ترامب وبوتين يلتقيان في ألاسكا... قمة على حافة الحرب والسلام    القنيطرة: توقيف شخص تورط في السياقة الاستعراضية بالشارع العام وعرض مستعملي الطريق للخطر    قتيل في إطلاق نار قرب مسجد بالسويد    "الشان"..تعادل النيجر وجنوب إفريقيا    الذهب يتجه إلى خسارة أسبوعية    موجة حر مع "الشركي" وزخات رعدية من الجمعة إلى الاثنين بعدد من مناطق المملكة    موجة حر شديد تدفع إسبانيا للرفع من حالة التأهب        في ظل الصمت الرسمي.. مطالب مستمرة بالكشف عن ملابسات ما تعرض له سيون أسيدون    عشرات الاحتحاجات بالمدن المغربية نصرة لغزة واستنكارا لاستهداف الصحافيين العاملين بها    غضب فلسطيني ودعوات لتدخل دولي بعد تهديد المتطرف بن غفير لمروان البرغوثي داخل زنزانته    الصيد البحري .. تسويق 6.14 مليار درهم من المنتجات مع نهاية يوليوز الماضي    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024 .. نهائي قبل الأوان بين المغرب والكونغو الديمقراطية    "الجمعية" تندد باعتقال ابتسام لشكر وتعتبره تعسفياً    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    "ربيع الكرامة" يدعو إلى رقابة المحكمة الدستورية على المسطرة الجنائية لإسقاط فصول مكرسة للتمييز ضد النساء    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا        حكومة لبنان تدين "تهديد" حزب الله    اعتراض سفينة محملة بثلاثة أطنان من الكوكايين غرب جزر الكناري بتعاون مع المغرب    من نزاع إقليمي إلى خطر إرهابي عالمي: نداء لتصنيف "البوليساريو" على لوائح الإرهاب    مشاريع المياه المهيكلة بسوس.. رؤية ملكية استراتيجية لمواجهة الجفاف لا ورقة للركمجة والمزايدات السياسية                    الملك محمد السادس يهنئ رئيسة جمهورية الهند بمناسبة عيد استقلال بلادها    هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة: ارتفاع صافي الأصول تحت التدبير بنسبة 9,12 في المائة متم شهر يوليوز (جمعية)    الحكومة تراهن على "التوازن" بين رعاية الحيوانات الضالة والأمن العام    الحسيمة.. المضاربة ترفع أسعار الدجاج والسردين إلى مستويات قياسية    الشرطة الإسبانيا تطالب باتفاق مع المغرب لإعادة المهاجرين    بطولة إنجلترا.. الأنظار نحو شيشكو ويوكيريس في قمة يونايتد وأرسنال    هويلوند يرحب بالانتقال إلى ميلان الإيطالي    طقس حار في توقعات اليوم الجمعة بالمغرب    كرنفال وعروض موسيقية وفروسية في افتتاح مهرجان وادي زم    سبيس إكس تطلق 28 قمرا صناعيا إضافيا إلى الفضاء    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط تندد باعتقال ابتسام لشكر وتعتبره تعسفياً    منظمة حقوقية تشكل لجنة لتقصي أسباب حرائق شفشاون    العين يفتقد رحيمي في افتتاح الدوري    اختتام المؤتمر العالمي الخامس للتصوف بفاس بإعلان تأسيس "التحالف العالمي لأهل التصوف"            إحتارن يقترب من محطة جديدة في الدوري الهولندي    "كارثة طبية" أدت لوفاة العشرات في الأرجنتين    انتشار الصراصير في أحياء طنجة يثير استياء السكان ومطالب بتدخل عاجل    طاقم الإسعاف بتعاونية الجرف SST... جندي الخفاء بموسم مولاي عبد الله    المستثمر المغربي بمدريد.. محمد النقاش عريس سهرة الجالية بمسرح محمد الخامس    عادل شهير يطرح كليب أغنيته الجديدة سيري باي باي -فيديو-    القضاء الكوري يرفض تعويض ملحن أمريكي    ألفيس بيريز: البطل الذي فتح... صخرة    دراسة: ألم "فصال الركبة" يخف بتدريب المشي    الدورة الثانية لمهرجان "سيني بلاج" من 15 إلى 30 غشت الجاري بعدد من مدن المملكة    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصر "بيرديكاريس" .. تاريخ بناية تقاوم الانهيار والأشباح في طنجة
نشر في هسبريس يوم 01 - 04 - 2014

يشبه قصور القرون الوسطى، ليس كبير الحجم لكن شكله الخارجي يثير الفضول، تخطي عتبة الباب الخارجي يثير الإحساس برهبة قصر تسكنه الأشباح، بعض الجدران سقطت، والأخرى لا زالت تقاوم النسيان، بعض الأدراج تهاوت والأخرى معرضة للانهيار، غرف مبنية على الطراز الإسباني و"تيراس" يطل على البحر الأبيض المتوسط ما زال يحتفظ بجماليته وزخارفه المعمارية.
