بمناسبة اليوم العالمي للسمنة (4 مارس)، أصدرت منظمة World Atlas Obesity تقريرها لسنة 2025 حول وضعية ارتفاع الوزن والسمنة بالمغرب. الأرقام الواردة في التقرير، والتي سنعرض لها بعد قليل، تتقاطع مع المعطيات التي جاءت في الدراسة التي نُشرت أخيرًا في مجلة The Lancet حول ارتفاع الوزن والسمنة في أكثر من مائتي دولة في العالم، حيث أشارت إلى تضاعف نسبة المصابين بالسمنة ثلاث مرات في الثلاثين سنة الأخيرة لدى البالغين والمراهقين على حد سواء. هذا يعني أننا أمام وباء عالمي حقيقي يهدد صحة الرأسمال البشري، يزيد من هشاشة الأنظمة الصحية للدول النامية والفقيرة، ويثقل كاهل الأفراد والأسر في هذه الدول، نظرًا للكلفة العلاجية المرتفعة للأمراض الالتهابية المزمنة الناتجة عن السمنة، كالسكري نوع 2، ارتفاع ضغط الدم، أمراض القلب والشرايين والجهاز التنفسي، الفشل أو القصور الكلوي، أنواع عديدة من السرطانات، مشاكل على مستوى العظام والمفاصل، أمراض عصبية تنكسية، إضافة إلى أمراض أخرى، كتكيس المبيضين، ضمور الخصيتين لدى الأطفال، ضعف الخصوبة عند الإناث كما الذكور، ناهيك عن عدد من المشاكل النفسية التي تعيق اندماج الأشخاص البدينين في المجتمع بشكل عام. وقد سبق لمكتب ماكنزي للاستشارة أن قدَّر تكلفة السمنة في العالم سنة 2014 بحوالي 2000 مليار دولار، أي ما يعادل آنذاك الناتج الداخلي الخام لروسيا أو إيطاليا، أو 2,8 نقطة من النمو العالمي، بينما من المرتقب أن تصل هذه التكلفة إلى 3000 مليار دولار سنة 2030، أي بزيادة %50 خلال عشرين سنة. إنه رقم خيالي يؤكد شيئًا أساسيًا ومقلقًا سبق لمنظمة الصحة العالمية أن أشارت إليه: وحدها الدول التي ستستطيع التحكم في داء السمنة هي التي ستحافظ على نظامها الصحي ورأسمالها البشري! بعض الأرقام التي وردت في التقرير حول المغرب: * 59% من المغاربة البالغين يعانون من ارتفاع الوزن. * 24% مصابون بالسمنة. * نسبة السمنة وارتفاع الوزن لدى النساء حوالي 30% أكثر من عند الرجال. * المغاربة يستهلكون حوالي 2 لتر من المشروبات المحلاة كل أسبوع، رغم تضريب هذا النوع من الأشربة. * 20-30% لا يبذلون مجهودًا عضليًا كافيًا. * ليست هناك توجيهات وطنية لإدارة مشكل السمنة والنقص في المجهود البدني. الأرقام المرتقبة سنة 2030، حسب نفس التقرير، تنذر باستفحال الوضعية، ومما يزيد الطين بلة هو أن هذه المعطيات تخص البالغين فقط، أما إذا أضفنا الأطفال واليافعين، فالأرقام ستكون صادمة. أسباب تفشي ارتفاع الوزن والسمنة: الوضعية تتسم بالتعقيد الشديد، لأن الأسباب متعددة، يتداخل فيها الاقتصادي بالاجتماعي والثقافي والنفسي، عوامل وجب أخذها بعين الاعتبار حتى يكون التشخيص جيدًا، وحتى نتفادى تقديم حلول متسرعة وبسيطة لمشكل مركب. من ضمن هذه الأسباب التي تفسر الانتشار السريع لارتفاع الوزن والسمنة في العالم بشكل عام في العقود الثلاثة الأخيرة، نذكر: * أفول النموذج الاقتصادي القديم وحلول نموذج ليبرالي ضيَّق من حجم كوكب الأرض، أنهك النماذج التقليدية على مستوى العمل والبنيات الاجتماعية، وأدى إلى تغييرات عميقة طالت وتطال التنظيم الاجتماعي، منها: التوقيت المستمر في العمل والمدارس، التخطيط الحضري الجديد، انخفاض الجهد البدني، إعادة توزيع الأدوار الاجتماعية للمرأة والرجل، تقليص الميزانية المخصصة للطعام الجيد على حساب الميزانية المخصصة للترفيه، إلخ. * تغيُّر المعايير المرجعية لتعلم