اللوائح الانتخابية الخاصة بالغرف المهنية.. الأجل المحدد قانونا لتقديم طلبات التسجيل سينتهي يوم 31 دجنبر 2025    هيئة حقوقية تطالب بالتحقيق في ادعاء تعنيف المدونة سعيدة العلمي داخل السجن    هدم نصب تذكاري صيني عند مدخل "قناة بنما"    بنعلي ينتقد النموذج الفلاحي في بركان    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    ترامب يعلن إحراز "تقدم كبير" في سبيل إنهاء الحرب بأوكرانيا    القوات الروسية تعلن السيطرة الكاملة على بلدة ديبروفا في دونيتسك واسقاط صواريخ وطائرات مسيرة    تصدير الأسلحة يسجل التراجع بألمانيا            القمة العالمية للرياضة .. إنفانتينو يعلن توزيع "جوائز الفيفا 2026" في دبي    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية        مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تعقد جمعها السنوي العادي    المنتخب المغربي يضع نفسه أمام حتمية الانتصار ضد زامبيا    حادثة سير تودي بحياة شاب في طنجة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين    "فيدرالية اليسار": سياسات التهميش حولت المحمدية ومناطق مجاورة إلى "تجمعات تفتقر للتنمية"    الصين تطلق مناورات عسكرية وتايوان ترد بالمثل    حريق يخلف قتلى في دار للمسنين بإندونيسيا    تنظيم "داعش" يعطب أمنيين في تركيا    رياض محرز يتصدر ترتيب الهدافين في كأس الأمم الأفريقية 2025    وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما    أمريكا تتعهد بتمويل مساعدات أممية    الإحصائيات تعترف للركراكي بالتميز    اتباتو يتتبع "تمرحل الفيلم الأمازيغي"    الكاميرون تتعادل مع كوت ديفوار        روسيا ‬وجمهورية ‬الوهم ‬‮:‬علامة ‬تشوير جيوسياسي‮ ‬للقارة‮!‬    كرة القدم نص مفتوح على احتمالات متعددة    بوصوف: المخطوطات "رأسمال سيادي"    المهدي النائر.. ريشة تحيي الجدران وتحول الأسطح إلى لوحات تنبض بالجمال    عبد الكبير الركاكنة يتوج بجائزة النجم المغربي 2025    السينما والأدب: الخصوصية.. والحوار الممكن    الأقمار الصناعية تكشف تفاصيل جديدة عن البنية المعدنية الخفية في الأطلس الصغير    أمن العروي يطيح بسائق سيارة أجرة وبحوزته قرابة 5000 قرص طبي مهرب    ميناء طنجة المتوسط يخطط لتوسعة كبرى لمحطة المسافرين استعدادًا لمونديال 2030    نشرة إنذارية.. زخات رعدية محليا قوية وتساقطات ثلجية وهبات رياح أحيانا قوية يومي الأحد والاثنين    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    مداخيل المغرب من صادرات الأفوكادو تتجاوز 300 مليون دولار خلال موسم واحد        مدفوعة ب"كان 2025″ وانتعاش السوقين المحلية والأوروبية.. أكادير تقترب من استقبال 1.5 مليون سائح مع نهاية السنة    شتاء غزة.. الأمطار تُغرق ما تبقى من خيام والبرد ينهش أجساد النازحين    غموض الموقف المغربي والإماراتي يلفّ رفضاً عربياً وإسلامياً واسعاً لاعتراف إسرائيل ب"أرض الصومال"    "جمعية هيئات المحامين بالمغرب" ترفض مشروع القانون المتعلق بتنظيم المهنة وتدعو إلى جمع عام استثنائي    الصين تفرض حد أقصى إلزامي لاستهلاك الطاقة للسيارات الكهربائية    الخدمة العسكرية .. الفوج ال40 يؤدي القسم بالمركز الثاني لتكوين المجندين بتادلة    علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين سؤالي «التشبيب» و«التأنيث»
نشر في ديموك بريس يوم 02 - 03 - 2016

هناك إرادة معلنة من قبل الفاعلين السياسيين لضرورة تطعيم وتقوية الجسم السياسي المغربي بضخ دماء جديدة في شرايينه عبر رافدين أساسيين: أولهما الرافد الشبابي وثانيهما الرافد النسائي. ورغم بعض التدابير ذات الطابع السياسي والقانوني، فلازال سؤالا تشبيب هذا الجسم السياسي، من جهة، وتأنيثه، من جهة أخرى، مطروحين. ونبدأ أولا بالتساؤل عن أسباب ابتعاد الشباب عن السياسية.
