رغم مرور سنوات على انطلاق مسيرة السلام "Marša Mira" التي تقام في البوسنة والهرسك ما بين 8 و11 يوليوز من كل سنة، تخليدا لذكرى الإبادة الجماعية في "سربرينيتشا" عام 1995، لا يزال الحضور المغربي محتشما في هذه الفعالية العالمية التي تجمع آلاف المشاركين من مختلف الجنسيات، ما يعكس ضعف التفاعل مع هذا الملف الإنساني الذي يمسّ مسلمي البوسنة والهرسك. وحسب مصادر هسبريس، لم يتجاوز عدد المغاربة المشاركين في مسيرة هذا العام، التي صادفت الذكرى الثلاثين لهذه الإبادة التي أعدمت خلالها قوات صرب البوسنة أكثر من 8000 مسلم من مسلمي البوسنة بقيادة الجنرال راتكو ملاديتش، الملقب ب"جزار البلقان" والمدان بالسجن مدى الحياة من طرف المحكمة الجنائية الدولية، أربعة أشخاص فقط، كلهم من أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج. محمد برهي، مغربي مقيم ببلجيكا أحد المشاركين الأربعة في مسيرة هذا العام، قال في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية إن "مسيرة السلام التي تقام سنويا لتخليد ذكرى الإبادة الجماعية ضد مسلمي البوسنة، تعرف تنظيما جيدا وتشهد مشاركة آلاف الأشخاص من حول العالم الذين ينطلقون في شكل قوافل مشيا على الأقدام لمسافة تزيد عن 100 كيلومتر، انطلاقا من بلدية نزوك وصولا إلى منطقة بوتوشاري التي تضم مقابر أكثر من 8732 مسلما، مرورا بعدد من البلدات والقرى في البوسنة والهرسك". وأوضح أن "المسيرة التي تستغرق ثلاثة أيام، تمر عبر طرق جبلية وغابوية وعرة في محاكاة للمسيرة والمعاناة التي عاشها الناجون والهاربون من هذه المذبحة، وتمر عبر مجموعة من القرى التي يرحب أهلها بالمشاركين، قبل أن تنتهي بإقامة حفل تأبيني وصلاة جنازة ودفن الضحايا الجدد الذين تم اكتشاف رفاتهم حديثا"، مبرزا أن "هذا الحدث المهم يتيح للمشاركين فيه التعرف والتواصل مع عدد من الناجين وعائلات الضحايا الذين قُتلوا، وهو ما يُعد تجربة إنسانية لا تنسى". وأشار المتحدث ذاته إلى أن "الحضور المغربي خاصة، والعربي عموما، في هذا الحدث كان محتشما للغاية؛ إذ لم يتجاوز عدد المشاركين المغاربة أربعة أشخاص، كلهم من المقيمين في أوروبا، وقد يعود هذا بالأساس إلى نقص المعرفة في المغرب حول هذا الحدث ورمزيته بالنسبة لمسلمي البوسنة، وعدم تسليط الضوء عليه إعلاميا، رغم أنه يُذكّر بمأساة إنسانية تمسّ المسلمين في أوروبا ومختلف بقاع العالم. فحتى المواطنون البوسنيون فرحوا كثيرا بتمثيلنا للمغرب، ويفرحون كثيرا حينما يصادفون مشاركين في هذه المسيرة من دول عربية أو إسلامية". ويحتشد الآلاف من البوسنيين كل سنة بمقبرة قرب مدينة "سربرينيتشا" لإحياء ذكرى المجزرة التي أعدمت فيها قوات من صرب البوسنة أكثر من ثمانية آلاف شخص من مسلمي البوسنة خلال الحرب التي دارت رحاها بين 1992 و1995، حيث سيطرت قوات قادها الجنرال ملاديتش على المدينة في أواخر هذه الحرب، بالضبط في يوليوز من سنة 1995، وارتُكبت فيها مذبحة ضد السكان المحليين، في حادث يوصف بأنه واحد من أسوأ جرائم الحرب التي عرفتها