مايس... الرابور الفرنسي يُشعل المنصات برسالة قوية دفاعًا عن مغربية الصحراء    احتجاجات مرتقبة لموظفي التعليم العالي بسبب تعثر المصادقة على النظام الأساسي    د محمد صبري : الصيدلة دعامة أساسية في الرعاية الصحية القريبة من المواطن..    ارتفاع أسعار النفط بنحو 2 بالمائة في الأسواق العالمية    الذهب يرتفع مجددًا بفعل تنامي الطلب وتزايد الإقبال على الملاذات الآمنة    مجموعة السبع تؤكد على"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وتعارض امتلاك إيران لسلاح نووي    رغم معارضة ترامب.. نتنياهو لا يستبعد اغتيال خامنئي ويقول: سنفعل ما يتعين علينا فعله    بعد أربعة أيام على تعيينه.. إسرائيل تغتال رئيس هيئة أركان الحرب الإيراني الجديد    وليد الركراكي.. بين فورة الغضب ومتطلبات البناء الوطني    جهة الدار البيضاء – سطات بصدد إحداث 28 محطة لتحلية المياه    تطوان تحتفي بعبق الموسيقى التراثية في أول ملتقى جهوي يحتفي بعبد الصادق شقارة    أعمدة كهربائية تُشوّه جمالية شوارع مدينة الجديدة: محمد الرافعي وإبراهيم الروداني في الواجهة .    إيران والجزائر... محور الاضطراب الذي يؤجج بؤر التوتر في العالمين العربي والإفريقي    "نقاش الأحرار".. برادة يكشف جهود الحكومة لرفع أعداد "مدارس الريادة" والحد من الهدر المدرسي    باريس وبرلين ولندن تحض طهران على التفاوض "بأسرع ما يمكن بدون شروط مسبقة" (مصدر دبلوماسي)    توقعات طقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    ثنائية فلامنغو تهزم الترجي التونسي    طنجة.. الإطاحة بلص خطير متورط في 16 سرقة قرب الكورنيش    ترامب يضع إيران أمام خيارين أحلاهما مرّ    دعم إماراتي متجدد لوحدة المغرب الترابية    حزب الله يدين استهداف إعلام إيران    قائمة شركات طيران علقت رحلاتها جراء التصعيد بين إسرائيل وإيران    لجنة ال24/الصحراء.. غواتيمالا تجدد تأكيد دعمها لحل سياسي في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية    موعد مباراتي نصف نهائي كأس العرش    المغربي هاروان رِيد يعرض أعماله في دار سوذبيز ببروكسل ضمن مؤتمر المغرب: فرصة استثمارية استراتيجية وأسلوب حياة فريد    أكادير تحتضن أشغال المنتدى الدولي حول التدبير المستدام للمجال الغابوي    النقابة الوطنية للصحافة تدعو لتسريع الإصلاحات وضمان حقوق العاملين في القطاع    السينما والتاريخ شعار الدورة الثانية لأيام وزان السينمائية    نادي برشلونة يقرر إلغاء المباراة الودية بالدار البيضاء قبل انطلاق الموسم    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    وهبي: مصادرة الأصول الإجرامية أولوية    وزيرة المالية: لا غلاء في المغرب.. وملف التقاعد لا يحتمل المزايدة السياسية    توقيف مغني معروف للاشتباه في تورطه في قضية عنف تحت السكر    "الجغرافيا الجديدة" بأكاديمية المملكة    "لارام" تطلق برنامج رحلات صيفي غير مسبوق    فريق الرجاء يؤجل انطلاق التداريب    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية ورياح بأقاليم الجهة الشرقية    435 سجينا يحصلون على شهادة البكالوريا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    جراحات جبل "طوبقال" القديمة    فرجة "دراغون" تلقى الإقبال في أمريكا الشمالية    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    أسبوع الفرس .. تنظيم الدورة الأربعين من 5 إلى 13 يوليوز المقبل بالرباط    بنما: مبادرة الحكم الذاتي تمثل الحل الواقعي الوحيد لقضية الصحراء    في أول لقاء مع جمهوره المغربي.. ديستانكت يكشف ألبومه العالمي وسط تفاعل صاخب    "أرواح غيوانية" يُكرّم رموز المجموعات الغيوانية ويُعيد أمجاد الأغنية الملتزمة    الذهب يقترب من أعلى مستوياته في شهرين    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد    الاتحاد الدولي لكرة القدم يرد على المشككين في "الموندياليتو"        توتنهام الإنجليزي يضم المهاجم الفرنسي ماتيس تيل بشكل نهائي    فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    ماذا يفعل تحطُّم الطائرة بجسم الإنسان؟    قصة "حصان طروادة" المعتمَد حديثاً في المملكة المتحدة لعلاج سرطان خلايا البلازما        السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل العلاقة بين الأمازيغية والعربية علاقة تصارع أم تعايش؟
