1 – ندد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، بالهجمات الإسرائيلية بجنين، وأكد أن "القضية الفلسطينية تبقى من أولويات الشعوب العربية، كما أن هناك إجماعا دوليا على ضرورة وجود حل بين الدولتين". والواقع أن الشعب المغربي قاطبة لا يقبل بحال من الأحوال هذه الغطرسة الإسرائيلية واعتداءها الغاشم والدائم على الفلسطينيين. و"الاتفاقات الإبراهيمية" التي أبرمتها دول عربية مع إسرائيل وأمريكا ليست شيكا على بياض، بقدر ما أنها إشارة واضحة من الصف العربي المعتدل إلى أن الرغبة في السلام الشامل مع إسرائيل ثابتة ومقررة، دون أن يعني ذلك الاستسلام لمخططاتها الاستعمارية، وانتهاكاتها الممنهجة لحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق. وفي الأثناء، منذ أن تم إعلان إعادة العلاقات بين المغرب وإسرائيل (2020) وهذه الأخيرة مترددة متلكئة غير متحمسة للاعتراف بمغربية الصحراء! صحيح المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، ولسنا في حاجة إلى الاعترافات الأجنبية بوحدتنا الترابية التي تعلو ولا يعلى عليها، لكن السؤال المطروح: ما قيمة هذا "التطبيع" مع دولة تستهتر وتشترط وتدرس من أجل اتخاذ "القرار النهائي في منتدى النقب" بعد مرور سنتين ونصف؟ ماذا كانت تفعل إسرائيل طيلة هذه المدة الزمنية الطويلة جدا؟. 2 – وفي المقابل، ورغم العداء الممنهج الذي خصصه النظام العسكري الجزائري لجاره الشقيق المغرب منذ مستهل الستينيات من القرن العشرين، ورغم دعمه الإعلامي والدبلوماسي واللوجستيكي "الأسطوري" لجبهة البوليساريو الانفصالية، أبى المغرب إلا أن يواصل طريقه بثبات نحو الدفاع الاستثنائي عن وحدته الترابية وتحصين حدود صحرائه الغالية. ولئن كانت المنطقة دخلت في مواجهات عسكرية طيلة ست عشرة سنة فإن المغرب قبل عن قناعة ويقين الالتزام بالإعلان عن وقف إطلاق النار سنة 1991 تحت رعاية المنتظم الدولي، من أجل الانتقال إلى طور البحث عن حل واقعي نهائي ذي مصداقية لطي هذا الملف الذي عمر طويلا. ولما تيقنت المؤسسات الدولية ذات الصلة باستحالة تنظيم الاستفتاء، في ظل عوامل كثيرة أقلها صعوبة التوافق على اللوائح "النهائية والقانونية" لمن له أحقية التصويت في هذا الاستحقاق المفصلي، كان لا بد أن يتم التفكير في حلول سياسية كفيلة بوضع حد لهذا الموضوع القابل للانفجار في أي لحظة، بغية تجنيب المنطقة ويلات المواجهة العسكرية المفتوحة وغير محمودة العواقب. وتقدم المغرب كعادته باقتراح سياسي عقلاني وجاد تمثل في منح الساكنة الصحراوية حكما ذاتيا موسعا داخل المملكة، على أساس أن يساهم أبناء الصحراء في بلورة أحلامهم وتطلعاتهم إلى التنمية والديمقراطية والحرية. 3 – بيد أن النظام الجزائري أصر على متابعة سياسة "كسر الأواني"، ورفض كل ما يصدر عن جاره الغربي من إجراءات ونداءات من أجل التطبيع والمصالحة والعمل المغاربي المشترك، ما حتم على المملكة المغربية أن تحدث تغييرا مركزيا في ميكانيزم الفعل السياسي، تجلى في حزمة من التدابير بالغة الفعالية، منها القرار التاريخي بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي، وإقامة مشاريع اقتصادية (فلاحية وتجارية ومالية وعقارية ..) رفيعة ملموسة في عمق القارة الإفريقية الواعدة، وتقديم مساعدات إنسانية لعدد كبير من الدول الإفريقية والعربية. وقبل هذا وذاك انبرى المغرب إلى تجهيز الأقاليم الصحراوية بمختلف أنواع البنية التحتية المتقدمة، من قبيل مد الطرق وإقامة المدارس والمستشفيات والمركبات الرياضية والسكنية، وكل المرافق العمومية التي تحتاج إليها الساكنة الصحراوية العزيزة، حيث تحولت الصحراء المغربية من فيافي رملية مقفرة إلى مراكز مدنية مفعمة بالحيوية والإنتاج غير المتوقف. وجرت مياه متدفقة تحت "الجسر" لتصبح الأقاليم الجنوبية قبلة الزائرين والدبلوماسيين... بعد أن تيقنت الدول الصديقة والشقيقة بمصداقية الطرح المغربي وجديته وواقعيته، واستحالة إقامة "دويلة الوهم" في سياق إقليمي محفوف بمخاطر التطرف والإرهاب والتهريب والاتجار بالممنوعات. 4 – واليوم وبعد أن أعربت جل الدول العظمى عن مساندتها ودعمها للحل المغربي الواقعي والعقلاني المتمثل في الحكم الذاتي الموسع، ونخص بالذكر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أصدر مرسوما رئاسيا يقضي باعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية، فلا يسعنا كمغاربة إلا أن نعبر عن ارتياحنا بهكذا قرار يؤكد الحقيقة التاريخية الثابتة؛ حقيقة مغربية الصحراء، لكن دون أن يعني ذلك بحال من الأحوال التخلي عن المبادئ والقيم والمواقف المتوازنة التي طالما دافع عنها المغرب إزاء القضية الفلسطينية المقدسة؛ فنحن الآن أكثر إصرارا على تقديم كل ما من شأنه أن يدفع بعملية السلام في الشرق الأوسط، والذود بحماس ومسؤولية عن عدالة المسألة الفلسطينية، بهدف بلورة حل دائم وشامل يقوم على وجود دولتين جارتين، والحفاظ على الوضع المخصوص للقدس الشريف. لقد عانى الشعب الفلسطيني الشقيق عقودا تحت أشكال من الظلم والحرمان والاضطهاد، وهو في أمس الحاجة اليوم قبل الغد إلى معانقة قيم العدل والحرية والاستقرار!.