طفرة جديدة في المداخيل الضريبية لتتجاوز 122 مليار درهم خلال 4 أشهر فقط    باب سبتة: إحباط محاولة تهريب 3769 قرصًا طبيًا مخدرًا بحوزة قاصر كان برفقة والده    ابن جرير: توقيف قاصرين أضرما النار وعرّضا مستعملي الطريق للخطر بتفجير قنينة غاز في الشارع العام    آلاف المغاربة يحتجون نصرة لغزة    نهضة بركان يشكو سيمبا ل"الكاف"    انتخاب عرجون رئيسا جديدا للبركانيين    رسمياً.. توجيهات بمنع بيع الأضاحي بإقليمي الناظور والدريوش خلال عيد الأضحى    مرصد يطالب بفتح تحقيق في وفاة سجين من الحسيمة بسجن وجدة    بلاغ جديد من وزارة الأوقاف للحجاج المغاربة    ولد الرشيد من مراكش: حان وقت اقتصاد الذكاء والتعاون العابر للقارات    "الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة" تدخل على خط ملف "بيع الشهادات الجامعية" والدولة المغربية تنتصب كطرف مدني    الخدمة العسكرية 2025 .. مجندون بتأهيل عال ومستقبل مهني مضمون    الركراكي يكشف عن لائحة الأسود يوم الثلاثاء استعدادا لتونس والبنين    وزارة الأوقاف: حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    يهم حجاج الناظور.. وزارة الأوقاف تدعو إلى الإحرام في الطائرات    بسبب تسجيل مكالمة تتضمن ألفاظ "نابية".. المحكمة للناصيري: "الله لا يحب الفاحشة والتفحش في الكلام"    مبابي يُتوج بجائزة أفضل لاعب في ريال مدريد لموسم 2024-2025    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    جبور: الهزة الأرضية متوسطة القوة .. ومحطات الرصد المغربية أكثرُ دقة    تمويل أوروبي ب300 مليون يورو لتعزيز الشبكة الكهربائية بالمغرب    حسناء أبو زيد: الاتحاد الاشتراكي يحتاج ملتمس رقابة لتحريره من قيادته الحالية    بلقصيري تحتضن مهرجان سينما المرأة والطفل في دورته الثانية    نائب رئيس مجلس النواب من مراكش: التجارة الدولية تواجه الأنانيات القطرية وشعوب الجنوب تدفع ثمن التلوث    تعيين عزيز الذنيبي مدربا جديدا للنادي الرياضي المكناسي لكرة القدم    الباروك يلاقي الأندلسي والتصوف الإفريقي في فاس.. إيطاليا تُبدع كضيفة شرف لمهرجان الموسيقى العريقة    حسن الادريسي منصوري نجم مغربي واعد في سماء الكرة الطائرة العالمية    حفل كبير يُتوِّج تظاهرة الأيام المفتوحة للأمن الوطني    الفنان الأمازيغي عبد الرحمان أوتفنوت في ذمة الله    رونالدو يشعل مواقع التواصل الاجتماعي بعد شائعة ارتباطه بالوداد    الشروع في إحداث موقف بجوار ملعب طنجة الكبير بطاقة تستوعب آلاف السيارات    "هنا".. عندما تتحول خشبة المسرح إلى مرآة لحياة أبناء "ليزاداك"    مهدي مزين وحمود الخضر يطلقان فيديو كليب "هنا"    "مهرجان الريف" يحتفي بالأمازيغية    "الاشتراكي الموحد" يدعو لاعتقال ومحاكمة الجنود الإسرائيليين المشاركين في "الأسد الإفريقي"    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    مقتل 4 أشخاص وفقدان 17 آخرين في انهيارات أرضية بالصين    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    دراسة: الولادة المبكرة قد تكون مفيدة في حالة الأجنة كبيرة الحجم    سلوفاكيا تساهم في الزخم المتزايد لفائدة مغربية الصحراء    قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    بريطانيا تدرس استخدام الإخصاء الكيميائي الإلزامي لمعاقبة بعض المعتدين جنسيا    انتشار الأفران العشوائية يزعج الفدرالية المغربية للمخابز    حديقة الحيوانات بالرباط تعلن ولادة أزيد من 80 حيوانا من الأنواع النادرة    قطر تخصص 36.5 مليون دولار جوائز في كأس العرب 