الجزائر تبرر التصويت على قرار أمريكا        عطل مفاجئ يربك خدمات الإنترنت في العالم والمغرب    الجيل الذهبي – أفضل 5 مواهب مغربية تلاحقها الأندية الأوروبية    المعارضة النيابية تنسق من أجل تشكيل لجنة تقصي الحقائق في اقتناء الأدوية    الناظور .. ندوة دولية تصدر "إعلان الناظور للسلام والعدالة الانتقالية"    الملك يتوصل بتهنئة رئيس الإمارات    أكادير تدشن مركز قيادة وتنسيق أمني متطور في الذكرى 70 للاستقلال    انهيار منزل "آيل للسقوط" بطنجة وإصابة شخصين    طرح 20% من أسهم "الشركة العامة للأشغال بالمغرب" في البورصة بهدف جمع 5.04 مليار درهم    المنظمون يوقفون بيع تذاكر كأس العرب    عمر هلال يترأس المؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وباقي أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط    جرد ببعض ما اكتشفه في الكهف الحاضر القديم    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    مصطفى القاسمي: الفلاحون الصغار يحتضرون ولقمة عيشهم مرتبطة بالعمل لدى كبار الفلاحين    ترويج مخدرات يوقف ثلاثينيا بالناظور    القصر الكبير.. مصرع شخص في حادث سير والسائق في حالة فرار    الإعلان عن الفائزين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في دورتها ال23 بالرباط    الشعب المغربي يحتفل غدا الأربعاء بذكرى ميلاد الأميرة للا حسناء    الماء والبنية التحتية..محور مباحثات بين وزير التجهيز والماء وسفيرة الصين    ترحيب فلسطيني باعتماد "خطة غزة"    مروحيات جديدة تعزز قدرات البحث والإنقاذ القتالي لدى القوات المغربية    "بي دي إس" تدعو المغرب إلى الانسحاب فورا من ندوة لجيش الاحتلال وترى في مشاركته خرقا للالتزامات الدولية    خفض المساعدات الأمريكية والأوروبية قد يتسبب ب22,6 مليون حالة وفاة بحسب دراسة    "لبؤات الفوتسال" يتدربن في الفلبين    ألمانيا تسجّل 930 جريمة إسلاموفوبيا خلال 9 أشهر من العام 2025    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    فيدرالية اليسار بمكناس تُحمّل المجلس الجماعي المسؤولية في تفاقم أزمة النقل الحضري    كيوسك الثلاثاء | البنك الدولي يؤكد إمكانات المغرب كقوة رائدة في الاقتصاد الأزرق    اتحاد طنجة يُنهي ارتباطه بالمدرب هلال الطير    للمرة الثانية تواليا.. حكيمي يتوج بجائزة الأسد الذهبي 2025    الذهب يواصل انخفاضه متأثرا بصعود الدولار    الأمم المتحدة.. مجلس الأمن يصوت لإحداث قوة استقرار دولية في غزة    حجيرة: طاقات تصديرية "غير مستغلة"    جمارك ميناء طنجة المتوسط تحبط محاولة تهريب الذهب    بحضور الوزير بنسعيد... تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة وحجب جائزة الكاريكاتير    مزور: المغرب بلغ أكثر من 50 في المائة من رقم معاملات الصناعات المتطورة    برمجة 5 ملايين هكتار للزراعات الخريفية    دار الشعر بمراكش .. الموسم التاسع لورشات الكتابة الشعرية للأطفال واليافعين    سجلماسة.. مدينة ذهبية تعود إلى الواجهة رغم لغز أطلالها الصحراوية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    الموقع الهولندي