هناك عوامل كثيرة تفسر ابتعاد الشباب عن السياسة. يمكن الإشارة أولا إلى العامل الثقافي، فالثقافة المغربية، التي تعد جزءا من الثقافة العربية الإسلامية، تعتبر السياسة مرتبطة بالتقدم في السن، حيث إن إدارة الشأن العام تسند إلى كبار السن الذين ينظر إليهم كمالكين للمهارات ومتصفين بالحكمة، بما أن السن يرتبط بالمعرفة والخبرة الحياتية. أما العامل الثاني فله علاقة بالبعد الرمزي والحمولة النفسية لكلمة سياسة. ففي سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كان التعاطي للشأن السياسي مرادفا لممارسة المعارضة ضد النظام السياسي القائم. وهنا يكمن ميراث اليسار المغربي. وهناك عامل ثالث مرتبط بطريقة إدارة الأحزاب السياسية في المغرب، فهذه الأخيرة تساهم في إبعاد الشباب عن السياسة بما أن كبار السن فقط هم من يقودون هذه التنظيمات السياسية. كما أن هناك عاملا رابعا لصيقا بواقع الجامعة المغربية، ففي سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات كانت هناك نقابة «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»، التي لم تكن مجرد نقابة قوية فقط وإنما كانت بالأساس مدرسة للإعداد السياسي للطلبة كذلك، وهو دور لم يعد موجودا اليوم، حيث هناك نوع من «العطالة السياسية» في الجامعات المغربية.
هناك ضرورة للتمييز بين الشأن السياسي والشأن المدني والشأن الديني. بالنسبة إلى التمييز الأول فإنه يفرض نفسه لأن هناك من يدعو إلى استبدال العمل السياسي من خلال الأحزاب السياسية بالعمل الجمعوي عبر الانخراط في جمعيات المجتمع المدني. وإذا كان هناك نوع من التكامل بين الشأن السياسي والشأن المدني، فإن الثاني لا يمكن أن يلغي الأول. وهنا نشير إلى بعض الأسباب التي دفعت الشباب إلى الاهتمام بالشأن الجمعوي. فالملك محمد السادس قد منح أهمية كبيرة للمجتمع المدني، وقد تم تكريم العديد من قيادات المؤسسات غير الحكومية المغربية من جانب الملكية في العشر سنوات الأخيرة. هناك أيضا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وهي مشروع تتأسس فلسفته على شراكة بين السلطات المحلية والجمعيات، حيث شارك فيه العديد من الشباب. وراهنت الأحزاب السياسية أيضا على نشطاء المجتمع المدني لترشيحهم في الانتخابات. ومن هنا، نشأ هذا المزيج بين الشأنين. ففي أصل الأشياء، لم تعد هناك حدود اليوم بين العمل المدني والفعل السياسي.
أما التمييز بين الشأن السياسي والشأن الديني لدى الشباب فيستحق بذل مزيد من الجهد على مستوى التفكير والتأمل، في نظام سياسي حيث تتمسك قيادات التيارات السياسية بالمرجعية الدينية. وحتى من يعلنون موقفهم العلماني ليسوا قادرين على خوض سجال صريح حول مكان الدين في الحياة العامة. بالنسبة إليهم أيضا الدينُ من التابوهات. فالمجتمع المغربي يعد مجتمعا محافظا، حيث الدين لا يزال يلعب دورا اجتماعيا شديد الأهمية. فالملكية تستمد مشروعيتها من الدين. وحين نتحدث عن الشباب، يجب الأخذ في الاعتبار الدور الذي تقوم به آليات التنشئة السياسية كالأسرة والمدرسة. وفي داخل هذين الكيانين، تظل القيم الدينية شديدة الحضور.
الشباب لا يناقش الدين لأنه ليس معتادا على فعل ذلك. فالإسلام يعد تابوها في نظر كل المجتمع المغربي. ما ينبغي ملاحظته على العكس هو هذا التناقض بين رؤية الشباب للدين وسلوكهم اليومي، إذا كان الدين بالنسبة إلى الشباب مسجلا في خانة المقدس والتابو، فهو موقف تلقائي متوارث، وقد يكون أيضا وسيلة لتفادي الدخول في تفاصيل من أجل إضفاء مشروعية على سلوكهم.
