي المونديال    دورتموند يعبر مونتيري ويضرب موعدا مع الريال في ربع نهائي كأس العالم للأندية    أتلتيكو مدريد يتعاقد مع المدافع الإيطالي رودجيري قادما من أتالانتا        مجلس المنافسة: التجارة الإلكترونية تجذب المستهلك المغربي والشركات الغذائية تتجه للتسويق الرقمي    روبرت كلارك يكتب في صحيفة التلغراف البريطانية: بريطانيا مطالبة بتصنيف "جبهة البوليساريو" منظمة إرهابية    نيوكاسل الإنجليزي يعتذر عن مشهد مسيء في فيديو الإعلان عن القميص الثالث    النائبة الفرنسية نعيمة موتشو: فرنسا ينبغي ان ترفع صوتها ضد الاعتقال التعسفي لمواطنيها في دول استبدادية مثل الجزائر    طقس الأربعاء: استمرار الأجواء الحارة مع هبوب رياح قوية    تفكيك خلية إرهابية موالية لما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية" تنشط بين تطوان وشفشاون    الحر يبدأ التراجع في أوروبا وترقب حدوث عواصف رعدية    سكان كتامة وإساكن يعيشون في ظلام دامس منذ أسبوعين.. والأجهزة معطلة بسبب انقطاع الكهرباء    31 قتيلا و2862 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    خمس سنوات حبسا نافذا في حق محمد بودريقة بتهم تتعلق بالنصب والتزوير    أطفال يفترشون الأرض أمام المركز الوطني للتخييم بالغابة الدبلوماسية.. مشاهد صادمة تستدعي تدخلاً عاجلاً!    ملتقى فني وثقافي في مرتيل يستكشف أفق البحر كفضاء للإبداع والتفكير    كأس أمم إفريقيا للسيدات (المغرب-2024): لاعبات المنتخب الوطني "متحمسات لانطلاق المنافسات" (خورخي فيلدا)    كاريكاتير في مجلة "LeMan" في تركيا يشعل حالة غضب ويؤدي إلى اعتقالات واسعة    ساكنة حي اشماعو بسلا تستنجد بالسلطات بسبب سيارة مهجورة    انطلاقة قوية للمناظرة الوطنية الأولى حول الذكاء الاصطناعي تُبرز طموح المغرب للريادة الرقمية (صور)    مهرجان موازين يستقطب أكثر من 3,75 مليون متفرج ويحتفي بأزيد من 100 فنان عالمي    حزب الاستقلال يكتسح الانتخابات الجزئية بإقليم الحسيمة    الريال يتخطى اليوفي بمونديال الأندية    نشطاء حقوقيون ينتفضون ضد "تعديلات تقييدية" على المسطرة الجنائية    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية بمناسبة العيد الوطني لبلاده    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    السغروشني: الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارا تقنيا بل ضرورة سيادية للمغرب    عبد اللطيف حموشي يستقبل رئيس جهاز الاستخبارات الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة    شيرين عبد الوهاب تتعثر فوق مسرح "موازين" وغادة عبد الرازق تصفق للظلّ    الكشف عن الأغنية الرسمية لكأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    شيرين تهدد باللجوء الى القضاء بعد جدل موازين    عاجل.. بودريقة يشبّه محاكمته بقصة يوسف والمحكمة تحجز الملف للمداولة والنطق بالحكم    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    بعد انخفاضات محتشمة... أسعار المحروقات تعود للارتفاع من جديد بالمغرب    الهلال السعودي يواصل الحلم بقيادة ياسين بونو.. مباراة ملحمية وبصمة مغربية حاسمة    أكادير تحتضن أول مركز حضاري لإيواء الكلاب والقطط الضالة: المغرب يجسّد التزامه بالرفق بالحيوان    وقت الظهيرة في الصيف ليس للعب .. نصائح لحماية الأطفال    حرارة الصيف قد تُفسد الأدوية وتحوّلها إلى خطر صامت على الصحة    إبداع بروكسل يفك الحصار عن غزة    الصويرة تحتضن مؤتمر المدن الإبداعية 2026    الخطوط الملكية المغربية توسع شبكتها الدولية بإطلاق أربع وجهات جديدة    الصحة العالمية تحذر: الهواتف ووسائل التواصل تعزز مشاعر الوحدة        ضجة الاستدلال على الاستبدال    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في رحاب الفكر: السنَّة والإصلاح المستحيل 1/2


قراءة في كتاب عبد الله العروي «السنَّة والإصلاح»
هل ختم عبد الله العروي النقاش الذي افتتحه في كتابيه: «الأيديولوجية العربية المعاصرة» و»العرب والفكر التاريخي» بكتاب «السنة والإصلاح»؟ وهل تشي هذه الخاتمة بالمصير الذي آلت إليه عملية التحديث وأيديولوجية الحداثة، في البلدان العربية، وبمصير المثقف الراديكالي الذي تكمن راديكاليته في خياراته، الإنسية والعقلانية والعلمانية والديمقراطية والاشتراكية، وفي تساوق المنهج الحديث والأيديولوجية الحديثة، والمطالب والتطلعات أو الأهداف الاجتماعية والسياسية والأخلاقية؟ ماذا بوسع عبد الله العروي أن يقول عن التاريخانية بعد هذا الكتاب؟!
