من المغرب إلى إفريقيا .. مركز للتعاون الشرطي على إيقاع كأس الأمم    معدل ملء حقينة السدود يناهز 33٪    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    الدار البيضاء تحتضن منتدى Afric Links 2025 لتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية والاندماج الإفريقي    تعليمات ملكية للحكومة لدعم متضرري فيضانات آسفي    الملك محمد السادس يراسل أمير قطر    هل ينفد الكون من النجوم الجديدة؟    بعد التراجع عنه قبل 4 سنوات.. قانون مثير للجدل يعود للواجهة في الجزائر    المغرب يضع يده على فخر السلاح الأمريكي    رسميا.. إلغاء مباراة السعودية والإمارات    موعد مباراة المغرب والأردن في نهائي كأس العرب والقنوات الناقلة    كأس العرب 2025: طموح أردني بلقب أول، وسعي مغربي لمواصلة سجل الإنجازات    طقس الخميس.. أمطار وثلوج بهذه المناطق المغربية    لائحة المدن المغربية الأكثر استقبالا للتساقطات المطرية    إسكوبار الصحراء.. دفاع الموثقة يفكك تهمة التزوير وينفي قيام الضرر والركن الجنائي    المهندس المعماري يوسف دنيال: شاب يسكنه شغف المعمار .. الحرص على ربط التراث بالابتكار    من المغرب.. رمضان يعلق على إدانته بالحبس    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    تقرير: المغرب يصنف ضمن فئة "النزاع الخامد" ورتبته 67 عالميا في خريطة العنف السياسي    الحكومة توافق على زيادة 5٪ في الحد الأدنى للأجور    أخبار الساحة    العرايشي ينادي بإعلام رياضي قوي    انهض يا عمر.. لترى ما ضحيت من أجله بروحك كيف أصبح؟    الملعب الأولمبي يعزز إشعاع الرباط    الجزيرة الخضراء.. إحباط محاولات تهريب 14 سيارة مسروقة نحو طنجة    الكبيسي (عضو اللجنة المنظمة لكأس العرب) يكشف حقيقة تأجيل إقامة مباراة الأردن والمغرب    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    أسعار الذهب تستقر    متحف اللوفر يفتح أبوابه جزئيا رغم تصويت موظفيه على تمديد الإضراب    ميناء المضيق .. ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري    المطر يفسد الفرجة في "كأس العرب"    توقيف مروج للمخدرات والمؤثرات العقلية بطنجة وحجز أزيد من 1200 قرص طبي    مستشفى ميداني عسكري يقام بأزيلال    اليوم الدولي للمهاجر يجدد النقاش حول تحيين السياسات العمومية بالمغرب    الطالبي العلمي: الرياضة رافعة للتنمية والتلاحم الوطني وإشعاع المغرب قارياً ودولياً    خبراء التربية يناقشون في الرباط قضايا الخطاب وعلاقته باللسانيات والعلوم المعرفية    تصنيف دولي يضع المغرب بمراتب متأخرة في مؤشر "الحرية الإنسانية" لسنة 2025        أمريكا توافق على أكبر مبيعات أسلحة لتايوان على الإطلاق بقيمة 11.1 مليار دولار    الموت يفجع أمينوكس في جدته    غوغل تطور أداة البحث العميق في مساعدها الذكي جيميناي    موجة البرد.. "الداخلية" تتكفل ب665 شخصا بلا مأوى و2790 امرأة حامل و18 ألف مسن    المغرب في المرتبة 62 عالميًا ومن بين الأوائل إفريقيًا في رأس المال الفكري    مركز وطني للدفاع يواجه "الدرونات" في ألمانيا    انهيار منزل يخلف مصابَين بالدار البيضاء    ترامب يؤكد مواصلة المسار الاقتصادي    الرباط تحتضن مهرجان "أقدم قفطان" .. مسار زي مغربي عابر للأجيال    في حفل فني بالرباط.. السفيرة الكرواتية تشيد بالتعايش الديني بالمغرب    تمارين في التخلي (1)    واشنطن توسّع حظر السفر ليشمل عددا من الدول بينها سوريا وفلسطين    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدعوة العائلية.. إشراقات نبوية
نشر في هسبريس يوم 08 - 08 - 2009

هذه بعض الإشراقات النبوية والإضاءات المحمدية التي ترسم معالم منهاج النبوة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ومنها دعوة الأقارب من الأهل والأحباب، نسافر عبرها إلى رحاب الحضن الدافئ والقلب الرحيم والأسلوب الحكيم، مطرقين السمع تلمذة واقتباسا وتعلما بين يدي "إنما أنا رحمة مهداة"، صلوات ربي وسلامه عليه. ""
الإشراقة الأولى: كلا والله ما يخزيك الله أبدا
لما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في غار حراء، هرع إلى أمنا خديجة رضي الله عنه، فزملته حتى ذهب عنه الروع وقالت: "كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"(1).