القارة العجوز منذ الحرب العالمية الثانية. وتم خلال مسيرة هذا العام، دفن رفات سبع ضحايا جدد لهذه الإبادة الجماعية في مركز "سربرينيتشا-بوتوكاري" التذكاري، بعدما تم تحديد هوياتهم، منهم شابان لم يتجاوزا العشرين ربيعا وامرأة كشفت التحليلات المخبرية أنها كانت تبلغ 67 عاما يوم مقتلها، فيما لا يزال مصير المئات من الضحايا مجهولا. وفي كلمة له تلاها بالنيابة عنه رئيس ديوان مكتبه خلال حفل أُقيم بقاعة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الأمين العام الأممي، أنطونيو غوتيريش، إن "العالم يتحد تضامنا وتأملا في الذكرى الثلاثين للإبادة الجماعية التي وقعت في سربرينيتسا عام 1995، عندما فُصِل أكثر من 8000 رجل وفتى بوسني عن عائلاتهم بشكل ممنهج، وأُعدموا ودُفنوا في مقابر جماعية". وأشاد الأمين العام الأممي بشجاعة الناجين وعائلاتهم، معتبرا أن "الناجين وعائلات الضحايا، لا سيما الأمهات، أظهروا شجاعة استثنائية في سعيهم وراء الحقيقة والعدالة، ويساهمون في تربية أجيال جديدة على الحب لا الكراهية"، مبرزا أن "خطاب الكراهية يتصاعد مجددا، مما يغذي التمييز والتطرف والعنف. ونشهد تمجيد مجرمي الحرب من جديد، والتيارات الخطيرة نفسها التي أدت ذات مرة إلى ارتكاب جرائم وحشية". من جهته، أوضح فيليمون يانغ، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، في كلمته بهذه المناسبة، أن "العالم يجب أن يسترشد بدروس سربرينيتشا في جهوده لمنع مثل هذه الجرائم في كل مكان وزمان. وهذا يشمل تعزيز حماية المدنيين في النزاعات ودعم حقوق الإنسان الأساسية"، مشيرا إلى أن هذه الذكرى تحمل طابعا أكثر إلحاحا في عالم يزداد تشرذما بسبب الانقسام وتزايد التعصب. وتابع قائلا: "يجب ألا نتذكر التاريخ فحسب، وإنما ينبغي أن نتعلم منه أيضا حتى لا تتكرر مآسي مثل مذبحة سربرينيتشا. ويجب أن تكون الأجيال القادمة قادرة على فهم ما حدث، ولماذا حدث، وكيف سُمح بحدوثه. ساعتها فقط يمكنهم ترسيخ قيم السلام والتسامح والكرامة الإنسانية". وفي العام الماضي، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ال11 من يوليوز من كل سنة يوما دوليا لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية في "سربرنيتشا"، وذلك على الرغم من ممارسة صربيا وبعض المناطق ذات الأغلبية الصربية داخل جمهورية البوسنة والهرسك ضغوطا عديدة لإعاقة تمرير هذا القرار. وبعد تفكك جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية، اندلعت حرب ضروس بين عرقيات وفصائل متنازعة تضم كلًّا من صرب البوسنة والمسلمين البوسنيين (البوشناق) إلى جانب الكروات، انتهت بالتوقيع على اتفاق "دايتون" الذي قسم البوسنة والهرسك إلى "الاتحاد الإسلامي الكرواتي للبوسنة والهرسك" و"جمهورية صرب البوسنة"، إلى جانب مقاطعة "برتشكو" ذات الحكم الذاتي، غير أن ملامح عودة الانقسام والصراع بدأت تلوح مجددا في الأفق بعد دعوة ميلوراد دوديك، رئيس جمهورية صرب البوسنة، إلى "توقيع اتفاق جديد بشأن هيكلة البوسنة والهرسك أو تقسيمها بشكل سلمي".