لا يزال مبدأ «التحدي ورد الفعل» الذي قال به أرنولد توينبي صحيحاً، في مجال التاريخ. لم يعد «الغرب»، على ما يبدو، النموذج الذي يمثل تحدياً مباشراً للذات العربية؛ فالأيديولوجية العربية، القومية والاشتراكية، التي تصالحت مع التقليد، ثم انغمست فيه، بحكم منهجها الانتقائي، تصالحت واقعياً مع الغرب، بكل ما كان يعنيه الغرب لها، تصالحاً سياسياً ما، يبدو أنه تصالح تبعية ذاتية وإذعان، أو تسليم نهائي بالأمر الواقع. (مبادرة السلام العربية، التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، بالإجماع، وقبلها معاهدات كامب ديفد وأوسلو ووادي عربة، دليل ساطع على ذلك). فضلاً عن حقيقة أن بعض الغرب، أو غرباً ما، صار جزء من بنية المجتمعات العربية ومن تاريخها الداخلي. وكان العروي قد توقع هذه النتيجة، في كتابه «العرب والفكر التاريخي»، يوم قال: «إن أنصار المنطق التقليدي، رغم حملاتهم البليغة ضد الاستعمار الفكري ودعوتهم إلى الأصالة، يمهدون الطريق إلى التصالح مع الغرب متفقين، في أهدافهم، مع البورجوازية العربية ...».
يبدو أن الإسلام الكفاحي أو «الجهادي»، «المقاوم» والممانع، المناهض للمجتمع والدولة، حيثما توجد تنظيماته وأدواته، والمناهض لأي تنظيم اجتماعي أو سياسي، على الإطلاق، مع أنه هو نفسه منظم تنظيماً جيداً، والذي ينشد الفوضى والخراب، ويتطلع إلى «إدارة التوحش»، ريثما تنهض «الدولة الإسلامية» أو «دولة الخلافة» من رماد العصور، يبدو أن هذا الإسلام الكفاحي صار هو النموذج الذي يتحدى الجميع. وصار الإصلاح المنشود استجابة لهذا التحدي أو رد فعل عليه. ما جعل الإسلام، هذه المرة، موضوعاً للفكر والسياسة.
«الصحوة الإسلامية»، التي انبثقت من قلب «الدولة القومية»، وقد تعايشت فيها الأصالة والتقانة، كما وصفها العروي، استقطبت القوميين ومعظم الاشتراكيين، وغدت الفروق واهية تكاد لا تلحظ بين الجماعات الإسلامية وبين القوميين والاشتراكيين، العلمانيين، الذين لا تتعدى علمانيتهم سذاجة استخلاصها من حديث تأبير النخيل. ذلك، على الأرجح، ما دفع العروي إلى تمييز «إسلام مكة» من «إسلام المدينة» و»إسلام دمشق»، وما يبرر انحيازه إلى الأول، قبل أن يتورط في السياسة وفي التاريخ.
نظن أن هذا التحدي الداخلي، وهو تحد ثقافي واجتماعي وسياسي، هو ما أنتج كتاب «السنة والإصلاح» رؤية ومنهجاً. وإلا ماذا يعني أن يتعيَّن الإطار النظري للإصلاح في: «إحياء مدرسة الاعتزال، وتجاوز الهجرة من جهة الزمن، والسد من جهة المكان. وإحياء مذهب الخوارج، الذي قام على رفض أي تمييز بين أعضاء الجماعة المؤمنة، والشك في صدق من يدعي الاتصال المباشر بالخالق، والتبرؤ ممن يقول بالاصطفاء الإلهي. ووضع هذا المذهب في إطار مجتمع منفتح على غير المجرب المعهود. وإعادة الاعتبار لمذهب الإرجاء، أي تعليق الحكم في مسائل من هو المسلم ومن هو الكافر، من هو المؤمن ومن هو المشرك، وما سمة الإيمان، هل هي أعمال الجوارح أم النطق باللسان أم التصديق بالقلب...؟ وتركه للزمن الذي يغير كل شيء في كل لحظة، وإرجاؤه وإيكاله إلى الله يوم الحساب. والتزام منهج ابن حزم وفلسفته النقدية: كل ما ليس من قبيل الشرع، أي كل ما هو سابق على الوحي، لا أقنع في شأنه إلا بما شهدت له الحواس أو فرضته بداهة العقل. وكل ما يخص الشرع، أي كل ما هو لاحق للوحي، فلا أقبل في مسائله إلا ما قاله الرسول بلسان عربي مبين».