المتخصص "فوتبولزون": المغرب "يهيمن" على القوائم النهائية للمرشحين ل"جوائز كاف 2025″    الجيش الملكي يعلن استقبال الأهلي المصري بملعب مولاي الحسن    الأعياد ‬المجيدة ‬تنبعث ‬في ‬الصيغة ‬الجديدة    الإذاعة والتلفزة تُقرّب الجيل الصاعد من كواليس عملها في التغطية الإخبارية للأحداث الكبرى    دعم الحبوب… "أرباب المخابز": تصريحات لقجع "غير دقيقة ومجانبة للصواب"    الطالبي العلمي يترأس الوفد البرلماني في أشغال المؤتمر 47 والدورة 84 للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الإفريقي    التواصل في الفضاء العمومي    تشكيلنا المغربي..    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوروبا خارج التاريخ
نشر في هسبريس يوم 25 - 01 - 2010

مع بداية التسعينات طرح المفكر الأمريكي فرانسيس فويوكاما نظرية سماها ب " نهاية التاريخ " موضحا أن المرحلة التي نجتازها لا تمثل نهاية الحرب الباردة وإنما انتصار للقيم الليبرالية الغربية التي تجسدها أمريكا،وأن نهاية التاريخ تدل في الأساس على نهاية الأفكار الإيديولوجية . ما كان يقصده هو في الأصل نهاية الاشتراكية والشيوعية التي كانت تتزعمها الاتحاد السوفياتي و ما يدور في فلكها. (نهاية التاريخ والإنسان الأخير 1992).
إن تزامن انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي أدى إلى تغير النظرة للعالم وانهيار القيم والمبادئ التي شيد ت من اجلها الأمم المتحدة فلم يعد صراع شرق /غرب قائما، بل أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية سيدة العالم، فنسجت على مقاسها نظام عالمي جديد يتماشى وتصورها للعالم ، كما تمكنت من توسيع رقعة النموذج الرأسمالي الأمريكي فارضة إياه إما بالقوة أو عبر إملاء اتفاقات تجارية تخدم مصالحها. هذه الهيمنة لم تدفع بالاتحاد الأوربي بالتحرك ظنا منه أن النموذج الأمريكي جزء من ثقافته السياسية العامة.
فسيادة القطب الواحد وانفراد أمريكا بالمبادرات سواء السياسية أو الاقتصادية باعتبارها القوة الوحيدة في العالم خول لها تجاوز الأعراف والمواثيق الدولية ، فأضحت الآمر والناهي في كل القضايا العالمية ، فارضة على مجلس الأمن إصدار القرارات في حق الدول التي تراها مارقة أي الدول التي لا تساير أطروحاتها وتصوراتها تجاه القضايا التي تهمها . فأصبح هذا المجلس مجرد مكتب تابع لوزارة الخارجية الأمريكية لا يتحرك إلا بقرار من هاته الأخيرة. مع هذا التحول برزت مفاهيم جديدة مثل العولمة واقتصاد السوق و التجارة الحرة ونظام دولي جديد ............. جعل العديد من القوى العالمية تنكمش وتخرج من التاريخ وأخذت تنفد التعاليم الأمريكية بامتياز. وخير نموذج لهذه التبعية العديد من الدول الأوربية ، هذا الانكماش وهذه التبعية لم تكن متوقعة، بل كان يعتقد العديد من المراقبين والباحثين الاستراتيجيين أن الاتحاد الأوربي هو المؤهل عالميا ومرحليا لمنافسة الولايات المتحدة الأمريكية على مستوى الاقتصاد وحتى على المستوى السياسي لأنه تكتل وتوسع على حساب أوربا الشرقية وبنى اقتصادا موحدا وتجلى ذلك في توحيدها للعملة ماعدا بريطانيا التي فضلت الإبقاء على عملتها.
