إن الخطة التي دشّنتها "لوموند" ضد المغرب ورموزه مدروسة وممنهجة وموجهة: أولاً: مدروسة في اختيار الوقت، واستغلال لحالة معروفة ليست سرًا ولا لغزًا. ثانيًا: ممنهجة لأنها أتت في سياق تبادل الأدوار وفي إطار مسلسل لحلقات مُعلَنة. ثالثًا: موجهة تهدف إلى تحقيق غاية وتحقيق نتيجة: دس الشك وهدم الثقة. وهو ما يجعل الحملة ليست صحفية إعلامية، بقدر ما هي تخريبية وتشكيكية مدمرة وهدامة. والسؤال: لماذا؟ توزعت التحاليل بين من اعتبرها ردّة فعل من قدرة المغرب على تحقيق حصانة واستقلالية لمواقفه وقراراته السيادية والاستراتيجية: اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية ودبلوماسية، والقطع مع الاستعمار الحديث في إطار مخلفات التبعية لفرنسا. وأصبح بذكاء وسواعد موارده البشرية – بدءًا من ملكه – دولة صاعدة، والمغرب نِدًّا شرسًا، وقوة إقليمية قادرة على التنافس الشريف وحتى الصراع إن لزم الأمر. وتغلغل المغرب الاقتصادي في أفريقيا، وكسبه ثقة النخب والشعوب الأفريقية، واهتمام القوى العظمى والكبرى الدولية: أمريكا، بريطانيا، روسيا والصين... ونجاح المغرب المبهر في مزاحمة فرنسا التي انكمش دورها ونفوذها في أفريقيا. وفي قدرته على صناعة الحلول بيديه، بعيدًا عن الخضوع والوقوع ضحية للابتزاز، فنوّع علاقاته مع القوى الكبرى في إطار توازن بين المكاسب والعوائد، وبعيدًا عن حجر ووصاية الحليف والأحلاف التقليدية، وتمكّن من ترسيخ حقوقه ومطالبه في ملف وحدته الترابية. الأمر الذي جعل فرنسا تطلب وَدَّ وشراكة وتعاون المغرب لحماية مصالحها في أفريقيا مكرهةً ومجبَرةً وغير مختارة. وهذا التحليل يربط – من حيث يدري أو لا يدري – مقالات وحلقات "لوموند" مع توجه دفين وسري، ورغبة غير معلنة للدولة الفرنسية ودولتها الإدارية والعميقة ومخابراتها!؟ الأمر الذي يجعل التحليل يُرَتِّب الخطاب الفرنسي مزيفًا لأنه غير مطابق للحقيقة؟ وهنا يجب الحيطة والحذر الشديد! فهناك ما لا يُقال ولكن يُؤسَّس عليه! وتحليل آخر يصف كتّاب المقالات بالمرتزقة، وبأنهم ألفوا واعتادوا على نظير هذه المقالات، وتمت الإشارة إلى حالات وسوابق مع مصر ومع حزب الله. وإن كان الأمر على ذلك النحو وعلى ذلك المنوال، فإن تكييف حجة المقال وتفكيكه للاطلاع على غاياته وكشف مراميه ومعاينة خلفياته، تجعله غير مؤثر في النتيجة؛ ما دام نظامنا ملكي، وتوريث السلطة طبيعي وعادي وليس نشازًا، كما في حالة مصر عندما تحدث كتّاب نفس مقال "لوموند" الحالي عن رغبة النظام السابق لحسني مبارك في توريث السلطة لنجله جمال مبارك. ومن ثمَّ غياب مضمون مثير ودال وعميق في المقال الحالي. ويبقى مضمون المقال في إثارة هلع وخوف الشعب المغربي. فإنه وتبعًا لردة فعل المغاربة، فإن صاحبه نال القرف والقزمية؛ لأنه حقق نتائج عكسية من خلال إظهار الشعب المغربي – بدءًا من نخبه وشعبه – حبه للملك وولي عهده، ودفاعه عنهما بدون طلب، ومؤازرتهما دون تردد، وتضامنه معهما بدون شروط ولا قيود. ويبقى المقال حجة على كاتبه: أنه يفتقد للمصداقية وشرف مهنة الصحافة، وأنه مرتزق ومأجور. وهي التهمة التي سبق للقضاء الفرنسي أن أكّدها ضد صحفيين فرنسيين بشكاية من جلالة الملك. واقتدت "لوموند" بسلوك وتصرف المدانين. ويبقى المقال محفّزًا لسد الذرائع والمزيد من الحيطة والحذر. ويبقى المقال محفّزًا أكثر لالتحام أوثق بين الملك والشعب، في إطار الملك المواطن والشعب المواطن والمؤسسات المواطنة.