ما أجمل أن يكون البيت أول سند للمسلم الداعية، الظهر الذي به يحتمي وإليه يرجع ومنه يتزود، ولكم هو رائع أن يستشعر الزوج - رجلا وامرأة - أن شقه الثاني بقدر ما هو قوة دافعة له ومحفز على التجلد والصبر واليقين، هو أيضا محضن جميل ومورد دافئ تصغر معه العظائم.
"كلا والله ما يخزيك الله أبدا"، يقين مطلق من زوجة صاحب الرسالة في خيرية صاحب الرسالة، لأنها خبرته فعاينت أن الصاحب حامل الرسالة "يصل" و"يحمل" و"يكسب" و"يقري" و"يعين"، وهي منارات لا يمكن أن يرافق صاحبها "الخزي أبدا".
إن الدعوة قبل أن تكون رسالة "كلامية" في لحظات من أجل التأثير وتبليغ النور إلى القلوب، هي سلوك يومي وأخلاق ملموسة، هي حال مصاحب لكل الجوارح، إذ أنت تدعو بكليتك لا بلسانك فحسب. وإن الدعوة قبل أن تتوجه إلى الأغيار والآخرين تطرق قلب وعقل من هم أولى الناس بالمعروف أهل بيتك أولا.
فقد صدق من قال: "إذا أردت أن تكون زوجك على منوال أمنا خديجة فكن على منهاج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم"، عندها، وعندها فقط، ستكون سندك الأول رافعة شعار "كلا والله ما يخزيك الله أبدا".
الإشراقة الثانية: خيركم خيركم لأهله
أوصانا حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن ننطلق في إشاعة خير الإسلام ونور الإيمان من أقرب الناس وأحبهم، بل جعل مقياس هذه الخيرية في مدى ملامستها للأهل. فقال عليه الصلاة والسلام "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" (2).
إنه لمن آكد الواجبات بث الخيرية في الأهل، وتعهدها بحرث النية الحسنة، ومدها ببذور الأخلاق الطيبة، وسقيها بماء العشرة الحسنة، وإحاطتها بشعاع العفو والصبر، وتزويدها بنسيم الوفاء والعطاء.
إن الخيرية للأهل تبدأ من عظائم الأمور، وهو المصير عند المولى جل وعلا ودرجة القرب منه سبحانه، والانخراط في مشروع بناء نهضة المسلمين وانبعاث أمة الإسلام، مع ما يستتبع ذلك من تعاون على الخير وتآمر بالمعروف وتناه عن المنكر، لتنتهي عند الجزئيات الصغيرة في الحياة الأسرية، من مساعدة في أعمال البيت ونوع الطعام ولون الأثاث وغيرها، والتي لا غرو أن لها تأثيرا على مشروع الأسرة بل ومشروع الأمة.
لقد كان قدوة الدعاة صلى الله عليه وسلم خير صاحب "وأنا خيركم لأهلي"، فكان في صنعة أهل بيته، يخيط بنفسه ويحلب شاته ويعينهم في شؤون البيت حتى إذا حضرت الصلاة فكأنه لا يعرفهم، إذ مع عظم المهام وكثرتها يعطي لكلِّ حقه، صحبة وعشرة وتلطفا وملاعبة وموعظة ودعوة.
الإشراقة الثالثة: نضح في وجهها الماء
وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم أفراد البيت الواحد على التعاون في طاعة الله، فقال عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: "رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل وصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء"(3).
هي مسؤولية مشتركة أن يحرص كل طرف على الدفع بصاحبه لينهل من مورد الإيمان ويحضر مواسم الخير، فإن أَبَت أو أبَى كان النَّضْح بالماء تأكيدا على عظم عبادة "قيام الليل" وحرصا على أن لا يفوته أو يفوتها هذا الخير، لكن بلطف ولين ورحمة هي أقدر على الوصول إلى القلب والتأثير في الروح وتحفيز الإرادة، وهي معاني تختزلها كلمة "نَضَحَ".
وزيادة في التوكيد على قيمة العبادة الجماعية بين أهل البيت، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة: "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعا كتب في الذاكرين والذاكرات" (4).
