الخروج من فم الثعبان ربع قرن في سجون الجزائر البوليساريو ملحمة إدريس الزايدي ربع قرن في سجون الجزائر البوليساريو ملحمة إدريس الزايدي في يوم مشهود مازال في الذاكرة سمعنا بوقف إطلاق النار.يا له من خبر نزل علينا.دار بيننا نقاش نحن الأسرى، لكننا أبدينا تحفظا لأننا نعرف طبيعة التفكير الجزائري.وبعد هذا الحدث مباشرة وقعت هزة سياسية في الجزائر تمثلت في فوز مدوي لجبهة الإنقاذ الإسلامية.وصل الصدى إلى المخيمات وإلى قياديي الجبهة.ولعبا منهم على الموضة الجديدة قرروا بناء المساجد في المخيمات. الله أكبر، القوم تأسلموا.قالت الأعراب آمنا. ومن المضحكات المبكيات أن زعيم الأرهابيين محمد عبد العزيز أسدل اللحية فبدا مسيلمة زمانه.كنت أحدث العجينة عبد الرحيم في الموضوع ونضحك بأسى من هذا النفاق، سيما عندما قسمونا إلى مجموعات لبناء المساجد في المخيمات.كان خوفهم شديدا من تغير في السياسة الجزائرية الرسمية تجاههم بصعود الجبهة إلى الحكم.لكننا سنفاجأ قريبا بانقلاب على هذا التنظيم السياسي وإعلان الرئيس الشاذلي بن جديد استقالته أمام ضغط شديدة للعسكر في البليدة،وقد وقع الشاذلي استقالته تحت فوهات البنادق وقد كاد المدعو الليوتنان بومعراك أن يصفيه فعلا، وهذا الأخير هو من قتل الراحل بوضياف.انتهت اللعبة ومعها تراجع المرتزقة عن تشييد بيوت الله وفرحوا كثيرا لما حدث للإسلاميين.وفي الأثناء سمعنا أن رئيسا جديدا للجزائر قدم من المغرب اسمه محمد بوضياف. وداعا بوضياف..وداعا الحسين الطويل قدوم بوضياف شكل صدمة للبوليساريو،لأن الرجل آت من المغرب.وفي الشهور القليلة التي حكم فيها بوضياف لاحظنا تناقص حادا للدعم القادم من الجزائر إلى المخيمات.لاحظوا أنني أكثر الحديث إلى خداد،المغربي الأصل، فكان أن رحلوني ضمن مجموعة أخرى كان فيها الطاهر بن ابراهيم، حسين الطويل وبوراس وعبد الله وفضلي، إلى "البير لحلو".قبل الوصول إلى هناك قضينا ليلة في الهواء الطلق بالمركز الخلفي وشددوا المراقبة علينا.وفي اليوم الموالي وصلنا إلى البير لحلو وبدأنا في بناء مقر لقائد الناحية، عبد الله ولد الحبيب، من سكان تندوف،على الحدود مع الجزائر.كان المشرف على البناء نافع وهو تندوفي أصلي، والناحية الخامسة، للتذكير، كلها من المرتزقة من أزواد والطوارق تحديدا.رأينا عناصر المينورسو من بعيد.لم يكن يسمح لنا بالاقتراب منهم.كنا نرى الطائرات التابعة للأمم المتحدة. قضيت شهرا من العمل بشكل عادي، لكني ادعيت الإصابة بمرض الرئة، جرحت أصبعي وصرت أخلط الدم بلعابي وأبصق.خشوا على أنفسهم من العدوى فأتوني بالطبيب بعد أن يئسوا من تعنيفي وعقابي.كتب نافع تقريرا لقائد الناحية ليسأله كيف يتعاملون معي، فكان رأي القائد أن يضربوني أكثر وأنه لا يمكن قتلي لحساسية الوضع آنداك، فجاءني قائد الناحية وضربي بالكرباج ضربا شديدا علي أقوم للعمل لكني صمدت.كان رأي زملائي أن أكمل ما بدأته فقررت الإضراب عن الأكل نهارا،وفي الليل أقتات على ما يأتيني به إخوتي الأسرى.قضيت سنة على هذا الحال، وكنت أتحدى المرتزقة في إصرار.في النهاية كانوا سيقتلونني وبالتالي أستشهد.ولا شيء أعز من الشهادة. كان الحسين الطويل مكلفا بإعداد الخبز لهم،وقد كان رحمه الله يأتيني خفية بالقوت، لكن اللقطاء فطنوا به وأخبروا الزبانية وعلى رأسهم قائد المركز.عذبوا الحسين كثيرا وتلقى ضربات على مستوى الصدر فأصيب بمرض خطير كان ينزف الدماء من فرطه.في اليوم الموالي جاؤوا إلي على متن ثلاث سيارات وأخذوني للقفار بعيدا عن المخيم. أديت الشهادة تحسبا للقاء ربي.خيروني بين العمل والموت.كان ردي أني مريض.أوقفوني أمامهم وصاروا يهددوني بالرصاص قرب رأسي ورجلي.أعادوني مساء إلى المخيم مكتوف الأيدي.نقلوني للرابوني وبت في العراء وحيدا مكبلا.في الصباح ناولوني طعاما وأطلقوا وثاقي ثم أخذوني لمديرية الأمن.تقدم مني الجلادان الميلودي وحما ولد مالو، سألوا المسؤول عني فأخبرهم بوضعي الصحي الحرج فأمروه بنقلي مجددا إلى المعتقل. بالقرب من الميخم كانت سيارة جيب متوقفة هناك أياما فخطط بعض الأسرى الهرب على متنها.تسلقوا الأسوار لكن السيارة لم تشتغل فعادوا.لكن الحراس وجدوا آثارا على الحائط. من حاولوا الفرار أقروا بما فعلوا، تجنيبا لبقية الأسرى من التعذيب، فكان نصيبهم عذابا لا تصفه الكلمات. أعود للحسين الطويل، فقد قرروا استضافة أفراد المينورسو في البير لحلو.ذبحوا الخرفان ونصبوا الخيام. ألبسوا الحسين زيا عسكريا جزائريا وكلفوه بإعداد الشواء للضيوف، وهددوه بأن لا يتحدث إلى أفراد المينورسو ويكشف لهم أنه أسير. في الخيام رأينا عددا من الفتيات اللواتي أستقدموهن من إسبانيا لمثل هذه الأغراض.كان ضمن بعثة "المينورسو" مصري، عرف الحسين أن الرجل من أرض الكنانة.باح له الحسن بالحقيقة، لكن المصري واجه البوليساريو بوضع الرجل الأسير.قالوا لمسؤول المنورسو لا عليك وضربوا لأخينا الحسين موعدا مع الموت بعد رحيل الضيوف.قيدوه مثل بعير وانهالت عليه العصي والقراطين ليل نهار. أربعون يوما من العذاب مرت وكانت كافية ليوقنوا أن الرجل سيموت لا محالة فأخذوه للرابوني، وشاءت الأقدار أن ينام الحسين إلى جانبي ويحدثني بما أرويه لكم.ومن الرابوني حملوا الحسين إلى "واد الما" حيث يوجد مستشفى للأمراض الصدرية.هناك مات الحسين ذات ليلة جمعة.كنت آخر من تحدث إليهم.اجتمعنا ليلا وصلينا على أخينا صلاة الغائب ودعونا له بالمغفرة. [email protected] mailto:[email protected]