تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    نجلاء موزي تمثل المغرب في بكين بعد فوزها بالنسخة ال24 لمسابقة "جسر اللغة الصينية"    الوكالة الوطنية للمياه والغابات تطلق خرائط يومية لتحديد مناطق خطر حرائق الغابات    المهرجان الدولي للفيلم بالداخلة يحتفي بشخصيات بارزة من عالم الفن السابع    المغرب يحتفي بيوم إفريقيا في لاس بالماس على خلفية التعريف بالتراث    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية وتساقط برد.. الأرصاد تحذر من طقس غير مستقر بعدد من أقاليم المملكة    إسرائيل: 10 قتلى وأزيد من 200 جريحا جراء الهجمات الصاروخية الإيرانية    مسافرون يتفاجؤون بفرض 10 كلغ كحد أقصى لحقيبتين يدويتين بمطار العروي    انتخاب سعاد لبراهمة رئيسة جديدة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان.. وهذه لائحة المكتب المركزي    "العدالة والتنمية" يدق ناقوس الخطر إزاء تفاقم المديونية ويحذر من اختلالات جديدة في إعادة تشكيل القطيع    عزيزة داودة يكتب: موريتانيا في مواجهة التحديات الأمنية والدبلوماسية وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في الساحل    هزيمة جمال بن صديق امام جزائري في نزال "كلوري 100"    حب الملوك بصفرو : 101 سنة من الاحتفاء بالكرز والتراث المغربي الأصيل    التلميذة هناء الزرغيلي تتصدر نتائج الباكالوريا 2025 بإقليم شفشاون بمعدل 18.83    البوجدايني: الداخلة تكرس نفسها كوجهة سينمائية واعدة في القارة الإفريقية    إيران تعلن اعتقال "عميلين للموساد"    مقتل 7 أشخاص بتحطم مروحية هندية في الهملايا    طقس الاثنين.. رياح قوية مرتقبة في طنجة وأجواء حارة بعدد من مناطق المملكة    برادة يكشف نتائج "الكفاءة المهنية"    "أرباب كريمات" ينادون بالتصدي لأعطاب قطاع سيارات الأجرة في المغرب    انطلاق كأس العالم للأندية في نسختها الجديدة مواجهة نارية تجمع الأهلي بانتر ميامي    التعادل مع إنتر ميامي يحزن الأهلي    تسريب بيانات حساسة يفتح عين "دركي البورصة" على اختلالات خطيرة    بعد غيابه لقرن من الزمان.. كزناية تحتضن مهرجان التبوريدة    ريدوان وبيتبول يبدعان في أغنية مونديال الأندية    فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    "أزطا أمازيغ" تطالب بترسيم فعلي للأمازيغية ووقف التمييز    توصيات الفيدرالية الوطنية لتحسين التعليم وضمان نجاح الدخول المدرسي 2025/2026    الوداد المغربي يتعاقد مع المدافع البرازيلي غيليرمي فيريرا    تقارير.. إيران تضرب معهد وايزمان أبرز المراكز البحثية والعلمية    المغرب وكأس إفريقيا: ما الذي ينقص المنتخب الوطني ليحسم اللقب القاري؟    فرينش مونتانا يشعل حفل افتتاح مونديال الأندية بأمريكا بإطلالة بقميص المنتخب المغربي بخريطة المغرب كاملة    الرئيس الصيني يعيد نسج خيوط طريق الحرير: دينامية صينية جديدة في قلب آسيا الوسطى    إسرائيل: 10 قتلى وأزيد من 200 جريحا جراء الهجمات الصاروخية الإيرانية    المؤتمر الجهوي للاتحاد العام للفلاحين لجهة الدار البيضاء سطات بالجديدة    الأهلي يتعادل مع إنتر ميامي (0-0) في افتتاح الموندياليتو    إيران تقصف معهد وايزمان الإسرائيلي للعلوم    الدار البيضاء.. توقيف شخص متورط في سرقة بالعنف باستخدام دراجة نارية    المغرب يعزز موقعه في سباق الطاقة النظيفة: اتفاقية استراتيجية مع شركة صينية لإنتاج مكوّنات بطاريات السيارات الكهربائية    ما الأنظمة الدفاعية التي تستخدمها إسرائيل في أي تصعيد؟    الصين تطلق قمرا صناعيا لرصد الكوارث الطبيعية    ماذا يفعل تحطُّم الطائرة بجسم الإنسان؟    