عندما خاض رئيس الحكومة غمار حوار صريح، لم يكن الرجل يسعى إلى تصفيق الجماهير ولا إلى تلميع صورته، بل قدّم للمغاربة حصيلة عملٍ لم تُكتَب في الكواليس، بل صُنِعَت في ميادين التحديات القاسية وتحت وطأة إكراهات غير مسبوقة. تحدث بجرعة وافية من الهدوء والعفوية، مُظهراً ملامح رجل يلمُّ بدقائق الملفات التي يديرها، ويُكنُّ يقيناً راسخاً في قدرته على الوفاء بالتزاماته. المفارقة أن بعض الأصوات التي ألفت نسج السرديات المتشائمة، لم تكف عن التهوين والتشكيك، وكأن أبصارها لا ترى إلا نصف الكأس الفارغ. نفس الوجوه التي برعت في العزف على وتر "غياب التواصل"، وجدت نفسها أمام رئيس حكومة يخاطب الشعب بخطاب مباشر، بلغة الأرقام والوقائع الثابتة، لا بالشعارات الفضفاضة. الأولويات التي أعلنها الرجل في السنة الأخيرة من ولايته ليست شعارات حزبية ضيقة، بل هي رهانات وطنية ومجتمعية: إتمام تنزيل الإصلاحات الهيكلية، مجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، والحفاظ على زخم المشاريع الكبرى التي تعزز مكانة المغرب إقليمياً ودولياً. هذه ليست عناوين جوفاء للاستهلاك الإعلامي العابر، بل هي التزامات حملتها الحكومة على عاتقها منذ البداية، وتسعى الآن إلى إكمالها بنفس الجدية والكفاءة التي تحدثت عنها. من السهل أن تُكتب منشورات ساخرة، أو أن تُقتطع عبارات من سياقها لتبنى عليها خطابات تشويهية. لكن من العسير إنكار حجم الأوراش التي فُتحت، أو تجاهل حقيقة أن الاعتراف بالإنجاز لا يتناقض مع النقد البناء، بل يعني ببساطة: إعطاء كل ذي حق حقه. أما من لا يزال يتلمس الهفوات الوهمية ليشيد عليها اتهاماته، فإن الحوار الأخير لرئيس الحكومة كان الجواب الأجلى: صوت واثق، إنجازات ملموسة، وإرادة سياسية تواصل المسير رغم الضجيج.