2025    النيجر تعيد رسم خريطة التحالفات في الساحل: تكريم صدام حفتر صفعة جديدة للنظام الجزائري    بكين.. الصين وهولندا تعززان شراكتهما الاستراتيجية    انطلاق أيام التراث بمراكش احتفاء بالماء والحدائق    المغرب يعزز قدراته العسكرية بوحدات خاصة لمواجهة تهديدات الأنفاق باستخدام تقنيات متقدمة    الأزمي: تضارب المصالح ينخر عمل الحكومة وملتمس الرقابة كان ضرورة سياسية ودستورية    بطاريات المستقبل تصنع بالقنيطرة .. المغرب يدخل سباق السيارات النظيفة    وزير الشباب والثقافة والتواصل يتوج الفائزات والفائزين بالجوائز في حفل الدورة الثانية لجائزة المغرب للشباب    الحكومة تُطلق دعما مباشرا لحماية القطيع الوطني وبرنامجا لتحسين السلالات    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    في مجاز الغيم: رحلة عبر مسجد طارق بن زياد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سِحرُ الكمَامة
نشر في الجديدة 24 يوم 25 - 04 - 2020

فجأة ونحن في عز تطبيق الإجراءات الوقائية لمقاومة وباء كورونا ، وبعد الأمر بإجبارية استعمال الكمامة بالنسبة للمرخص لهم استثناء بالخروج للضرورة أو العمل، أصبحت الكمامات تتصدر قائمة المشتريات الأساسية للناس ، بعد استنفاذهم في سابق الأيام لبداية تفشي الوباء، كل طاقاتهم في ملإ ثلاجاتهم وخزائنهم المطبخية، بكل أنواع المواد الغذائية، تحسبا لجوع مفترض قد يداهم بطونهم بغير رحمة، اذا ما استنفذت الأسواق والمتاجر كل سلعها من مواد غذائية، بفعل تدفق اقتنائها بوثيرة مرتفعة من طرف المستهلكين المرعوبين من غذ يتوهمونه مجهول المصير..
كان قبل انتشار هذا الوباء، لا أحد يتكلم أو يهتم اطلاقا باستعمال الكمامات: أنواعها، وجودتها، ومصادر تصنيعها، غير الأطقم الطبية، وأطر المختبرات، وكل من تدعوه الضرورة المهنية باستعمالها حفاظا على الصحة وبيئتها.
اليوم تفتحت سريعا شهية أعين الجميع، وبمائة وثمانين درجة، على دور الكمامة في الوقاية من الفيروسات بشتى أنواعها. فيروسات فتاكة في حالة تجاهل واستصغار آذاها، مما يؤجج لهيب التسابق لدى الناس لاقتنائها بكميات كبيرة تكفي بضمان إحساسهم بأمان مُكمم بالكمامة.
ومرد اثارة موضوع الكمامات في هذه السطور، يعود بالأساس الى ما تم تسجيله من مظاهر سلبية بعيدة عن روح التضامن والتآزر، متمثلة في نهم وأنانية البعض في اقتنائها بأعداد كبيرة دون الإحساس بخجل حرمان الآخرين من فرصة التوفر عليها لقضاء حاجياته الضرورية .. اذ عمد بعضهم الى الإستحواذ على كل الوحدات المتوفرة، وكأنها مواد غذائية صالحة للأكل، تاركين الآخرين في حيرة من أمرهم، ما بين سندان التعرض للمتابعة القانونية لعدم استعمالها، والحذر من التنقل بغيرها لعدم توفرها في السوق.
من كان يعتقد سابقا قبل الحجر الصحي، بجدوى الاهتمام بموضوع الكمامة؟ اليوم نراها تحتل مساحة واسعة من اهتمام الناس المسموحين لهم استثناء بالتنقل، أو حتى أولئك الذين يغتنمون فرصة التسلل بها عنادا وجهلا للتسكع دون فائدة، معرضين أنفسهم وغيرهم، لفرصة أكبر، للإصابة بالعدوى.
الكل وبدون استثناء، أصبح يدرك الدور الأساسي للكمامة، إلى جانب الإجراءات الوقائية المتخذة، في حمايته من تعريض صحته لمرض فيروس كورونا المستجد، والذي له قدرة خارقة للتسلل خفية، وفي أي لحظة استهتار أو غفلة أوعدم احتياط الى رئتيه، والتعجيل بوضع حدٍّ لما تبقى له من أيام عمره المحتملة في الحياة، وتوقيف بوصلة أحلامه فقط في الحصول على سرير إنعاش مُنعش جدا، قادر على تخليص الرئتين من زفير قاهر يقود الى أسوإ سيناريوهات الحياة.