قصة "حصان طروادة" المعتمَد حديثاً في المملكة المتحدة لعلاج سرطان خلايا البلازما    الحجاج يواصلون رمي الجمرات في أيام التشريق، والسلطات تدعو المتعجّلين للبقاء في المخيمات    فريدة خينتي تطالب وزير الداخلية بإحداث سوق عصري نموذجي بجماعة بني أنصار    الحج 2025: السوريون يغادرون من دمشق لا المنافي بعد 12 عاماً من الشتات    بنهاشم يثمن تحضيرات نادي الوداد    من حكيمي إلى بونو .. 31 أسداً مغربياً يشعلون ملاعب مونديال الأندية    16 دولة تدق ناقوس الخطر لمواجهة التغيرات المناخية على خلفية مؤتمر "كوب 30"    الولايات المتحدة تُعد قائمة حظر سفر جديدة تشمل 36 دولة بينها ثلاث دول عربية    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي على وقع الانخفاض    اجتماع وزاري لتفعيل التوجيهات الملكية حول إعادة تكوين القطيع الوطني للماشية    مهنيو و فعاليات الصيد البحري بالجديدة يعترضون على مقترحات كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري        السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب    تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوى قصور المالكية في علم الأصول
نشر في هسبريس يوم 25 - 10 - 2009

مما لا ريب فيه أن لكل إمام من الأئمة الفقهاء طريقته الخاصة في الاجتهاد و الاستنباط، بناها على قواعد استخلصها بالبحث في مصادر الشريعة، وهذه الطريقة منهم من دونها، لأنه رأى أن الحاجة تدعوا لذلك، ومنهم من ترك تدوينها، وإنما طبقها تطبيقا عمليا. ""
لذلك كان الإمام الشافعي محط شبه إجماع على انه أوّل من ألف في علم الأصول بكتابه المشهور"الرسالة"، حيث أصل فيه علم الأصول، وبين مناهجه وأرسى قواعده، فكان له بذلك فضل السبق، وإن كان غيره قد سبقه بالإشارة إلى معالم علم الأصول.
ومن هنا ذكر المؤرخون لعلم الأصول، أن العلماء افترقوا تبعا لاختلافهم في طريقة التأليف والغرض إلى فرقتين:
اشتهرت إحدى الفرقتين باسم طريقة المتكلمين: وقد عنت هذه الفرقة بتحقيق القواعد تحقيقا نظريا مع الميل إلى الاستدلال العقلي، دون ربط لتلك القواعد بفروع الفقه، فما أيّدته العقول والحجج من القواعد أثبتوه، وما خالف ذلك ردوه، ولم يلتفتوا إليه إلا عند قصد التمثيل أو التوضيح، وقد نُسبت هذه الطريقة إلى الشافعية لكثرة مؤلفاتهم فيها، مع أن غيرهم من علماء المذاهب الأخرى قد تابعهم في طريقتهم تأليفا وتدريسا.
أما الطريقة الثانية فهي: طريقة الحنفية التي تميزت بربط الفروع بالأصول، فاعتبرت هذه الطريقة أقرب من سابقتها إلى الفقه.
وقد استقر الأمر على ذلك الاختلاف بين الفرقتين فترة من الزمن إلى أن ظهرت طريقة ثالثة رامت الجمع بين طريقة الفقهاء وطريقة المتكلمين، فكان منهجها هو تقرير القواعد الأصولية مجردة على طريقة المتكلمين أولا، ثم إتباع ذلك بتخريج الفروع عليها كما يفعل فقهاء الأحناف.
والناظر في هذه الخلاصة المركزة لتأريخ علم أصول الفقه تأليفا ومنهجا، يلاحظ أن هناك إغفال للمدرسة المالكية في علم أصول الفقه، فما هي الأسباب الموضوعية وراء ذلك؟.
أولا: الإمام مالك رحمه الله لم يؤلف كتابا مستقلا في علم أصول الفقه، وإنما كانت له إشارات أصولية سبق بها غيره. أما كتابه: "الموطأ" فقد تضمن التطبيق العملي لأصول الفقه ، لذلك كان الإمام مالك يحتج في كثير من المسائل بالقواعد الأصولية، ونبه القاضي أبو بكر بن العربي على هذه الخاصية عند تقديمه لكتابه: القبس، قال:"إذ بناه مالك رضي الله عنه على تمهيد الأصول للفروع ونبه فيه على معظم أصول الفقه، التي ترجع إليه مسائله وفروعه" .