غير أنه مع مرور السنوات اتضح أن الاتحاد الأوربي لم يستطع مسايرة التحدي و المساهمة في فرض رؤيته للعالم لبناء نظام عالمي جديد يتماشى وطموحاته الذاتية ويفرض تصورات ترد له الاعتبار. وهذا ما يجرنا للتساؤل عن العوامل التي تحول دون ذلك ، وأين هي تجليات خروج أوربا من التاريخ ؟ وما السبيل لرد الاعتبار ؟ وما هي المواقف التي تجب اتخاذها حتى تتسرجع نفوذها الجيوسياسي؟
لقد طفا على السطح الوجه القبيح للامبريالية الأمريكية وتجلى ذلك خلال سنوات التسعينيات من القرن الماضي حيث شنت حربا على العراق، ويوغوسلافيا، ومع بداية القرن الحالي غزت أفغانستان واجتاحت العراق واحتلته دون أي سند أو مبرر قانوني معتمدة في ذلك على معلومات استخباراتية مغلوطة .
كانت أولى بدايات انسحاب أوربا من المسرح العالمي تتجلى في عدم قدرتها على النطق ببنت شفة لتندد أو تعارض ما قامت به أمريكا، بل باركته و شاركت في الغزو من خلال القوات البريطانية ، فالرجل المدلل توني بلير آنذاك شارك في جريمة الحرب التي ارتكبتها أمريكا ولم يتوان ولو ثانية لعدم مناصرتها ، بل كان الداعم الرئيس لكل الخطوات التي اتخذها جورج بوش الابن في العراق وأفغانستان، وقد كان بفضل موهبت البلاغية يبرر ويفسر ما يفعله بوش أفضل من الرئيس الأمريكي نفسه.
إن الحديث عن نهاية الاتحاد الأوربي أو القول بالاحتضار البطيء تثبته العديد من القضايا التي لم تتمكن من فرض رؤيتها و العمل على انتزاع مواقف ترد الاعتبار لهيبتها وتحفظ ماء وجهها ، أهم هذه القضايا التي تبدو للعيان منها الإقصاء التام من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إذ لم يعد لها دور في الأحداث التي تشهدها المناطق الشرق أوسطية ولم تتمكن من اتخاذ مواقف تعبر عنها بكل جرأة وتجرد من التبعية للولايات المتحدة الأمريكية، وتعمل على استصدار قرار من الأمم المتحدة يضع حدا للتجاوزات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، والدليل على ذلك الهجمة الشرسة التي شنها الكيان الصهيوني السنة الماضية على غزة حيث لم تستطع التنديد بها أو الوقوف ضدها بل سايرت الطروحات الأمريكية، وآخرها على مستوى القضية الفلسطينية تراجعها عن موقفها من القدس الشرقية كعاصمة لفلسطين بناء على التهديد الذي أطلقته إسرائيل اتجاهها . فهل يعقل لاتحاد يضم أقوى الدول الأوربية أن يتخلى عن موقف بمجرد تهديد له من طرف كيان صغير غاصب ومحتل لأرض؟
هذا على الصعيد السياسي، أما على الصعيد الاقتصادي فالخسائر تتراكم:
لم تتمكن شركات دول الاتحاد الأوروبي من الفوز بالمشاريع التي أعلنت على المستوى العالمي، تتجلى في انتزاع شركة كورية لمشروع بناء المركز النووي لابوظبي رغم الطموح الذي راود الفرنسيين للظفر به ، إضافة لاستحواذ شركة صينية على شركة فولفو ، وسيطرة مقاولة صينية أخرى على الطريق السيار ببولونيا مما وضع الشركات الأوربية في موقف لا تحسد عنه خصوصا وأن الاتحاد الأوربي بصفة عامة يمر من أزمة اقتصادية خانقة على جميع الصعد .