الأكل، التي ظلت تنتقل من جيل لآخر في إطار عائلي يتميز بالقرب بين أفراد العائلة الموسعة والسكن المشترك. اليوم، بفعل تزايد الأسر الصغيرة وبروز مصادر أخرى لتمرير وتلقين المعارف، يجد الأطفال أنفسهم منذ البداية في مواجهة نماذج متعددة: الأسرة، الحضانة، المدرسة، الأقران، المجتمع، إلخ. وعليهم أن يندمجوا في كل هذه الفضاءات، التي، حتى إن انتمت جميعها لنفس الثقافة، فلكل منها لائحته الغذائية. * تغير النظام أو القرار الغذائي، أي مجموع المراحل التي تقطعها الأطعمة للوصول إلى موائدنا ومن يراقب هذه المراحل، وظهور أنواع جديدة من الأطعمة الجاهزة بأثمنة مغرية وكثافة حرارية مرتفعة، في غياب لافت للتحكيم الاقتصادي، وحضور رهيب للإشهار. إضافة إلى هذه العوامل المشتركة، ثمة بعض الأسباب الإضافية الخاصة التي تفسر ارتفاع الوزن والسمنة بشكل كبير لدى النساء في أغلب الدول العربية، من بينها: * عوامل ثقافية تعيق ولوجهن إلى الفضاء العمومي، مما يحد من مجهودهن العضلي. * غياب استراتيجية صحية إنجابية تعنى بتتبع وزنهن أثناء الحمل لاجتناب ارتفاعه بشكل كبير، وبعد الوضع لتسهيل عودتهن إلى وزنهن الأصلي. * ارتفاع حالات السمنة ذات الأسباب النفسية-العاطفية لديهن، نتيجة العنف الهيكلي السائد في هذه المجتمعات، والذي يجعلهن، كأضعف حلقة، أكثر الفئات تعرضًا للتجريح والإحباط. * بعض الأفكار المغلوطة حول مقاييس الجمال لدى المرأة، التي عادت إلى الواجهة في العقد الأخير. هل من حل؟ لقد أضحت السمنة اليوم مرضًا مزمنًا، والأنسجة الشحمية باتت أكثر مقاومة، والمرض الذي بدأ كمحصلة تغييرات طالت أسلوب الحياة، صار مرضًا عضويًا، وعوامل المحيط ما فتئت تنضاف إلى العوامل البيولوجية لتزيد في صعوبة العلاج. وكما قلنا قبل قليل، طرح الحلول يستدعي أولًا القيام بتحليل علمي لظاهرة السمنة يأخذ بعين الاعتبار تعدد وتداخل أسبابها، كما رأينا قبل قليل، واجتناب البحث عن كبش فداء نُحَمِّلُه أوزار وضعية تتسم بالتعقيد الشديد. ليس ثمة شك في أن النقاش سيحتد في السنوات القادمة حول بعض السياسات الوقائية في مجال الغذاء، وفي أن هناك ضغطًا أكبر سَيُمارَسُ على شركات الصناعات الغذائية عبر إعمال مبدأ التضريب حسب الجودة الغذائية للأطعمة المنتجة، الرفع من الضريبة المطبقة على المنتوجات التي تُتناول خارج الوجبات (Grignotage)، والرفع أيضًا من الضريبة على الإشهار، خاصة على تلك الأطعمة التي تتخلل البرامج الموجهة للأطفال. إنها، في رأينا، خطوات في غاية الأهمية وجب القيام بها عاجلًا، لهدفين اثنين: أولًا، العمل على البعد الوقائي عبر مراقبة الجانب الصحي للأطعمة. ثانيًا، تمويل الفاتورة الصحية للسمنة. لكنه وجب القول أيضًا بأن نجاح مثل هذه السياسة الوقائية رهين بانخراط قطاعات أخرى، كالتربية والثقافة والإعلام والأسرة والشباب والرياضة والتجارة والصناعة، إعادة النظر في سياسة المدينة، تقليص الفوارق الصحية، والتكفل الاستباقي بارتفاع الوزن، خاصة لدى النساء قبل الحمل والأطفال. الحكمة الصينية تقول إن كل أزمة فرصة، لكن ذلك يستدعي أولًا أن نعترف بأننا فعلًا أمام إشكالية صحية حقيقية، أمام كرة ثلج ما فتئت تتدحرج وتكبر وتهدد المستقبل الصحي والمالي للبلاد والعباد، وبأنه لا مناص من أن نتعاون جميعًا على أخذ الثور من قرنيه، كما يقول المثل الإسباني، لأن السمنة، كما قلنا، مشكلة أفراد كما هي مشكلة مجتمع ودولة. اختصاصي التغذية والحمية العلاجية