ثانيا: صعوبة البحث عن القضايا الأصولية التي تناولها الفقهاء المالكية في مؤلفاتهم، لأنهم كانوا يهتمون بالجانب التطبيقي أكثر من اهتمامهم بالجانب النظري، لذلك خفيت معالم شخصيتهم الأصولية.
يقول الدكتور محمد المختار ولد أباه:"أما الباحث في أصول الفقه المالكي خاصة، فإنه لا يرى بسهولة نظريات متكاملة مقررة في شكلها النهائي وشاملة لجميع المباحث الأصولية، إذا ما استثنينا كُتب أبي الوليد الباجي ، ومؤلفات القاضي عبد الوهاب في الخلاف العالي أو نظريات الشاطبي في كتاب الموافقات .
ثالثا: هناك شبهة تقول بأن المالكية أتباع للشافعية في علم أصول الفقه، فلا إبداع لهم في هذا العلم، ولا يتكلمون منهجا واضحا، ولم يبرز لهم مؤلفات تدل على تميزهم الأصولي، بل تجاوز الأمر إلى القول بأن المغاربة المالكية هم أجهل الناس بعلم الأصول.
فإذا سلَّمنا بأن المالكية لم يكن لهم كتاب مُؤسّس ومُؤَصل ومُبيّن لمنهجهم في علم الأصول يُنسب لإمامهم، فهذا لا اعتراض عليه، وإلا فهناك مؤلفات كثيرة لغير الإمام مالك، وهي كتب رائدة في علم الأصول.
ونسلم أيضا القول بأن فقهاء المالكية لم يهتموا بالقواعد الأصولية، لأنه في نظرهم أن الفقيه الحق هو الذي يُلم بعلم الأصول حتى يتسنّى له اقتحام عقبة الفقه.
أما القول بأن المالكية كانوا أتباعا للشافعية لا منهج لهم ولا إبداع، بل واتهامهم بالتقصير والجهل، فهذا ما لا يصدقه عقل، ولا يسلم له باحث منصف.
إن هذه التهمة التي اتهم بها المغاربة المالكية كان سببها نقولات مستغلقة وغير كافية في إعطاء هذا الحكم القاسي.
أما بالنسبة للنقول، فهناك قول ينسب للإمام ابن رشد الحفيد595ه ، ذكر فيه أن علم الأصول يروج في جميع البلدان ما عدا المغرب، ونص كلام ابن رشد كالتالي:"وأما الذي أحوج في هذا إلى التمثيل بصناعة التعاليم، فهذه صناعة أصول الفقه، والفقه نفسه، ما لم يكمل النظر فيه إلا في زمن طويل، ولو رام إنسان اليوم، من تلقاء نفسه، أن يقف على جميع الحجج التي استنبطها النظار من أهل المذاهب في مسائل الخلاف التي وضعت المناظرة فيها بينهم في معظم بلاد الإسلام، ما عدا المغرب لكان أهلا أن يضحك منه، لكون ذلك ممتنعا في حقه، مع وجود ذلك مفروغا منه، وهذا أمر بين بنفسه، ليس في الصنائع العلمية فقط، وفي العلمية، فإنه ليس منها صناعة يقدر أن يُنشئها واحد بعينه، فكيف بصناعة الصنائع، وهي الحكمة" .
وعندما تأملنا في هذا النص، نجد أن كلام ابن رشد قد فُهم فهما خاطئا، إذ كان "يقصد إلى بيان شرعية النظر في كتب القدماء (الفلاسفة) لأنها أساس المعرفة العلمية الفلسفية، ومثل لذلك بأن الفقيه إذ كان يتعلم ويستفيد مما شيَّده الأسلاف من معارف وعلوم تخص القياس الفقهي"علم أصول الفقه"، فكذلك يجب أن نستفيد مما شيده القدماء في مجال القياس العقلي"علوم المنطق".
ومن هنا تساءل الدكتور ألحيان عن الفهم الخاطئ المنسوب للإمام ابن رشد مع أنه كان يقصد أن المناظرات الفقهية هي التي عرفت ضعفا كبيرا، وهي حقيقة معروفة مقررة، أما علم الأصول فكان رائجا في بلده آنذاك، ونافقه سوقه، وكيف يقصد ابن رشد ذلك الكلام، وهناك مؤلفات تشهد لبراعة القوم في علم الأصول، والأمثلة على ذلك كثيرة منها: مؤلفات الباجي، كالإشارة، وإحكام الفصول، وكتب العلامة ابن حزم الأندلسي ، بالإضافة إلى كتب لعلماء معاصرين لابن رشد، ككتب القاضي أبي بكر بن العربي، وأبي الحسن الفيزاري (توفي سنة 553ه)، وأبي الحسن بن النعمة (توفي سنة 567ه) وغيرهم.