المسألة إذن هي إعادة تعريف الإسلام، بالتضاد مع «السنة»، التي يدعي الإسلام السياسي تمثيلها. فلا تزال قولة حسن البنا تتردد في كل مكان: «الإسلام دين ودنيا ودولة ..، مصحف وسيف». الإسلام هو الموضوع و «الإسلام هو الحل».
إعادة تعريف الإسلام تبدو كأنها إعادة تعريف الذات، لحسم إشكالية الهوية، هوية الفرد وهوية «الأمة»، لا على أساس أن هوية الفرد هي ما ينتجه الفرد على الصعيدين المادي والروحي، في الحاضر والراهن، وأن هوية الأمة هي ما تنتجه الأمة على الصعيدين المادي والروحي، في الحاضر والراهن، أيضاً، بل على أساس «إحياء تجربة النبي»، أي على نحو «يخضع الحاضر المتجدد لمنطق الماضي الراكد، ويقوي بالتالي، رغم المكاسب الجزئية، دعاة الماضي غير المقتنعين بضرورة الإصلاحات»، بتعبير العروي نفسه.
يفاجئنا هذا الموقف من مفكر كان يقول: «لا يكفي أن يقال إن علي عبد الرازق، مثلاً، قد قضى على دعوة الخلافة، وأبرز شرعية النظام الوطني التمثيلي في مصر، عندما ألف «الإسلام وأصول الحكم»، يجب أيضاً أن نرى هل مهد أم لا الطريق لحركة الإخوان المسلمين، باستعماله منهجاً انتهازياً انتقائياً في تعامله مع معطيات التاريخ الإسلامي؟ لا يكفي أن نسجل تصريحات المفكر السلفي واختياراته السياسية التي تختلف عند علي عبد الرازق، وعند السيد قطب، عند العقاد، وعند خالد محمد خالد، عند علال الفاسي، وعند مالك بن نبي، بل يتعين أن نفحص تأثير المنطق المشترك لدى هؤلاء جميعاً على المدى الطويل في خلق ثقافة غير ملائمة لمنظور المجتمع الحديث».
لا ندري لماذا يكون منطق علي عبد الرازق «انتهازياً» و»انتقائياً» وتلفيقياً.. مهد الطريق للإخوان المسلمين، ولا يكون منطق العروي كذلك في كتاب «السنة والإصلاح»؟ يوم كتب علي عبد الرازق كتاب «الإسلام وأصول الحكم» لم يكن يريد التماهي بمجتمعه، العربي الإسلامي، ولا التحدث باسمه، ولم يكن يبحث عن هوية ضائعة، على نحو ما يريد العروي في كتابه الجديد.
السؤال الذي يتوجب طرحه: هل هذه الاقتراحات، التي عرضها العروي بمهارة لافتة، مطروحة للنقاش مع السنة أو السنة المضادة ومع أي سنة إسلامية؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، ولا بد أن يكون كذلك، ألا تعزز هذه النقاشات مواقع السنة وتزيدها قوة ورسوخاً ما دام النقد لا يتعدى معارضة جوانب من السنة بجوانب أخرى منها، وما دامت مرجعية المتحاورين واحدة ومذهبهم واحداً وطريقتهم واحدة (قراءة الرسالة بالرسول)؟ وإذا كانت النتيجة المرجوة هي تجديد السنة وتعزيز قيم الاعتدال والتسامح، وفتح باب الاجتهاد وتحكيم «العقل» في العبادات والمعاملات، أو تعقيلها، إذ لا يمكن فصل هذه عن تلك، فهل تكف السنة المجددة عن كونها سنة، ويصير نقد العروي للسنة، من ثم، نافلاً أو غير ذي موضوع؟
المسكوت عنه في كتاب السنة والإصلاح هو خلفية التحليل، أعني الحدث والزمن، منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، واستقواء عرب مسلمين بالغرب المسيحي اليهودي على «الدولة القومية»، وعلى عرب مسلمين، وهذه ليست سابقة فريدة في التاريخ العربي الإسلامي، والصراع المفتوح بين سنة وسنة مضادة (أي بين السنة والشيعة). وكذلك رسالة «السائلة»، التي كان يفترض نشرها، ولو ملحقاً بالكتاب، لتزيل ما اكتنفه من لبس وغموض، لولا كونها مناسبة للنقد و»الاعتراف»، نقد السنة وإحياء تجربة النبي محمد وجدانياً، وهما محورا الكتاب، يسيران على خطين متوازيين، يلتقيان بإذن الله.
