على بُعد أيام قليلة من خروج فرنسا بموقف تاريخي عبرت من خلاله عن تأييدها المُطلق لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وفي تطور جديد يؤكد أفول الطرح الانفصالي على الساحة الأوروبية، أكدت فنلندا دعمها العلني والصريح لهذا المقترح الذي تقدم بها المغرب لإنهاء النزاع المفتعل حول أقاليمه الجنوبية، والذي بدا لافتا توسع رقعة الاقتناع الدولي بمصداقيته وجديته. وبهذا الموقف المتقدم المعبر عنه على هامش زيارة قادت وزير الخارجية المغربي إلى هلنسكي، تكون بذلك فنلندا قد طورت من مواقفها تماشيا مع الدينامية الدولية التي تشهدها قضية الصحراء متجاوزة بذلك مواقفها الكلاسيكية التي كانت تكتفي من خلالها بدعم الجهود الأممية في هذا الملف؛ بل سجلت نفسها في تاريخ هذا النزاع باعتبارها من أوائل دول شمال أوروبا والدول الإسكندنافية التي عبرت عن موقف متقدم في هذا الشأن، وهو ما من شأنه بكل تأكيد أن يعطي دفعة قوية للعلاقات المغربية الفنلندية على جميع المستويات. وبالحديث عن تبعات وآثار هذا الموقف الفنلندي الجديد، فلا بد من استحضار عضوية هذا البلد في الاتحاد الأوروبي، مع ما يعنيه ذلك من تقوية لطرح الرباط ولموقفه داخل هذا التكتل القاري ينضاف إلى الزخم الذي كسبته الحلول والمقاربات المغربية بعد مواقف دول مؤثرة في القرار الأوروبي سياسيا واقتصاديا، من حجم إسبانيا وألمانيا وفرنسا، دون أن ننسى أيضا عضوية هذا البلد الاسكندنافي في حلف "الناتو" الذي تربطه بالمغرب شراكة أمنية قوية ومتعددة الأبعاد. ويشكل هذا التطور المستجد في مسار قضية الوحدة الترابية للمملكة اختراقا دبلوماسيا جديدا في الساحة الأوروبية التي باتت تميل دولها إلى تغليب مصالحها القومية في التفاعل مع القضايا والنزاعات الإقليمية والدولية على الحسابات السياسية والانتخابوية الضيقة التي لا تخدم رغبات وتطلعات شعوبها؛ وهو ما بدا جليا من هذا الموقف الذي تحكمه مجموعة من المحددات والعوامل ذات الطبيعة الاستراتيجية والاقتصادية أيضا. في هذا السياق، وبالعودة إلى نص البيان المشترك، الصادر على هامش لقاء وزير الخارجية المغربي ونظيره الفنلندي، اليوم الثلاثاء، أكد البلدان عزمهما الارتقاء بعلاقاتهما الاقتصادية والتجارية. كما حددا مجموعة من المجالات التي ستشكل مجالا للتعاون في المستقبل؛ على غرار إنتاج الهيدروجين الأخضر، دون أن تفوت هلسنكي أن ترحب بمختلف المبادرات التي أطلقها العاهل المغربي لتعزيز السلام والتنمية في القارة الإفريقية، التي اعتبر الطرفان أن المغرب يعد بوابة بينها وبين القارة الأوروبية، إذ عبرت المملكة في هذا الصدد عن استعدادها للمساهمة في تنفيذ الاستراتيجية الفنلندية في إفريقيا سواء على المستوى الثنائي أو من خلال التعاون متعدد الأطراف مع بلدان القارة. ومما لا شك فيه أن حجم التحديات الاقتصادية والبيئية الكبرى التي يواجهها العالم باتت تفرض على جميع الدول الأوروبية، ومن ضمنها فنلندا، إعادة رسم معالم سياستها الاقتصادية والانفتاح على أسواق جديدة؛ أهمها أسواق إفريقيا التي خبر المغرب دروبها وتحدياتها، وبات تبعا لذاك مرجعا إقليميا ودوليا على هذا المستوى. وهذا ما يبدو أن فنلندا فهمته؛ ولكنها فهمت قبل ذلك أن التقارب مع المغرب والاستفادة من الفرص التي يوفرها، سواء داخليا أو في مجال نفوذه الحيوي، لا يمكن أن يمر إلا عبر بوابة الصحراء. هي، إذن، لغة المصالح والندية تتغلب على لغة "التشدد الأعمى" في المواقف والتشبث بخيارات خارج أية رهانات أو فكر استراتيجي رصين. وهو، إذن، هدف آخر سجله المغرب في مرمى أعداء وحدته الترابية الذين يدعمون التوجهات الانفصالية التي بدأت تتآكل، من إفريقيا إلى أمريكا مرورا بآسيا وأوروبا، دون أن يُراد لحامليها وداعميها أن يراجعوا مواقفهم وسياساتهم التي لم تثمر وعلى مدى عقود إلا وضعا شاذا في المنطقة وفي العالم الذي بات بدوره مقتنعا بضرورة التخلص منه.