"في أجمل مكان في العالم سأبني لك قصرا" لم يكن المكان الذي اختاره السياسي بيرديكاريس ليمارس رومانسيته ويمنح هدية لزوجته، سوى قلب "الرميلات" بطنجة بعد جولان طويل حول القارات الخمس، غابة مطلة على جبل طارق كانت عبارة عن "أمازون"، أشجار وأحراش ونباتات من كل الأشكال، ممرات طبيعية وملتوية، بقايا اثار من عمق التاريخ، غابة "بيرديكاريس" هي صندوق أسرار مغلق لم يفتح بالكامل.
الجميلة والثعلب
هو ابن القنصل "غريغوري بيرديكاريس" الذي عاد من الولايات المتحدة الأمريكية إلى اليونان هاربا من الضرائب بعد أن كون أرباحا طائلة، "إيون" الابن قرر هو الاخر أن يستقر بطنجة بشكل نهائي بعد أن أصابته المدينة بجنون العشق وسقط في شباكها. بنى قصره الفخم فوق هضبة مرتفعة وغابة موحشة مما جعل الجميع يفترض امتلاكه "لميناء" استورد عبره المواد والأحجار التي استعملها في بناء سكنه الفخم.
المليونير والديبوماسي الأمريكي ذو الأصل اليوناني كان يعيش حلم الاستقرار رفقة زوجته الجميلة، قبل أن يقض مضجعه "ثعلب جبالة" أحمد الريسوني مختطفا زوجته ومحولا القصر من بناية إلى تاريخ قائم تحكي جدرانه قصة مشوقة، ثمرة حب بييرديكاريس لزوجته أصبح موقع صراع وبداية حروب ومطاردات.
المتمرد أحمد الريسوني الذي بسط سيطرته على مناطق جبالة كان بحاجة إلى المال لدعم تورثه مما جعله يفكر في زوجة بيريدكاريس كصيد ثمين ومر إلى الهجوم في ماي 1904 رفقة مقاتليه ليخطف الزوجة والابن "كرومويل" في لمح البصر قبل أن يختفوا عن الأنظار، اشترط على الزوج المجنون بحب زوجته 70 ألف قطعة ذهبية وخروج المخزن من نفوذه مما جعل القنصل يستنجد بالسلطان مولاي عبد العزيز وبالولايات المتحدة الأمريكية في عهد " فرانكلين روزفيلت" لإنقاذ زوجته.
قصة الاختطاف صورت في فيلم شهير " العاصفة والأسد" لعب فيه الممثل الإنجليزي شين كونري دور الريسوني، الفيلم يظهر الوجه الاخر للاختطاف وهو قصة حب للمرأة تجاه خاطفها بعد أن أعجبت بأخلاقه ونبله حيث كان يحميها وابنها كما لو كانت أسرته، اعتبرته مقاوما للوطن ضد الجبروت والطغيان. قصة الحب غير مؤكدة بينهما، لكن الأكيد أنها تعاطفت معه ولم تندم على فترة الاختطاف.
لوبيات "عش الدبابير"
بيرديكاريس لم يبن القصر فقط حين استقر بالمنطقة، بل طوقه بمختلف أنواع الأشجار التي استوردها من مختلف القارات، وأنشأ أحواضا ومشاتل بنباتات مستوردة ومد قنوات المياه المتصلة بالأحواض وصنع ملاجئ للحيوانات والطيور المختلفة كهدية لزوجته التي أعياها مرض السل. جنة بيئية أصبحت تنتقل من يد إلى أخرى من ملكية السفير السويسري بطنجة ثم إلى التهامي الكلاوي في عهد الحماية حيث كان يغير به أجواء مراكش، ثم إلى ملك الدولة سنة 1959 ليدخل بعدها في غياهب الإهمال بعد أكثر من قرن على بنائه بدون صيانة سوى من حارس أعزل يغادره ليلا. " قلما يزور المكان مسؤول ما، زارت القصر السنة الماضية امرأة مسنة لم تكن سوى ابنة مالك القصر الأصلي وبدأت تبكي وهي تستحضر ذكريات المكان كما زاره مؤخرا مسؤولون بدعوى إصلاحه قريبا في إطار أوراش طنجة الكبرى" يقول الحارس الذي يستمتع وهو يتحدث عن تاريخ القصر.
الرئة التي يتنفس منها سكان طنجة في وقت يكثر الإسمنت في داخلها لم تسلم هي الأخرى من طمع وحوش العقار اللذين لا زالوا يخوضون معارك ضارية مع هيئات المجتمع المدني من أجل احتلال الغابة وتهديم القصر لتحويلها إلى عمارات سكنية أو فنادق سياحية. هيئات المجتمع المدني تتعرض لضغوطات مباشرة عبر التهديدات وغير مباشرة باللجوء للإشاعات والتواطؤ مع بعض الأقلام التي تخدم مصالح لوبيات العقار.
"نحن نشتغل في عش الدبابير، دبابير لها حسابات ضيقة على حساب إرث حضاري، نعاني من نشويه صورتنا ومن ضغوطات كبيرة لكننا ستستمر في القيام بواجبنا" يصرح ربيع الخمليشي رئيس مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية، جمعية تأسست بعد موجة التوسع العمراني الذي عرفتها طنجة من أجل الحفاظ على ما تبقى من معالمها "هو جزء من التراث المعماري لطنجة والمغرب وتؤرخ لفترة طنجة الدولية.
