دعا نعيم قاسم، الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية، المملكة العربية السعودية، اليوم الجمعة، إلى "فتح صفحة جديدة" في العلاقات، وتجاوز الخلافات السياسية التي استمرت لسنوات، من أجل تشكيل جبهة إقليمية موحدة في مواجهة إسرائيل. تأتي هذه الدعوة في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط تحولات كبرى، بعد عام من المواجهات العسكرية بين ميلشيات الحزب وإسرائيل، ومقتل الأمين العام السابق حسن نصر الله في الغارات الإسرائيلية. وقال قاسم، في خطاب متلفز، إن على القوى الإقليمية أن تعتبر إسرائيل "التهديد الرئيسي للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط"، مؤكدا أن سلاح الحزب موجه ضد إسرائيل فقط، "وليس ضد لبنان أو السعودية أو أي دولة أخرى". وأضاف: "الحوار مع السعودية سيجمد الخلافات التي مرت في الماضي، على الأقل في هذه المرحلة الاستثنائية، من أجل أن نتوجه لمواجهة إسرائيل ولجمها". ورأى أن الضغط الخارجي لنزع سلاح الحزب يصبّ في مصلحة إسرائيل حصرا، معتبرا أن ذلك يمثل "ربحا صافيا لها". وتصنف السعودية ودول خليجية أخرى حزب الله منظمة إرهابية منذ عام 2016، كما دعمت، خلال الأشهر الأخيرة، ضغوطا دولية وأميركية على الحكومة اللبنانية من أجل نزع سلاح الحزب، الذي تعرض لضربة كبيرة خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل. تاريخيا، لعبت المملكة دورا مهما في لبنان؛ إذ أنفقت مليارات الدولارات لدعم اقتصاده، وأودعت أموالا في البنك المركزي، وساهمت في إعادة إعمار الجنوب بعد حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل. غير أن نفوذ ميلشيات الحزب تعاظم في الداخل اللبناني وفي المنطقة بفضل الدعم الإيراني، ما أدى إلى توترات متزايدة مع الرياض. العلاقات بلغت أدنى مستوياتها في عام 2021 حين طردت السعودية السفير اللبناني واستدعت مبعوثها، إلى جانب فرض حظر على الواردات اللبنانية. وأكدت حينها بيانات رسمية سعودية أن حزب الله يسيطر على القرار السياسي في بيروت. في المقابل، شن حسن نصر الله، الأمين العام السابق للحزب، هجوما متكررا على القيادة السعودية، اعتمد فيه على الشتائم ضد القيادة السعودية، منتقدا دور المملكة في حرب اليمن. لكن التطورات الأخيرة أفرزت مشهدا إقليميا مختلفا؛ إذ تكبد حزب الله خسائر كبيرة خلال قصف إسرائيلي مكثف العام الماضي، أسفر عن مقتل نصر الله وعدد من قادة الصف الأول. كما فقد الحزب حليفه الأبرز في دمشق، بعد أن أطاحت المعارضة السورية بالرئيس بشار الأسد في ديسمبر 2024. ويرى محللون أنه في ظل هذه المتغيرات، يسعى الحزب، بقيادة نعيم قاسم، إلى إعادة التموضع السياسي إقليميا، وإيجاد مساحات للتقارب مع دول عربية، بينها السعودية، لمواجهة إسرائيل؛ إذ يعكس خطاب قاسم محاولة للانتقال من خطاب المواجهة مع بعض العواصم العربية إلى خطاب البحث عن تنسيق إقليمي أوسع، في وقت يتصاعد فيه الصراع مع إسرائيل التي وسعت عملياتها العسكرية لتشمل لبنان وغزة خلال العام الماضي. ورغم دعوة قاسم إلى "تصفية العلاقات" مع السعودية، لم يصدر حتى الآن أي رد رسمي من الرياض على تصريحاته. غير أن مراقبين يعتبرون أن استجابة المملكة لمثل هذه الدعوات مرهونة بمواقف الحزب العملية، خصوصا ما يتعلق بدوره العسكري في لبنان والمنطقة، ومدى التزامه بوقف أي أنشطة قد يُنظر إليها أنها تهديد مباشر للأمن الخليجي. ويرى محللون أن دعوة حزب الله لفتح صفحة جديدة مع السعودية تعكس إدراكه للتحولات الإقليمية والدولية، خصوصا مع تراجع الدعم الإيراني نتيجة الضغوط الاقتصادية والسياسية على طهران، واشتداد الضغوط الغربية على الحزب بعد الحرب الأخيرة. لكنهم يشيرون أيضا إلى أن بناء جبهة إقليمية موحدة ضد إسرائيل سيظل رهنا بحسابات معقدة، تتداخل فيها المصالح الوطنية والسياسات الدولية.