وكيف يقصد ابن رشد ذلك الكلام، وهو الأصولي البارع، والمتكلم النظار وكتابه:"بداية المجتهد ونهاية المقتصد" بلغ القمة، ومثل أرقى نموذج في التطبيق العملي لأصول الفقه.
ولهذا تساءل الدكتور مولاي الحسن قائلا: أبعد كل هذا يقال: أن ابن رشد الحفيد يتهم المالكية بقصورهم في علم الأصول؟!
أما العلامة ابن خلدون فقد نقل عنه اتهام المالكية بقلة التأليف في علم الأصول مقارنة مع غيرهم، بالإضافة إلى وصمهم بتهمة عدم القدرة على الإبداع والابتكار والتفوق، لأنهم حسب رأيه ليسوا بأهل نظر.
ونظرا لأن كلام ابن خلدون فُهم فهما خاطئا، واجتُزئ من سياقه دون فهم مقاصده نُورده كلاما.
لقد جاء كلام ابن خلدون في معرض الحديث عن الخلافيات بعد أن أكمل الحديث عن علم أصول الفقه، الذي اعتبره من أعظم العلوم وأكثرها فائدة، يقول رحمه الله :"وأما الخلافيات فاعلم أن هذا الفقه المستنبط من الأدلة الشرعية كثُر فيه الخلاف بين المجتهدين (...) ولابد من معرفة القواعد التي يُتوصل بها إلى استنباط الأحكام كما يحتاج إليها المجتهد (...) وهو لعمري علم جليل الفائدة في معرفة مآخذ الأئمة وأدلتهم، ومران المطالعين له على الاستدلال فيما يرمون الاستدلال عليه. وتآليف الحنفية والشافعية فيه أكثر من تآليف المالكية، لأن القياس عند الحنفية أصل للكثير من فروع مذهبهم كما عرفت، فهُم لذلك أهل النظر والبحث. وأما المالكية فالأثر أكثر معتمدهم وليسوا بأهل نظر. وأيضا فأكثرهم أهل المغرب، وهم بادية غُفل من الصنائع إلا في الأقل. وللغزالي رحمه الله تعالى فيه كتاب المآخذ، ولأبي بكر العربي من المالكية، كتاب التلخيص جلبه من المشرق، ولأبي زيد الدبوسي كتاب التعليقة ، ولابن القصار من شيوخ المالكية عيون الأدلة، وقد جمع ابن الساعاتي في مختصره في أصول الفقه جميع ما ينبني عليها من الفقه الخلافي، مدرجا في كل مسألة منه ما ينبني عليها من الخلافيات".
والحق أن هذا الحكم، اعتبر حكما قاسيا من قاضي قضاة المالكية، يقول محمد المختار:"وفي قول ابن خلدون مبالغة ومغالاة، إذ أن علماء الفقه المالكي ألفوا في الأصول أكثر من مائة كتاب، وليس من الإنصاف أن نُنقص من قيمة الفكر المالكي ومقدرته على خلق القواعد التي تمد ممارسيه بالحلول العملية للنوازل الواردة. فقد أسهم في إثراء وسائل الاستنباط حينما ربط بين المصالح والتشريع، وظهرت نتائج هذا الإسهام في البحوث الواردة في كتب القرافي والشاطبي وابن فرحون وغيره" .
إذن يتبين لنا أن دعوى قصور المالكية في علم الأصول لا يسلم بها، وقد ظهر من خلال النصوص التي يتم الارتكاز بها في دعم دعوى القصور أنها وضعت في غير محلها، واجتزأت من سياقها، كما أنها فهمت فهما ناقصا ومغلوطا، لذلك فإن علم الأصول ظاهرة معالمه ومناهجه في كتب علماء المالكية؛ بل إنها طبقت تطبيقا عمليا في كتب الفقه أيضا، فمن المحال ألا تجد فقيها مالكيا بارعا في الفقه لم يضمن كتبه مناهج علم الأصول عن استنباطه للأحكام الشرعية، لذلك تجد أن الحكم يراعى فيه المصالح والعرف..، ويؤخذ باستعمال القياس والاستحسان وغيره، وبهذا يتبين أن ادعاء قصور المالكية في علم الأصول فيه قصور.
*كاتب وباحث في العلوم الشرعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.