حاليا يعرف وضعية مزرية جدا لسنوات وسنوات، والمسؤولية مشتركة بين مجموعة من الفاعلين تتحمل فيه السلطات المحلية المكلفة بالشأن الثقافي الجزء الأكبر، معلمة بيرديكارس لا تأخذ حيزا من الاهتمام الكافي، فقد تعرضت للتدمير ولا يتم رصد إمكانيات من أجل القيام بمهام الحراسة والمراقبة على الأقل في انتظار التأهيل" يستنكر ربيع قل أن يضيف " مطالبنا كانت واضحة وما سمي بورش طنجة الكبرى لا زالت مجرد عناوين كبرى، عمليا على الأرض لم نرى شيئا. لدنيا مراكز بطنجة يمكن استغلالها لاستقطاب السياح والزوار وعندنا إرث معماري لا يتم التعامل معه بما يناسب المصلحة العامة، والحفاظ على الذاكرة الجماعية. بيرديكارس قصر بحمولة تاريخية هو بناية تتعرض للتهالك ولا يجب إغفاله".
من يتحمل المسؤولية؟
"المسؤولية تتقاسمها الدولة بكل مؤسساتها الثقافية والسياسية والتشريعية والتنفيذية، ثم الأحزاب السياسية التي تحملت سابقا وحاليا تسيير الشأن الوطني. أما على المستوى المحلي، فمسؤولية المجالس البلدية المتعاقبة ثابتة لأنها ساهمت بجهد ملموس وممنهج في تطبيق سياسة التهميش الثقافي والفني والتراثي، ولأنها استفادت ماديا واغتنت اغتناء فاحشا ومشبوها عبر تفويتات هنا وهناك، وعبرة سمسرة الأراضي الجماعية والملك العمومي، كما استفادت سياسيا من خلال تفريخ زبناء في الهوامش والأحياء العشوائية المشوهة، زبناء موالين لهذا أو لذاك، وموزعين توزيعا قبليا وعرقيا، الثقافة بالنسبة لهم مضيعة وقت وترف مثلهم مثل العديد من محتضنيهم من سماسرة الشأن المحلي" يصرح أحمد الفتوح المنسق العام للمنتدى الثقافي بطنجة.
ويوافقه الرأي الفاعل الثقافي والجمعوي محمد أحمد البنيس الذي يتساءل " كيف تسمح النخب المحلية والجهات المسؤولة ورجال الاقتصاد بأن تترك هذه المعالم تتداعى بهذه الطريقة. قبل مدة أطلقت بعض الجمعيات والفعاليات الإسبانية حملة لإنقاذ مسرح "ثربانتس" الذي توشك أن تتهاوى بقاياه. لكن ما من مجيب كيف يعقل أن يحدث هذا في بداية الألفية الجديدة حيث الموروث الثقافي جزء من عملية التنمية بكل أبعادها. أتصور أن هناك نية ما لعدم تأهيل هذه المعالم التاريخية حتى لا تتحول إلى جزء من هوية ثقافية محلية أو جهوية، الجهوية بعمقها التاريخي والثقافي تبدو مرعبة. الأمني والسياسي حاضر في الظل دائما".
قصر بيردكاريس هو قبل كل شيء تاريخ تحوم حوله الأساطير والقصص الخرافية بين من يعتبره مسكنا للأشباح التي تتجول بين أشجاره الموحشة وبقايا الغرف المتهدمة، وتقول روايات إنه هو نفسه المكان الذي صور فيه الفيلم الشهير " إكسورسيست".
في 26 مارس المنصرم، أطلق الملك محمد السادس أشغال إعادة التأهيل التي تهم، على الخصوص، إعادة ترميم بيردكاريس، وتجديد ساحة الرميلات والساحات المجاورة، وتهيئة ممرات المشاة المخصصة للتجول والفضاءات الخضراء، إلى جانب التأثيث الحضري، وذلك باستثمارات تصل إلى 20 مليون درهم، تروم جعله فضاء للاسترخاء والاستراحة بامتياز، فضلا عن تحسيس المواطنين بأهمية حماية بيئتهم والحفاظ عليها.
هذا واعتبرت خديجة بياري ، وهي مهندسة مجالية بولاية طنجة تطوان، مكلفة بمشروع تهيئة بيردكاريس، أن المشروع سيغني الموروث السياحي والايكولوجي بالمنطقة كما سيسهم في تعزيز جاذبية السياح بمدينة البوغاز وتدعيم ديناميتها التنموية، مضيفة أن المشروع يندرج في إطار برنامج تأهيل المواقع التاريخية والمنتزهات الطبيعية بطنجة والذي هو جزء لا يتجزأ من مشروع "طنجة الكبرى، يتوخى تأهيل منتزه "غابة الرميلات" كفضاء طبيعي لإبراز حمولته البيئية الثرية وتنوعه الايكولوجي ومكانته التاريخية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.