الكمامة اليوم، أصبحت العلامة الجد البارزة بشكل كبير على الوجوه. اختفت وجوهنا المألوفة والمعتادة وبأقنعتها المستوردة للبعض في استقبال الأيام. لم يعد بإمكانك الضجر ولا الخجل مما يغزو وجهك من شعر لحية أو شارب غير مشذبين بحرص شديد من طرف حلاق الحي الخفيف الظل، أو غياب لمسات مواد الزينة والتجميل والتي كانت بالأمس القريب، تأشيرة ضرورية لا ستعراض الوجوه عند الخروج بثقة زائدة عن اللزوم. لم يعد أيضا يُجدي تشكيل وجوهنا ببصمة ألوان بسمات عابرة لأسناننا الحقيقية أو الاصطناعية، والتي ربما علاها الصدأ مؤقتا بسبب شراهة التدخين، أو الانشغال بطحن ما تم اقتناؤه من مواد غذائية مصنعة، أدركت أجل انتهاء صلاحيتها.
الكمامة؛ وبعيدا عن البحث في تعاريفها واصطلاحاتها في معاجم اللغة، في وقتنا الراهن، تشكل لوحدها، قاموسا متفردا في تفريخ دلالات راكدة وكامنة لجس طبيعة بعض الناس الغريبة. فبرغم قساوة انتشار فيروس خطير، استنهض جهود جميع دول العالم لمحاربته بكل الوسائل الوقائية المتاحة للحد من انتشاره والقضاء عليه، انقادا للبشرية التي أصبحت تواجه مخاطر ابادتها؛ نجد اليوم، وفي إطار تتبع مسار ظاهرة فيروسية مبتدعة، أن فعل استعمال الكمامة لدى بعض الناس، لم يُجدِ اطلاقا من وقاية المجتمع من أذى عدواهم المرضي المُستشري، بفعل غياب وعي وحس وطني لديهم، للمساهمة بِجد في تحصينه من وباء آخر مصطنع بالجهل، وعدم الإحساس بثقل المسؤولية الملقاة على كل فرد.
ففي مشهد يومي متزايد، وفي خضم الحجر الصحي، تناسل كالفطر، وبغير شواهد علمية، وتجارب ميدانية في المختبرات، العديد من أشباه المختصين والأطباء والصيادلة، الى جانب تسابق وتهافت المعالجين بالبركة والأعشاب الى عرض وصفات ومحاليل مبتكرة، يعتقدون بوهم أنها قادرة على تحقيق الشفاء التام للمرضى، وكذا ظهور جوقة من المحللين، ومجموعة من عديمي المسؤولية في ترويج ادعاءات وأخبار مزيفة، ونشر الهلع بين الناس مستغلين وسائط التواصل الاجتماعي.
والكمامة بقدر ما تساهم حاليا في منع تنقل الفيروس بين الناس وانتشاره، بقدر ما فضحت من تكممت ألسنتهم وأياديهم وجيوبهم طواعية، وانكمشت في رمل التلاشي والانزواء والتخفي، بعدما ملأوا الدنيا سابقا زعيقا، وضجيجا بحضورهم الفارغ من كل معنى يُفيد المجتمع اليوم. فمن يمسك في هذه الأوقات الصعبة، جمرة مواجهة ومقاومة فيروس كورونا، سوى جنود خفاء لقطاعات معينة تتقدم واجهة التحدي للإنتصارعليه.
ومن حسنات ما نعيشه اليوم، من حجر صحي، بسبب انتشار الفيروس عالميا، أننا أدركنا وبوعي عميق، أنه لا مفر من تغيير نظرتنا الى إعادة بناء هياكل المجتمع، وفق أسس متينة تنبني على تقييم الموارد والطاقات المحلية وإعادة النظر في ترتيب، وبكثير من رد الاعتبار، لمجموعة من القطاعات التي برهنت اليوم وبجدارة، قدرتها على ضمان السلامة الصحية والأمنية والتعليمية للبلاد، بالإضافة الى قطاعات تساهم في صمت على دعم مسار التحدي من أجل الحفاظ على صحة وسلامة الوطن. فالإجراءات الوقائية المتخذة على أعلى مستوى، والتفاف الجميع على انجاحها بكل الوسائل، أثبتت قوة وصلابة معدن المغاربة في مواجهة كل التحديات التي تتهددهم.
حسن حصاري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.