هذا على مستوى سؤال تشبيب الجسم السياسي المغربي، أما سؤال تأنيثه فيعبر عن نفسه من خلال إشكالية التمثيلية السياسية للنساء، فقد شكل التقدم الحاصل على مستوى ضمان تمثيلية نسائية داخل مجلس النواب منذ اعتماد اللائحة الوطنية الخاصة بالنساء سنة 2002 حافزا قويا للفعاليات النسائية والمهتمين بالدفاع عن قضية المرأة على المطالبة بضمان تمثيلية للنساء داخل المؤسسات المنتخبة على الصعيد المحلي، بدءا بالمجالس الجماعية ومرورا بمجالس العمالات والأقاليم وانتهاء بالمجالس الجهوية.
استحضرت الفعاليات النسائية والمدافعون عن حقوق المرأة لتحقيق هذا الهدف أهمية العمل التنسيقي. وفي هذا الإطار، تأسست بعض الإطارات التنسيقية وتحركت في ثلاثة اتجاهات:
– تحدد الاتجاه الأول في تحرك ذي طبيعة «سوسيو-ثقافية»، كان يستهدف تحسيس المجتمع المدني بأهمية التمثيلية النسائية داخل المجالس المنتخبة على الصعيد المحلي، وهو تحسيس لم يقتصر على دعوة النساء إلى الترشح فقط، بل امتد إلى مناشدة الكتلة الناخبة التصويت على النساء المرشحات وتأسيس لجان وجمعيات لدعمهن.
– تحدد الاتجاه الثاني في تحرك ذي طبيعة «سياسية»، كان يريد إقناع الأحزاب السياسية بضرورة اعتماد استراتيجيات للترشيح تمكن النساء من ولوج المؤسسات المنتخبة على الصعيد المحلي.
– تحدد الاتجاه الثالث في تحرك ذي طبيعة «تشريعية»، كان يروم إقناع المسؤولين الحكوميين بضرورة تضمين القانون الانتخابي بعض المقتضيات التي تساهم في ضمان تمثيلية وازنة للنساء.
إن رغبة «الدولة» في ضمان تمثيلية نسائية في الاستحقاقات الجماعية ليوم 12 يونيو 2009 دفعها، ولأول مرة، إلى اعتماد آلية «الكوطا»، وهكذا تضمنت مدونة الانتخابات مقتضى يحدد «كوطا» نسائية بنسبة 12 في المائة، وكانت المراهنة على أن تتخذ الأحزاب السياسية مجموعة من التدابير تمكن النساء من تمثيلية تصل في حدها الأدنى إلى 20 في المائة، غير أن هذا لم يتحقق، كما تم إحداث صندوق لدعم التمثيلية النسائية.
شاركت النساء في الانتخابات الجماعية ليوم 12 يونيو 2009، وقد تحددت الترشيحات في 20458 مرشحة، وفازت 3406 منهن بنسبة 12.3 في المائة. وقد اعتبر دخول هذا العدد من النساء إلى المجالس الجماعية تحولا كبيرا على مستوى التمثيلية النسائية مقارنة بحضور النساء في الاستحقاقات الجماعية السابقة.
غير أن هناك من يرى أن التعرف على حقيقة التمثيلية النسائية في استحقاقات 12 يونيو الجماعية لا ينبغي أن يرتكز على الأرقام المعلن عنها ما دامت هناك «كوطا» نسائية بنسبة 12 في المائة، وإنما ينبغي أن يستند إلى عدد النساء المنتخبات من خارج «الكوطا». وفي هذه الحالة، فإن النسبة الحقيقية للتمثيلية النسائية لم تختلف عما سجل في الاستحقاقات الجماعية في شتنبر 2003.
إن ضمان تمثيلية نسائية وازنة لا يقتصر على رفع عدد النساء المنتخبات كمستشارات جماعيات وفق مقاربة «إرادوية»، وإنما يتحقق بتمكين النساء المنتخبات من المساهمة في تحمل المسؤولية داخل المجالس المنتخبة كمكاتب المجالس الجماعية ومكاتب مجالس العمالات والأقاليم ومكاتب المجالس الجهوية. ويبدو أن الوجه الثاني للتمثيلية النسائية لم يتحقق ولم يترجم حتى منطق «الكوطا» النسائية التي اعتمدتها مدونة الانتخابات على صعيد الاستحقاقات الجماعية.
هناك سؤال يفرض نفسه راهنا على الجميع: إلى متى سيستمر المغرب في اعتماد نظام الكوطا لضمان تمثيلية نسائية داخل المؤسسات المنتخبة؟ إن الجواب ليس بالبساطة والوضوح اللذين يتصورهما البعض، ذلك أن مدخل الجواب لا يحيل بالضرورة على المعطى القانوني أو السياسي فقط، بل هو مرتبط بمنظومة التمثلات لدور المرأة في مجتمع لازال يبحث عن «حداثته» الخاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.