نشر في هسبريس يوم 15 - 04 - 2009

إن ما يفهم من خلال الكثير من الكتابات والآراء، أن المغالطة التي يقع فيها أصحابها هي التفريق بين ما هو عربي وما هو أمازيغي، وخلق المثبطات بين الثقافة العربية التي تتقنع أحيانا بلبوس الإسلام، وتجعله مسندا لها يمنحها صفة القداسة، ويضفي على مكوناتها طابع الشرعية، وبين التراث الأمازيغي الذي ظل يختزله التصور الرسمي ومن حذا حذوه في ما هو فلكلوري ومتحفي، ويعامل من منظور انتقائي ينصب فيه الاهتمام على الجوانب القابلة للاستهلاك السياحي أو السياسي لا غيرهما، والملاحظ أنه كلما كان يدور النقاش حول الأمازيغية في شقها اللغوي، كلما كان يطفو على السطح ذلك الجدل العقيم، الذي عهدته هذه القضية بسخونته وحدته وتعصبه، ناهيك عن النقاشات الأخرى التي تتعلق بأصل الأمازيغ وأخلاقهم وتاريخهم، والثقافة التي أنتجوها وغير ذلك، حتى أن بعض المواقف اجتهدت، كما يشير الأستاذ إبراهيم أخياط، في نعت "الأمازيغية باللغة الوثنية، إشارة إلى أنها وجدت بالمغرب وشمال أفريقيا قبل الفتح الإسلامي، وهو كلام ضعيف الحجة... (بالنظر) إلى ما فيه من جهل بتاريخ العربية ذاتها التي كانت من اللغات الوثنية قبل الإسلام".(1). ""
ونظرا إلى أهمية اللغة باعتبارها، حسب هايدغر، تجعل من الموجود وجودا منكشفا في حالة فعل، نقول: إن التعدد اللغوي شيء عادي، فهو يتخذ صبغة عالمية، لا تخلو منه بقعة من بقع الكرة الأرضية التي يحيا عليها الإنسان، وقد حدثت هذه الأمور نفسها في الأزمنة كلها لدى جميع الشعوب التي بلغت درجة ما من الحضارة، فاليونان، كما يؤكد د. سوسير(2)، كانت لهم لغة مشتركة Koine الناتجة عن اللغتين الإيتيكية والأيونية، إلا أن لهجاتهم المحلية ظلت مستعملة إلى جانب هذه اللغات المشتركة، وهذا دليل قاطع على أن التعدد مسألة تمليها سجية الإنسان، فالإلغاء الذي يمس بعض الألسن ينم عن قصور في استيعاب مفهوم الحضارة، الذي يحضن مختلف الإنجازات الإنسانية المادية والمعنوية، ابتداء من أسلوب الكلام وصولا إلى طريقة صنع الأكل، ونجد ما يعضد هذه النظرة في القرآن الكريم، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الروم: "ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين"(3).
إن ما يستفاد من هذه الآية الكريمة أن الاختلاف الملحوظ في موجودات الكون، على تباينها، وألوان البشر ولغاتهم في جوهره واحد، فهو ليس بعيب ولا شائبة، وإنما أمور طبيعية عادية، لذلك راعى الخطاب القرآني التباين الحاصل في اللهجات والثقافات والتقاليد، فاعتبره آية من آيات الله تعالى، غير أن البعض تجاسر على هذا الجانب الذي ربطه الله تعالى بمشيئته وإرادته، عندما سعى حثيثا إلى طمس لغات وثقافات الآخرين، واستبدالها تعسفا بما لا يمت بصلة إلى تركيبة فكرهم، ومقومات هويتهم، وطبيعة شخصيتهم.
يتحتم علينا إذن، أن نفهم العلاقة بين الأمازيغية والعربية في ضوء هذه الرؤية، وعزوفا عن أي مقولة إجحافية تقصي الآخر لتكون ديمقراطية مع نفسها لا غير! وأيضا أن نراعي ذلك التعايش التاريخي الذي كان قائما بينهما، على أساس أن "التكامل بين اللغة العربية كلغة رسمية، وكلغة القرآن، وبين اللغة الأمازيغية لا يثير في الحقيقة والواقع أي إشكال على مستوى الوحدة الوطنية لأن المسألة اللسنية في المغرب لم تكن أبدا عاملا من عوامل التفرق والتشتت".(4).