لننقل عن العروي خلاصة تحليله لمنهج الفكر المغربي (العربي) المعاصر، مدخلاً لمناقشة منصفة وقراءة مقارنة، أي قراءة العروي بالعروي ذاته:
1 – إن الفكر التقليدي، المخالف في منهجه ومفترضاته للفكر الحديث، يعتبر نفسه ويعتبره المجتمع المغربي المعبر الأمين عن تجربته التاريخية. لذا يجد صداه عند جميع الفئات.
2 – إن الفكر التقليدي لا يتحدد بأحكامه العينية بقدر ما يعرف بمنهجه المبني على أن الحقيقة موجودة كاملة في مكان ما وفي زمن ما، يكشف عنها من حين إلى حين دفعة واحدة، ولا تعرف بالتدريج في أوجه محدودة متغايرة تحتمل المراجعة الشاملة المتكررة.
3 – كل فكر، مهما كانت مواقفه الاجتماعية والسياسية، يخضع لهذا المنهج فإنه يقوي رغماً عنه الفكر التقليدي.
4 – إذا سيطر الفكر التقليدي على مجتمع ما فإن صراع الفئات الاجتماعية يركزه، لأن المصلحة تدفع إلى استعمال هذا المنهج بالذات. فالعمل السياسي في هذه الظروف لا يعين على التقدم، بل يعمق مراكز التقليد.
5 – إن أي محاولة إدخال أفكار جديدة مستترة في ثوب أفكار قديمة، بدعوى اقتصاد الوقت ورسوخ التأثير، أو الوفاء للماضي وتدعيم الشخصية القومية، تركز التقليد، وتحكم على نفسها بالتفاهة.
6 – إذا أردنا أن نعطي فعالية لعملنا الجماعي وإبداعية حقيقية لممارستنا السياسية والثقافية فلا بد من ثورة ثقافية، تعم المجتمع بجميع فئاته، وتغلب المنهج الحديث، في الصورة التي ظهر بها في بقعة معينة من العالم، لا في ثوب مستعار من الماضي ...
7 – يجب أن نميز بين الخصوصية، وهي بناء شخصية متميزة مستلهمة من معطيات الحاضر، التي هي أيضاً من نتائج الماضي التي لا يستطيع المرء أن ينفيها حسب إرادته، والأصالة، أي الإبقاء على نمط اجتماعي، سلوكي .. إلخ كان أصلاً لمسيرتنا، ولم يعد صالحاً للظروف الحالية، لأنه لا وجود لظاهرة ثابتة في التاريخ ....
ولا بد من تذكير القارئ بقول العروي: إن «رباطنا بالتراث الإسلامي في واقع الأمر قد انقطع نهائياً وفي جميع الميادين. وإن الاستمرار الثقافي الذي يخدعنا، لأننا ما نزال نقرأ المؤلفين القدامى ونؤلف فيهم، إنما هو سراب. وسبب التخلف الفكري عندنا هو الغرور بذلك السراب وعدم رؤية الانفصام الواقعي، فيبقى حتماً الذهن العربي مفصولاً عن واقعه، متخلفاً عنه، بسبب اعتبارنا الوفاء للأصل حقيقة واقعية، مع أنه أصبح حنيناً رومانسياً منذ أزمان متباعدة». ويضيف: «من المحقق أن الفكر السلفي سينفي وجود الانفصام المذكور على أساس تجربته الوجدانية، لكن الاستشهاد بالوجدان يعترف ضمنياً بصحة ما نقول، لأن التجربة الوجدانية لا تعمم نظرياً وتحليلياً، إنما تتطلب اعتقاد الكشف». نذكر القارئ بذلك لإبراز التناقض بين تحليلات العروي الباهرة لما هي السنة أو الأيديولوجية، في كتاب «السنة والإصلاح»، وبين ما سماه «التوبة إلى الذات»، التي ليست سوى إحالة على التجربة الوجدانية التي تتطلب اعتقاداً راسخاً بالكشف، ولا يمكن تعميمها نظرياً وتحليلياً. ولإبراز محاولته «إدخال أفكار جديدة مستترة في ثوب أفكار قديمة»، فتلبس العقلانية لبوس المعتزلة، والدنيوية والمساواة لبوس الخوارج، والتسامح الديني لبوس المرجئة، ويلبس النقد لبوس فلسفة ابن حزم، التي تحدد مجال عمل العقل في كل ما هو سابق على الوحي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.