الطبعة الأخيرة لهذه التراجعات جرت في الدانمارك، حين فشل الاتحاد الأوروبي في فرض رؤيته في قمة كوبنهاكن بصدد التغيرات المناخية، لقد شدد ساركوزي أكثر من مرة على وضع ميثاق يحترمه الجميع لإنقاذ كوكبنا من الكارثة، غير أن الصين والولايات المتحدة الأمريكية لم تتنازلا عن موقفيهما، فأبعدا الاتحاد الأوربي من المفاوضات أثناء القمة مما اعتبر من طرف المراقبين نكسة للاتحاد وإقصاء ممنهجا له من القضايا الدولية . هذا الإقصاء أبان عن وهن أوربا في حين أثبت أن الصين والولايات المتحدة الأمريكية تمثلان قوتين اقتصاديتين ، كل واحدة تريد إبراز عضلاتها ضد الأخرى ، وهذا ما تنبأ له سنة 2007 المؤرخ الأمريكي نيال فيرڭيسون الذي يدرس بجامعة هارفارد حينما صاغ مصطلح صيمريكا إذ كان يقصد به تحالف صيني أمريكي ، غير أن الصين لا ترغب في هذا التحالف لان لديها إستراتيجيتها الخاصة تجاه العالم وقد أكد ذلك وزيرها الأول وين جياباو في ماي من سنة 2009 حينما صرح أن مفهوم 2Ġ فكرة "خاطئة ولا أساس لها من الصحة " ، فهو يفضل عالم " متعدد الأقطاب " G20، هذا الموقف نابع من إحساسه بتفوق بلده اقتصاديا على أمريكا .
إن التموقع الذي تطمح له الصين وتفرضه على العالم ضد الولايات المتحدة الأمريكية لم يدفع الاتحاد الأوربي بالتحرك والتفكير في البحث عن إستراتيجية بديلة تمكنه من خلخلة المفاهيم الجيو إستراتيجية والجيو سياسية ليضع قدما ويحدد موقعا على المستوى الدولي في ظل التحول الذي يشهده العالم، ويعمل على بناء قوة اقتصادية تميزه وتضعه في قلب الحركية التي يسير بها العالم ويبحث عن مكامن الضعف التي شلت حركته حتى يصبح قطبا منافسا للدول العظمى، هذا الوضع المزري التي يعرفه الاتحاد الأوربي دفع بالكاتب والصحفي والمستشار السابق بقصر الإيليزي في عهد ميتران جاك أتالي للقول بأن أوربا " إذا لم تع بالخطر وإذا لم تتوحد حول قوة إرادة العمل وابتكار طرق جديدة للإنتاج وكذلك العيش الجماعي، فإنها إلى النهاية وإلى الأبد ....... " عن مجلة اكسبريس 07/01/2010.
إن الاتحاد الأوربي مطالب اليوم بترميم وتجميع صفوفه وذلك بطرح نقاش واضح وشفاف للإجابة عن أسئلة مرتبطة بأسباب خروجه من المسرح العالمي، عوض نقاش مسألة الهوية وفوبيا الإسلام ، ويعمل على تجديد قوته الاقتصادية والسياسية ، ليعيد بناء نظام دولي جديد يحترم الشرعية الدولية ، ويصبح قطبا له مكانته ويحتل الصدارة على مستوى اتخاذ القرارات لا أن تمنح له تلك الصورة الكاريكاتورية مثل وجوده في الرباعية المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وهذا لن يتأتى إلا بتجديد الوعي الجماهيري الأوربي الذي لم تعد له سلطة في تغيير دواليب الحكم بحكم التأثير الإعلامي الذي سيطرت عليه لوبيات تتمترس إلى جانب الحاكم للحفاظ على مصالحها الاقتصادية، هذا الإعلام استطاع أن يغير من نمط تفكير الإنسان الأوربي وينساق وراء الادعاءات حول بعض التيمات كالهجرة والإسلام ويرفض التصويت لصالح الأحزاب التي تدافع عن القضايا الكبرى للبلاد مثل الديمقراطية والحرية والحق في العيش والحق في الهجرة . هذه المفاهيم لم يعد الإنسان الأوربي يتقبلها ويستوعبها بحكم غسل أدمغته من قبل الإعلام المتصهين، رغم وجود بعض الأحرار الذين يحملون مشعل النضال ضد أوربا المتصهينة أمثال جورج ڭالوي وغيره، هؤلاء الأحرار من سيضعون أوربا على السكة الصحيحة مستقبلا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.