تضعنا مأساة غزة كل يوم أمام ضمائرنا، وتختبر مبادئنا وإنسانيتنا وقناعاتنا، وتمتحن فينا مشاعر الإنسان أولا. أول أمس الأحد، أضيف صحفيان آخران هما: حمزة الدحدوح ومصطفى الثريا إلى قائمة الزملاء الذين استشهدوا على يد ماكينة القتل الإسرائيلي، وبلغ عددهم 109 منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة، كما أصيب معهما الصحفي حازم رجب إصابة بليغة. الطاقم الصحفي، الذي يعمل لقناة: «الجزيرة»، كان في طريقه لتأدية عمله في القطاع، وقصفت قوات الاحتلال السيارة التي كان على متنها، وذلك في منطقة ميراج في رفح، جنوبغزة. السيارة كانت مدنية، ويقلها صحفيون، والمنطقة يفترض أن تكون بين (المناطق الآمنة)، حسب تعليمات جيش الاحتلال، وكل هذا يجعل ما أقدمت عليه القوات الإسرائيلية جريمة حرب متعمدة تسعى من ورائها إلى استهداف الصحفيين وثنيهم عن نقل الحقيقة. باستشهاد الصحفي الشاب حمزة الدحدوح أول أمس الأحد، تضاف مأساة أخرى لوالده الصحفي أيضا، وائل الدحدوح، مراسل قناة «الجزيرة» بغزة، ويقف العالم كله منبهرا بصموده، وإصراره على مواصلة عمله المهني اليومي والميداني برغم توالي المآسي عليه. لقد تعرضت أسرة الدحدوح قبل شهرين فقط إلى قصف إسرائيلي لمنزل نزحت إليه في مخيم النصيرات وسط القطاع، وهي كذلك منطقة آمنة كان الاحتلال طلب من سكان شمال غزة التوجه إليها، وأدى القصف إلى استشهاد زوجة وائل وابنه وابنته، وفقدان عدد من أفراد عائلته. وفي الشهر الماضي أيضا استهدف وائل نفسه مع زميله المصور الشهيد سامر أبو دقة، وتعرض هو إلى إصابات. واليوم يفقد ابنه الآخر نتيجة استهداف جديد بغاية إبادة عائلته وأسرته... ليس المقام هنا لتقييم أداء ومواقف وارتباطات القناة التي يعمل فيها وائل وابنه، ذلك أن الاحتلال الصهيوني استهدف صحفيات وصحفيين من مؤسسات إعلامية مختلفة، وليس المقام لاستعراض التنظيرات البليدة، والوقوف عند النقاط الثانوية، ولكن الأساس يكمن في المبادئ، وفي التذكير بالبدايات. نحن أمام جرائم حرب بشعة يقترفها احتلال بشع في حق شعب يناضل من أجل وطنه واستقلاله وحريته. نحن أمام جرائم ترتكب في حق صحفيين بغاية التغطية على جرائم إسرائيل في حق المدنيين والأطفال والنساء. العالم كله مسؤول أمام هذا الذي يحدث، والضمير الإنساني سقط وانهزم وأصيب بانهيار أخلاقي وقيمي، واستعاد زمن الوحشية والبدائية المقرفتين. أقل ما يجب فعله اليوم هو تحرك المجتمع الدولي وحكومات القوى العظمى لحماية الصحفيين، ولوقف العدوان الإسرائيلي، ولضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب. حتى هذه باتت اليوم بعيدة المنال، وكل العالم يكتفي بالتفرج على همجية القتل وبشاعة العدوان والحرب والإبادة الجماعية المتعمدة لشعب فلسطين. الكيان الإسرائيلي المحتل وقواته الإجرامية تمعن في القتل، وتصر على جعل ذلك بدون شهود، وتقتل يوميا الصحفيين لمنعهم من نقل الحقيقة وفضح الجرائم المقترفة، وكل العالم يتفرج على ذلك. الزميل وائل الدحدوح يجسد اليوم رمز صمود، يصر على مواصلة عمله، وعلى الوفاء لشعبه، وعلى الجميع اليوم تخيل حالته، وكيف يحس وهو يفقد زوجته وأبناءه، ومع ذلك يبقى واقفا ومستمرا في عمله. تخيل ذلك، ولو للحظة قصيرة، يكفي لصياغة الجواب، ولتلخيص حجم معاناة الصحفيين في غزة، وحجم ما يلفهم من تهديدات يومية من قوات الاحتلال الإسرائيلي. مأساة وائل الدحدوح وباقي زملائه الإعلاميين في غزة تفضح الرعب الداخلي لقوات الاحتلال الإسرائيلي، والإحساس بالورطة والخوف لديها. وائل الدحدوح فقد معظم أسرته والكثيرين من عائلته وبقي هو وحده ممسكا بصموده وبالميكروفون ينقل بشاعة الحرب للعالم، وقوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل قتل شعب واستهداف الأطفال والنساء والمدنيين، وهي تقتل أيضا الصحفيين لمنع نقل الحقيقة عما يقع في غزة... وكل هذه الهمجية الصهيونية لن تستطيع إخفاء حقيقة كون فلسطين هي أرض محتلة، وأن إسرائيل هي كيان محتل وغاصب لأرض وشعب، وأن الحل لن يكون سوى باستقلال فلسطين وحريتها وإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وعودة المهجرين، ووقف الاحتلال والحرب والعدوان، وتحقيق السلام الدائم والعادل والمنصف. محتات الرقاص [email protected]