وبهذا، يمكن أن ندفع الأقاويل والطروح التي تفتعل في ذهن المتلقي صراعا مزعوما بين ما هو أمازيغي وما هو عربي، لا لشيء إلا لبذر جراثيم الحقد والضغينة بين هذين المكونين التاريخيين والحضاريين، وتتغاضى عن أن الأمازيغية ما كانت نقيضا للعربية أو ندا لها، بقدر ما كانت تتضافر وإياها لنسج التاريخ المغربي الإسلامي، فالأمازيغية والعربية، على حد تعبير امحمد جسوس، "هما كالرجل اليمنى والرجل اليسرى بالنسبة لأي شخص عادي، إذا فقد أي واحدة منهما فلن تكون له القدرة على المشي بشكل عادي، وبالأحرى القدرة على السير بالسرعة والوتيرة التي تتطلبها تقلبات التاريخ المعاصر، لنقل – كما قال كانط في إطار آخر- إن المجتمع المغربي بدون نمو اللغة العربية أعور، وبدون نمو الثقافة واللغة الأمازيغية أعمى".(5)
هكذا نتخطى تلك المغالطة التي تنصب التضاد بين الأمازيغية والعربية، إلى ثبت أن العلاقة التاريخية والواقعية القائمة بين الأمازيغية والعربية هي علاقة تضافر وتعاون، فثمة نوع من التوازن العفوي داخل المنظومة الاجتماعية المغربية، حيث أن توظيف كل منهما لدى المواطن المغربي العادي رهين بمدى الحاجة الواقعية واليومية في التواصل، لذلك فالمطلوب من السلطة هو العمل على تلبية هذه الحاجة عن طريق تعليم سائر الشعب دون استثناء اللغة التي يحتاج إليها في التواصل، أما كلام بعض النخبة السياسية أو الثقافية، الذي يجلي نوعا من الصراع بين الثقافة العربية والأمازيغية داخل المغرب، فهو كلام يظل مأخوذا بالطوباوية، وحبيس رفوف المكتبات وأعمدة الجرائد الصفراء، لأنه في الغالب لا ينطلق إلا من منطلقات أيديولوجية متشنجة؛ حزبية أو رسمية أو غيرهما، لا تراعي إلا أنانيتها الفكرية التي تحجب حاجات وحقوق الإنسان المغربي العادي، الذي لا يدري شيئا من تلك الصراعات، من هذا المنطلق يمكن أن نستبدل معادلة التصارع اللغوي والثقافي المفتعل، بمعادلة التعايش اللغوي والثقافي المحتمل، كالذي يوجد عند الكثير من دول العالم.
وسوف يكون من ثمرات هذا التعايش الإيجابي، إقرار الحقوق اللغوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها لسائر مكونات المجتمع المغربي، فيصير، على سبيل النمذجة لا الحصر، تعلم اللغة الأمازيغية واجبا، كما أن تعلم العربية واجب، لكن لا ينبغي أن يكون تعلم أي لغة على حساب الأخرى، إن تعلم الأمازيغية يحمل بين طياته تشبثا بالهوية الأصلية، أما تعلم العربية، فهو شرف كبير لكل من لا ينطق بها أو ليست لغته الأصلية، لأنها لغة دينه، وهنا يكمن الشرف، فلماذا يتعلم اليهودي المغربي أو العربي، مثلا، العربية، ونحن نجد في تعلمها نوعا من التنازل عن حقوقنا؟ لذلك ينبغي أن نتعلم العربية، وفي الوقت نفسه أن نتشبث بمطلب تعلم الأمازيغية، وفي هذا إغناء لثقافتنا وهويتنا ومعرفتنا.
الهوامش:
1) لماذا الأمازيغية؟ منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي 1994، ص 29
2 ) دروس في اللسانيات العامة، د. سوسير، تر. صالح القرمادي، محمد الشاوني، محمد عجينة، الدار العربية للكتاب، ليبيا - تونس، ص292
3)الروم، آية 22
(4الأمازيغية... بين الحقيقة الثقافية والتناول المؤسساتي، حرش عبد الله، جريدة الاتحاد الاشتراكي، 16 يناير 1994.
5) أطروحات بصدد الأمازيغية والمسألة الثقافية بالمغرب، محمد جسوس، آفاق، اتحاد كتاب المغرب، 1/1992 ص101
*باحث مغربي مقيم بهولندا
www.tijaniboulaouali.nl

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.