إن هذا الحضور المشترك في مواسم العبادة وأوقات الطاعة له من الانعكاسات الإيجابية الجميلة ما يزيد من سكينة الأسرة واستقرار أركانها وتماسك أعضائها، وله من الآثار الشعورية الرائعة بين الزوجين ما يرسخ عميقا معاني الحب والتقدير والوفاء والرحمة.
الإشراقة الرابعة: ثم قام إليها فقبَّلها
قالت أمنا عائشة رضي الله عنها "ما رأيت أحدا أشبه كلاما برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حديثا ولا جلسة من فاطمة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآها أقبلت رحب بها ثم قام إليها فقبَّلها ثم أخذ بيدها وجاء بها حتى يجلسها في مكانه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها"(5).
ما أروعك يا رسول الله وما أطيبك وما أجملك وما أحلمك، كم كنت، صلوات ربي وسلامه عليك، محيطا بكل من حولك محتضنا لهم تعطي لكل حقه، حتى يقوم الصحابة من مجلسك وكلهم يظن أنه المُقَدَّم والمُقرَّب لما تحيطهم به من الرعاية والعناية والاهتمام والحب.
ما أجمله من حلم وتقدير: الترحيب بها والقيام لها وتقبيلها والأخذ بيدها والمجيء بها وإجلاسها في مكانه، كل هذا مع من؟ مع الابنة.
من منا يفعل هذا مع أبنائه وفق هذا التسلسل الأبوي الحنون؟ من يفعل بعضه؟ من يفعل عُشُره؟. صدقت يا سيدي يا رسول الله "أدبني ربي فأحسن تأديبي"، وصدق الله العظيم إذ يقول "وإنك لعلى خلق عظيم".
إنها منارة نبوية شامخة، تستحث زوارق الدعوة كي ترسي عند إضاءاتها الإنسانية الرائعة.
الإشراقة الخامسة: يا عم.. والله!
"يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني، و القمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته"(6). كلمات خالدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالها لقريش لما عرضت عليه التخلي عن الرسالة مقابل أن يملكوه ويسودوه.
إن روعة هذا المشهد هو جمعه بين قوة الموقف ولين الخطاب، بين صرامة الرفض وجميل القول، بين "والله ... ما تركته" و"يا عم".
يا عم، تشيع بمعاني حفظ ود القرابة والصحبة الحسنة والمعايشة اللطيفة رغم أن أبو طالب عاش ومات مشركا، إنها إشراقة نبوية جميلة تطل علينا بمعاني الرحمة الحقة التي تحيط بالجميع "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، إن هذه الرحمة التي تتحرك في القلب اتجاه الأحباب والأقارب، أدركها واقتبسها صحابة الحب رضوان الله عليهم، فجعلت رجلا مثل الصديق رضي الله عنه يتمنى إسلام عم الحبيب صلى الله عليه وسلم على إسلام أبيه لأنه أقر لعين رسول الله.
ومَن مِن أتباع سيد الخلق لا يحرص على أن يهتدي ويترقى في سلم العبودية كل أهله وأحبابه؟! بل إنه لمن العجاب ومما يتناقض مع روح السنة ومقصد الشريعة أن يخلق بعض الأفراد نزاعات مع الأهل، وخاصة الوالدين، وخصومات مع الأقارب بدعوى الدعوة، وبأسلوب فج غليظ وطريقة "العالم" الآمر الذي يَفهم ويُفهم وينذر بالثبور لمن لم يأتمر.
نعم مطلوب قول الحق وتبليغ الرسالة الربانية في صفائها وشموليتها، لكن وفق سنة التدرج الحكيمة وأسلوب الرفق الواجب وسلم الأولويات المعتبر، إذ حبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم وهو يُثبت موقفا حاسما في قضية كبرى ومع رجل غير مسلم لكنه قريب، افتتح كلماته المضيئة ب"يا عم" ليرسم لنا معالم دعوة الأقارب وفق إشراقات نبوية خالدة.
المراجع:
1- الحديث عند الإمام البخاري في الجامع الصحيح رواية عن أمنا عائشة رضي الله عنها.
2- فتح القدير، الإمام الشوكاني.
3- رواه أبو هريرة، رياض الصالحين للإمام النووي.
4- النووي في "الخلاصة".
5- الحديث عند ابن قطان في "أحكام النظر" ورجاله ثقات.
6- أورده الألباني في السلسلة الضعيفة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.