صار مألوفا لدى المغاربة، ألا تمر تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق عبد الإله ابن كيران سواء في اللقاءات الحزبية أو المهرجانات الخطابية وغيرها دون أن تثير الجدل بين الناس وعلى منصات التواصل الاجتماعي، ثم سرعان ما يعود للإنكار بدعوى تأويل أقواله من قبل جهات مغرضة، وخاصة بعد إعادة انتخابه أمينا عاما للحزب في المؤتمر الوطني التاسع، الذي انعقد في 27 أبريل 2025 بمدينة بوزنيقة، وكأنه يريد أن يثبت للجميع أن حزبه مازال على قيد الحياة، وقادرا على العودة بقوة لمربع السلطة خلال انتخابات 2026. إذ أنه أبى في هذا السياق أبى إلا أن يفجر مرة أخرى موجة من السخط العارم في أوساط المنظمات النسائية والحقوقية، ويحدث زوبعة قوية من ردود الفعل الغاضبة، على خلفية ما ورد في كلمته إبان المؤتمر الجهوي السابع للحزب الذي انعقد في 5 يوليوز 2025 بجهة سوس ماسة، التي دعا فيها الفتيات المغربيات إلى التركيز على الزواج، بدعوى أنه الأساس الوحيد في الحياة، بدل إضاعة الجهد والوقت في المسارات الدراسية والمهنية، حيث قال: "كنقول للبنات سيرو تزوجو راه ما غادي تنفعكم لا قريا لا والو" وأضاف "إيلا فاتكم الزواج ما تنفعكم قرايا، غتبقاو بوحدكم بحال بلارج" فاعتبار الزواج ضرورة ملحة وخيارا استراتيجيا لتكوين الأسرة عوض الانشغال بإتمام الدراسة والسقوط في العنوسة، ساهم في تأجيج نيران الغضب في أوساط الفعاليات النسائية والحقوقية وسواها، لترتفع بذلك وتيرة الانتقادات الحادة وتتعالى أصوات الشجب والتنديد من مختلف الجهات. إذ أكد في هذا الصدد محمد مهدي بنسعيد القيادي البارز في حزب الأصالة والعاصرة ووزير الثقافة والشباب والتواصل، أن استكمال الدراسة بالنسبة للفتاة المغربية أهم بكثير من انصباب اهتمامها على الزواج، لأن المعرفة مفتاح الكثير من الأبواب، ويساهم التعليم في تمكين النساء من حقوقهن كاملة في تحقيق العيش الكريم... كما سارعت ياسمينة بادو القيادية البارزة في حزب الاستقلال ووزيرة الصحة سابقا (2007/2012)، بدورها إلى إدانة أقوال زعيم حزب "المصباح"، معتبرة أنها تصريحات لا تمثل انتكاسة كبرى في مسار النضال من أجل المساواة بين الجنسين وحسب، بل هي أيضا إهانة شديدة لكرامة المرأة. داعية إلى التصدي الفوري لمثل هذه الأقوال الهجينة التي تهدف إلى إقصاء المرأة وتحجيم دورها في المجتمع، وزادت بأن شددت على أنها تشكل كذلك رسالة مباشرة لتكريس ثقافة التمييز والإقصاء، وتتجه نحو التأسيس لفكر رجعي يتعارض مع روح الدستور وقيم الإسلام السمحة وتطلعات المغرب الحديث... ولم تلبث أن دخلت على الخط "التنسيقية النسائية من أجل التعبير الشامل والعميق لمدونة الأسرة" التي تضم 32 جمعية نسائية، لتصدر بيانا مشتركا تعرب بواسطته عن استنكارها، والتنديد بتصريحات "زعيم الإسلاميين" التي تضرب الحقوق الأساسية للفتاة والمرأة، مثل الحق في التعليم والحق في العمل، وتعكس بوضوح قمة التخلف والرجعية لدى من كان بالأمس القريب يحتل المرتبة الثانية في السلطة خلف ملك البلاد. إذ اعتبرت كلامه مساسا بمقومات الدولة الحديثة ومحاولة إلغاء المؤسسات والمواثيق والمنجزات والمكتسبات، التي ما فتئ المغرب يراكمها. وتؤكد أن تلك التصريحات بقدر ما تسيء إلى الفتيات والنساء المغربيات، فإنها تشكل تحريضا مباشرا على التمييز، مما يتنافى مع التزام المغرب الرامي إلى النهوض بحقوق النساء وتمكينهن في جميع المجالات. بيد أن ابن كيران وكما هي عادته في محاولة الهروب إلى الأمام كلما وجد نفسه محاصرا وغير قادر على المواجهة والدفاع عن نفسه، عاد لينفي ما صرح به في حق الفتيات المغربيات بخصوص الزواج، مؤكدا أنه لم تكن لديه أي نية للإساءة إليهن. واعتبر ردود الفعل الغاضبة ضده مجرد "حملة منسقة" من قبل خصومه الذين يتربصون به ويسعون إلى ضرب مصداقيته وتشويه سمعته. وأضاف بلا حياء أن حديثه كان موجها فقط إلى أعضاء حزبه والمتعاطفين معه، وليس إلى عموم المجتمع المغربي أو الجمعيات النسائية، مبررا تصريحاته بارتفاع نسبة العنوسة وما يترتب عنها من أوضاع اجتماعية ونفسية صعبة... والأدهى من ذلك أنه وفي محاولة يائسة لتعويم النقاش وتهريبه، انبرت قنديلات البيجيدي للدفاع عن الأمين العام للحزب، معتبرة أن ما يتم ترويجه ضده ليس سوى "تأويلات مغرضة ومجزأة" أخرجت عن سياقها بهدف "الصيد في المياه العكرة". حيث أصدر المكتب التنفيذي لمنظمة نساء العدالة والتنمية بيانا، ينتقد من خلاله ما اعتبره صمتا مطبقا لعدد من الهيئات والجمعيات النسائية تجاه ما تعاني النساء المغربيات من قضايا يومية حقيقية وخطيرة من قبيل الهشاشة والبطالة والعزلة وغيرها، خصوصا في العالم القروي، داعيا إلى البحث عن حلول واقعية للمشاكل المطروحة بحدة... إن ابن كيران من الأشخاص الذين جبلوا على الثرثرة بهدف لفت الانتباه إليهم مهما كانوا على خطأ، وأن الانشغال بخرجاته وتصريحاته لا يعدو أن يكون مضيعة للوقت. ونرى أنه من غير المقبول الاستمرار في انتقاده ونحن نعلم أنه لا يستطيع التحكم في لسانه، مما أدخله في عديد المواجهات مع مختلف الجهات والشخصيات. أليس هو الذي وصف بعض المغاربة ب"الميكروبات" و"الحمير"، وتطاول على مؤسسة الجيش المغربي، فضلا عن مهاجمة الرئيسين الفرنسي والأمريكي إيمانويل ماكرون ودونالد ترامب، علما أن القانون المغربي يجرم إهانة رؤساء الدول الأجنبية؟ اسماعيل الحلوتي